لا خير في أمة يشتم نبيها!

ناصر بن محمد الأحمد

2014-11-12 - 1436/01/19
عناصر الخطبة
1/تطاول الصحف الدنماركية على نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- وموقف الحكومة الدنماركية من ذلك 2/حقد النصارى على الإسلام وأهله 3/قِدم حملات التشويه ضد نبي الإسلام ودوافعها 4/وجوب نصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والذب عنه 5/حكم ساب النبي -صلى الله عليه وسلم- وعقوبته في الدنيا والآخرة 6/بعض حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته 7/تعظيم السلف للنبي -صلى الله عليه وسلم- وإجلالهم له 8/دور المسلمين تجاه حادثة التطاول على نبيهم -صلى الله عليه وسلم- وكيفية نصرتهم له صلى الله عليه وسلم

اقتباس

لقد أزعجهم سرعة انتشار الإسلام في الغرب، والذي أثار غيرة كل المعادين للدين سواء أكانوا من النصارى أو اليهود، أو حتى من العلمانيين والملحدين. وأيضاً حسد القيادات وخصوصاً الدينية؛ فإن كثيراً من هؤلاء يغيظهم شخص الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل حتى المنافقين في العالم الإسلامي، لما يرون من...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: لقد تسامع الناس ما وقع من صحف دنمركية ونروجية من إصرار على التطاول والانتقاص لسيد ولد آدم، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وخير الخلق أجمعين، والمبعوث رحمة للعالمين، محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

وهذا الذي حصل ليس بالأمر اليسير، بل هو مصاب جلل وعظيم، أن يصل الجرأة بالنصارى وعباد الصليب إلى هذا الحد.

 

لقد أظهروا نبينا -صلى الله عليه وسلم- في صور آثمة وقحة، وقاحة الكفر وأهله، أظهروا النبي -صلى الله عليه وسلم- في إحدى هذه الرسومات عليه عمامة تشبه قنبلة ملفوفة حول رأسه، وكأنهم يريدون أن يقولوا: إنه مجرم حرب: (أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ)[الأنعام: 31].

 

وأخرى يظهر النبي -صلى الله عليه وسلم- كإرهابي يلوح بسيفه، ومعه سيدات يرتدين البرقع، وصور غيرها لا تقل بشاعة وشناعة عنها.

 

إن ما فعلت الدنمارك هو استهانة بمشاعر أكثر من مليار و(400) مليون مسلم، بالرغم من أن مسلمي الدانمارك والذين يبلغ عددهم (200) ألف مسلم.

 

والإسلام هو الديانة الثانية في الدانمارك بعد المسيحية، حاولوا الاحتجاج على القرار، وذلك عن طريق رفع مذكرة إلى الحكومة الدانماركية، إلا أن الجواب كان هو الرفض، وإصرار الحكومة على دعم حملة الهجوم تحت مسمى: "حرية التعبير".

 

بل كان الموقف الحكومي الدنماركي أكثر شراسة برفض المدعي العام تلبية طلب الجالية الإسلامية، برفع دعوى قضائية ضد الصحيفة بتهمة انتهاك مشاعر أكثر من مليار مسلم في العالم، وقال المدعي العام الدانماركي: "إن القانون الذي يُستخدم لتوجيه تهم بسبب انتهاك حرمة الأديان لا يمكن استخدامه ضد الصحيفة".

 

إن حالة العداء للإسلام والمسلمين في الدنمارك تجاوزت كل الخطوط، فهناك تعبئة عامة ضد الإسلام على كافة المستويات بدءاً من التصريح الذي نقل على لسان ملكة الدنمارك: "مارجريت الثانية" والذي قالت فيه: "إن الإسلام يمثل تهديداً على المستويين العالمي والمحلي".

 

وحثت حكومتها إلى عدم إظهار التسامح تجاه الأقلية المسلمة، انتهاءً بمواقع الإنترنت التي يطلقها دنماركيون أفراداً ومؤسسات خاصة، تحذر من السائقين المسلمين؛ لأنهم إرهابيون وقتلة مروراً بالحملة العامة في الصحف ومحطة التلفاز العامة التي أعلنت الحرب ضد الإسلام والمسلمين.

 

فبالله عليكم ماذا يبقى في الحياة من لذة يوم يُنال من مقام محمد -صلى الله عليه وسلم- ثم لا يُنتَصر له؟ ولا يذاد عن حياضه؟ وماذا نقول تجاه هذا العداء السافر والتهكم المكشوف؟ هل نغمض أعيننا، ونصم آذاننا ونطبق أفواهنا، وفي القلب عرق ينبض؟

 

فو الذي كرَّم محمداً -صلى الله عليه وسلم-، وأعلى مكانته لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق، وندافع عن رسولنا؟

 

ألا جفت أقلام، وشُلت سواعد، امتنعت عن تسطير أحرفٍ تذود بها عن عرضه صلى الله عليه وسلم، وتدافع عن حرمته؟

 

مَحَمَّدُ الْمَبْعُوثُ لِلخَلْقِ رَحْمَةً *** يَشَيِّدُ مَا أَوْهَى الضَّلاَلُ وَيُصْلِحُ

لَئِيْن سَبَّحَتَ صُمُّ الْجِبَالِ مُجِيْبَةً  *** لِدَاودَ أَوْ لاَنَ الْحَدِيْدُ الْمُصَفْحُ

فَإِنَّ الصَّخُورَ الصُّمُّ لاَنَتْ بِكَفِّهِ  *** وَإِنَّ الْحَصَى فِي كَفِّهِ لَيُسَبِّحُُ

وَإِنَّ كَانَ مُوْسَى أَنْبَع المَاء مِن الْحَصَى  *** فَمِنْ كَفِّهِ قَدْ أَصْبَحَ الْمَاءُ يَطْفَحُ

وَإِنْ كَانَتْ الرِّيْحُ الرَّخَاءْ مُطِيْعَةً  *** سُلَيْمَانَ لاَ تَأْلُوْ تَرُوْحُ وَتَسْرَحُ

فَإِنَّ الصِّبَا كَانَت لِنَصْرِ نَبِيِّنَا  *** بِرُعْبٍ عَلَى شَهْرٍ بِهِ الْخَصْمُ يَكْلَحُ

وَإِنْ أُوْتِيَ الْمُلْكَ العَظِيْمَ وَسَخِّرَتْ  *** لَهُ الْجِنُّ تَشْفِي مَارِضيْهِ وَتَلْدَحُ

فَإِنَّ مَفَاتِيْحَ الكُنُوزِ بِأَسْرِهَا  *** أَتَتْهُ فَرَدَّ الزَّاهِدُ الْمُتَرَجِّحُ

وَإِنْ كَان إِبْرَاهِيْمُ أُعْطِيَ خُلَّةً  *** وَمُوْسَى بِتَكْلِيْم عَلَى الطُّورِ يَمْنَحُ

فَهَذَا حَبِيْبٌ بِل خَلِيْلٌ مُكَلَّمٌ  *** وَخُصَّصَ بِالرُؤْيَا وََبِالْحَقِّ أَشْرَحُ

وَخُصّصَ بِالْحَوْضِ العَظِيْمِ وَباللِّوَا  *** وَيَشْفَعُ لِلْعَاصِيْنَ وَالنَّارُ تَلْفَحُ

وَبالْمَقْعَدِ الأَعْلَى الْمُقَرَّبِ عِنْدَهُ  *** عَطَاءٌ بِبُشْرَاهُ أَقِرُّ وََأَفْرَحُ

وَبِالرُّتْبَةِ العُلْيَا الوَسِيْلةِ دُوْنَهَا  *** مَرَاتِبُ أَرْبَابِ الْمَوَاهِبُ تَلْمَحُ

وَفِي جَنَّةِ الفِرِدَوْسِ أَوَّلُ دَاخِل  *** لَهُ سَائِرُ الأَبْوَابِ بِالْخَيْرِ تُفْتَحُ

 

صلى الله عليه وسلم.

 

أيها المسلمون: إن القضية ليست قضية قتل أفراد من المسلمين، أو هتك لأعراض بريئات، أو تعرض لبلد، مع أن هذه الأمور ليست هينة، بل ما حصل أعظم، إنه سب واستهزاء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ومِن مَن؟ من دولة حقيرة تسمى الدنمارك، لا تكاد ترى على خارطة العالم، وليس لها أي ثقل سياسي، لم تعرف إلا بصناعة مشتقات الألبان، والآن صناعة السخرية بالأديان، حتى الأراذل والأصاغر رفعوا رؤوسهم علينا، وتجرؤوا على نبينا -صلى الله عليه وسلم-!.

 

تأملوا واعتبروا -يا عباد الله-: هكذا يفعل النصارى الحاقدون مع نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وبعضنا ينادي بأن لا نقول للكافر: يا كافر، بل نقول له: "الآخر" احتراماً لمشاعره ومراعاة لنفسيته.

 

فهل احترم هؤلاء نبينا؟! وهل قدروا مشاعر أمة المليار مسلم؟! وهل راعوا نفسيات المسلمين؟!

 

هذا هو فعل النصارى الحاقدون مع رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، وبعضنا ينادي: أن لا نبغضهم، ولا نظهر العداوة لهم، وربنا يقول لنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ)[الممتحنة: 1].

 

هكذا يفعل عباد الصليب بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبعضنا يطالب بحذف الولاء والبراء من مناهجنا الدراسية، ونـزعه من قلوبنا؛ لأننا في عصر الصفح والتسامح بين الأديان؟!.

 

إن ظهور مثل هذه الأفعال من النصارى على وسائل الإعلام، قد يُفقد بعض المسلمين تصرفاتهم، وقد يقدمون على أمور لا تحمد عقباها، ويفعلون أشياء ويُقدمون على أعمالٍ غير مسؤولة.

 

ودويلة هزيلة مثل الدنمارك ماذا تملك من القوة والضبط والمخابرات في مقابل دول تسمي نفسها بالعظمى، وقد حصل فيها من التخريب والدمار ما هو معروف للعالم أجمع، وهل هناك شخص، أو جهة، أو حتى دولة تستطيع أن تتحكم في مشاعر جميع المسلمين في العالم، وتضبط تصرفاتهم؟ والكل يعلم أن ما حصل يثير مشاعر الفسقة فكيف بأهل الدين والغيرة؟

 

ولا يخفى الغرب أن الموت في سبيل الله أمنية كل مسلم، وهناك الملايين الآن ممن هم مستعدون أن يموتوا دون هذه القضية.

 

أيها المسلمون: إن الهجوم الإعلامي على الإسلام ذو جذور قديمة قدم الإسلام، وهو أحد الأساليب التي اتخذها الكفار للصد عن سبيل الله -تعالى-، بدءاً من كفار قريش وحتى عصرنا الحاضر.

 

وهذا الهجوم له ألوان كثيرة، ولكنها في أغلبها كانت محصورة في نطاق الشبهات والمغالطات والطعون.

 

وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر انتقل الهجوم إلى لون جديد قذر لم يُعهد من قبل، وهو التعرض لشخص الرسول -صلى الله عليه وسلم-، والنيل من عرضه وذاته الكريمة.

 

وقد اتسم هذا الهجوم بالبذاءة والسخرية والاستهزاء، مما يدل دلالة واضحة أن هذا التهجم له منظمات، ووراءه دول، وله واستراتيجيات خاصة، تتركز على استخدام وسائل الإعلام، بل ويقوم به أناس متخصصون مدعومون من قساوسة النصارى، وليست القضية أنها عمل فردي من صحفي ونحوه.

 

وهكذا انتقل الهجوم على الإسلام من طرح الشبهات إلى إلقاء القاذورات، ولم يجد المهاجمون في الإسلام، ولا في شخص خاتم الأنبياء، ما يرضي رغبتهم في التشويه، ووجدوا أن الشبهات والطعن الفكري من الأمور التي يسهل تفنيدها وكشف زيفها أمام قوة الحق في الإسلام، فلجئوا إلى التشويه الإعلامي، وبخاصة أنهم يملكون نواصيه في الغرب.

 

وهذه القضية تثير غيرة كل مسلم، وتدفعه إلى التساؤل عن أسباب هذه الهجمة، والأغراض الكامنة وراءها، ومدى تأثيرها.

 

لقد أزعجهم سرعة انتشار الإسلام في الغرب، والذي أثار غيرة كل المعادين للدين سواء أكانوا من النصارى أو اليهود، أو حتى من العلمانيين والملحدين.

 

وأيضاً حسد القيادات وخصوصاً الدينية؛ فإن كثيراً من هؤلاء يغيظهم شخص الرسول -صلى الله عليه وسلم-، بل حتى المنافقين في العالم الإسلامي، لما يرون من لمعان اسم النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل الأرجاء، وكثرة أتباعه، وتوقير المسلمين الشديد لنبيهم -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ما يثير حسدهم.

 

ولا ننسى عامل الخوف؛ ليس الخوف من انتشار الإسلام في الغرب فحسب، بل الخوف من عودة المسلمين في العالم الإسلامي إلى التمسك بدينهم، وهم الآن يستغلون ضعف المسلمين في كثير من الجوانب مثل: الجانب الاقتصادي والإعلامي والعسكري، ويريدون أن يطفئوا هذا النور قبل أن ينتشر في العالم.

 

أيها المسلمون: إنْ تخاذلنا عن نصرة نبينا -صلى الله عليه وسلم-، فإن الله ناصر نبيه، معلٍ ذكره، رافعٌ شأنه، معذب الذين يؤذونه في الدنيا والآخرة، وفي الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يقول الله -تعالى-: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب".

 

فكيف بمن عادى الأنبياء؟

 

يقول الله -جل وتعالى-: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة: 61].

 

وقال الله -سبحانه-: (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا)[الأحزاب: 57].

 

ويقول الله –جل جلاله-: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر: 94-95].

 

إن على كل مؤمن يحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، ويغار لدينه: أن ينتصر لرسوله، وأن يقدم كل ما في وسعه لرد هذه الهجمة الشرسة.

 

على الدول الإسلامية: أن تهب لنصرة نبيها، وأن تستنكر ذلك أشد الاستنكار، وأن ترفع عقيرتها بالاستنكار والتنديد والمطالبة الجادة، وذلك في المؤتمرات والمحافل العامة رعاية لحق من أهم حقوقها.

 

وعلى المؤسسات: أن تقوم بدورها من خلال كتابة بيانات تستنكر فيه هذا الفعل المشين، وتطالب بمحاكمة هذه المجلات، رداً لاعتبار أكثر من مليار مسلم.

 

ثم على المؤسسات والصحف والمجلات والمواقع الإسلامية: أن تكتب رداً على هذه الافتراءات، وأن تسطر على صفحاتها بقلم يسيل عطراً بشمائل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن تبين الدور العظيم الذي قام به صلى الله عليه وسلم لإنقاذ البشرية، وأنه أُرسل رحمة للعالمين، وهداية للناس أجمعين.

 

أيها المسلمون: سَأل الخليقة هارونُ الرشيد الإمامَ مالك بن أنس -رحمهما الله- في رجل شتم النبي -صلى الله عليه وسلم-، وذكر له أن بعض المتفقهة أفتوا بجلده، فغضب مالك، وقال يا أمير المؤمنين: ما بقاء الأمة بعد شتم نبيها -صلى الله عليه وسلم-، من شتم الأنبياء قُتل.

 

أن سب النبي -صلى الله عليه وسلم- من أعظم المحرمات، وهو كفر وردة عن الإسلام بإجماع العلماء، سواء فعل ذلك جاداًّ أم هازلاً، وأن فاعله يقتل ولو تاب، مسلماً كان أم كافراً، ثم إن كان قد تاب توبة نصوحاً، وندم على ما فعل فإن هذه التوبة تنفعه يوم القيامة فيغفر الله له.

 

أما في الدنيا، فيجب أن يقتل، هذا هو حكم الله وحكم رسوله في رئيس تحرير الصحيفة التي سخرت بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك راسم تلك الصور.

 

والشيء بالشيء يذكر: وهو أن يعلم أولئك الكتّاب في العالم الإسلامي والعربي ممن يسودون بعض الصحف والمجلات سخريةً بالدين أو بالسنة، أو استهزاءً بالعلماء والصالحين، ونحو تلك الكتابات الخطيرة، عليهم أن يعلموا أن في بعض كتاباتهم يشم منها رائحة الكفر، وأنه قد يحكم على بعضهم بالردة، ولو طبّق حكم الله فيهم لكان حقهم السيف، فعليهم أن يحذروا بعد ما رأوا هذا التفاعل الإيجابي من كافة شرائح المجتمع وطبقاته، وليعلموا أنهم نشاز بين عامة المسلمين، والله الهادي إلى سواء السبيل.

 

أيها المسلمون: من حقه صلى الله عليه وسلم علينا: أن ننصره ونجلّه، فقد أمر الله -تعالى- بذلك في قوله سبحانه: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا)[الفتح: 9].

 

فالواجب أن ننصره ونؤيده، ونمنعه من كل ما يؤذيه.

 

كما يتعيّن علينا إجلاله وإكرامه صلى الله عليه وسلم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أما انتهاك عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه مناف لدين الله بالكلية، فإن العرض متى انتهك سقط الاحترام والتعظيم، فسقط ما جاء به من الرسالة، فبطل الدينُ، فقيام المدح والثناء عليه والتعظيم والتوقير له قيام الدين كله، وسقوط ذلك سقوط الدين كله، وإن كان ذلك وجب علينا أن ننتصر له ممن انتهك عرضه...".

 

أيها المسلمون: وتجاه ما حصل، فنقول: أين دور وزارات الخارجية وسفاراتها في جميع الدول الإسلامية في مواجهة هذه الرعونة والصفاقة التي استمرت مدة طويلة مع إصرار وعدم مبالاة بأهل الإسلام؟.

 

قد عهدنا من تلك السفارات ضجيجاً لا ينقطع عند ما تُمس أو تُنتقد سياسة حكّامها، مع أنها سياسات تغيّرها وتحرّكها المصالح والمطامع والمخاوف، فأين الذبّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو أعظم الثوابت، وأجلّ المطالب؟

 

وفي الانتصار لمقامه وعرضه الشريف خيريِّ الدنيا والآخرة، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، ماذا لو قامت صحيفة بالسخرية بأحد رؤساء أو حكّام إحدى الدول الإسلامية؟ كيف سيكون رد الفعل؟.

أين دور وزارات التجارة في تلك البلاد؟ وماذا قدّمت نقابات التجّار والغرف التجارية ونحوها من الهيئات التجارية من أجل الضغط والأخذ على أيدي أولئك الزنادقة السفهاء؟.

 

أيها المسلمون: لقد ضرب السلف الصالح أروع الأمثلة بتعظيم وإجلال رسول الله، والقصص في ذلك كثيرة؛ منها: ما رواه الدارمي في سننه عن عبد الله بن المبارك قال: "كنت عند مالك وهو يحدثنا حديث رسول الله فلدغته عقرب ست عشرة مرة، ومالك يتغير لونه ويصفر، ولا يقطع حديث رسول الله، فلما فرغ من المجلس وتفرق الناس، قلت: يا أبا عبد الله، لقد رأيت منك عجباً، فقال: "نعم إنما صبرت إجلالاً لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

 

فأين نحن مما حصل -أيها المسلمون-؟

 

أظن -والله أعلم- لو كانت الخلافة قائمة والمسلمون في قوتهم وعزتهم لأعلن الحرب على الدانمارك من أجل ما حصل، لكن ضعف المسلمين اليوم جعل هؤلاء الجعلان يتجرؤون.

 

إن التاريخ شاهد على حوادث ومواقف وقفها المسلمون الأوائل، أقل بكثير مما فعلته الدانمارك، ففتح عمورية كانت بسبب امرأة أسرها النصارى في تركيا، وصرخت ونادت بالمعتصم، فتحرك المعتصم من العراق وحرك جيشاً ضخماً أدب النصارى، وخلّص المرأة، وأحرق عمورية عن بكرة أبيها.

 

والحجاج على ظلمه وجبروته، يوم بلغه صوت عائلة مسلمة أسرها الديبل في أعماق المحيط الهندي، فصاحت في أسرها: يا حَجاج وانطلقت الصرخة تهز أوتار الكون، حتى بلغت العراق، بلد النخوة والكرامة والنجدة، فصاح الحجاج بأعلى صوته والتاريخ أذن تسمع، وأرسل جيشاً عظيماً جعل عليه أعظم قواده محمد بن القاسم، وتحرك الجيش المسلم، يحدوه صوت المرأة المسلمة المظلومة، حتى اقتحم بلاد الديبل، وهي كراتشي حالياً، وقتل ملكها وعاد بالمرأة المسلمة حرة عزيزة.

 

أيها المسلمون: لا ننسى أن نشكر كل من كان له دور في رد هذه الهجمة في الفترة السابقة من دول وعلماء ومؤسسات وأفراد، نشكرهم على ذلك ونطلب منهم ومن غيرهم المزيد، كما لا ننسى أن نشكر التجار الذين قاطعوا المنتجات الدانماركية، وأعلنوا ذلك، فلهم منا الشكر والدعاء، ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.

 

اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب الذين يصدّون عن سبيلك، ويؤذون نبيك.

 

اللهم أهلك مجرمي الدانمارك واجعلهم عبرة للمعتبرين.

 

أقول قولي هذا ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه ...

 

أما بعد:

 

فيا أخي محب الرسول -صلى الله عليه وسلم-، أخي الغيور على دينك المنتمي لهذا الدين العظيم، أنت الذي تطلب من الله أن يرحمك، وأن يجعلك ممن تشملهم شفاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88- 89].

 

أنت الذي تطلب من الله أن يسقيك من حوض نبيه -صلى الله عليه وسلم- شربة لا تظمأ بعدها أبداً، أنت الذي تقول في كل صلاة: "أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله" ماذا قدمت لدينك ولنبيك تجاه ما حصل؟

 

إن بإمكان كل واحد أن يكون له دور في هذه القضية، بل يجب أن يكون له دور؛ فمن ذلك:

 

- الاحتجاج على الصعيد الرسمي على اختلاف مستوياته، واستنكار هذا التهجم بقوة.

 

- الاحتجاج على مستوى الهيئات الشرعية الرسمية كوزارات الأوقاف، ودور الفتيا، والجامعات الإسلامية.

 

- الاحتجاج على مستوى الهيئات والمنظمات الشعبية الإسلامية، وهي كثيرة.

 

- إعلان الاستنكار من الشخصيات العلمية والثقافية والفكرية والقيادات الشرعية، وإعلان هذا النكير من عتبات المنابر في كافة العالم الإسلامي.

 

- المواجهة على مستوى المراكز الإسلامية الموجودة في الغرب بالرد على هذه الحملة واستنكارها.

 

- المواجهة على المستوى الفردي، وذلك بإرسال الرسائل الإلكترونية المتضمنة الاحتجاج والرد والاستنكار إلى كل المنظمات والجامعات والأفراد المؤثرين في الغرب، ولو نفر المسلمون بإرسال ملايين الرسائل الرصينة القوية إلى المنظمات والأفراد، فإن هذا سيكون له أثره اللافت قطعاً.

 

- استئجار ساعات لبرامج في المحطات الإذاعية والتلفزيونية تدافع عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وتذب عن جنابه، ويستضاف فيها ذوو القدرة والرسوخ والدراية بمخاطبة العقلية الغربية بإقناع، وهم بحمد الله كثر.

 

- كتابة المقالات القوية الرصينة لتنشر في المجلات والصحف، ونشرها على مواقع الإنترنت باللغات المتنوعة.

 

- إنتاج شريط فيديو عن طريق إحدى وكالات الإنتاج الإعلامي يعرض بشكل مشوق وبطريقة فنية ملخصاً تاريخياً للسيرة، وعرضاً للشمائل والأخلاق النبوية، ومناقشة لأهم الشبه المثارة حول سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وذلك بإخراج إعلامي متقن ومقنع.

 

- طباعة الكتب والمطويات التي تُعرّف بشخصية النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويراعى في صياغتها معالجة الإشكالات الموجودة في الفكر الغربي.

 

- عقد اللقاءات وإلقاء الكلمات في الجامعات والمنتديات والملتقيات العامة في الدول الغربية لمواجهة هذه الحملة.

 

- إصدار البيانات الاستنكارية من كل القطاعات المهنية والثقافية التي تستنكر وتحتج على هذه الإساءة والفحش في الإيذاء، والمطالبة بمحاسبة الجريدة ومعاقبة الفاعل.

 

- إيجاد رد صريح من قبل العلماء الربانيين والتعليق عليه، وتبيين الموقف الشرعي في قضية التعدي على الرسل والأنبياء، والنبي -صلى الله عليه وسلم-، مع إقامة مجموعة تنفيذية من العلماء المتخصصين، وطلبة العلم للإجابة عن هذه الافتراءات خلال مواقع الانترنت وغيرها، ولو قام العلماء في كل مكان في المملكة ومصر وفي الجزائر والمغرب العربي والعالم الإسلامي جميعاً؛ ووجهوا لعامة الناس وبخاصة في الغرب خطر هذه القضية، وأن هذه الشائعات لا يرضاها أصلا أنبياؤهم، كعيسى وموسى، فضلاً أن تكون في محمد -صلى الله عليه وسلم- لكان له تأثير قوي.

 

- إيجاد مؤلفات تحمل بين جنباتها حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وسهولته وسماحته في الحياة بجميع اللغات، حتى يوضح للعالم حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- من جهة، ومن جهة يرد على أولئك الذين تسلطوا على شخصيته وشرفه صلى الله عليه وسلم.

 

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك الصالحين.

 

اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب الذين يصدّون عن سبيلك، ويؤذون نبيك.

 

اللهم أهلك مجرمي الدانمارك، الذين تطاولوا على نبينا -صلى الله عليه وسلم-.

 

اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه.

 

اللهم عليك بالنصارى الصليبيين، فإنهم لا يعجزونك.

 

اللهم أحصهم عدداً، وأهلكهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.

 

اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والكفر والزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، يا من له الدنيا والآخرة وإليه المآب.

 

اللهم يا منـزل الكتاب، ويا مجري السحاب، ويا سريع الحساب، ويا هازم الأحزاب، اهزم الصليبيين المحاربين للإسلام والمسلمين في كل مكان، اللهم أهزمهم وزلزلهم، اللهم اِقذف الرعب في قلوبهم، اللهم فرق جمعهم، اللهم شتت شملهم، اللهم خالف بين آرائهم، اللهم اجعل بأسهم بينهم، اللهم أرنا بهم عجائب قدرتك يا قوي يا قادر، اللهم أرسل عليهم الرياح العاتية، والأعاصير الفتاكة، والقوارع المدمرة، والأمراض المتنوعة، اللهم أشغلهم بأنفسهم عن المؤمنين، اللهم لا تجعل لهم على مؤمن يداً وعلى المؤمنين سبيلاً، اللهم أتبعهم بأصحاب الفيل، واجعل كيدهم في تضليل، اللهم أرسل عليهم طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل.

 

اللهم خذهم بالصيحة، وأرسل عليهم حاصباً، اللهم صب عليهم العذاب صباً، اللهم اخسف بهم الأرض، وأنزل عليهم كسفاً من السماء، اللهم اِقلب البحر عليهم ناراً، والجو شهباً وإعصاراً يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم.

 

اللهم إنك قلت وقولك الحق: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)[غافر: 60] فنسألك اللهم أن تجعل هذه الساعة ساعة عز ونصر وتمكين للإسلام والمسلمين، كما نسألك اللهم أن تجعل هذه الساعة ساعة ذل وخزي وضعف للكفار والمشركين.

 

ربنا آتنا ...

 

 

المرفقات

خير في أمة يشتم نبيها!

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات