كونوا من الشاكرين

عادل العضيب

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فضائل الشكر ومنازل الشاكرين 2/ الشكر بقاء للنعم وزيادة 3/ كيف نشكر الله على نعمه؟ 4/ الفرح الحقيقي بفضل الله 5/ الاستبشار بالقرارات الملكية 6/ عبرة من موت الملك 7/ نصائح لمن تولى منصبًّا عامًّا.

اقتباس

فرحنا الأكبر بعز الإسلام ونصر المسلمين، برفع راية الدين، ودحر أعدائه في الداخل والخارج، فرحنا يوم أن تقوى شوكة المسلمين وتجتمع كلمتهم، يوم أن تُحقن دماؤهم وتُحمى أعراضهم، يوم أن نسترد بيت المقدس ونصلي في المسجد الأقصى، يوم أن نعيد المجد الذي أضعناه، وما ذلك على الله بعزيز....

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أعمالنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:71].

 

أما بعد: عباد الله، أيها المسلمون، يقول الله جل وعلا: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت:67].

 

نعم، تتوالى علينا النعم من المنعم المتفضل الله -جل وعلا-، ونحن نرى الناس يتخطفون من حولنا، فاللهم أوزعنا شكر نعمتك التي أنعمت لها علينا.

 

نعم، تُصَبّ علينا النعم صبًّا، ويُصَبّ البلاء على آخرين صبًّا، ولله في الكل حكمة، وهو -سبحانه- يبتلي من يشاء بالنعم، ويبتلي من يشاء بالنقم، والمؤمن على خير.

 

قال عليه الصلاة والسلام: "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له".

 

تُصبّ علينا النعم؛ لنبتلى أنشكر أم نكفر، قال الله -جل وعلا- عن سليمان -عليه السلام-: (قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40].

 

نعم عظيمة لا يحصيها إلا الله (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ) [النحل:18].

 

في الأسبوع الماضي بتنا وعلى البلاد ملك، وأصبحنا وعليها آخر، في أمن وهدوء واستقرار، بينما تموج الدول من حولنا بالصراعات وذهاب للأمن وانفلات، بينما تسير الحياة في بلادنا بصورة طبيعية، وكأن شيئًا لم يكن، فالحمد لله أولاً وآخرًا.

 

وفي الليلة الماضية، أوامر فرح الناس بها، واستبشروا خيرا، أسأل الله أن تكون عزًّا للدين، وعونا على الدنيا، وهكذا تتوالى منن ومنح ربنا على هذا البلد، ونحن نتذكر دعوات إبراهيم -عليه السلام-: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [البقرة:126].

 

إن أول ما نوصي به أن نشكر الله على فضله وجوده وإحسانه، فالشكر بقاء للنعم وزيادة: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].

 

ولنعلم أن من شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن ربي غني كريم، ولنتذكر أن الشكر طريق الأنبياء، قال ربنا -جل وعلا-: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13].

 

وقد "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه أمر يسره، قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. وإذا أتاه أمر يكرهه قال: الحمد لله على كل حال". صححه الألباني.

 

ولنحذر أن نكون ممن قال الله فيهم: (كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) [العلق:7]، وكما فرحتم بما أُعطيتم فأفرحوا من حولكم خصوصًا الوالدين، جُودوا عليهم فكم جادوا بما لا يقدر بثمن، ولا تنسوا المستضعفين من المسلمين، أطعموا جائعهم واكسوا عاريهم، وأحسنوا إليهم إن الله يحب المحسنين، وتذكروا قول الله: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ:39].

 

 ولا تعصوا الله بنعمه، ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، ولتزدكم هذه النعم تواضعا للناس، ورحمة بهم، ولنتعاون لأجل أن تظل هذه البلاد دوحة آمنة يتفيأ ظلالها المسلمون من كل مكان، ويأرزون إليها كما تأرز الحية إلى جحرها.

 

ثم اعلموا أن الفرح الحقيقي بما جاء الله به من الهدى ودين الحق، قال الله -جل وعلا-: (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس:58].

 

الفرح الحقيقي بالاستقامة على دين الله، واتباع هدي رسول الله -عليه الصلاة والسلام-، الفرح الحقيقي بأن جعلنا من خير أمة أخرجت للناس، قال عليه الصلاة والسلام: "إنكم توفون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله -عز وجل-"، هذا هو الفرح الحقيقي، أما الدنيا فلا تساوي شيئا أمام الدين، وإذا سلم دينك فما عليك لو خسرت من الدنيا ما خسرت.

 

و"لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء"، والدنيا التي تصد عن الدين لا خير فيها..

 وانظر من حوى الدنيا بأجمعها *** هل راح منها بغير الحنط والكفن

 

عباد الله، فرحنا الأكبر بعز الإسلام ونصر المسلمين، برفع راية الدين، ودحر أعدائه في الداخل والخارج، فرحنا يوم أن تقوى شوكة المسلمين وتجتمع كلمتهم، يوم أن تُحقن دماؤهم وتُحمى أعراضهم، يوم أن نسترد بيت المقدس ونصلي في المسجد الأقصى، يوم أن نعيد المجد الذي أضعناه، وما ذلك على الله بعزيز.

 

عباد الله، تسمرنا أمام الشاشات ننتظر أوامر من الملك، لا شك أنه أحسن إلى شعبه - جزاه الله خيرًا وسدّده وأعناه ووفقه وأعز به الدين وأذل به الكافرين والمنافقين- لكن إن هذا ملك ملكه محدود وعطاؤه محدود، أما الملك الحقيقي فهو ملك الملوك، الذي لا حدّ لعطائه ولا منتهى لجوده ولا راد لحكمه، الذي خزائنه ملأى، لا تغيضها النفقة، فينزل كل ليلة في الثلث الأخير من الليل إلى السماء الدنيا نزولا يليق بجلاله وعظمته وكبريائه، وهو يقول: "من يدعوني فأستجب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". فهل لبينا النداء؟ هل نصبنا الأقدام بين يديه نناجيه ونناديه؟ هل انتصبنا بين يديه ورفعنا الأمر إليه؟ إن مطالبنا منها ما يقدر عليه ملوك الدنيا ومنها ما لا يقدر عليه إلا الله، ومنها ما لا يقدر عليها أحد من البشر، فلنرفع الحوائج إلى الذي إذا أراد شيئا قال له: كن فيكون.

 

إننا حاجة إلى أن نعيد العلاقة مع الله، وأن نصحح المسير إلى الله، إننا بحاجة إلى تصحيح العلاقة بملك الملوك، فإذا صحت علاقتنا بالله فلا يضر بعد هذا.

 

فليتــك تحـلو والحياة مريـرة *** وليتك ترضى والأنام غضاب

وليت الذي بيني وبينك عامر*** وبينـي وبين العالمين خـراب

إذا صح منك الود فالكل هين*** وكل الذي فوق التراب تراب

 

 (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [يس: 81- 83].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وتاب عليّ وعليكم إنه هو التواب الرحيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلامًا على عباده الذين اصطفى.

 

 أما بعد: معاشر المسلمين، عِبَر تمر ونراها يومًا بعد يوم، فهل من معتبر؟ ملك كانت تحيط به الجنود والحشود، يأمر وينهى، الكل يطلب ودّه وفي لحظة الكل يتفرق عنه، في لحظة واحدة تتفرق عنه الجموع، ويُترك وحيدًا في قبره، ليس معه إلا ما عمل، (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37].

 

أمراء ووزراء كانوا بالأمس ينادون بأفخم الألقاب، يطلب الناس ودهم ويخشون بطشهم، وفيما هم يوقدون مصابيح الفرح، إذا بالحال يتبدل فلا إمارة ولا وزارة، من رآهم رحمهم ومن زاد وجار تشمت بهم، إن في ذلك لعبرة، إن في ذلك لعبرة تقول إن الأيام دول، وإن بقاء الحال محال، والموفق من إذا تولى منصبا راقب الله، واستشعر عِظَم الأمانة، وأدى ما عليه ولم يجعل المنصب طريقًا للثراء ولا بابًا للتعالي على الناس، الموفّق من إذا تولى منصبًا لم يحارب الدين ولم يسعَ لنشر الرذيلة عن طريق منصبه، بل عمل على خدمة الدين من خلال منصبه، الموفق من إذا تولى منصبا جعله طريقا لخدمة الناس ونفعهم؛ حتى إذا فارق المنصب تحركت الألسن بالدعاء له والثناء عليه.

 

عباد الله: يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: "حق على الله ما ارتفع من أمر الدنيا إلا وضعه".

 فاطلبوا رحمني الله وإياكم عزا لا ذل بعده، ورفعا لا ذل بعده في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

 

هذا وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على خير الورى محمد المصطفى امتثالا لأمر الله -جل وعلا-(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

 

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعي التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمّر أعداء الدين، وانصر عبادك المجاهدين، اللهم كن للمستضعفين من المسلمين، اللهم احقن دماءهم، اللهم احفظ أعراضهم، اللهم أطعم جائعهم، اللهم اكس عاريهم، اللهم فك أسراهم، اللهم اشف مرضاهم، اللهم عاف مبتلاهم، اللهم كن لهم ناصر فقد قل الناصر.

 

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح ولاة أمورنا، اللهم اجمع كلمتنا ووحد صفنا وألف بين قلوبنا، وانشر الأمن في ربوع بلادنا وفي بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.

 

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر، وتوفنا وأنت راض عنا غير غضبان.

 

اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا ومن عذاب الآخرة، اللهم اغفر لنا ولوالدينا وارحمهم كما ربونا صغارا، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات.

 

اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم إنا خلق من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك يا أرحم الراحمين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب ولا هدم ولا بلاء ولا غرق.

 

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

من الشاكرين

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات