عناصر الخطبة
1/ مكانة التعاون 2/ آثار التعاون 3/ مجالات التعاون 4/ آثار كراهية التعاون 5/ ولا تعاونوا على الإثم والعدواناقتباس
في التعاون قضاء على الأنانية والأثرة وحب الذات، وتجسيد لمبدأ الأخوة والجسد الواحد الذي يشعر فيه المسلم بفرح الآخرين ويتألم فيه لألمهم، الذي يقوم بإعانة إخوانه جزاؤه من الله التوفيق والإعانة فيتولى الكريم العظيم قضاء حاجاته ويبارك له في أوقاته ويختم له بحسن العاقبة، ولما خشي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله،...
أيها الإخوة المسلمون: كل حي من المخلوقات صغير أو كبير بحاجة إلى من يعاونه ويسانده، فالتعاون بين الخلق ضرورة حياتية، وفطرة بشرية، وهداية ربانية، وجه إليها ربنا بقوله (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2].
التعاون مبدأ من مبادئ دين المسلمين، وعليه قامت الحضارة المدنية اليوم؛ فالتعاون عنوان الرقي والتقدم، ودليل الوعي والتكامل.
التعاون بنيان مرصوص، والبنيان لا يقوم ولا يثبت إلا حين تتراص لبناته وتتضامن مبانيه لتسد كل لبنة ثغرتها.
الناس للناس من بدوٍ وحاضرةٍ *** بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدم
التعاون تبادل للخبرات والتجارب، وإظهار للقوة والتماسك، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا".
التعاون تنظيم للوقت وتوفير للجهد، وتسهيل للعمل، وتقاسم للحمل وتخفيف للعبء؛ فالتعاون يحتاج إليه حتى الأقوياء الأشداء؛ فهذا ذو القرنين الذي آتاه الله من كل شيء سببا يقول حين أراد بناء السد العظيم: (مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) [الكهف:95].
إذا العبء الثقيل توزعته *** رقاب القوم خف على الرقاب
في التعاون قضاء على الأنانية والأثرة وحب الذات، وتجسيد لمبدأ الأخوة والجسد الواحد؛ الذي يشعر فيه المسلم بفرح الآخرين ويتألم فيه لألمهم، الذي يقوم بإعانة إخوانه جزاؤه من الله التوفيق والإعانة؛ فيتولى الكريم العظيم قضاء حاجاته ويبارك له في أوقاته ويختم له بحسن العاقبة، ولما خشي نبي الله -صلى الله عليه وسلم- على نفسه في أول نزول الوحي قالت له زوجه خديجه -رضي الله عنها-: "كَلاَّ واللهِ لاَ يُخْزِيكَ اللهُ أَبَداً، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَحمِلُ الكَلَّ -أَي الضَّعِيف- وتَكْسِبُ المَعدومَ، وتَقري الضَّيفَ، وتُعِينُ عَلَى نَوائِبِ الحَقِّ".
في التعاون تحصيل لرضا الله ومحبته وتأييده وإعانته، والجزاء من جنس العمل؛ فمن أعان أخاه أعانه الله؛ ففي صحيح مسلم "وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ"
ويكفي في فضل التعاون أنه سبيل لتحصيل أجر العاملين؛ فكل من أعان غيره على خير فله مثل أجره، "فمَن جَهًزَ غازياً في سبيلِ الله فقد غَزا، ومَن خَلَفَ غازياً في سبيلِ الله بخيرٍ فقد غَزا"، ومن فطر صائما فله مثل أجره، ومن أعان على حج أو تعليم علم أو بذل معروف فله مثل أجره، والدال على الخير كفاعله.
أيها الإخوة: إن أوجه التعاون بين الناس ومجالاته كثيرة لا تأتي تحت الحصر، لكن لعلي أذكر بعض الإشارات التي تغني عن كثير العبارات:
فالتعاون يكون بين أفراد الأسرة، بين الزوجين والأبناء، وقد سئلت عَائِشَة: مَا كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: "كَانَ يَكُونُ فِي مَهْنَةِ أَهْلِهِ -تَعْنِي خدمَة أَهله- فَإِذا حضرت الصَّلَاة خرج إِلَى الصَّلَاة"؛ (رَوَاهُ البُخَارِيّ).
والتعاون بين أفراد العائلة والإخوان فهذا موسى -عليه السلام- يقول: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) [طه:30-33].
والتعاون يكون بين أفراد القبيلة، على الحق والخير، جاء في الصحيحين قوله -صلى الله عليه وسلم- في مدح الأشعريين: "إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جعلوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد بالسوية فهم مني وأنا منهم". واليوم ولكل عصر ما يناسبه يمكن القبيلة التعاون في تنظيم اللقاءات لصلة الرحم والتقارب وإعانة الشباب والمحتاج.
ومن التعاون: نصرة المظلومين والمعسرين والعاجزين والمهمومين والغرباء واللاجئين المعوزين، والمسلم البسيط يحقق بالتعاون ما لا يحققه كبار أصحاب الأموال والأثرياء؛ فهو لم يجد مالاً لكنه وجد نفساً تواقة إلى الخير تحبه وتعين عليه، حتى اجتمع منه خيراً كثيراً وذلك فضل الله تعالى.
التعاون على البر قد يقوده موفق بكلمة طيبة يطلقها بين أقاربه أو زملائه، أو جيرانه، ولعل وسائل التواصل والاتصال اليوم قد بعثت في بعض النفوس روح التعاون على الخير وسهلت طريقه، وفي الناس نماذج رائعة عوائل وأقارب وأصدقاء وجيران يتعاونون فيما بينهم لإيصال الخير للناس بأفكار جديدة تتناسب مع تطور الحياة المعاصرة.
ومن التعاون: الشفاعة الحسنة لذوي الحاجة إذا لم تكن وسيلة إلى محرم، أورد البخاري -في صحيحه في باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضاً- حديث: "اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا".
ومن التعاون: إقامة المشاريع الخدمية والإصلاحية التي يحتاجها الناس؛ كإصلاح الطرقات وبناء المستشفيات، والمدارس والجامعات، وتوفير المياه والطاقة الكهربائية، وإقامة المشاريع الخيرية، وبناء المساجد والمعاهد والمراكز العلمية والاجتماعية النافعة.
ومن التعاون: إقامة المشاريع الإنتاجية التي بها تزدهر البلد ويقوم العمران وتنمو الحياة الاقتصادية؛ مشاريع ومصانع ومتاجر ومنافع، تسد حاجات الناس وتغنيهم وتقضي على البطالة وتعين على التقدم والحضارة.
لولا التعاون بين الناس ما شرفت *** نفس ولا ازدهرت أرض بعمران
ومن التعاون: إقامة المؤسسات الوقفية الخيرية التي تعنى بنشر الدعوة والعلم وتحفيظ القرآن وجمعيات الإغاثة والإصلاح، وتزويج الشباب.
ومن التعاون: تعاون الموظفين فيما بينهم؛ للقيام بواجبهم الوظيفي وتعاون أهل التخصص الواحد؛ لتطوير التخصص وجودته.
وبعد -أيها الإخوة- فالذي يكره التعاون أناني حسود، لسان حاله يقول نفسي نفسي، وما عاش إنسان لنفسه إلا ندم، ومنطق الحكمة يقول: "الإنسان قليل بنفسه كثير بإخوانه"؛ فالعاقل لا تغره مسرات اليوم في المال والجاه والقوة والصحة..
الذي يكره التعاون يصادم الفطرة، ويعارض الشريعة، وهو متكبر متعصب سيء الظن بالآخرين، أو هو كسول خجول لم يوفق للخير والتقوى.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
الخطبة الثانية:
الأمر بالتعاون على البر والتقوى يقتضي النهي عن خلاف ذلك وهو التعاون على الإثم والعدوان، ولأهمية هذا النهي جاء صريحاً بقوله جل ثناؤه (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2].
ومن أعان على إثم أو عدوان فهو والعامل له سواء؛ ففي صحيح مسلم "لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ"، وَقَالَ: "هُمْ سَوَاءٌ"، وفي صحيح السنة: "من أعان على خصومة بظلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم