عناصر الخطبة
1/ قضاء الحوائج من صفات الأنبياء الكرام 2/ وجوب إعطاء من سأل بالله تعالى 3/ من حقوق المسلمين بعضهم على بعض 4/ الأجور المترتبة على قضاء حوائج الناساقتباس
إعطاء من سأل بالله؛ فإن سأل ما هو حق كالزكاة؛ فالواجب إعطاؤه تعظيمًا لله - سبحانه وتعالى- وذلك من تحقيق التوحيد الواجب، أما من سأل بالله ما ليس بحق له؛ كأن يسأل مالاً أو متاعًا وهو ليس محتاجًا ولا مضطرًا فإعطاؤه مسألته من تعظيم الله - سبحانه-؛ وذلك من تحقيق التوحيد المستحب
الحمد لله، أرشد وهدى، ووفق من شاء من عباده للهدى، ومن أضل فلن تجد له وليًا مرشدًا، أحمده سبحانه وأشكره، لا تحصى آلاؤه عددًا ولا تنقطع فضائله مددًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ولا أشرك به أحدًا، وأشهد أن نبينًا محمدًا عبد الله ورسوله كرم رسولاً وشرف محتدًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله أنوار الدجى وأصحابه مصابيح الهدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان صلاةً وسلامًا وبركات دائمات أبدًا سرمدًا.
أما بعد: فاتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا من الإِسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أقدامكم وأجسامكم على النار لا تقوى، فاستعدوا لما أمامكم، وانتبهوا من غفلتكم.
عباد الله: نفع الناس والسعي في كشف كروبهم من صفات الأنبياء والرسل، فالكريم يوسف -عليه السلام- مع ما فعله إخوته من الإِضرار به وإلقائه في البئر، إلا أنه أحسن إليهم وجهزهم بجهازهم، ولم يبخسهم شيئًا منه.
وموسى كليم الله -عليه السلام- لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون، ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، أحسن إليهما فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.
وخديجة -رضي الله عنها- تقول في وصف نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-: "إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق" رواه البخاري.
وأشرف الخلق محمد -صلى الله عليه وسلم- إذا سُئل عن حاجة لم يرد السائل عن حاجته، يقول جابر -رضي الله عنه-: "ما سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئًا قط، فقال: لا" رواه البخاري في الأدب المفرد.
أما نبلاء الإسلام وأعلام الأمة فشأنهم قضاء الحوائج، يقول ابن القيم عن ابن تيمية - رحمهما الله-: "كان شيخ الإِسلام يسعى سعيًا شديدًا لقضاء حوائج الناس".
بهذا جاء الدين: علم وعمل، عبادة ومعاملة، بل والإِحسان يمتد إلى الحيوان، فقد قال -صلى الله عليه وسلم: "إن امرأة بغيًا، رأت كلبًا في يوم حار يطيف ببئر قد أدلع لسانه من العطش، فنزعت له بموقها فغفر لها" رواه مسلم.
وعلى عكس؛ ذلك ها هي امرأة تعدت وظلمت: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا، فدخلت فيها النار" قال: فقال: -والله أعلم-: "لا أنت أطعمتها ولا سقيتها حين حبستها، ولا أنت أرسلتها فأكلت من خشاش الأرض" رواه البخاري.
أيها المسلمون: روى أبو داود والنسائي في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سأل بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه".
اشتمل هذا الحديث على وصايا عظيمة فيها تعظيم لحق الله -سبحانه- وتعظيم لحق المسلم، فتعظيم أمر الله -سبحانه- بأمرين:
إعاذة من استعاذ بالله بأن قال: أعوذ بالله من شَرِّكَ، أو شر فلان، فامنعوا الشر منه، وكفوا عنه، تعظيمًا لله -سبحانه-، وذلك من تحقيق التوحيد الواجب، ولما قالت الجونية لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أعوذ بالله منك، قال: "لقد عذت بمعاذ، الحقي بأهلك" رواه البخاري.
إعطاء من سأل بالله؛ فإن سأل ما هو حق كالزكاة؛ فالواجب إعطاؤه تعظيمًا لله - سبحانه وتعالى- وذلك من تحقيق التوحيد الواجب، أما من سأل بالله ما ليس بحق له؛ كأن يسأل مالاً أو متاعًا وهو ليس محتاجًا ولا مضطرًا فإعطاؤه مسألته من تعظيم الله - سبحانه-؛ وذلك من تحقيق التوحيد المستحب.
والواجب على السائل تعظيم السؤال بالله، فلا يسأل بالله إلا عند الحاجة، أما سؤال الخلق بوجه عام؛ فيحرم سؤال الناس المال إلا للضرورة، أما سؤال المعونة بالجاه أو البدن؛ فمكروه إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك لما في المسألة من التذلل لغير الله.
إن من تعظيم الله -سبحانه- وإجلاله أن لا يرُد من استعاذ بالله أو سأل بالله؛ لأنَّ من سأل بالله سأل بعظيم، ومن استعاذ بالله فقد استعاذ بعظيم، والقلب المُعظم لله لا يرد هذا ولا هذا؛ تعظيمًا وإجلالاً له، وهذا من تحقيق التوحيد.
أما تعظيم حق المسلم في الحديث فذلك بأمور: إجابة دعوته لقوله -صلى الله عليه وسلم: "ومن دعاكم فأجيبوه ومن صنع إليكم معروفًا فكافئوه".
أي: من دعاكم إلى طعام فأجيبوه، والحديث أعم من الوليمة وغيرها، وهو يدل على الوجوب إلى وليمة العرس وغيرها، وإن كانت وليمة العرس أوكد وأوجب، وإن كان يقصد إلزامه بالقسم وجبت إجابته، أو إكرامه فلا تجب عليه، وقال -عليه الصلاة والسلام-: "ولو دعيت إلى كراع لأجبت".
ومن حقوق المسلمين بعضهم على بعض: إجابة دعوة المسلم، وتلك من أسباب الألفة والمحبة بين المسلمين، وإكرام الداعي ما لم يكن منكرًا أو يجر إلى منكر.
وشروط إجابة الدعوة: أن يكون الداعي ممن لا يجب هجره أو يسن، وألا يكون هناك مُنكر في مكان الدعوة، فإن كان هناك منكر فإن أمكن إزالته وجب عليه الحضور، وأن يكون الداعي مُسلمًا، وألا يكون كسبه حرامًا، وألا يتضمن إجابته إسقاط واجب أو ما هو أوجب منه، وألا تتضمن ضررًا على المجيب.
وتجب إجابة الدعوة لوليمة العرس إذا لم يكن فيها منكر لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يُجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله" رواه مسلم.
والأمر الآخر لتعظيم حق المسلم: مكافأة صانع المعروف؛ والمعروف اسم جامع للخير، أي من أحسن إليكم أي إحسان فكافئوه على إحسانه بمثله أو خير منه؛ لأن المكافأة على المعروف من المروءة التي يحبها الله ورسوله، وفيها السلامة من البخل ومذمته، ولا يهملها إلا اللئام، وبعضهم يكافئ على الإحسان بالإِساءة، بخلاف أهل التقوى والمروءة، فإنهم يدفعون السيئة بالحسنة، طاعة لله ومحبة لما يحبه لهم ويرضاه.
والمكافأة تُخلص القلب من رق وإحسان الخلق، ولا شك أنك إذا لم تكافئ من صنع إليك معروفًا بقي في قلبك له نوع تأله، فشرع قطع ذلك بالمكافأة ولو كافرًا، وهو أولى من مكافأة المسلم، إذ منَة المسلم أسلم من منة الكافر، ويدل له قوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أحسن إليكم فأحسنوا إليه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له، حتى تروا أنكم قد كافأتموه" رواه أبو داود والنسائر بسند صحيح.
أي: فإن لم تقدروا على مكافأته فادعوا له، أي: بالغوا في الدعاء له جهدكم حتى تحصل المكافأة، أرشدهم -صلى الله عليه وسلم- إلى أن الدعاء في حق من لم يجد المكافأة يقوم مقام المكافأة للمعروف، فيدعو له على حسب معروفه، ووجه المبالغة أنه رأى في نفسه تقصيرًا في المجازاة لعدم القدرة عليها فأحالها إلى الله، ونعم المجازي -سبحانه وتعالى-.
وروى الترمذي وغيره وصححه النسائي وابن حبان عن أسامة مرفوعًا: "من صُنع إليه معروف فقال لفاعله: جزاك الله خيرًا، فقد أبلغ في الثناء".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110]
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
عباد الله: فالمعروف ذخيرة الأبد، والسعي في شئون الناس زكاة أهل المروءات، ومن المصائب عند ذوي الهمم عدم قصد الناس لهم في حوائجهم، يقول حكيم بن حزام - رضي الله عنه-: "ما أصبحت وليس على بابي صاحب حاجة؛ إلا علمت أنها من المصائب".
وأعظم من ذلك أنهم يرون أن صاحب الحاجة مُنعم ومتفضل على صاحب الجاه حينما أنزل حاجته به، يقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: "ثلاثة لا أكافئهم: رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إليَّ إرادة التسليم عليَّ، فأما الرابع فلا يكافئه عني إلا الله، قيل: ومن هو؟ قال: رجل نزل به أمر فبات ليلته يفكر بمن ينزله، ثم رآني أهلاً لحاجته فأنزلها بي" رواه البيهقي في الشعب.
والإِحسان إلى المخلوقين ومسايرة الضعفاء والمساكين دليل على: طيب المنبت، ونقاء الأصل، وصفاء القلب، وحسن السريرة؛ ومن سعى في نفع إخوانه المسلمين والإِحسان إليهم فليبشر بالأجر العظيم والثواب الجزيل، ومن الأجور العظيمة لقاء القيام بهذه الأعمال:
أولاً: رضا الله -عز وجل-، والتقرب إليه بالأعمال الصالحة التي تنفع العباد.
ثانيًا: محبة الله -عز وجل- للمحسنين وأنه معهم، وكفى بذلك فضلاً وشرفًا، قال تعالى: (وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 195]
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-: "وهذا يشمل جميع أنواع الإِحسان بالمال، ويدخل فيه الإٍحسان بالجاه والشفاعات ونحو ذلك، ويدخل في ذلك الإٍحسان: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم العلم النافع، ويدخل في ذلك قضاء حوائج الناس من تفريج كرباتهم، وإزالة شدائدهم، وعيادة مرضاهم، وتشييع جنائزهم، وإرشاد ضالهم، وإعانة من يعمل عملاً، والعمل لمن لا يحسن العمل، ونحو ذلك في الإٍحسان الذي أمر الله به".
ثالثًا: الإِحسان من أسباب دخول الجنة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة" وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى. متفق عليه.
رابعًا: أن الله -عز وجل- يتولى قضاء حوائج المحسنين إلى عباده، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من كان في حاجة أخيه: كان الله في حاجته" رواه البخاري.
خامسًا: أن الله -عز وجل- يُنفس عن عباده المحسنين كربات يوم القيامة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" رواه البخاري.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة؛ فليُنفس عن معسر أو يضع عنه" رواه مسلم.
سادسًا: الساعي لقضاء حوائج الناس موعود بالإِعانة، مؤيد بالتوفيق، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، وفي خدمة الناس والقيام بأمورهم بركة في الوقت والعمل، وتيسير ما تعسر من ألأمور، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من يسر على مُعسر: يسر الله عليه في الدنيا والآخرة" وقال -صلى الله عليه وسلم-: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" متفق عليه.
سابعًا: الإحسان إلى الناس سبب لدفع الرزايا والبلايا ودفع الأمراض، والعافية من الأسقام.
ومن فضل الله ومنته أنه جعل الجزاء من جنس العمل، ومن ذلك أنه جعل ثواب الإحسان إحسانًا كما قال -عز وجل-: (هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَانُ) [الرحمن: 60]، فمن أحسن عملاً أحسن الله جزاءه، بل وتكرم بجوده وكرمه وأنزله أعلى المنازل وأفضلها، قال سبحانه وتعالى: (وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ) [البقرة: 58]، وقال سبحانه وتعالى: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) [يونس: 26] والزيادة فسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالنظر إلى وجه الله -عز وجل- في جنات النعيم.
جعلني الله وإياكم من أهل الإِحسان والمعروف.
هذا، وصلوا.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم