ما أعظم الله

أحمد بن عبدالله بن أحمد الحزيمي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ تفرد الله بالعظمة والكبرياء والبقاء 2/ تعظيم الله أثناء الصلاة 3/ بعض آثار عظمة الله في الكون والخلق 4/ أعظم ما يعين على تعظيم الله 4/ من كان بالله أعرف كان له أشد تعظيمًا

اقتباس

سبحانَهُ ما أعظمَ شأنَهُ! سبحانَهُ ما أدومَ سلطانَهُ! سبحانَهُ ما أوسعَ رحمتَهُ وغفرانَهُ! سبحانَهُ سبحتْ لهُ السمواتُ وأملاكُهَا، والنجومُ وأفلاكُها والأرضُ وسكانُها، والبحورُ وحيتانُها، والجبالُ وأحجارُهَا, والأمطارُ ورعودُهَا، والأشجارُ وثمارُهَا، والديارُ وأطلالُهَا.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ أبدًا سرمدًا، ولا نشركُ معهُ أحدًا، تباركَ فردًا صمدًا، لمْ يتخذْ صاحبةً ولا ولدًا، ولا شريكًا ولا عضدًا، الحمدُ للهِ على نعمتِهِ، الحمدُ للهِ على منتِهِ، الحمدُ للهِ على حكمتِهِ، الحمدُ للهِ تلألأتْ بأجلِّ المحامدِ أسماؤُهُ، وتوالتْ بأسنى الهباتِ آلاؤُهُ, وتواترتْ بأبركِ الخيراتِ نعماؤُهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ، الملكُ الحقُّ العليُّ الكبيرُ، تعالى في إلهيتِهِ وربوبيتِهِ على الشريكِ والوزيرِ، وتقدسَ في أحديتِهِ عنِ الصاحبةِ والولدِ والوليِ والنصيرِ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ السراجُ المنيرُ، والبشيرُ النذيرُ أعظمُ رجلٍ عظَّمَ اللهَ، وقدَّسَ اللهَ، وأجلَّ اللهَ، وأكبرَ اللهَ، اللهمَّ صلِّ وسلمْ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابِهِ وأتباعِهِ الذينَ عظّموا اللهَ إلى يومِ الدينِ.

 

أمَّا بعدُ:

 

فيَا أيُّها المسلمونَ: اتقوا اللهَ؛ فإنَّ تقواهُ أفضلُ زادٍ، وأحسنُ عاقبةٍ في معادٍ: (فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [هود: 49].

 

أيُّها المسلمونَ: اللهُ أهلُ العظمةِ والكبرياءِ، تفردَ بالبقاءِ، وجلَّ عنِ الشركاءِ، وأبدعَ كلَّ شيءٍ كما يشاءُ.

 

اللهُ أهلُ التسبيحِ والتحميدِ والتمجيدِ، والتقديسِ والثناءِ.

 

سبحانَهُ ما أعظمَ شأنَهُ! سبحانَهُ ما أدومَ سلطانَهُ! سبحانَهُ ما أوسعَ رحمتَهُ وغفرانَهُ! سبحانَهُ سبحتْ لهُ السمواتُ وأملاكُهَا، والنجومُ وأفلاكُها والأرضُ وسكانُها، والبحورُ وحيتانُها، والجبالُ وأحجارُهَا, والأمطارُ ورعودُهَا، والأشجارُ وثمارُهَا، والديارُ وأطلالُهَا: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ) [النور: 41].

 

عبادَ اللهِ: إنَّ روحَ العبادةِ في الإسلامِ هوَ تعظيمُ اللهِ -عزَّ وجلَّ-، فقدْ ثبتَ في الحديثِ الصحيحِ عنْ سيدِ ولدِ آدمَ، إمامِ الأولينَ والآخرينَ، وقدوةِ الخلائقِ أجمعينَ، وأتقى الناسِ لربِّ العالمينَ؛ أنَّهُ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ كانَ يقولُ في ركوعِهِ وسجودِهِ: "سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ" [رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني]، وكانَ يقولُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ، وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ" [رواه مسلم]، وكانَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يقولُ في ركوعِهِ: "سُبْحَانَ رَبِّىَ الْعَظِيمِ".

 

ومنْ أسماءِ ربِّنَا وخالقِنَا ومولانا الحسنى: "العظيمُ"، وهوَ جلَّ وعلا عظيمٌ في كلِّ شيءٍ، عظيمٌ في أسمائِهِ، وعظيمٌ في صفاتِهِ، وعظيمٌ في أفعالِهِ، وعظيمٌ في كلامِهِ، وعظيمٌ في وحيِهِ وشرعِهِ وتنزيلِهِ، بلْ لا يستحقُّ أحدٌ التعظيمَ والتكبيرَ والإجلالَ والتمجيدَ غيرَهُ، وهوَ جلَّ وعلا عظيمٌ مستحقٌّ منْ عبادِهِ أنْ يعظموهُ جلَّ وعلا حقَّ تعظيمِهِ، وأنْ يقدروهُ جلَّ وعلا حقَّ قدرهِ، قالَ اللهُ -تعالى-: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الأنعام: 91]، وفي الصحيحينِ منْ حديثٍ ابنِ مسعودٍ -رضيَ اللهُ عنهُ- قالَ: "جَاءَ جَاءٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللهَ يَضَعُ السَّمَاوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْجِبَالَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالْمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، ثُمَّ يَقُولُ: أَنَا الْمَلِكُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ، ثُمَّ قَالَ: (وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام: 91] [أخرجه الطبراني في المعجم الكبير].

 

وإنَّ منْ أعظمِ ما يعينُ العبدُ على تحقيقِ عبوديةِ التعظيمِ للربِّ: أنْ يتفكّرَ في مخلوقاتِ اللهِ العظيمةِ وآياتِهِ -جلَّ شأنُهُ- الجسيمةِ الدالةِ على عظمةِ مبدعِهَا وكمالِ خالقِهَا وموجدِها، يقولُ جلَّ شأنُهُ: (مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا) [نوح: 13] أيْ لا تعظمونَهُ حقَّ تعظيمِهِ! (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا * وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا * ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا) [نوح: 13- 18].

 

إنَّها آياتٌ عظامٌ وشواهدٌ جسامٌ على عظمةِ المبدعِ وكمالِ الخالقِ: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:164].

 

إنَّ تفكرَ المؤمنِ وتأملَهُ في آياتِ اللهِ العظيمةِ ومخلوقاتِهِ الباهرةِ تهدي قلبَهُ وتسوقُهُ إلى تعظيمِ خالقِهِ، تفكرُ في هذهِ الأرضِ التي تمشي عليها والجبالِ المحيطةِ بِكَ، إنَّ نظرةً منكَ متجردةً إلى هذهِ الأرضِ متفكرًا فيها تجدُ أنَّها مخلوقاتٌ عظيمةٌ؛ عظمةٌ تبهرُ القلوبَ، فإذا ما وسّعتَ النظرَ ونظرتَ فيما هوَ أعظمُ منْ ذلكَ وتأملتَ في السماءِ المحيطةِ بالأرضِ تتضاءلُ عندَكَ هذهِ العظمةُ؛ عظمةُ الأرضِ بالنسبةِ إلى عظمةِ السماءِ، ثمَّ إذا تأملتَ فيما هوَ أعظمُ؛ وهوَ السمواتُ السبعُ المحيطةُ بهذهِ الأرضِ، يزدادُ الأمرُ عظمةً وإجلالًا.

 

ثمَّ إذا علمتَ علمًا يقينًا أنَّ في السماءِ مخلوقاتٍ بأحجامٍ عظيمةٍ وأعدادٍ هائلةٍ تفوقُ الخيالَ، وتتجاوزُ المحيطَ الفكريَّ، وحدودَ الخواطرِ، وتيقنتَ أنَّ هذهِ المخلوقاتِ تسيرُ وفقَ خطةٍ محكمةٍ، لا تتعدى حدودُها المرسومةُ لها، ولا تميلُ عنْ مسارِهَا قيدَ أنملة، جاءَ في الحديثِ أنَّ النبيَّ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- قالَ: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَةِ اللَّهِ مِنْ حَمَلَةِ الْعَرْشِ، إِنَّ مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سَبْعِ مِائَةِ عَامٍ" [أخرجه أبو داود وصححه الألباني].

 

يا اللهُ! هذا مَلَكٌ منْ ملائكتِهِ، عبدٌ منْ عبيدِهِ، وهوَ واحدٌ منْ خلقٍ عظيمٍ هائلٍ لا يحصيهمْ إلا منْ خلقَهمْ، ثبتَ في الحديثِ أنَّهُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ قالَ: "فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنَ ابْنٍ وَنَبِيٍّ، فَرُفِعَ لِي البَيْتُ المَعْمُورُ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ، فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَ مَا عَلَيْهِمْ" [متفق عليه] فكيفَ بمالِكِ الملائكةِ؟

 

ثمَّ إذا تأملتَ في ذلكُمُ المخلوقِ العظيمِ الذي قالَ اللهُ عنهُ في أعظمِ آيةٍ في كتابِ اللهِ: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة: 255] تتضاءلُ عظمةُ السمواتِ وعظمةُ الأرضِ أمامَ عظمةِ هذا المخلوقِ! ثمَّ تتضاءلُ هذهِ العظمةُ إذا تأملَ العبدَ في النسبةِ بينَ عظمةِ الكرسيِّ وعظمةِ العرشِ المجيدِ أوسعِ المخلوقاتِ وأعظمِهَا!

 

لا إلهَ إلا اللهُ العليُّ العظيمُ.

 

يعلمُ سبحانَهُ ما كانَ وما سيكونُ وما لمْ يكنْ لوْ كانَ كيفَ يكونُ، الورقةُ تسقطُ بعلمِهِ، الهمسةُ تنبسُ بعلمِهِ، الكلمةُ تقالُ بعلمِهِ، النيةُ تعقدُ بعلمِهِ، والقطرةُ تنزلُ بعلمِهِ، والخطوةُ تنقلُ بعلمِهِ، جاءتْ خولةُ بنتُ ثعلبةَ تشتكي إلى رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- زوجَهَا، تُسرُّ إليهِ بحديثِهَا وعائشةُ في ناحيةِ الغرفةِ ما تسمعُ حديثَها، وينزّلُ اللهُ على رسولِهِ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) [المجادلة: 1]، فماذا أمامَ عائشةَ أنْ تقولَ إلا: سبحانَ الذي وسعَ سمعُهُ الأصواتَ.

 

فسبحانَهُ منْ خالقٍ عظيمٍ، جوادٍ كريمٍ.

 

نسألُ اللهَ -تعالى- أنْ يجعلَنَا بهِ عالمينَ، ومنْ خشيتِهِ مشفقينَ.

 

اللَّهمَّ امْلأْ قلوبَنا إعْظامًا وإجْلالًا لَكَ، واجْعلْنَا منَ الرَّاغبينَ الرَّاهبينَ الخاشعينَ.

 

اللهمَّ وفِّقْنَا لطاعتِكَ، وجنِّبْنا معْصيتَكَ، واجْعلْنا منَ الراشدينَ.

 

أقولُ قولي هذا...

 

 

الخطبةُ الثانيةُ:

 

الحمدُ للهِ الذي كانَ بعبادِهِ خبيرًا بصيرًا، و(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) [الفرقان: 61 - 62]، والصلاةُ والسلامُ على منْ بعثَهُ ربُّهُ هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى اللهِ بإذنِهِ وسراجًا منيرًا، بلَّغَ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأمةَ، وجاهدَ في اللهِ حتى أتاهُ اليقينُ.

وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ، صلى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعدُ:

 

عبادَ الله: إنَّ تعظيمَ اللهِ -جلَّ شأنُهُ- فرعٌ عنِ المعرفةِ بِهِ جلَّ وعلا؛ فكلَّمَا كانَ العبدُ أعظمَ معرفةً باللهِ كانَ أشدَّ للهِ تعظيمًا وأشدَّ لَهُ إجلالًا وأعظمَ لهُ مخافةً وتحقيقًا لتقواهُ جلَّ شأنُهُ، وإذا عظّمَ القلبُ ربَّهُ خضعَ لهُ سبحانَهُ وانقادَ لحكمِهِ وامتثلَ أمرَهُ وخضعَ لَهُ جلَّ شأنَهُ.

 

وجميعُ صنوفِ الانحرافاتِ وأنواعِ الأباطيلِ والضلالاتِ في جميعِ الناسِ منشؤُهَا منْ ضعفِ التعظيمِ للهِ أوِ انعدامِهِ في القلوبِ.

 

للهِ في الآفاقِ آياتٌ *** لعلَّ أقلَّها هوَ ما إليهِ هداكَ

ولعلَّ ما في النفسِ منْ آياتِهِ *** عجبٌ عجابٌ لوْ ترى عيناكَ

والكونُ مشحونٌ بأسرارٍ إذا *** حاولتَ تفسيرًا لها أعياكَ

قلْ للطبيبِ تخطفتْهُ يدُ الردى *** يا عارفَ الأدواءِ منْ أرداكَ

قلْ للمريضِ نجا وعوفيَ بعدَمَا *** عجزتْ فنونُ الطبِّ منْ عافاكَ

قلْ للصحيحِ يموتُ لا منْ علةٍ *** منْ بالمنايا يا صحيحُ دهاكَ

قلْ للبصيرِ وكانَ يحذرُ حفرةً *** فهوى بها منْ ذَا الذي أهواكَ

بلْ سائلَ الأعمى خطَا بينَ الزحامِ *** بلا اصطدامٍ منْ يقودُ خطاكَ

قلْ للجنينِ يعيشُ معزولًا بلا *** راعٍ ومرعى منْ الذي يرعاكَ

قلْ للوليدِ بكى وأجهشَ بالبكاءِ *** لدى الولادةِ ما الذي أبكاكَ

وإذا ترى الثعبانَ ينفثُ سمَّهُ *** فاسألْهُ منْ ذَا بالسمومِ حشاكَ

واسألْهُ كيفَ تعيشُ يا ثعبانُ *** أوْ تحيَى وهذا السمُّ يملأُ فاكَ

واسألْ بطونِ النحلِ كيفَ تقاطرتْ *** شهدًا وقلْ للشهدِ منْ حلاكَ

بلْ سائلَ اللبنِ المصفَّى كانَ بينَ دمٍ *** وفرثٍ منِ الذي صفاكَ

قلْ للهواءِ تحسُّهُ الأيدي ويخفى*** عنْ عيونِ الناسِ منْ أخفاكَ

وإذا رأيتَ النبتَ في الصحراءِ *** يربو وحدَهُ فاسألْهُ منْ أرباكَ

وإذا رأيتَ البدرَ يسري ناشرًا *** أنوارَهُ فاسألْهُ منْ أسراكَ

واسألْ شعاعَ الشمسِ يدني *** وهوَ أبعدُ كلُّ شيءٍ ما الذي أدناكَ

وإذا ترى الجبلَ الأشمَّ مناطحًا *** قممَ السحابِ فسلْهُ منْ أرساكَ

وإذا ترى صخرًا تفجرَ بالمياهِ *** فاسألْهُ منْ بالماءِ شقَّ صفاكَ

وإذا رأيتَ النهرَ بالعذبِ الزلالِ *** جرى فسلْهُ منِ الذي أجراكَ

وإذا رأيتَ البحرَ بالملحِ الأجاجِ *** طغى فسلْهُ منِ الذي أطغاكَ

وإذا رأيتَ الليلَ يغشى داجيًا *** فاسألْهُ منْ يا ليلُ حاكَ دجاكَ

وإذا رأيتَ الفجرَ ضاحكًا *** فاسألْهُ منْ يا صبحُ ساقَ ضحاكَ

ومنِ الذي تعصي ويغفرُ دائمًا *** ومنِ الذي تنسى ولا ينساكَ

يا أيُّها الإنسانُ مهلًا ما الذي *** باللهِ جلَّ جلالُهُ أغراكَ

اللهُ ما زالَ دونَ سائرِ خلقِهِ *** وإلى الهدى والنورِ قادَ خطاكَ

بكَ أستجيرُ ومنْ يجيرُ سواكَ *** فأجرْ ضعيفًا يحتمي بحماكَ

أدعوكَ يا ربِّ لتغفرَ حوبتي *** وتعينني وتمدّني بهداكَ

فاقبلْ دعائي وأجبْ رجائِي *** ما خابَ يومًا منْ دعا ورجاكَ

 

هذا، وصلُّوا وسلمُوا على صاحبِ الحوضِ المورودِ، واللواءِ المعقودِ، صاحبِ الوجهِ الأنورِ، والجبينِ الأزهرِ؛ نبيِّكم وحبيبِكم محمدٍ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ-، فقدْ أمرَكمُ اللهُ بالصلاةِ والسلامِ عليهِ، فقالَ جلَّ في علاهُ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

اللهمَّ صلِّ وسلمْ على أفضلِ رسلِكَ وخيرِ أنبيائِكَ وعلى آلهِ وأزواجِهِ الطيبينَ الطاهرينَ، وعلى الخلفاءِ الأربعةِ الراشدينَ المهديينَ وعنْ سائرِ الصحابةِ أجمعينَ، والتابعينَ ومنْ تبعَهمْ بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ، وعنَّا معهمْ بمنِّكَ وكرمِكَ وإحسانِكَ يا أكرمَ الأكرمينَ.

 

اللهمَّ اجعلْنَا منْ عبادِكَ المؤمنينَ الطائعينَ، وارزقْنَا التوجهَ إليكَ وحسنَ اليقينِ، واهدِنا للعملِ بشرائعِ هذا الدينِ.

 

اللهمَّ أحينا في الدنيا عابدينَ خاشعينَ، وتوفَّنَا مسلمينَ تائبينَ، واجعلْنا ممنْ يأخذونَ كتابهمْ باليمين، واجعلنا يومَ الفزعِ الأكبرِ منَ الآمنينَ.

 

اللهمَّ اغفرْ لآبائِنَا وأمهاتِنا، وأحيائِنَا وأمواتِنَا.

 

اللهمَّ طهرْنَا منْ جميعِ السيئاتِ، وثقلْ موازينِنَا بالحسناتِ، يا مجيبَ الدعواتِ، نسألُكَ اللهمَّ عزةً ورفعةً للإسلامِ والمسلمينَ، ونصرًا وتأييدًا لإخوانِنَا المستضعفينَ في كلِّ مكانٍ يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ أمنَّا في دورِنَا ووفقْ إلى الخيرِ والصلاحِ ولاةَ أمورِنَا.

 

اللهمَّ اجعلْهمْ لشرعِكَ محكمينَ، وبسنةِ نبيِّكَ عاملينَ متبعينَ، واجعلِ اللهمَّ بلدَنَا آمنًا مطمئنًّا, وزدْهُ رخاءً واستقرارًا وعمَّ بذلكَ بلادَ المسلمينَ.

 

 

المرفقات

أعظم الله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات