عناصر الخطبة
1/ إتباع العلم العمل 2/ الصدق في الالتزام 3/ أهمية أخذ الدين بقوة 4/ ضرورة مطابقة العمل للقول 5/ الفرح المقبول والفرح المذموم 6/ ادخلوا في السلم كافة 7/ حسن اغتنام أيام رمضان.اقتباس
لا يصلح أن تكون مسلمًا في الصلوات فتحافظ عليها، وتخالف تعاليم الإسلام، فترابي مثلاً.. لا يصلح أن تحافظ على بعض شعائر الإسلام الظاهرة، وأنت تغش أو تكذب في تعاملك مع الناس، لا بد من الدخول في السلم كافة.. لا يصلح أن تحافظ على بعض الصلوات في المسجد وتترك بعضها الآخر خصوصًا الفجر، لابد أن تدخل في السلم كافة، لا يصلح أن تكون حريصًا على...
إن الحمد لله..
أما بعد: سؤال أود أن أطرحه عليكم، لأجعل منه موضوعًا لخطبتنا في هذه الجمعة. ولعل أغلبكم سوف يستغرب من السؤال ويقول بأن الإجابة معروفة وسهلة، ولماذا طُرح هذا السؤال، وهل يستحق هذا السؤال بأن يكون موضوعًا لخطبة جمعة؟ كيف أكون مسلمًا؟ نعم هذا هو السؤال، كيف أكون مسلمًا؟ وفي الحقيقة بأن الإجابة على هذا السؤال لا يستحق خطبة جمعة، بل خطب متتابعة، وسوف يزول غرابة من استغرب، عندما يعلم بأننا لا نقصد الإسلام، الإسلام الضروري التوثيقي، ونقصد بالتوثيقي بأن معه وثيقة تثبت إسلامه، لكننا نريد الإسلام الحقيقي الواقعي، ولعلنا ومن خلال طرحنا لثنايا هذا الموضوع، يتضح البعد الشاسع بين أغلب المسلمين وإسلامهم.
أيها المسلمون: كيف أكون مسلمًا؟ إن إجابة هذا السؤال أيها الإخوة، يحتاج إلى شرح طويل؛ وذلك لأن الشخص حتى يحقق إسلامه، ينبغي عليه تطبيق جميع أحكام الإسلام على نفسه وهذه قضية يطول شرحها.
لكننا نختار بعض القضايا، واختيارنا لهذه القضية يكون من خلال طرح بعض النصوص، ثم لينزل كل منا نفسه وحاله وواقعه على هذه النصوص، ثم ليرى وليجب نفسه بعد ذلك، هل حقّق الإسلام كما ينبغي أم أن البون مازال شاسعًا بينه وبين شريعة الله. وسوف اختار هذه النصوص من كتاب الله عز وجل، لأنه لا خلاف بين المسلمين بأن القرآن، ما أنزل إلا ليعمل به ويُطبق ما فيه.
أيها المسلمون: لا نقصد بسؤالنا كيف أكون مسلمًا؟ هو طريقة ووسيلة الدخول في هذا الدين. فإنه لا خلاف بأن النطق بالشهادتين هو الذي يدخل المرء في الإسلام، ولا يكون مسلمًا إلا بالنطق بهما. فإنا لا نقصد هذا بل نقصد تمثل الإسلام حقيقة وواقعًا وسلوكًا في حياة الناس، نقصد بالسؤال أن يتمثل الإنسان أخلاقيات الإسلام منهجًا وتصورًا وسلوكًا. فكم من الناس قد نطق بهذه الكلمة، وربما من المحافظين على بعض شعائر الإسلام، لكن واقعه وتصرفاته بعيد كل البعد عن هذا الدين.
فلنمُرّ أيها الإخوة على بعض الآيات، ثم نرى حالنا وواقعنا منها، وليست هذه الآيات هي مقصودة بعينها فحسب، بل هي أمثلة، ثم ليستعرض المسلم كتاب الله بعد ذلك وليرى حاله وواقعه منه.
الآية الأولى: كيف أكون مسلمًا: قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 208]. يا عبد الله، إذا قرأت في كتاب الله يا أيها الذين آمنوا، فأرعها سمعك، فإما أمرٌ تُؤمر به أو نهي تُنهى عنه، وفي هذه الآية، يأمرنا الله عز وجل بأن ندخل في السلم كافة، والسلم هو الإسلام، أي ادخلوا في الدين بكافة أنفسكم، وبكافة نفس كل واحد منكم، فإن أي جزئية منكم لا تدخل في الدين فإنما هي صيد يتصيده الشيطان، ولا تتبعوا خطوات الشيطان، إنه لكم عدو مبين. فلكي تكون مسلمًا لابد أن تدخل في هذا الدين بكافة نفسك، لا يصلح أن تكون مسلمًا في جزئية وتخالف تعاليم الإسلام في جزئية أخرى.
وعلى الرغم من بساطة هذه الحقيقة، وكونها أشبه بالبديهيات، فقد صارت عند كثير من الناس أمرًا مستغربًا يحتاج إلى كثير من البيان والشرح.
فلا يصلح أن تكون مسلمًا في الصلوات فتحافظ عليها، وتخالف تعاليم الإسلام، فترابي مثلاً. لا يصلح أن تحافظ على بعض شعائر الإسلام الظاهرة، وأنت تغش أو تكذب في تعاملك مع الناس، لا بد من الدخول في السلم كافة، لا يصلح أن تحافظ على بعض الصلوات في المسجد وتترك بعضها الآخر خصوصًا الفجر، لابد أن تدخل في السلم كافة، لا يصلح أن تكون حريصًا على أداء العمرة والحج مرات ومرات، ولا تحرص على تنقية أموالك من أكل الحرام مثلاً.
وهذه التناقضات أيها الإخوة، موجودة وبكثرة بين المسلمين، فقل ما تجد من دخل في السلم كافة، بل صارت لا إله إلا الله، وصار الدخول في الدين بالكلية، على بساطتها وبداهتها أمرًا لا يستوعبه كثير من الناس إلا بالجهد الجهيد، بل صار قوم من الناس يجادلون في شأنها كما كان قوم شعيب يجادلونه، كما قال تعالى: (أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [هود: 78].
وهذا كلام كثير من الناس اليوم أيضًا، هل هذه الصلاة تأمرنا أن لا نتصرف في أموالنا وحلالنا كما نشاء، ولماذا هذه القيود حتى في التصرفات الشخصية الذي يقول مثل هذا الكلام ويفكر هذا التفكير لم يدخل في السلم كافة، ويحتاج أن يردد على نفسه كثيرًا هذا السؤال، كيف أكون مسلمًا؟
الآية الثانية: قول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58] الفرح هو اللذة في القلب بسبب إدراك المطلوب. وقد ذم الله الفرح في مواطن من كتابه وجوّزه في مواطن، ذمّ الفرح الذي يكون بشهوات الدنيا ولذاتها أو الفرح بالباطل كقوله عز وجل: (لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ) [القصص: 76]، وجوّزه في مواطن كقوله عز وجل: (فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [آل عمران: 170]، فلكي تكون مسلمًا كما ينبغي، لابد أن يكون ميزان الفرح عند هو هذا (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
فبهذا الفضل الذي آتاه الله عباده، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الإيمان، فبذلك وحده فليفرحوا، فهذا هو الذي يستحق الفرح لا المال ولا أعراض هذه الحياة، فهل نحن بلغنا بإسلامنا هذا المستوى، أما مازالت عقال المطامع الأرضية والأعراض الزائلة تجذبنا ونفرح بها، أكثر مما نفرح بفضل الله ورحمته.
عن عقبة بن الوليد، عن صفوان بن عمرو: سمعت أينع بن عبد الله يقول: لما قدم خراج العراق إلى عمر رضي الله عنه، خرج عمر ومولى له، فجعل عمر يعد الإبل فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل يقول: الحمد لله تعالى، ويقول مولاه: "هذا والله من فضل الله ورحمته، فقال عمر: كذبتَ ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
هكذا كان الرعيل الأول ينظر إلى قيم الحياة كانوا يعدون الفضل الأول والرحمة الأولى هي ما جاءهم من الله من موعظة وهدى، فأما المال وأما الثراء فهو تابع، لذلك كان المال ينثال عليهم، وكان الثراء يطلبهم.
إن طريق هذه الأمة أيها الإخوة واضح، إنه في هذا الذي يسنه لها قرآنها، وفي سيرة الصدر الأول الذين فهموه من رجالها.
إن الأرزاق المادية، والقيم المادية، ليست هي التي تحدد مكان الناس في هذه الأرض. في الحياة الدنيا، فضلاً عن مكانهم في الحياة الأخرى، إن الأرزاق المادية والتيسيرات المادية والقيم المادية، يمكن أن تصبح من أسباب شقوة البشرية، لا في الآخرة المؤجلة ولكن في هذه الحياة الواقعة، كما نشهد اليوم في حضارة المادة الكالحة.
إنه لا بد من قيم أخرى تحكم الحياة الإنسانية وهذه القيم الأخرى هي التي يمكن أن تعطى للأرزاق المادية والتيسيرات المادية قيمتها في حياة الناس، وهي التي يمكن أن تجعل منها مادة سعادة وراحة لبني الإنسان.
إن المنهج الذي يحكم حياة مجموعة من البشر هو الذي يحدد قيمة الأرزاق المادية في حياتهم هو الذي يجعلها عنصر سعادة أو عنصر شقاء ومن هنا كان التركيز على قيمة هذا الدين في حياة أهله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس: 57].
ومن هنا كان الذين تلقوا هذا القرآن أول مرة يدركون هذه القيمة العليا. فيقول عمر رضي الله عنه عن المال والأنعام: ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى، لقد كان عمر يفقه دينه كان يعرف أن فضل الله ورحمته يتمثلان بالدرجة الأولى في هذا الذي أنزله الله لهم، موعظة من ربهم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين، لا فيما يجمعون من المال والإبل والأرزاق.
فنسأل الله عز وجل، أن ندرك الفرح بهذا المفهوم وأن يكون فرحنا فيما يتعلق بهذا الدين من أي جوانبه، أشد من فرحنا بمصالحنا الشخصية إذا تحققت. ولعل هذا المفهوم للفرح هو جزء من إجابة السؤال كيف أكون مسلمًا .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله:
أما بعد: الآية الثالثة: قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183].
إن شهر الصيام أيها الإخوة على الأبواب، وسيحل ضيفًا كريمًا علينا، ومن حق الضيف أن نكرمه، فهل نكون مسلمين حقًّا في هذا الشهر ونحقق الصيام كاملاً صيام الجوارح كلها.
كثير من الناس لا يعرف هذا الشهر إلا أنه شهر لتنويع المآكل والمشارب، والنوم طوال النهار والبطالة، وفي الليل فوازير رمضان، والسهر باللهو واللعب والغفلة حتى السحور، فاحرصوا حفظكم الله ألا تكونوا مثل هؤلاء، واجتهدوا في هذا الشهر فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره.
وكان السلف الصالح يهتمون بهذا الشهر غاية الاهتمام ويتفرغون فيه للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة؛ كانوا يجتهدون في قيام ليلة وعمارة أوقاته بالطاعة - قال الزهري رحمه الله. إذا دخل رمضان، إنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام، وكانوا يحرصون على الجلوس في المساجد ويقولون نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا، وكانوا يحرصون على صلاة التراويح ولا ينصرفون منها حتى ينصرف الإمام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدم من ذنبه» متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة». رواه أهل السنن.
فاتقوا الله أيها المسلمون وحافظوا على شهركم وأكثروا فيه من طاعة ربكم لعلكم تكتبون فيه من الفائزين.
حافظوا على صيامكم مما يخل به أو يفسده من الأعمال السيئة والأقوال الآثمة، فاحفظوا أسماعكم عن سماع ما حرم الله من الأغاني وقول الزور والغيبة والنميمة، واحفظوا أبصاركم عن رؤية ما حرم الله عليكم من المناظر الفاتنة، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، واحفظوا ألسنتكم من قول الزور وشهادة الزور والغيبة والنميمة والشتم والسباب، فإن سابك أحد فلا ترد عليه بالمثل بل قل إني صائم، فليس الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب فقط بل هو إمساك كذلك عن كل ما حرم الله.
أيها المسلمون: استقبلوا شهركم بارك الله فيكم، بالتوبة والفرح بإدراكه، واجتهدوا في استغلال أوقاته الشريفة مما ينفعكم: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89] اجعلوه منطلقًا لكم من أسر الشهوات والغفلة إلى نور الطاعة والتقوى لعله يكون منبهًا لكم على تفريطكم فيما مضى لتستدركوا ما تبقى من أعماركم، فإنه ليس لكم من أعماركم إلا ما عمرتموه بالطاعة وما ضيعتموه فإنه يكون حسرة عليكم.
فنسأل الله عز وجل..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم