كونوا مع الصادقين

عبيد بن عساف الطوياوي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/ مخالفة العمل للقول قضية خطيرة 2/ الثبات على الدين مطلب شرعي 3/ للصدق مع الله ثمرات عظيمة.

اقتباس

قضية أن يكون للمسلم شخصية معينة أمام الناس، وأخرى مخالفة أمام الله، قضية خطيرة، بل كبيرة من كبائر الذنوب، فقد تكون سببًا لدخول صاحبها النار - والعياذ بالله - وهي ما ابتلي بها المنافقون، فكان منزلهم الدرك الأسفل من النار، كما قال تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)، فهم في الدرك الأسفل من النار لنفاقهم، ومخالفة بواطنهم لظواهرهم، لأنهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلون في مسجده خلفه، وقد يذهبون معه للجهاد، وقد يصومون معه رمضان، ويحضرون مجالسه، إلى درجة أن أمرهم لا يعرفه إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- وحذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، ولكنهم من الداخل غير ما هم عليه، بواطنهم فاسدة مخالفة لأمر الله -سبحانه- وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

 الحمد لله الملك الأعلى الكبير، الواحد الأحد، الفرد الصمد، السميع البصير، أحمده من إله معز مذل قدير، أحاط علمه بالجليل والحقير: (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).

 

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعالى عن الشبيه والنظير، وتقدس عن المستشار والوزير، (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

 

وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد، عباد الله:

اتقوا الله -سبحانه-، فالتقوى هي وصية الله لكم ولمن كان قبلكم، يقول سبحانه: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131]، فاتقوا الله - عباد الله - جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.

 

أيها الإخوة المؤمنون: كثير هم الذين تخالف أقوالهم أفعالهم، أي بالمفهوم الشرعي: يقولون ما لا يفعلون، وهذا أمر حرمه الدين، ومقت أهله، وحذر أهل الإيمان من الوقوع فيه، كما قال تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2- 3] فالذي يقول أشياء ليحصل على رضا الناس، ويفعل خلافها مما يغضب الله ممقوت عند الله جل جلاله، كبر مقتا: أي عظم بغضا - كما قال ابن عباس -.

 

 فينبغي، بل يجب على المسلم أن يكون صادقا ظاهرا وباطنا، لا يخالف قوله فعله، ولهذا قال الله تبارك وتعالى في آية أخرى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119] يقول ابن سعدي - رحمه الله - في تفسيره: (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، الذين أقوالهم صدق، وأعمالهم، وأحوالهم لا تكون إلا صدقا خلية من الكسل والفتور، سالمة من المقاصد السيئة، مشتملة على الإخلاص والنية الصالحة، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة.

 

أيها الإخوة المؤمنون:

قضية أن يكون للمسلم شخصية معينة أمام الناس، وأخرى مخالفة أمام الله، قضية خطيرة، بل كبيرة من كبائر الذنوب، فقد تكون سببًا لدخول صاحبها النار - والعياذ بالله - وهي ما ابتلي بها المنافقون، فكان منزلهم الدرك الأسفل من النار، كما قال تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا) [النساء: 145] فهم في الدرك الأسفل من النار لنفاقهم، ومخالفة بواطنهم لظواهرهم، لأنهم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلون في مسجده خلفه، وقد يذهبون معه للجهاد، وقد يصومون معه رمضان، ويحضرون مجالسه، إلى درجة أن أمرهم لا يعرفه إلا النبي -صلى الله عليه وسلم- وحذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، ولكنهم من الداخل غير ما هم عليه، بواطنهم فاسدة مخالفة لأمر الله -سبحانه- وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

أيها الإخوة المؤمنون:

الثبات على الدين مطلب شرعي، ومراقبة الله -سبحانه- وطاعته وامتثال أمره واجب من أهم الواجبات، وهو ما يجب على المسلم أن يحاسب نفسه عليه، لكي لا يقع بمقت الله وبغضه، ففي الحديث الصحيح عن ثوبان -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاً، فيجعلها الله عز وجل هباء منثوراً" قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم قال: "أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم أقوام إذا خلو بمحارم الله انتهكوها"، والحديث في صحيح الجامع.

 

أيها الإخوة:

وقد ذكر الله -سبحانه- لنا بعض صفات الصادقين، الذين أمرنا سبحانه أن نكون معهم، وأن لا نخرج عن دائرتهم، فقال تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) إيمان وصلة رحم، صدقة وصلاة وزكاة، وفاء وصبر، (أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة: 177] جعلني الله وإياكم منهم.

 

فالصدق مطلب شرعي - أيها الإخوة - أن تكون يا عبد الله صادقا مع الله، هذا هو الأمر المطلوب، وهو وسيلة نجاتك وسعادتك في الدنيا والآخرة، أما أن تكون ذو شخصيات متعددة، لك مع الناس شخصية، وإذا كنت لوحدك شخصية أخرى، فهذا الأمر الذي لا يرضاه الله -سبحانه-، ولا يليق بك كمسلم رضي بالله ربا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا، وبالإسلام دينا.

 

أسأل الله لي ولكم علما نافعا، وعملا خالصا، وسلامة دائمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فإنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

 

أيها الإخوة المؤمنون: إن الصدق في الأقوال والأفعال، وفي جميع الأحوال، صفة من صفات المؤمنين، ولذلك يقول تبارك وتعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا * لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب: 23- 24] فحري بالمسلم، أن يكون من هؤلاء، وأن يحذر أن يكون صادقا أمام الناس كاذبا أمام الله -سبحانه-.

 

أيها الإخوة المؤمنون:

إن للصدق مع الله -سبحانه-، ثمرة عظيمة، يغفل عنها من اهتم لأمر الناس، وهان عنده أمر الله سبحانه، إنها الجنة - أحبتي في الله - يقول سبحانه: (يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

 

فلنتق الله - عباد الله - ولنكن صالحين ظاهرا وباطنا، فالعمر قصير والأجل يأتي بغتة.

أسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يفقهنا جميعا في هذا الدين، وان يجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين إنه سميع مجيب.

 

اللهم يا من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، اللهم إنا نسألك أن تطهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وجوارحنا من الخيانة برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار اللهم آمنا في أوطاننا، واستعمل علينا خيارنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أصلح أحوال المسلمين، اللهم وحد صفهم، وقوي شوكتهم، اللهم اجعلهم يحكمون بكتابك وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا تعز فيه أولياءك، وتذل فيه أعداءك، ويعمل فيه بطاعتك، وينهى فيه عن معصيتك، برحمتك يا أرحم الراحمين. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)

 

عباد الله:

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

المرفقات

مع الصادقين1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات