عناصر الخطبة
1/ كل شيء بقدر 2/ وقفة مع ظاهرة الغلاء 3/ دروس وعبر من قصة سبأ 4/ مفاسد الغلاء 5/ الشريعة توصد طرق لهيب الأسعار 6/ دور التجار 7/ واجب ولاة الأمور 8/ المخرج من هذه المصيبةاقتباس
إن الله جل وعلا قد يبتلي الناس ببعض ما كسبوا في أيديهم وأرزاقهم، أو أمنهم أو ذريتهم؛ ليعلم الصابر منهم والشاكر، ويعلم الذي يلجأ إليه ويستغيث به ممن يلجأ إلى العبيد الذين لا يملكون موتًا ولا حياة ولا نفعًا ولا ضرًّا، وليعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك.. ومما يبتلي الله به عباده...
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى الواحد في ربوبيته تكفل بالرزق لكل دابة تدب في الأرض كما قال سبحانه: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود: 6].
ثم إنه جل وعلا قد يبتلي الناس ببعض ما كسبوا في أيديهم وأرزاقهم، أو أمنهم أو ذريتهم؛ ليعلم الصابر منهم والشاكر، ويعلم الذي يلجأ إليه ويستغيث به ممن يلجأ إلى العبيد الذين لا يملكون موتًا ولا حياة ولا نفعًا ولا ضرًّا، وليعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك.
ومما يبتلي الله به عباده الغلاء، وهو غلاء الأسعار وقلة السلع وندرتها، وقد حدث مثل هذا الشيء في زمن النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء الناس إليه، فقالوا: يا رسول الله غلا السعر فسعر لنا فقال عليه الصلاة والسلام : "إن الله هو المسعر القابض الباسط، وما أحب أن يطلبني أحد يوم القيامة بشيء في نفسه وماله".
ولهذا ربطهم النبي صلى الله عليه وسلم بخالقهم، وأن يتوجهوا إلى ربهم قاضي الحاجات ومفرج الكروب والأزمات الذي يفرح بسؤال عبده له، ويغضب على من ترك سؤاله.
فكل شيء بقضاء وقدر، يقول تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)[القمر: 49]. ويقول عليه الصلاة والسلام: "كل شيء بقضاء وقدر، حتى العجز والكيس".
والله تعالى هو مقسم الأرزاق: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ)[الزخرف: 32].
والدنيا دار ابتلاء: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)[الملك: 1- 2].
إن ظاهرة الغلاء أثرت على الفقراء، وألحقت بهم الطبقة الوسطى، والناس يلقون باللائمة على غيرهم، ونسوا أن الذنوب والمعاصي الصادرة منهم سبب رئيس من أسباب الغلاء قال عليه الصلاة والسلام: "إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه".
وقال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الروم: 41]، إن الذنوب تورث وهناً في الجسم ووحشة في القلب وضيقًا في المعيشة.
ولا يخفاكم ما حدث لسبأ بسبب كفرهم وعدم شكرهم للنعم، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُورَ) [سبأ: 15- 17]، فسلط الله عليهم أصغر مخلوقات وهي الفأرة التي نقبت سد مأرب العظيم فكان فيه هلاكهم..
وصدق القائل:
خل الذنوب صغيرها *** وكبيرها ذاك التقى
واصنع كماشٍ فوق أرض *** الشوك يحذر ما يرى
لا تحقرن صغيرة *** إن الجبال من الحصى
لا شك أيها الإخوة أن للغلاء مفاسد لعل أهمها :
- يعجز الفقير عما لا غنى له عنه.
- يتحمل الديون.
- تتوالى عليه الضغوط النفسية .
- يلجأ ضعفاء الإيمان إلى طرق غير مشروعة.
- الغلاء سبب من أسباب الشح.
- تتعمق الفجوة بين شرائح المجتمع.
من أجل هذا جاءت الشريعة لتوصد الطرق أمام ارتفاع الأسعار، من ذلك:
- تحريم اللعب بالأسعار.
- تحريم الكسب الحرام .
- تحريم النجش.
- تحريم إنفاق السلعة بالحلف الكاذب .
- تحريم الاحتكار.
الخطبة الثانية:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد:
فإنه يجب على التجار أن يتقوا الله عز وجل، فإنهم يُبعثون فجارًا إلا من بر واتقى. فهم صمام الأمان لهذه الأمة، فإما أن يكونوا معول هدم أو أداة بناء في المجتمع.
كفى شرفًا وفخرًا أن التاجر الصادق يُحشر يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء.
ورحم الله عبدًا سمحًا إذا باع، وسمحًا إذا اشترى، سمحًا إذا اقتضى.
كما أنه يجب على الدولة أن تتق الله في شعبها، فالولاية تكليف لا تشريف، قال عليه الصلاة والسلام: "من ولاه الله رعية، ثم لم يحطهم بنصيحة لم يجد رائحة الجنة".
وقال عليه الصلاة والسلام: "كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته".
وقال عليه الصلاة والسلام: "ثلاثة لا يكلمهم الله تعالى، وذكر منهم: ملك كذاب".
فعلى ولاة الأمر الإحاطة بأسباب ارتفاع الأسعار، ودراستها، وإيجاد الحلول المناسبة.
إن نزول البلاء في هذه الأمة إنما هو بسبب ذنوبها ومعاصيها، ولن ترتفع إلا بتوبة صادقة، فبقاء النعم مرهون بالشكر والحمد. قال الله تعالى: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم : 7]. وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
وبالمقابل، فإن كفران النعم وعدم شكرها يؤدي إلى نزول العذاب (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[الأعراف: 96].
كما أنه على الدولة تطبق النظام الشرعي في باب الاقتصاد والابتعاد عن الربا الذي يمحق خيرات البلد وثرواته.
أخيرًا -أيها الإخوة- علينا الرجوع إلى الله وكثرة الاستغفار ليرفع الله ما حل بنا من الغلاء والأمراض والبلاء، قال تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا * مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح: 10- 13].
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم