عناصر الخطبة
1/ فضائل خُلق الأمانة 2/ خيانة الأمَانَة من علامات النفاق 3/ من مَجالات الأَمَانَة التي يَجِبُ القِيامُ بِحقِّها 4/ ضياعُ الأمانَةِ من علامَاتِ سُوءِ الزَّمانِ وفَسادِ المُجتَمَعاتِ 5/ مِن أعظَمِ الخِيانَة 6/ أبرز أنواع الأمانة وأهم مجالاتهااقتباس
من علامَاتِ سُوءِ الزَّمانِ وأسبابِ فَسادِ المُجتَمَعاتِ: ضياعُ الأمانَةِ والتَّفريطُ في الرِّعايةِ والتَّهاوُنُ في المَسؤوليَّاتِ وتَقدِيمُ المَصالِحِ الخَاصَّةِ على العامَّةِ! فإيَّاكُم وَتَسخِيرَ المَنَاصِبِ لِمصالحَ خاصَّةٍ وَذَاتِيَّةٍ، كونوا رَحمَةً على النَّاسِ وارفقُوا بهم، واقضُوا حَاجَاتِهم، وَسهِّلوا عَليهم، واحذَروا من المَشَقَّةِ والتَّسلُّطِ عَليهم، فَوصِيَّةُ رَسولِنا "يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا"، وكونوا عونًا في إفشَاءِ مَحبَّةِ النَّاس لِدِينهم وَمُجتَمَعِهم وولاتِهم، فإنَّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ: أنْ تَكونوا عونًا لِلشَّيطَانِ على النَّاسِ.! جعلنا اللهُ جميعاً مفاتيحَ خيرٍ مغاليقَ شرٍّ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله أجزلَ النِّعم وأَسدَى، نشهدُ ألا إله إلا الله العليُّ الأعلى، ونشهدُ أنَّ محمدا عبدُ اللهِ ورسولُه، صاحبُ الخُلُقِ الأعظَمِ والمَحَلِّ الأسمى، صلَّى الله وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بِهديهِ واتَّبع سُنَّتَهُ والآخرةُ خيرٌ وأبقى.
أمَّا بعدُ: فيا أيُّها النَّاسُ: اتَّقوا اللهَ –تعالى- حَقَّ التَّقوى، واحفظوا أنَّ اللهَ -جلَّ وعلا- قالَ: (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً) [الأحزاب: 72].
فقد عَرضَ اللهُ الأمانَةَ التي هي: طاعتُهُ وفَرَائِضُهُ وحدُودُهُ على أعظمِ مَخلُوقاتِهِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا لا عِصيانَا لِربِّها؛ ولكن إشفاقاً من العجز عن القيامِ بها (وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)!
عباد اللهِ: الأمانةُ خلُقٌ الأنبياءِ والمُرسَلين، فكُلٌّ منهم قالَ لقومِهِ: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)، وهي فَضِيلَةٌ من فَضَائِلِ المؤمنين، عظَّمَ اللهُ أمرَها ورفعَ شأنها، وبها وَصفَ عبادَه المُفلِحينَ فقالَ: (وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)[المؤمنون: 8]، أمرَ اللهُ بحفظِها ورِعايَتِها، وفرَضَ أداءَها والقِيامَ بحقِّها فقال: (فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ) [البقرة: 283] .
وقالَ جلَّ وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النحل: 58]، ونبيُّنا يقول: "أدِّ الأمانةَ إلى من ائتَمَنكَ، ولا تخُن مَنْ خَانَكَ"سَنَدُهُ صحيحٌ.
تَضييعُها ذَنْبٌّ عَظيمٌ وخَطَرٌ جَسيمٌ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ) [الأنفال: 27]، ورسُولُنا بيِّن لنا أنَّ الخيانةَ في الأمَانَةِ عَلامَةٌ لِلنِّفاقِ، فقالَ: "آيةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إذا حدَّث كَذَبَ، وإذا وَعَدَ أَخلَفَ، وإذا اؤتُمِن خَانَ" (متَّفَقٌ عليه).
إخوةَ الإسلامِ: والأمَانةُ المَطلُوبَةُ تَشمَل عِفَّةَ الأَمِينِ عمَّا لَيس لَهُ بحقٍّ، وتأدِيَةَ مَا يجِبُ عليهِ مِن حقٍّ لِغيرِهِ سَواءٌ للهِ أو لِخَلْقِهِ، وتَشمَلُ كَذَلِكَ اهتِمَامَهُ بِحفظِ ما استُؤمِنَ عليه مِن ودائعَ وأموالٍ، ومُعَامَلاتٍ وأسرَارٍ.
قالَ العُلمَاءُ: الأمانَةُ تَتَعَلَّقُ بالدِّينِ والنَّفسِ والعَقلِ والمالِ والعِرضِ.
إخوةَ الإيمانِ: ومِنْ مَجالاتِ الأَمَانَةِ التي يَجِبُ القِيامُ بِحقِّها: إِسدَاءُ النَّصِيحةِ لِمنْ استَنصَحكَ وتقدِيمُ الرَّأيِ السَّدِيدِ المُتجرِّدِ بلا مُحاباةٍ ولا مُجامَلةٍ مُضِرَّةٍ مَقِيتَةٍ فنبيُّنا يقولُ: "المُستَشَارُ مُؤتَمَنٌ". وقالَ: "ومَن استشارَهُ أَخُوهُ المُسلِمُ فَأَشَارَ عليهِ بِغيرِ رُشدٍ فَقد خَانَهُ".
عبادَ اللهِ: ومن الأمَانَاتِ التي يَجبُ تَقوَى اللهِ فيها الوظائِفُ بِشتَّى أَنوَاعِها وَمَسؤوليَّاتِها بمختَلفِ صوَرِها، ومِن أعظمِها مَنْ اؤتُمِنَ على الأموالِ العامَّةِ التي يَعُودُ نَفعُها لِلمُسلِمينَ قَاطِبَةً، فقد فرَضَ اللهُ رعايَتَها وعدَمَ إِهدَارِها، وأوجَبَ حفظَها كمَا يَحفظُ الإنسَانُ مَالَهُ أو أَشَدُّ، قالَ النَّبِيُّ في حديثٍ عَظِيمٍ كما في صحيحِ مُسلمٍ وغيرِهِ: «مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
أتدرونَ أيُّها الكِرِامُ: ما المَخْيِطُ إنَّها الإبرَةُ الصَّغيرَةُ التي لا تَكادُ تُرى! فيا ويلَ مَن يَتَخَوَّضُونَ في أموالِ المُسلِمينَ وأراضِيهم ويَأخُذونَها مِن غيرِ حِلِّها فقد تَوَعَّدَهم رَسُولُنا، فقالَ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
أيُّها المُسلمونَ: ومِنَ الأَمَانَاتِ العَظِيمَةِ أنْ لاَ يُوسَدَ أَمرٌ مِن أُمورِ المُسلِمينَ إلاَّ فِيمنْ يُعلَمُ صِدقُهُ وأمانَتُهُ وقُوَّتُهُ وخَوفُهُ من اللهِ -جَلَّ وَعَلا-.
فإذا كانَ عِفريتُ الجِنِّ مُدرِكاً لأهمِّيَّةِ القُوَّةِ والأمانَةِ حينَ قالَ: (أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ)[النمل: 39]، فما بالُ إنْسٍ عُقلاءَ لا يَفطَنونَ لِذالِكَ! أتَكونُ ابنَةَ شُعيبٍ -عليهِ السَّلامُ- أفطَنَ منه حينَ طَلبَت من أَبِيها أنْ يَستَأجِرَ مُوسى -عليهِ السَّلامُ- ويَستَعمِلَهُ فَوَصَفَتْهُ بِقولِها: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ)[القصص: 26].
قالَ الشيخُ السَّعدِيُّ -رحمهُ اللهُ- ما مفادُهُ: موسى عليهِ السَّلامُ جَمَعَ القُوَّةَ والأَمَانَةَ، وخيرُ أَجِيرٍ مَنْ جَمَعَهُمَا، وهَذانِ الوَصفَانِ، يَنبَغِي اعتِبَارَهُما فِي كلِّ مَن يَتَولَّى أيَّ عَمَلٍ.فإنَّ الخَلَلَ لا يَكونُ إلَّا بِفَقدِهِما أو فَقدِ إِحدِاهِما، وأمَّا بِاجتِمَاعِهِما، فإنَّ العَمَلَ يَتِمُّ ويَكمُلُ.
أيُّها المُؤمنونَ: وإنَّ من علامَاتِ سُوءِ الزَّمانِ وأسبابِ فَسادِ المُجتَمَعاتِ: ضياعَ الأمانَةِ والتَّفريطُ في الرِّعايةِ والتَّهاوُنُ في المَسؤوليَّاتِ وتَقدِيمُ المَصالِحِ الخَاصَّةِ على العامَّةِ! فَفِي مَقَامِ الذَّمِّ قالَ المُصطفى: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُخَوَّنَ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الْخَائِنُ». (رواه أحمد وغيره).
فيا مَنْ تَحمَّلَ أمانَةً وَمَسؤولِيَّةً لَقد استرعَاكُم ربُّكم ثُمَّ وُولاةُ أُمورِكم فاتَّقوا اللهَ بما يُرضيهِ. فإنَّكم قريباً عنها مُفارِقُونَ: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227].
وإيَّايَ وإيَّاكُم وَتَسخِيرَ المَنَاصِبِ لِمصالحَ خاصَّةٍ وَذَاتِيَّةٍ، كونوا رَحمَةً على النَّاسِ وارفقُوا بهم، واقضُوا حَاجَاتِهم، وَسهِّلوا عَليهم، واحذَروا من المَشَقَّةِ والتَّسلُّطِ عَليهم، فَوصِيَّةُ رَسولِنا يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا، وكونوا عونًا في إفشَاءِ مَحبَّةِ النَّاس لِدِينهم وَمُجتَمَعِهم وولاتِهم، فإنَّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ أنْ تَكونوا عونًا لِلشَّيطَانِ على النَّاسِ.! جعلنا اللهُ جميعاً مفاتيحَ خيرٍ مغاليقَ شرٍّ.
اللهم حبِّب إلينا الصِّدقَ والأمانَةَ والإيمانَ، وكرِّه إلينا الخِيانَةَ والفُسوقَ والعِصيانَ يا ربَّ العالمينَ. بارَك اللهُ لِي وَلَكم في السُّنَّةِ والقُرآنِ، وَنفَعَنا بِما فِيهما من الآياتِ والبَيانِ، وأستَغفِرُ اللهَ لَي وَلَكُم ولِسائِرِ المُسلِمينَ مِن كُلِّ ذنب فاستَغفِرُوهُ، إنَّه هو الغُفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا، طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهد أنْ لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه، صلَّى اللهُ وباركَ عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.
أمَّا بعدُ: فيا أيُّها النَّاس، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، واعلموا أنَّ الدِّينَ كُلَّهُ أَمَانَةٌ في أُصولِه وفُروعه وأحكَامِهِ كُلِّها، فلنحافِظ على هذهِ الأَمَانَةِ ولنُؤدي حَقَّ اللهِ فيها. وحتى تُدركَ ذالكَ أخي الكريمَ: فالعبَاداتُ العَمَليةُ مِن صلاةٍ وزَكاةٍ وصومٍ وحَجٍّ أمَانَةٌ في عُنُقِكَ، تُؤدِيها بِصدقٍ وإخِلاصٍ وإتِّباعٍ (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف: 110].
وعُمُرُكَ أَمَانَةٌ ومالُكَ أَمَانَةٌ، وفي الحديث:«لاَ تَزُولُ قَدْمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ :عَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَعَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أُنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ».
عبادَ اللهِ: أتظٌنُّونَ أنَّ العُلمَاءَ ليسَ عليهم حِملٌ ولا أمانَةٌ؟ كلا وربي فإنَّ عليهم أعباءً جِسامَاً ومَسؤوليَّاتٍ عِظامٍ لأن الله أخذاَ عليهم العهدَ والميثاقَ أن يُبَيِّنوا لِلناسِ الكتابَ ولا يَكتُمُونَهُ! كما أنَّ فَتَاوِيهم أَمانَةٌ عَظِيمَةٌ يَتَحمَّلُونَ مآلاتِها ونتائِجِها فوجَبَ عليهم الصِّدقُ والبيانُ والأمانَةُ، وقد صحَّ عن نَبِيِّنا قولُهُ: «مَنْ قَالَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ، وَمَنْ أُفْتِيَ بِفُتْيَا بِغَيْرِ عِلْمٍ، كَانَ إِثْمُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ أَفْتَاهُ، وَمَنِ اسْتَشَارَ أَخَاهُ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِأَمْرٍ، وَهُوَ يَرَى الرُّشْدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَدْ خَانَهُ» (مسند أحمد).
ومن أخطَرِ الفَتَاوى يا مُؤمنونَ الحُكمُ على النَّاس بالتَّكفِيرِ والتَّفسِيقِ والتَّبديعِ بدونِ بيِّنَةٍ ولا بُرهانٍ وقد صحَّ عن النَّبيِّ قولُهُ: «أَيُّمَا رَجُلٌ قَالَ لِأَخِيهِ:كَافِرٌ، فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا».
أيُّها المُسلِمُ: ومِن مَجالاتِ الأمَانَةِ الوفاءُ بالعُقُودِ وتَنفيذُ العُهُودِ بِأن تُؤدِّيَها كامِلَةً من غَيرِ غِشِّ ولا تَقصِيرٍ كما أَمَرَنا اللهُ بقولِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) [المائدة: 1]، وفي الحديث:"مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا". وصدَقَ الصَّادِقُ المَصدُوقُ الذي لا ينطِقُ عن الهوى حينَ قالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، لاَ يُبَالِى الْمَرْءُ من أينَ اكتَسَبَ أَمِنَ حَلاَلِ أَمْ مِنَ حَرَامِ"!.
معاشِرَ المُؤمنينَ: زَوجاتُنا أمانَةٌ من حيثُ رِعايَتُها ونَصِيحتُها ومُعاملَتُها بالمعروفِ والقيامُ بما أوجبَ اللهُ علينا من النَّفَقَةِ والكِسوِةِ وحُسنُ المُعاشَرَةِ، كما أنَّها مَسئولَةٌ مُؤتَمَنَةٌ على زوجِها وأولادِها وبيتِها.
أيُّها المُسلِمُ: والشَّهادَةُ أمَانَةٌ يَجِبُ أنْ تُؤدَّى بِصدقٍ وأَمَانَةٍ فلا يَكتُمْها ولا يَبخَسْ شيَئاً مِنها؛ كما قَال جَلَّ وعلا: (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة: 284]، فهذا الكِتمانُ فكيفَ بِمَن يَشهَدُونَ كَذِباً وزوراً !
ففي الصَّحيحِ أنَّ النَّبِيَّ قالَ: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ قُلْنَا بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ وَشَهَادَةُ الزُّورِ فَمَا زَالَ يَقُولُهَا حَتَّى قُلْتُ:لاَ يَسْكُتُ».
يا رجالَ الإعلامِ والقَلمِ، والفِكرِ والصَّحافَةِ والقنَواتِ: إنَّها واللهِ أمانَةٌ ومَسؤوليَةٌ وحمَالَةٌ فاتَّقوا اللهَ فيها. وجِّهوا المُجتَمَعِ لِما فِيه خيرُ دِينِهم ودُنياهُم هم وبلادِهم وقادَتِهم وعُلمائِهم، انشروا الفضيلَةَ، واحذروا الرَّذيلَةَ.
كيفَ نَصرفُ على قَنَواتٍ كَثيرِةٍ تَحمِلُ السُّمَّ الزُّعافَ والشَّرَّ المُستَطِيرَ والفسادَ والإفسادَ، أغَانٍ ماجِنَةٍ ومُسلسلاتٍ مُترَدِّيَّةٍ، وتغريبٍ مقيتٍ وتلاعُبٍ بحُدودِ اللهِ وثوابتِ الدِّينِ!
فَليتَذكَّر مُلاكُ هذهِ القَنَواتِ عِظَمَ المَوقفِ بينَ يدَيِ رَبِّ الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فإنَّهُ سبحانَهُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) [النور: 21].
واعلموا يا رَعاكُمُ اللهُ أنَّ دِينَ اللهِ شَامِلٌ لِجميعِ شُؤونِ حياتِنا عِبادةً ومُعامَلةً وعَلاقةً اقتِصَادَا وأَمناً وتَعلِيمَاً وتَنظِيمَاً فالمُجتَمَعُ أَمَانَةٌ في أعنَاقِنا جميعاً، فليتَّقِي العَبدُ رَبَّهُ فيما يَأتِي ويَذَرُ: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ) [الصافات: 24].
نسأَلُ المَولى أنْ يُوفِّقَ كُلَّ مَسئولٍ لأداءِ الأمانَةٍ وحُسنِ الرِّعايَةِ والقِيامِ بِما عُهِدَ إليه من مَسئوليَّةٍ على ما يُحبُّ اللهَ ويرضاهُ.
يا مُؤمنونَ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدِكَ ورَسُولِكَ مُحمَّدٍ، وارضَ عن خُلفائِهِ الرَّاشِدِينَ، الأئِمَّةِ المَهدِيِّنَ، أبي بَكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِهِ والتَّابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّين، وعنَّا مَعهم بِعفوِك، وكرَمِكَ، وجودِكَ وإحسانِكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.
اللهمَّ أَلزِمْنَا كَلمَةَ الحقِّ والصِّدقِ والتَّقَوى وهيئ لنا من العملِ مَا تُحِبُّ وتَرضَى، اللهم اهدنا لأحسنِ الأعمالِ والأقوالِ والأخلاقِ لا يهدي لأحسنِها إلا أنت واصرف عنَّا سيئَها لا يصرفُ عنَّا سيِّئَها إلا أنتَ.
اللهُمَّ أعنَّا على أداء الأمانَةِ ونعوذُ بكَ من المَكر والسُّوءِ والخيانَةِ، رَبَّنَا اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذُرِّياتِنَا رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءَ، اللهمَّ ثَبِّتنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا ويَومَ يقومُ الأشهادُ.
اللهم آمنَّا في أوطانِنِا، وأَصلِح ووفِّق أَئِمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، خُذ بِنَواصِيهم لِلبرِّ والتَّقوى، وأصلح لهم البِطَانَةِ، وأعنهم على أداء الأمانَةِ.
عبادَ اللهِ اذكروا الله العظيمَ يذكُركُم واشكُرُوهُ على عُمُومِ نِعَمِهِ يَزِدكُم ولَذكرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يَعلمُ ما تَصنعُونَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم