محن ومنح

ناصر بن محمد الأحمد

2015-03-09 - 1436/05/18
عناصر الخطبة
1/شمولية الإسلام وكماله ووجوب الدخول فيه 2/محاولة أعداء الإسلام إطفاء نور الله وفشلهم في ذلك 3/بعض الفتن والمحن النازلة بأمة الإسلام والواجب نحوها 4/بعض منح الله على أمة الإسلام 5/بعض طرق ووسائل النهوض بأمة الإسلام ونصرة المسلمين

اقتباس

ما أحوج المسلمين اليوم في زمنٍ عظمت فيه المصيبة، وحلَّت به الرزايا العصيبة، وتخطَّفت عالَم الإسلام أيد نصرانية، فالكرامة مسلوبة، والحقوق منهوبة، والأراضي مغصوبة، ما أحوج المسلمين في زمن الحوادث والكوارث، إلى أن يراجعوا دينهم، وينظروا في مواقع الخلل، ومواطن الزلل، ويصلحوا ما فسد، ويكونوا كالجسد، لـ...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

إن نعم الله علينا كثيرة، ومننه كبيرة غزيرة، وإن من نعمه الكبار، ومننه الغزار: أن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، وهدانا لمعالم هذا الدين الذي ليس به التباس، دينٌ كامل، وشرعٌ شامل، وقولٌ فصل، وقضاءٌ عدل، من تمسك به حصل على المناقب الفاخرة، وحصلت له السعادة في الدنيا والآخرة، ومن حاد عنه وتنكّب الطريق، حصل له الشقاء والاضطراب والضيق، دينُ القيّمة، آدابه سامية، تعاليمه عالية غالية، دعا إلى كل خير ورشاد، ونهى عن كل شر وفساد: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].

 

ليس على وجه الأرض دينٌ حق يُتعبَّد الله به سوى دين الإسلام، الذي هو خاتمٌ وناسخٌ لما قبله من الملل والشرائع والأديان.

 

وعلى هذا، فجميع من لا يدين بالإسلام اليوم من اليهود والنصارى، فهم كفار أعداء لله ولرسوله وللمؤمنين، وإن ماتوا على ذلك فهم من أهل النار، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار" [أخرجه مسلم].

 

أيها المسلمون: مهما حاول أعداء الإسلام، ومهما سعوا في إنزال أنواع الفشل، وألوان الشلل بالإسلام والمسلمين، فلن يستطيعوا أن يطفئوا نور الله، يقول جل وعلا: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُونَ) [الصف: 8].

 

وعن تميم الداري -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين، بعزّ عزيز أو بذل ذليل، عزّا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل الله به الكفر" [أخرجه الإمام أحمد].

 

وعن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوِي لي منها" [أخرجه مسلم].

 

فما أحوج المسلمين اليوم في زمنٍ عظمت فيه المصيبة، وحلَّت به الرزايا العصيبة، وتخطَّفت عالَم الإسلام أيد نصرانية، فالكرامة مسلوبة، والحقوق منهوبة، والأراضي مغصوبة، ما أحوج المسلمين في زمن الحوادث والكوارث، إلى أن يراجعوا دينهم، وينظروا في مواقع الخلل، ومواطن الزلل، ويصلحوا ما فسد، ويكونوا كالجسد، ليغسلوا عنهم أوزار الذل والهوان، ويزيلوا غُصص القهر والخذلان، ويتخلّصوا من التبعية المقيتة، والمجاراة المميتة، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً، لا ينـزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" [أخرجه أبو داود].

 

أيها المسلمون: وما أحوج الأمة في زمنٍ مُيِّعت فيه الحقائق الشرعية، وضُيِّعت فيه الثوابت المرعية في مسارات فكرية مسمومة، ومصطلحات شيطانية مذمومة، واجتهادات عقيمة، وآراء سقيمة، لا تتفق مع الدين الحنيف، ولا مع العقل الحصيف، ما أحوجها في هذا الوقت إلى أن تراجع نصوص الكتاب والسنة، وما أجمع عليه سلف الأمة في قضاياها المعاصرة، ومشكلاتها المحاصرة، لتفهم جذور المشكلات وأسباب الويلات والنكبات، وتقرأ المتغيرات، وتوجد التحليلات والتعليلات، وتتوقع المستجدات، وترجع إلى أهل العلم الثقات، وتنهض بالمسؤوليات والواجبات بصدق لا يشوبه كذب، وإخلاص لا يخالطه رياء، وتجرّد لا يتخلله هوى، وتوحيد لله لا يكدّره شرك ولا شكّ، وثقة به جل في علاه لا تهزها أراجيف المرجفين، ولا تخذيل المخذّلين، حتى لا تواقع الأمة الأمر المحظور، أو تقترف الخطأ المحذور، يقول جل وعلا: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مّنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِى الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 83].

 

أيها المسلمون: إن الواجب على أهل الإسلام كلما اشتدت بهم البلايا والرزايا: أن يقوى تضافرهم، ويشتدَّ تناصرهم، لنصرة دينهم وحماية بلادهم، وأن يكونوا صفاً واحداً متعاضدين متساعدين متساندين، متعاونين على البر والتقوى، متناهين عن الإثم والعدوان، نابذين العداء والبغضاء، حتى يفوّتوا على العدو فرصته وبُغيته في زرع بذور التمزُّق، وجذور التفرق: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

 

وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً: فيرضى لكم أن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، ويكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال".

 

أيها المسلمون: إن رابطة العقيدة والدين رابطة عظمى، وآصرة كبرى، لها مقتضياتها وواجباتها، وتكاليفها، وحقوقها الثابتة في كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، رابطةٌ تنكسر تحتها شوكة أهل الكفر والعدوان، وتنـزاح أمامها قوى الظلم والطغيان، يقول تبارك وتعالى في كتابه العزيز: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ للَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة: 71].

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: "المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، ويجير عليهم أقصاهم، وهم يدٌ على من سواهم" [أخرجه أبو داود].

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: "المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفّ عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه" [أخرجه أبو داود].

 

أيها المسلمون: الأصل أن المجتمعات الإسلامية على اختلاف أجناسها وألوانها وبلدانها، بنيانٌ واحد، وجسدٌ واحد، يسعدُ بسعادة بعضه، ويتألّم لألمه ومرضه، يجمعهم دين واحد هو دين الإسلام، وكتاب واحد هو القرآن، ونبي واحد هو سيدنا سيد الأنام نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، يقول صلوات الله وسلامه عليه: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تُخفروا الله في ذمته" [أخرجه البخاري].

 

أيها المسلمون: إن المسلم له حرمةٌ عظيمة، ومكانةٌ كريمة، وفي النوازل المدلهمّة، والمحن الملمَّة: يتوجب التذكير بها، والتحذير من انتهاكها، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: صعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المنبر، فنادى بصوت رفيع، فقال: "يا معشر من أسلم بلسانه، ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله" [أخرجه الترمذي].

 

ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لمسلم أن يروّع مسلماً" [أخرجه أبو داود].

 

أيها المسلمون: ارعوني سمعكم، واصغوا بقلوبكم، لقول الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" [أخرجه الترمذي].

 

أيها المسلمون: يلاقي المسلمون في هذه الأعصار في عدد من الأمصار أعتى المآسي، وأدمى المجازر، فظائع دامية، وجرائم عاتية، ونوازل عاثرة، وجراحاً غائرة، غصصاً تثير كوامن الأشجان، وتبعث على الأسى والأحزان:

 

في كل أفق على الإسلام دائرةٌ *** ينهدُّ من هولها رضوى وسهلانُ

ذبحٌ وسلبٌ وتقتيلٌ بإخوتنا *** كما أُعدِّت لتشفِّي الحقد نيرانُ

يستصرخون ذوي الإيمان عاطفةٌ *** فلم يُغثهم بيوم الروع أعوانُ

فاليوم لا شاعرٌ يبكي ولا صحف *** تحكي ولا مرسلات لها شانُ

هل هذه غيرة أم هذه ضعةُ *** للكفر ذكر وللإسلام نسيانُ

 

هولٌ عاتٍ، وحقائق مرة، تسمو على التصوير والتبيين، في كل ناحية صوت منتحب، وفي كل شبر باغ ومأفون ومغتصب.

 

فهذه الصهيونية العالمية، الأمة الخوانة، التي ليس لها عهد ولا أمانة، تمارس اليوم في فلسطين أبشعَ صور الظلم والقهر والتخويف والإرهاب، تفرض ألوان الحصار، وتقتل الرجال والنساء والصغار، وتهدف إلى إبادة المسلمين وتصفيتهم جسدياً، وإرعابهم نفسياً، بمذابح جماعية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً.

 

إن إسرائيل تمارس اليوم أمام نظر العالم وسمعه الإرهاب بمختلف أشكاله وألوانه، وبجميع أنواعه وأدواته، تمارسه عقيدة وسياسة ضاربةً بالمعاهدات والمحادثات والاتفاقات الدولية عرض الحائط، فأين من يوقف وحشية هذا الإرهاب وبشاعته، ويطارد رجاله وقادته، ويستأصل شأفتهم ويقتلع كافَّتهم ؟! أين ميزان العدل والإنصاف يا من تدعونه ؟! أين شعارات التقدم والتحرر والحضارة والسلام التي لا نراها إلا حين تَصب في مصلحة يهود ومن وراء يهود ؟!

 

ولكن صدق القائل:

 

المستجير بعمرو عند كربته *** كالمستجير من الرمضاء بالنار

 

وليس اليهود هم وحدهم الذين يمارسون الإرهاب اليوم، بل لهم إخواناً لا يقلون عنهم إجراماً وظلماً فدمروا وقتلوا واعتدوا وبغوا، فإلى الله المشتكى.

 

أيها المسلمون: أحبُّ الأعمال إلى الله -عز وجل- سرورٌ تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تطرد عنه جوعاً، أو تقضي له ديناً، و "من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".

 

ويقول صلى الله عليه وسلم: "من أصبح ولم يهتمَّ بأمر المسلمين فليس منهم" [أخرجه الحاكم].

 

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك، وعبادك الصالحين.

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه ...

 

أما بعد:

 

كما أن هناك محن فهناك منح، ومن هذه المنح: أن الله -تعالى- وعد بالنصر للمسلمين، فقال تعالى: (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم: 47].

 

وقال تعالى: مؤكداً هذا النصر: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].

 

ومن نصره الله فلا غالب له، قال تعالى: (إِنْ يَنْصُرْكُمْ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ) [آل عمران: 160].

 

وأكبر عُدّة للمؤمنين، وزاد على الكافرين والمجرمين، في هذه الأيام هي تقوى الله، وإصلاحُ النفس ظاهراً وباطناً، وهذا لا ينافي الأخذ بأدوات النصر، قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) [الأنفال: 60].

 

ولكن أعظم عوامل النصر وأجل مقِّوماته هو: وجود المؤمنين الصادقين: (رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) [النور: 37].

 

وقد نصر الله نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- يوم الغار بلا جيش ولا سلاح، ونصر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يوم بدر بالملائكة، ونصر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- وحزبه المؤمنين يوم الأحزاب بالريح والجنود، وغيرَ ذلك من نصر الله لجنده وحزبه، بعوامل النصر الكثيرة.

 

فالشأن كل الشأن في وجود فئة مؤمنة تفهم الإسلام فهماً صحيحاً، تعيش معه في كل مجالات الحياة، وتقيم في ظله شعباً صادقاً يعرف الحق من الباطل والإسلام من الكفر، لا يتنازل عن عقيدته ومراميه، ولا يقبل المساومات والإغراءات للتنازل عن ذلك مهما أُوذي وعذب وسجن.

 

وما هي رزية ولا خسارة أن يؤذى أحد أو يقتل في سبيل دينه وعقيدته، والثبات على دعوته، وأفكاره وأقواله، وقد توعَّد فرعونُ السحرة حين آمنوا بربهم، وهدّدهم بالقتل فما استكانوا لفرعون، وما وهنوا وما ضعفوا، ولم يكن من أمرهم إلا أن: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنْ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) [طه: 72 - 73].

 

فالإيمان حين تخالط بشاشتُه القلوب لا يلوي على الباطل، ولا يتحول عن الحق مهما كان الابتلاء من الضرب والحبس، أو القتل، أو الابتلاء بالسرّاء من الإغراءَات بالمال والمنصب والجاه.

 

فالفتن والمحن لا تزيد المؤمنين إلا إيماناً بالله وتسليماً، قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) [الأحزاب: 22].

 

وقد قيل: "كم من محنة انقلبت منحة".

 

وإنه لشيء عظيم وأمر كبير أن يذهب رجال من البشر فداءً لدوافع معقولة، وغايات مطلوبة فبقاء الحق مقدم على بقاء الجسد، فأهل الحق يذهبون بأبدانهم، ويعيش الحق الذي معهم، والباطل في أي صورة وجد سواءً تمثل في يهودية أو نصرانية، أو غيرها من أشكال الباطل، وإن هيمن على الأرض واستحوذ على البشر، وإن استطاعت أن تهيمن على جوانب كثيرة في أيام مريرة، فالأيام دول والعزة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم- وللمؤمنين، والوعد من الله بأنه ينصر دينه ورسوله وحزبه المؤمنين ويخزي الكافرين، وعد محقق لا محالة.

 

والأوضاع القائمة على الشرك، والكفر، والتشريع الجاهلي، واغتصاب الديار، وانتهاك الأعراض، والحَجر على الأفكار الشريفة لن تدوم مهما تمهدت سبلها، وقويت شوكتها، وطال مكثها في الأرض.

 

وهذه حقيقة يجب الإيمان بها، وبذل الطاقات وراءَ تحقيقها، والشرط في ذلك: أن نقوم بالإسلام، ونحرك به الأجساد والقلوب، وأن نعمل لله صادقين موقنين، قال تعالى: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمْ الْغَالِبُونَ) [الصافات: 171 - 173].

 

فالنصر للمؤمنين وعد من الله، وما من شك في تحققه في واقع الحياة، وإن تأخر عن حساب البشر واستبطأوا ذلك فقد خُلق الإنسان من عجل، قال تعالى: (أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214].

 

وقال تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [الروم: 6].

 

والمبشرات في عودة الإسلام، وظهور أهله، واتصال حاضرهم بماضيهم كثيرة، وهي متحققة لا محالة بعز عزيز أو بذل ذليل، وما سرى إلى نفوس فئة من المسلمين من اليأس والعجز مما يرون من الحاضر الأليم جهالة لا قرار لها، فمهما فَشَت الضلالةُ، واستحكمت الغواية، واستشرى الفسادُ، وانْتُهِكَت الأعراض، فسيبقى الإسلامُ، وتَمْتدُّ رُقْعَتُه، ويبلغُ ما بلغَ الليلُ والنهارُ، بصدقِ العلماء، وجهود الدعاة، ودماءِ الشهداء.

 

فلا مجال للتخاذل والبَطَالة والقعود مع الخالفين، فالإسلام يتحقق بالجد لا بالهزل، وبالأعمال لا بالآمال، وبالقلوب الصادقة لا النفوس الخائنة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [التوبة: 38 - 39].

 

وقال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 111].

 

وقد تمثلت حقيقة الإيمان بالله، وحقيقة المبايعة مع الله في الصحابة -رضي الله عنهم- حين أنفقوا الأموال محتسبين، وبذلوا النفوس صابرين، وجاهدوا في سبيل الله مقبلين غير مدبرين، حتى ضرب الحق بجرانه، وعرفت البشرية ربها، وأذعنت لباريها، فلم يبق في الأرض إلا مسلم موحّد، أو كافر ذليل رضخ للجزية، واستسلم لسلطان الحق على أن يبقى في ذمة المسلمين وحمايتهم,

 

هذا يوم أنْ تمثلت حقيقة الإيمان بالله في جيل القرآن، ويوم أن عرف المسلمون الأوَّلون مهمتهم في الحياة.

 

ونحن أبناءَ اليوم حين نسير على آثارهم، ونمنح الدين نفوسنا، ونمضي في طريق الحق غير هيَّابين للخلق، نتجاوز الأيام العجاف، والعلل العارضة، والهزائم المخزية، ونحطم عروش الكفر، ونهزم عبيد الشهوات، ونملك رقاب أعدائنا، هذا ما وعدنا ربنا إذا أصلحنا شأننا، وعُدْنا لرشدنا، فالإسلام يعلو ولا يُعْلى.

 

وعلى هذا الأساس نهض الإسلام، وقويت شوكته، وعزّ أهله، ولن تذهب الليالي والأيام حتى يكون الدين كله لله، فلا يهودية في الأرض، ولا نصرانية ولا شيوعية ولا علمانية، فإن الأرض ما خلقت إلا للإسلام، والإسلام وحده.

 

وقد آن للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يعودوا لرشدهم، ويُجْمِعوا أمرهم، ويجاهدوا عدو الله وعدوّهم، فأبناء المسلمين مثخنون في الدماء والجراح فوق أراضيهم، وقد تحملوا الكثير من غدر اليهود ومكر النصارى وخبث سياساتهم في الديار والأعراض، قال تعالى: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 39 - 40].

 

ونحن المسلمين على امتداد تاريخنا لم نلق من اليهود والنصارى مآس، ومجازر أعظم، ولا أنكى من مجازر حاضرنا المعاصر، حتى أقاموا سعادتهم على شقاوتنا، ودولتهم على أراضينا، وبعضُ المسلمين جثثٌ هامدةٌ.

 

وقد اتفق أهل العلم على وجوب قتال الكفار المعتدين على بلاد المسلمين، فإن اندفع شرُّهم بأهل البلاد التي أُحتُلت، أو أُغتصبت، كفى ذلك عن غيرهم، وإن لم يحصل ردُّ كيدهم وإقصاؤهم، فإنه يجب على من يقرب من العدو من أهل البلاد الأُخرى مناجزة الكفار، وصدّ عدوانهم، وهذا أمر معلوم بالشرع، ولا ينازع فيه مسلم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 123].

 

وقال تعالى: (وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) [النساء: 75 - 76].

 

اللهم انصر دينك وكتابك، وسنة نبيك، وعبادك الصالحين ...

 

اللهم أعز الإسلام، وانصر المسلمين.

 

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، والكفرة الملحدين، واحم حوزة الدين.

 

اللهم منـزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب.

 

اللهم إن اليهود والنصارى قد طغوا وبغوا، وأسرفوا وأفسدوا واعتدوا، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، وألق الرعب في قلوبهم، واجعلهم غنيمة للمسلمين، وعبرة للمعتبرين.

 

اللهم عليك بهم وبمن شايعهم وعاونهم وحماهم يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم احقن دماء المسلمين، وصن أعراضهم، واحفظ أموالهم وديارهم من كل معتد ظلوم يا رب العالمين.

 

اللهم ارحم إخواننا المستضعفين المشردين في فلسطين والشيشان، وأفغانستان والفلبين وكشمير.

 

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والزيغ والشر والفساد والعناد، وانشر رحمتك على العباد والبلاد يا من له الدنيا والآخرة وإليه المعاد.

 

اللهم ولِّ على المسلمين خيارهم، واكفهم شر الأشرار وكيد الفجار.

 

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واحبسه في بدنه، يا قوي يا عزيز.

 

اللهم نصرك الذي وعدتنا يا من لا يُخلِفُ وعدك، ولا يُهزم جندك، سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت.

 

 

 

المرفقات

ومنح

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات