مرتبة الإسلام والإيمان

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2024-08-30 - 1446/02/26 2024-09-02 - 1446/02/29
عناصر الخطبة
1/تفاوت الناس في مراتب دينهم 2/مرتبة الإسلام وأهميتها 3/حقيقة الإسلام وأركانه 3/معنى الإيمان وأركانه 4/الفرق بين الإسلام والإيمان 5/مما يدخل في مسمى الإسلام والإيمان.

اقتباس

فإن مما يدخل في مسمى الإسلام: أعمال الجوارح الباطنة من إخلاص الدين لله -تعالى-، والنصح له ولعباده، وسلامة القلب لهم من الغشّ والحسد والحقد، وتوابع ذلك من أنواع الأذى....

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله رب العالمين الملك العظيم، قيوم السماوات والأرضين، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، المستحق للعبادة من العباد أجمعين.

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث إلى جميع الثقلين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد -أيها المسلمون- فاتقوا الله -تعالى-، ومن ذلك: الاهتمام بالدين ومعرفة مراتبه والاعتناء بها، فالدين الذي بعث الله به الرسول على مراتب عظيمة يتفاوت المكلفون بها في الثواب والحكم.

 

ومن هذه المراتب: الإسلام، وقد فسَّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأعمال الظاهرة من القول والفعل، ففي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في حديث قصة جبريل -عليه السلام- حين جاء إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صورة رجل يسأله ويصدِّقه بقصد التعليم، قائلاً: "يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا؛ قال: صدقت".

 

أيها المسلمون: إن المتأمل في إجابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لجبريل -عليه السلام-، وتصديقه إياه يتجلَّى له أن الإسلام دائرة واسعة، ومرتبة عظيمة، تظهر في هذه الأقوال والأعمال المذكورة للمسلم، أما سريرته فخفية على البشر، لا تظهر إلا بالإعلام للخلق من العليم بذات الصدور.

 

 ومن مراتب الدين أيضًا: مرتبة الإيمان، فهي مرتبة عظيمة وجليلة، نحن بأمسّ الحاجة إلى إدراكها إدراكًا تامًّا، والتمسك بها، وقد فسَّره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالاعتقادات الباطنة في إجابته لجبريل -عليه السلام- حين سأله عنه فقال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره"، وقد ذكر الله في كتابه الإيمان بهذه الأصول في مواضع كقوله: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[سورة البقرة:285].

 

 والإيمان بالرسل يلزم منه الإيمان بجميع ما أخبروا به من الملائكة والأنبياء والكتب والبعث والقدَر خيره وشره، وغير ذلك من تفاصيل ما أخبروا به من صفات الله، وصفات اليوم الآخر، وما فيه من أهوال وأمور عظام، كالحشر، والعرض على الله، والصراط، والميزان، والجنة والنار.

 

 وإذا أُفْرِدَ ذِكْر أحد الاسمين "الإسلام أو الإيمان" دخل فيه الآخر، ففي المسند عن عمرو بن عنبسة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: "أن تسلم قلبك لله، وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك"؛ قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: "الإيمان" الحديث، وقال -تعالى-: (فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)[سورة الذاريات:35-36].

 

وقال ابن رجب -رحمه الله-: والتحقيق في الفرق بينهما أن الإيمان هو تصديق القلب وإقراره ومعرفته، والإسلام هو استسلام العبد لله وخضوعه وانقياده له، وذلك يكون بالعمل، وفي المسند عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإسلام علانية والإيمان في القلب".

 

ولهذا الحديث وغيره قال المحققون من العلماء: كل مؤمن مسلم، فإن مَن حقَّق الإيمان ورسخ في قلبه قام بأعمال الإسلام، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب"؛ فلا يتحقق القلب بالإيمان إلا وتنبعث الجوارح في أعمال الإسلام.

 

عباد الله: ليس كل مسلم مؤمنًا، فإنه قد يكون الإيمان ضعيفًا فلا يتحقق القلب به تحققًا تامًّا مع عمل الجوارح بأعمال الإسلام، فيكون مسلمًا وليس بمؤمن من الإيمان التام، كما قال -تعالى-: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)[سورة الحجرات:14]، فلم يكونوا منافقين بالكلية على أصح التفسيرين، وهو قول ابن عباس وغيره، بل كان إيمانهم ضعيفًا.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)[سورة الزمر:22 -23].

 

بارك الله...

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي ميَّز بين عباده في الإيمان والعمل والطاعة، أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الواحد الأحد الفرد الصمد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم واقتفاء آثارهم الى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فإن مما يدخل في مسمى الإسلام أعمال الجوارح الباطنة من إخلاص الدين لله -تعالى-، والنصح له ولعباده، وسلامة القلب لهم من الغشّ والحسد والحقد، وتوابع ذلك من أنواع الأذى، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات، بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه".

 

 ومما يدخل في مسمى الإيمان: وَجَل القلوب من ذِكْر الله، وخشوعها عند سماع ذِكْره وكتابه، وزيادة الإيمان بذلك، وتحقيق التوكل على الله -عز وجل-، وخوف الله سرًّا وعلانية، والرضا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار".

 

 اللهم ارزقنا حلاوة الإسلام والإيمان وسائر مراتبه، وثبِّتنا على ذلك حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

 

المرفقات

مرتبة الإسلام والإيمان.doc

مرتبة الإسلام والإيمان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات