عناصر الخطبة
1/ قبول العمل أمنية العاملين 2/ خوف الصالحين من عدم قبول العمل 3/ ثمرات الخوف من عدم قبول العمل 4/ مساوئ الشغف بصور الأعمال والغفلة عن حقائقها وأسرارها 5/ شروط قبول العمل 6/ ذم الجدل والحث على تركه 7/ مسألة في أحكام صيام الست من شوال.اقتباس
كثيرًا ما نشغف بصور الأعمال، ونغفل عن حقائقها وأسرارها وأثرها على قلوبنا، فنخرج من أعمالنا بصور لا حقائق لها، وبرسوم خالية من مقاصدها.. إن خوف عدم قبول العمل يحمل العبد على الاجتهاد، وبذل المزيد في التقرب إلى الله -عز وجل-، يحمل العبد على إظهار الافتقار وتمام الانكسار، والخضوع والذل بين يدي العزيز الغفار -جل في علاه- فيقر بعظيم إحسانه وكبير منّه وفضله، ويشهد أنه لولاه ما صلى ولا صام، ولولاه ما عرف الهدى ولا نجا من الضلال،..
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي الفضل والإحسان، جزيل العطايا كريم المن واسع الغفران، أحمده له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون، وأشهد أن لا إله الله إله الأولين والآخرين، لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.
وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله خيرته من خلقه، بعثه الله بالهدى ودين الحق بين يدي الساعة مبشرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله؛ فإن تقوى الله تجلب كل سعادة، وتدفع كل شقاء، يدرك الإنسان بها فوز الدنيا ونجاة الآخرة. اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وحزبك المفلحين، وأوليائك الصالحين يا رب العالمين.
أيها المؤمنون: إن أعظم ما يمنُّ الله به على الإنسان في دنياه أن يوفِّقه لصالح العمل، فذلك تحقيق لغاية الوجود: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56]، فإذا تفضل الله على العبد بالعمل شهد إحسان الله –تعالى- عليه بإعانته على طاعته فيزول بذلك كل ما يمكن أن يتسرب إلى القلب من عجب، قال سبحانه وبحمده: (كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا) [النساء:94]، وقال لقوم منُّوا على رسوله بالهداية والاستقامة (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ).
والله لو الله ما اهتدينا، ولا تصدقنا ولا صلينا، فله الحمد على كل إحسان وله الشكر على كل فضل وإنعام، ونسأله المزيد من فضله وواسع عطائه، وأن يمن علينا بأن يستعملنا في صالح الأعمال.
أيها المؤمنون: إذا تفضل الله -تعالى- على العبد بالعمل الصالح فزع قلبه إلى ربه إلى رب حي كريم أن يقبل عمله، فإنه إذا ردَّه لم يكن ناجحًا، فمهما عظمت الأعمال، ومهما جلت وكبرت فلا غنى بالعبد عن دعاء الله -تعالى-، وسؤاله أن يقبل ما كان من صالح عمله.
فالتقصير والقصور قرين بنو آدم، لذلك كان قبول العمل أمنية العاملين، وهو مقصود العمل وغايته التي لأجلها نُصب العباد وجهدوا وهو ما كان يشتغل فيه المشتغلون، وتتعلق به نفوس العاملون أن يكون عملهم مقبولاً.
هذا خليل الله -عز وجل- وابنه إسماعيل -عليهما السلام- يرفعان البيت كما أخبر الله -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127].
روى ابن أبي حاتم عن مهيب أنه قرأ قوله -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [البقرة:127]، ثم بكى وهو يقول: "خليل الرحمن يرفع قوائم بيت الرحمن وهو مشفق ألا يقبل منه".
عباد الله: امرأة عمران نذرت ما في بطنها لله محررًا، فقالت: ربي إني نذرت لك ما في بطني محررًا، أي: خالصًا لعبادتك والقيام بحقك، ثم تفزع إلى الله -تعالى- بعد نذرها أن تخلص ولدها لخدمة الله -عز وجل- والقيام بحقه: (فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [آل عمران: 35].
يقول علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "كونوا لقبول العمل أشد اهتمامًا بالعمل، فإنه لن يقبل عمل إلا مع التقوى" وهو يشير بذلك إلى قوله -جل وعلا-: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
روي عن عبدالله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أنه جاءه سائل، فقال لابن له: أعطه دينارًا أو درهمًا، فقال له ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، قال: لو علمت أن الله قبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم واحد لم يكن غائب أحب إليَّ من الموت، أتدري مما يتقبل الله؟ هكذا يقول عبدالله بن عمر لابنه.. (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
عباد الله: المخلصون أصحاب عمل دائب في خصال الإيمان، وعمل متواصل في خصال الإحسان، لكنهم لا يركنون إلى ذلك بقلوبهم ولا يستعظمونه في حق ربهم، بل هم مشفقون من عدم قبول الملك الديان جل في علاه كما حكى جل وعلا عنهم (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60]، قالت عائشة -رضي الله تعالى عنها: "هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟" قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يا ابنة الصديق! إنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون، وهم يخافون ألا تقبل منهم أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون".
أيها المؤمنون: إن خوف عدم قبول العمل يحمل العبد على الاجتهاد، وبذل المزيد في التقرب إلى الله -عز وجل-، يحمل العبد على إظهار الافتقار وتمام الانكسار، والخضوع والذل بين يدي العزيز الغفار -جل في علاه- فيقر بعظيم إحسانه وكبير منّه وفضله، ويشهد أنه لولاه ما صلى ولا صام، ولولاه ما عرف الهدى ولا نجا من الضلال، ولولاه ما كان من الصائمين القائمين العابدين المتصدقين فيضمحل بذلك كل عجب يمكن أن يتسرب إلى القلوب، ويبقى شيء واحد، ألا وهو أن يفتقر العبد إلى رحمة ربه.
جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-: "لن يُدخِل أحدًا عملُه الجنةَ"، قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال "لا ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة"، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "فسددوا وقاربوا"، وانظر إلى هذا البيان النبوي الذي لفت الأنظار إلى أن الأعمال مهما عظمت وكبرت وكثرت وجادت وحسنت لا يستحق بها الإنسان الجنة لولا فضل الله ورحمته.
لكن هذا ليس دعوة لترك الأعمال ولا للاتكال على رحمة العزيز الرحمن دون أن يبذل لذلك أسبابًا ينال بها رحمته، فالرحمة لها أسباب من أخذ بها نالها، ومن أعرض عنها حرمها.
الراحمون يرحمهم الله، جعلنا الله وإياكم منهم، لذلك قال -صلى الله عليه وسلم- بعد أن بيَّن أن الرحمة هي الموجبة لعظيم الفضل والعطاء، قال: "فسددوا وقاربوا" فلا بد من عمل.
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "علامة قبول عملك احتقاره واستقلاله وصغره في قلبك، حتى إن العارف ليستغفر الله عقيب طاعته، فنحن بعد صلاتنا نقول: "أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله"، وقد أمر الله -تعالى- الحجاج الذين وقفوا منيبين إليه مطرحين بين يديه أذلاء مضحين له -جل في علاه-، أمرهم إذا انصرفوا من عرفة أن يستغفروا الله -عز وجل-؛ ذاك أنهم أصحاب إقرار بعظيم حق الرب وضعف وقلة ما يقدمه العبد.
ألم يذكر الله -تعالى- عن قوم تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفًا وطمعًا، ألم يذكر عنهم جل في علاه أنهم (وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الذاريات:18]، ماذا جنت أيديهم وهم قائمون راكعون ساجدون باكون بين يدي الله، إنهم لم يجنوا خطيئة لكنهم عرفوا قدر ربهم، وما له -جل في علاه- من الحقوق، فتصاغر أمامهم كل عمل يقدمونه في حق ربهم جل في علاه.
هكذا يعرف الإنسان قدر عمله، وأنه مهما عظم فهو قليل في حق ربه، ومهما جل فإنه حقير في حق العظيم، قال جل في علاه (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ).
لكنه لابد أن يقدم الإنسان عملاً يظهر به صدق ما في قلبه، لذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "والصدقة برهان".
نعم! عن العمل برهان ودليل على صدق الرغبة، فيما عند العزيز الغفور الرحيم الرحمن، فنسأله -جل في علاه- أن يكلنا إلى فضله، وأن يعاملنا بجوده، وأن يجعلنا من أهل عطائه وإحسانه، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين أحمده حق حمده، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته واقتفى أثره بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فاتقوا الله عباد الله، اتقوا الله -تعالى- حق التقوى، واعتبروا بما قصَّه الله -تعالى- من أنباء من قد سبق من الأمم الماضية والأخبار الخالية ففيها من العبر والعظات ما تتعظ به القلوب وتعتبر به الألباب وتهتدي به النفوس إلى الصائب من القول والصالح من العمل.
أيها المسلمون: قال الله -جل في علاه-: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا) هذان من أبناء آدم تقرب كل واحد منهما بقربة، ثم انظر ماذا كانت العاقبة، وماذا صار إليه ذلك العمل، قال جل وعلا: (فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة:27].
نعم هذه قاعدة القبول، إن الله -تعالى- إنما يتقبل الأعمال الصالحة من المتقين فليس الشأن فيما يكون من صور العمل فحسب، بل لا بد من عمل القلب الذي هو المركب الحقيقي الذي يصل به الإنسان إلى بر الله وفضله.
قطع المسافة بالقلوب إليك لا بالسير فوق مقاعد الركبان والعبد يصل بقلبه وصادق رغبته وعظيم إقباله على ربه -جل في علاه- وصالح نيته ما لا يصل بعمله.
فأحسنوا القصد، وحققوا التقوى في قلوبكم وأعمالكم، وارجوا من الله -تعالى- النوال والفضل؛ فإن العمل إذا خلا من عمل القلب كان صورة لا معنى لها.
ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
كثيرًا ما نشغف بصور الأعمال، ونغفل عن حقائقها وأسرارها وأثرها على قلوبنا، فنخرج من أعمالنا بصور لا حقائق لها، وبرسوم خالية من مقاصدها.
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن القبول إنما يكون بشرطين: أن يكون العمل لله خالصًا، وهذا معدن التقوى وأصلها، وأن يكون على وفق السنة سائرًا، وهذا هو طريق النجاة، فقد سدَّ الله الطرق الموصلة إليه إلا طريق واحدًا، إنه الطريق الذي سلكه -صلى الله عليه وسلم-، وكان يقول للناس في خطبه: "إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها".
فالزموا هذه الوصية تتحقق لكم التقوى في قلوبكم وأعمالكم وأقوالكم وأحوالكم.
أيها المؤمنون: إن من الأعمال ما يكون سببًا للتقوى، ومن أعظم ذلك أن يجتهد الإنسان في بر والديه، وأن يجتهد في التوبة والأوبة إلى الله والانكسار بين يديه، فإن الله -تعالى- قد قال في كتابه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ)، أي أعني وألهمني أن أشكر نعمتك التي (أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [الأحقاف:15].
يقول الله -جل وعلا- بعد هذا الوصف المتضمن لبر الوالدين والضراعة إلى الله -عز وجل- بصلاح الحال والعمل والتوبة، وصلاح الذرية والاستقامة، والموت على الإسلام يقول جل وعلا: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا)، وليس الأمر كذلك فقط (وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ)، ثم يأتي (فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف:16].
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين وحزبك المفلحين وأوليائك الصالحين يا رب العالمين.
أيها المؤمنون: إن مسائل الدين وأحكام الشريعة ليست عرضة للمناقشات والجدل العقيم الذي لا يثمر عملاً، ولا يؤدي إلى صالح من القول أو الحال أو العمل، لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقًّا".
وما أكثر الجدل في حياة الناس اليوم جدلاً قد لا يؤدي إلى ثمرة، بل في كثير من الأحيان يوغر الصدور، ويشتت الأذهان ويفرِّق الجمع، ولا تجد من ورائه طائل لا في صلاح دين ولا في صلاح دنيا، وهذا من الجدل المذموم الذي ينبغي للمؤمن أن ينأى بنفسه عنه، سواء كان ذلك في أصل الدين في مسائل الاعتقاد أو في مسائل العمل أو كان ذلك في مسائل الدنيا.
تجنب المراء واحذره، والزم التقوى في الظاهر والعلن والسر والخفاء، وارجوا من الله العطاء؛ فإن فضله واسع، وإياك أن تدخل في مهاترات أو مجادلات بأيّ وسيلة كانت، سواء كان ذلك في المجالس والاجتماعات أو كان ذلك عبر وسائل التواصل وغيرها، بل الزم الحق وابحث عنه واطلبه وارجع إلى معدنه تجده، وإن لم تصل إليه بنفسك فقد أمرك الله -تعالى- بالرجوع إلى أهله فقال: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [الأنبياء:7].
وأهل الذكر هم أهل العلم بالقرآن، وأهل العلم ببيانه، وهي سنة خير الأنام -صلوات الله وسلامه عليه-، وإن كثيرًا مما يجري بين الناس في مسائل الأحكام مما تتسع فيه الأقوال، وينبغي للإنسان أن يتقي الله -تعالى- وألا يتشدد في أمر جعل الله فيه سعة، وألا يحمل الناس على اختياره، ومن ذلك نقاشهم في صيام الست هل هو مشروع أم لا؟
من قال: إنه مشروع وأخذ بقول جماهير العلماء فذلك فضل وخير وهو على قول معتبر مبني على الدليل، ومن قال بغير ذلك فقد سبق إلى هذا من أهل العلم، فلا داعي لمناقشات لا تجدي ولا تثمر إلا إيغار الصدور والتشويش على الناس.
ولا فرق أن يصومها متتابعة أو متفرقة بعد العيد أو خلال الشهر، فذلك كله فضل، ولتعلم أن من العلماء من قال: إن صيام الست يُدرَك بصيام ست أيام من العام، وليس من شوال وحسب، وإنما ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- شوال لأجل المبادرة؛ هكذا قال الإمام مالك، رحمه الله.
فالمسألة ينبغي أن تؤخذ بهذا الإطار، وألا يشغب على الناس ما عرفوه وألفوه، وألا يحكم الإنسان ما عرفه وألفه على الشرع فيجعله شرعًا وينقله إلى أن يكون دينًا وهو قولٌ من أقوال أهل العلم لا يلغي غيره.
أسأل الله العظيم أن يرزقني وإياكم البصيرة في الدين، وأن يعيذنا من نزغات الشياطين، وأن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وأن يصرف عنا السوء والفحشاء.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم