محظورات الإحرام

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-06-07 - 1445/12/01 2024-06-10 - 1445/12/04
التصنيفات: الحج
عناصر الخطبة
1/ فدية الأذى في الإحرام 2/محظورات الإحرام 3/فدية الأذى فيها على التخيير بين أمور ثلاثة 4/الجماع من محظورات الإحرام 5/علة محظورات الإحرام.

اقتباس

ومحظورات الإحرام كلها أمورٌ مُباحةٌ في غير الإحرام، ولكنّ الله -جَلَّ وَعَلَا- تعبَّد المُحرِمين من الحُجَّاج والمُعتمرين بتركِ هذه المحظورات والانتهاءِ عنها طاعةً لله -عَزَّ وَجَلَّ- واستقامةً على دينه، وهذه من...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ ‌عِوَجًا)[الكهف: 1]، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ إقرارًا به وتوحيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبينَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بعثه إلى الناس بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فاللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأصحابه ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم وسلَّم تسليمًا.

 

أما بعد عباد الله: فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مُسلمون.

 

 أيها المؤمنون: جاء في الصحيحين من حديث كعب بن عُجرة الأنصاري -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: حُملت إلى النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وأنا مُحرمٌ والقمل يتناثرُ من على وجهي، فقال: "يا كعب! ما كُنت أُرى أن الجهدَ بلغ بك ما أرى، احلق رأسك وافدِ"، فأنزل الله -جَلَّ وَعَلَا- قوله في مثل حاله: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ ‌فَفِدْيَةٌ ‌مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)[البقرة: 196]؛ قال كعبٌ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه-: "آيةٌ أُنزلت فيَّ خاصة، وهي لكم عامة".

 

 وذلك أن فدية الأذى في محظورات الإحرام وهي في خمسةِ أنواعٍ من المحظورات: في لُبس المخيط، وفي تغطية الرأس وكلاهما في حقّ الرجالِ خاصة، وفي حلق الشعر وتقليم الأظافر ومسِّ الطِّيب ففدية الأذى فيها على التخيير بين أمورٍ ثلاثة، قال -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "يا كعب! احلق شعرك، وانسُك شاة"؛ أي أو سُبع بدنة "أو أطعم ستة مساكين لكل مسكينٍ نصف صاع، أو صُم ثلاثة أيام".

 

هذه الفدية -يا عباد الله- لمن وقع في هذه المحظورات الخمسة وقع فيها بحاجة، فإن وقع فيها بغير عُذر فإنه مع الفديةِ يأثم فعليه التوبةُ إلى الله.

 

 ومن محظورات الإحرام سادسًا: عقد النِكاح ومنه الخِطبة، فقد جاء في الصحيح من حديث عُثمان -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- قال: قال النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "لا يَنْكح المُحرم ولا يُنكِح"؛ لأنه ممنوع عليهِ في حال الإحرام عقد النكاحِ له أو لغيره، أو يتزوج أو يُزوِّج سواءً كان رجلاً أو امرأة وكذلك ممنوعٌ من الخِطبة.

 

ومن محظورات الإحرامِ سابعًا -يا عباد الله- محظورٌ يتعلَّق بالمباشرة، فإن باشر دون الفرج بأن ضمَّ وقبَّل ثم أنزل فإنه وقع في محظور، وعليهِ أن يَنسِك شاةً في الحرم ويُقسِّمها على فقرائِه.

 

 المحظور الثامن: الجماع، فمن جامع وهو مُحرِم فقد فسدَ إحرامه، وهذا الجِماع يختلف، فإن كان في العمرةِ فقد فسدت العمرة، وإن كان بعد تمامها: أي بعد الطواف والسعي وقبل الحلق فإنه يجب عليه شاةٌ يذبحها في مكة ويتوبُ إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- من فعله، ثم بعد ذلك يحلق رأسه.

 

 أما إذا كان جِماعه بعد الوقوف بعرفة وقبل التحلل الأول فعليهِ ستة أشياء: فسد حجه ويلزمه المُضي فيه وهو آثمٌ عليه التوبة إلى الله، وعليهِ بدنة تُذبح في مكة وهي ناقةٌ أو بقرة، وتُقسَّم على فقراءِ مكة، وعليه خامسًا: أن يحج من العامِ القابل، وعليه سادسًا أن يُفرَّق بينه وبين أهله الذين وطأهم في الحج؛ فكلٌّ يحجُّ لوحدهِ لئلا يقع المحظور مرةً ثانية.

 

فإن كان الجِماع بعد التحلُّل الأول أي بعد رمي جمرة العقبة أو حلق الرأس أو الطواف فعل اثنين من ثلاثة فإنه إذا وقع منه الجماع قبل التحلُّل الكامل فعليه شاةٌ يذبحها في مكة، وعليهِ أن يُحرم من الحِلّ، وعليه التوبة إلى الله -جَلَّ وَعَلَا- لأنه أفسد إحرامه بهذا الجِماع.

 

المحظور التاسع -يا عباد الله- من محظورات الإحرام في الحج وفي العمرة: قتل الصيد البري المتوحش أصلاً، أما صيد البحر فإن الله -جَلَّ وَعَلَا- جعله متاعًا لكم وللسيارة، (أُحِلَّ لَكُمْ صَيدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيكُمْ صَيدُ الْبَرِّ ‌مَا ‌دُمْتُمْ حُرُمًا)[المائدة: 96].

 

فمن قتل صيدًا من صيد البر المتوحش وهو مُحْرِم فإنه وقع في محظورٍ عظيمٍ من محظورات الإحرام فيهِ مثله إن كان مثليًّا أو يُقوِّمه اثنان ذوا عدلٍ من المؤمنين، ثم يُخرج قيمته صدقةً على الفقراء، وأولى ذلك أن يكون في فقراء الحرم هديًا بالغ الكعبة أو كفارة ذلك صيام.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقهِ وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إعظامًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آلهِ وأصحابه ومن سلف من إخوانه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد عباد الله: أحرم نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- بحجته الوحيدة الفريدة حجة الوداع في الرابعِ والعشرين من ذي القعدة، أحرم من ذي الحليفة، وسار -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ مكةَ فطاف بالبيت في اليوم الرابعِ من ذي الحجة، وبقي على إحرامه حتى خرج إلى منى في يوم الثامن وخرج معه المُسلمون.

 

ثم بقي في منى وبات بها ليلة التاسِع، فلما صلى صلاة الفجر في منى يوم التاسع وطلعت الشمس حرَّك -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- ومعه المُسلمون حرَّكوا إلى عرفات يقفون فيها في حجهم، "والحج عرفة"؛ كما قاله -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

ومحظورات الإحرام -يا عباد الله- وهي التسعة كلها أمورٌ مُباحةٌ في غير الإحرام، ولكن الله -جَلَّ وَعَلَا- تعبَّد المُحرِمين من الحُجَّاج والمُعتمرين بتركِ هذه المحظورات والانتهاءِ عنها طاعةً لله -عَزَّ وَجَلَّ- واستقامةً على دينه، وهذه من جنس مفسِدات الصيام فإنها في نفسها حلالٌ لكن الله حرَّمها على الصائمين في نهارِ صومهم.

 

 فاتقوا الله -عباد الله- وبادروا إلى حج بيت الله الحرام لمن لم يحج منكم فإن الحج واجبٌ على الفور؛ لما نزل قول الله -جَلَّ وَعَلَا-: (‌وَلِلَّهِ ‌عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً)[آل عمران: 97]، قام نبيكم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا في الناس، فحمد الله وأثنى عليهِ ثم قال: "أيها الناس! إن الله قد فرضَ عليكم الحج فحجوا"، فقام الأقرع بن حابسٍ التميمي -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْه- فقال: أفي كل عامٍ يا رسول الله؟ قال: "لو قُلت نعم لوجبت ولما استطعتم، الحج مرةً فما زاد فهو تطوع".

 

ثم اعلموا -رحمني الله وإياكم-! أن أصدق الحديثِ كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة فإن يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، ولا يأكل الذئب إلا من الغنم القاصية.

 

 اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، اللهم وارضَّ عن الأربعةِ الخلفاء، وعن العشرة وأصحاب الشجرة، وعن المُهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم عزًّا تعز به الإسلام وأهله، وذلاً تذل به الكفر والشِّركَ وأهلهما، اللهم أبرم لهذه الأُمةِ أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيهِ أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيهِ بالمعروف ويُنهى فيهِ عن المنكر يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

اللهم تقبَّل من الحجيج حجهم، اللهم أحسن وفادتهم، اللهم واقلبهم ورُدَّهم إلى أهليهم غانمين سالمين مأجورين غير مُكدَّرين يا ذا الجلالِ والإكرام، اللهم آمنا والمُسلمين في أوطاننا.

 

اللهم أصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا بتوفيقك، اللهم خذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم اجزهم خير الجزاءِ وأعظمه جرَّاءَ ما يهيؤون لوفدك وحاجِّي بيتك من هذه الإمكانيات والسُّبل جزاءً من عندك يُغنيهم عن جزاء من سواك يا ذا الجلالِ والإكرام.

 

 اللهم اغفر للمُسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والاموات ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرةِ حسنة، وقنا عذاب النار، وقوموا إلى صلاتكم فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نِعمه يزدكم، (‌وَلَذِكْرُ ‌اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].

 

المرفقات

محظورات الإحرام.doc

محظورات الإحرام.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات