مساجد الله

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2024-11-15 - 1446/05/13 2024-12-03 - 1446/06/01
عناصر الخطبة
1/قصة بناء مسجد الرسول 2/مكانة المساجد في الإسلام 3/حقيقة عمارة المساجد 4/الحث على العناية ببيوت الله وتعظيمها

اقتباس

مُساجِدُ أُسِّسَتْ على التَّقْوَى، وكُلُّ مَسْجِدٍ أُسِّسَ على التَّقُوَى فَبِنَاؤُهُ مِنْ أَكْرَمِ القُرُبات، المَساجِدُ بُيُوتُ اللهِ، وأَشْرَفُ البُيُوتِ ما نُسِبَ إِلى الله، فَهِيَ مَحَلُّ تَوْحِيْدِ اللهِ وإفْرادِهِ بالعِبادَة؛ (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].

 

أَيُّها المُسْلِمُون: إِلى دَارِ الأَمَانِ، دَارِ الهِجْرَةِ، دَارِ الأَنْصَار، يَتَوافَدُ المُهَاجِرُونَ تِباعاً، رَاجِلٌ وَرَاكِبٌ ورَدِيْف، قَادِمِيْنَ مِنْ مَكَةَ إِلى المَدِيْنَةِ فِراراً إِلى اللهِ بِدِيْنِهِم، مُخَلِّفِيْنَ وراءَهُم دِياراً وأَمْوالاً وَمَراتِعَ صِبا؛ (أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)[الحشر: 8].

 

وفي المَدِيْنَةِ -دارِ الهِجْرَةِ- أُسِّسَ للإِسْلامِ دَوْلَةٌ، وأُنْشِأَ للمُسْلِمِيْنَ وَطَن، وفي خَبَرِ مَقْدَمِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلى المَدِينَةِ مُهاجِراً، قَالَ أَنَسٌ -رَضي الله عنه-: "نَزَلَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أعْلَى المَدِينَةِ في حَيٍّ يُقَالُ لهمْ بَنُو عَمْرِو بنِ عَوْفٍ، فأقَامَ فيهم أرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أرْسَلَ إلى بَنِي النَّجَّارِ، فَجَاؤُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- علَى رَاحِلَتِهِ، وأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ، ومَلَأُ بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حتَّى ألْقَى رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- رَحْلَهُ بفِنَاءِ أَبِي أيُّوبَ الأَنْصارِيِّ  -رضي الله عنه-، وكانَ -صلى الله عليه وسلم- يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ... وأنَّهُ أَمَرَ ببِنَاءِ المَسْجِدِ، فأرْسَلَ إلى مَلَإٍ مِن بَنِي النَّجَّارِ فَقالَ: "يا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بحَائِطِكُمْ هذا"، أَيْ: أَخْبِرُونِيْ بِثَمَنِهِ لأَشْتَرِيْهِ مِنْكُم لِأُقِيْمَ عليهِ مَسْجِداً، قَالوا: "لا، وَاللَّهِ -يا رَسولَ الله- لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إلَّا إِلى اللَّهِ"، قالَ أنَسٌ: فَكَانَ فِيْهِ مَا أقُولُ لَكُمْ، قُبُورُ المُشْرِكِينَ، وفيهِ خَرِبٌ، وفيهِ نَخْلٌ، فأمَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بقُبُورِ المُشْرِكِينَ فَنُبِشَتْ، ثُمَّ بِالـخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وبِالنَّخْلِ فَقُطِعَ، فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ المَسْجِدِ، وجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ -أَيْ جانِبَيْهِ- الحِجَارَةَ، وجَعَلُوا يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وهُمْ يَرْتَجِزُونَ، والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- معهُمْ -أَيْ يُشارِكُهُم العَمَل- وهو يقولُ: "اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إلَّا خَيْرُ الآخِرَة فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ والمُهَاجِرَة"(متفق عليه).

 

إِنَّهُ أَوَّلُ بِناءٍ شُيِّدَ في دَارِ الهِجْرَةِ، وأَوَلُ صَرْحٍ أُقِيْمَ فيها، مَسْجِدٌ تُقَامُ فيهِ الصَلاةُ ويَقُومُ فيه المُتَعَبِّدُون، مَسْجِدٌ تُقَامُ فيه الصَلاةُ ويَتَحَلَّقُ فيهِ المَتَعَلِّمُون، مَسْجِدٌ تُقَامُ فيه الصَلاةُ ويلْتَقِيْ فيهِ المُؤْمِنُون.

 

وأَشْرَفُ البُيُوتِ بُيُوتُ اللهِ وفي الحَدِيْثِ: "أَحَبُّ البِلادِ إِلى اللهِ مَسَاجِدُهَا"(رواه مسلم)، شُيِّدَ المَسْجِدُ في دَار الهِجْرَةِ، بَناهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وبَناهُ مَعَهُ الصَّحْبُ الكِرام.

 

أَشْرَفُ مَسْجِدَيْنِ وُضِعَا في الأَرْضِ بَناهُما النَّبِيُّون، فَهذا مَسْجِدُ المَدِيْنَةِ بَناهُ محمدٌ -صلى الله عليه وسلم-، والمَسْجِدُ الحَرامُ بِمَكَّةَ بَناهُ مِنْ قَبْلُ إِبراهيمُ -عليه السلام-، (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[البقرة: 127].

 

مُساجِدُ أُسِّسَتْ على التَّقْوَى، وكُلُّ مَسْجِدٍ أُسِّسَ على التَّقُوَى فَبِنَاؤُهُ مِنْ أَكْرَمِ القُرُبات، المَساجِدُ بُيُوتُ اللهِ، وأَشْرَفُ البُيُوتِ ما نُسِبَ إِلى الله، فَهِيَ مَحَلُّ تَوْحِيْدِ اللهِ وإفْرادِهِ بالعِبادَة؛ (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)[الجن: 18].

 

إِلى الْمَسَاجِدِ يأَوِيْ كُلُّ مُؤْمِن، وإِليها يَتَرَدَّدُ كُلُّ تَقِي، عِمارَةُ المَساجِدِ بِرَفْعِ صُرُوحِها وتَشْييدِ مَبانِيْها، وأَكْرَمُ عِمارَةٍ لَها يَكُونُ بِذِكْرِ اللهِ وإِقامَةِ الصَّلَواتِ فيها، فَما بُنِيَتِ المَساجِدُ إِلا لِذَلِك؛ (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)[النور: 36 - 37].

 

عُمَّارُ المَساجِدِ هُمْ رُوَّادُها، أَلِفُوا المَساجِدَ وتَعَلَّقُوا بِها، تَنْشَرِحُ صُدُورُهُم في جَنَبَاتِها، وتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم في رَحَبَاتِها؛ (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ)[التوبة: 18]، في السَّبْعَةِ الذِيْنَ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَومَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمسَاجِدِ"(متفق عليه).

 

في المَسَاجِدِ لِلْمُؤْمِنِ رَوْحٌ ورَاحَة، ولَهُ فيها مَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ ورَحَمات، مَضاعَفَةٌ للأُجَورِ، وتَكْفِيْرٌ للسَّيئِات، عَنْ أَبِيْ هُرِيْرَةَ -رَضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَن تَطَهَّرَ في بَيْتِه، ثُمَّ مَشَى إِلى بَيْتٍ مِنْ بُيُوْتِ اللهِ؛ لِيَقْضِيَ فَرِيْضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللهِ، كَانَتْ خُطُوَاتُه: إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيْئَةً، وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً"(رواه ومسلم)، "أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟"، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: "إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ"(رواه مسلم).

 

يُدْرِكُ هذا الفَضْلَ مَنْ آمَنَ بِمَوعُودِ اللهِ واحْتَسَب، يُسابِقُ في الخَيْرَاتِ، ويُسارِعُ في الصَالحاتِ، ولا يَتَثَاقَلُ عَن الصَلواتَ، يُلَبِّي النِداءَ إِلى الصَلاةِ على عَجَل، ولا يَرْضَى تَثَاقُلَ مَنْ لا خَلاقَ لَهُم، مَنْ عَظُمَ في القُرآنِ ذَمُّهُم؛ (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء: 142].

 

عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَنْ سَرَّه أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ على هَؤْلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنادَى بهنَّ -أَي في المَساجِدِ-، فَإنَّ اللهَ شرَعَ لنَبيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- سُننَ الهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَن الهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُم في بُيُوْتِكُمْ كَمَا يُصلِّي هَذَا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُم سُنَّةَ نَبِيِّكم، وَلَوْ تَرَكْتُم سُنَّةَ نبيِّكم لَضَلَلتُم"، ثُمَّ قَال -رضي الله عنه-: "وَلَقَدْ رَأَيْتُنا -يَعْنِيْ الصَّحَابَةَ في زَمَنَ رَسُول ِاللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا -أَيْ: عَنِ الصَلاةِ مَعَ الجَماعةِ- إلَّا مُنَافقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤتَى بِهِ يُهادَى بين الرَّجُلينِ حتى يُقامَ في الصفِّ -أَيْ: يُحْمَلُ لِشِدَّةِ مَرَضِهِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ؛ حِرْصاً مِنْهُ على شُهُودِ صَلاةِ الجَماعةَ"(رواه مسلم)، (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)[البقرة: 43].

 

بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً. 

 

أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: المَساجِدُ بُيُوتُ اللهِ، واللهُ يُكْرِمُ مَنْ إِلى بِيْتِهِ وَفَد، واللهُ يُكْرِمُ مَنْ يُبادِرُ إِلى الصَلَواتِ، يُسَخِّرُ اللهُ المَلائِكَةَ تَسْتَغْفِرُ لَهُ وتَتَرَحَّمُ عَلَيْه، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "المَلائِكَةُ تُصَلِّي علَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ في مُصَلّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، ولا يَزالُ أحَدُكُمْ في صَلاةٍ مَا دَامَتِ الصَّلاةُ تَحْبِسُهُ، لا يَمْنَعُهُ أنْ يَنْقَلِبَ إِلى أَهْلِهِ إلَّا الصَّلاةُ"(رواه البخاري ومسلم).

 

ولَمَّا كَانَتِ الصَلاةُ مِنْ أَعْظَمِ الفَرائِضِ، وَمِنْ آكَدِ أَرْكانِ الإِسْلام، وكَانَتِ المَساجِدُ مَحَلاً لإِقامَتِها، ومَحلاً لِذكْرِ اللهِ؛ كَانَتِ العِنايَةُ بالمَساجِدِ من أَفْضَلِ الأَعْمالِ، ومِنْ أَجَلِّ القُرُباتِ،  تُهَيأُ لِلْمُصَلِّيْنَ، تُطَهَّرُ مِنْ كُلِّ لَغْوٍ، وتُصَانُ مِنْ كُلِّ أَذَى، قَال اللهُ -عَزَّ وَجَل-: (وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[البقرة: 125]، (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)[الحج: 26]، قَالَ السَّعْدِيُّ -رَحمَهُ الله-: "(وَطَهِّرْ بَيْتِيَ) أَيْ: مِنَ الشِّرْكِ وَالمَعَاصِيْ، وَمِنْ الأَنْجَاسِ وَالأَدْنَاسِ"، ثُمَّ قَال: "وَيَدْخُلُ فِي تَطْهِيْرِهِ تَطْهِيْرُهُ مِنَ الأَصْوَاتِ اللاغِيَةِ وَالمُرْتَفِعَةِ التِيْ تُشَوِّشُ المُتَعَبِّدِيْن".

 

ويُدْرِكُ المُؤْمِنُ أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ أَو أَثَرٍ يُؤْذِيْ المُصَلِّيْنَ، أَو يُشَوِّشُ عَلِيْهِم عِبادَتُهُم، فإِنهُ إِثْمٌ وَوِزْرٌ يَلْحَقُ مَنْ اقْتَرَفَه.

 

ويَتأَكَدُ النَهْيُ عَنِ إِيذاءِ المُصَليْنَ بشَتَى أَنواعِ الأَذى، مِنْ رائِحَةٍ كَرِيْهَةٍ، أَو أَصْواتٍ مُزْعِجَةٍ، أَو تَصَرُّفاتٍ مُؤْذِيَة، وهَواتِفُ الجَوالِ بَرَنِيْنها ونَغَماتِها التي تَخْتَرِقُ أَجْواءَ السَّكِيْنَةِ، وتَعْبَثُ بِخُشُوعِ المُصَلِّيْن، يَقْتَرِفُ المُفَرِّطُ فيها إِثْماً مُبِيْناً.

 

والمَساجِدُ بُيُوتُ اللهِ، وأَكْرُمُ المُؤْمِنِيْنَ مَنْ أَحْسَنَ الأَدَبَ في بُيُوتِ اللهِ، هِي مأَوى للمُؤْمِنِيْنَ في كُلِّ وَقْتٍ، لا يُسْتَهانُ بِحُرْمَتِها، ولا يُسْتَخَفُّ بِقَدْرِها، ولا تُصَيَّرُ مَوْطِناً للنِّزاعِ والتَّخاصُمِ والشِّقاق.

 

والمَساجِدُ بُيُوتُ اللهِ، أَوْقَافٌ أُوقِفَتِ لله، لا يُعْتَدى عَلى مَرافِقِها، ولا يُجْتَرأُ على مَصَالحِها، ولا تُصَيَّرُ في غَيْرِ ما أُوقِفَتْ لَه؛ (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ)[الأعراف: 29].

 

المرفقات

مساجد الله.doc

مساجد الله.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات