كن متفائلا

الشيخ هلال الهاجري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ أهمية الأمل في حياة البشر 2/ آثار الأمل والتفاؤل 3/ آثار الحزن على الإنسان 4/ الأمل في حياة الأنبياء

اقتباس

بالتَّفاؤلِ تتلاشى الهمومُ .. وتنزاحُ الغُمومُ .. وتنقَشِعُ من سماءِ اليأسِ الغُيومُ، فظُنَّ بربِّكَ خيراً .. تفاءلْ .. كُنْ مصدرَ سعادةٍ .. بُثَّ في نفوسِ النَّاسِ الأملَ .. دعْ عنكَ التَّشاؤمَ .. أبعدْ عنكَ وعنْ إخوانَكَ اليَأسَ .. وانظروا إلى من جاءَه الأجلُ .. وفقَدَ في حياتِه الأملَ .. كيفَ يضيقُ عليه واسعُ الفَضاءِ .. وتَتحوَّلُ ألوانُ الدُّنيا الجميلةُ في عَينِه إلى سَوداءَ .. فلا هو يشعرُ بروعةِ شَمسِ السَّماءِ .. ولا هو يأنسُ بجمالِ نجومِ المَساءِ .. وما أجملَ ما قالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّغْرَائِي:
أُعَلِّلُ النَّفسَ بالآمالِ أَرقُبُها *** ما أَضيقَ العيشَ لولا فُسحَةُ الأملِ!!

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوْذُ باللهِ مِنْ شُرُوْرِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إله إلا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ.

 

(يَا أَيُّهاَ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَاْلأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

 

 

 أَمَّا بَعْدُ:

فما هي الحياةُ -يا أهلَ الإيمانِ- لولا الآمالَ؟ .. وما هو المُستقبلُ لولا الأماني؟ .. وما هو الكونُ لولا التَّفاؤلَ؟

 

بالأملِ .. تشتاقُ الوِجدانُ .. وتَنشُطُ الأبدانُ .. وتُحلِّقُ الأرواحُ فوقَ العَنانِ.

بالأماني .. تُعمرُ البِلادُ .. ويُبدعُ العِبادُ .. وتُنكَحُ الزَّوجاتُ ويُنجَبُ الأولادُ.

بالتَّفاؤلِ .. تتلاشى الهمومُ .. وتنزاحُ الغُمومُ .. وتنقَشِعُ من سماءِ اليأسِ الغُيومُ.

 

وانظروا إلى من جاءَه الأجلُ .. وفقَدَ في حياتِه الأملَ .. كيفَ يضيقُ عليه واسعُ الفَضاءِ .. وتَتحوَّلُ ألوانُ الدُّنيا الجميلةُ في عَينِه إلى سَوداءَ .. فلا هو يشعرُ بروعةِ شَمسِ السَّماءِ .. ولا هو يأنسُ بجمالِ نجومِ المَساءِ .. وما أجملَ ما قالَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الطُّغْرَائِي:

أُعَلِّلُ النَّفسَ بالآمالِ أَرقُبُها *** ما أَضيقَ العيشَ لولا فُسحَةُ الأملِ!!

 

وأفضلُ من ذلكَ ما جاءَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ"، قَالَ: وَمَا الْفَأْلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: "الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ" ..

 

قالَ الشَّيخُ ابنُ عثيمينَ -رحمهَ اللهُ-: "الفألُ ليسَ من الطِّيَرةِ لكنَّه شَبيهٌ بالطِّيرةِ من حيثُ الإقدامِ، فإنَّه يَزيدُ الإنسانُ نَشاطاً وإقداماً فيما يَتوَّجهُ إليه، فهو يُشبهُ الطِّيرةَ من هذا الوجهِ، وإلا فبينهما فَرقٌ؛ لأنَّ الطِّيرةَ تُوجبُ تَعلُّقَ الإنسانِ بالمتطيَّرِ به وضَعفِ تَوكلِه على اللهِ ورُجوعهِ عمَّا همَّ به من أجلِ ما رأى، لكنَّ الفألَ يزيدُه قوةً وثباتاً ونَشاطاً، فالشَّبهُ بينَهما هو التَّأثيرُ في كلٍّ مِنهما".

 

فانظروا كيفَ مدحَ النَّبيُّ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- الكَلمةَ الصَّالحةَ .. وذلك لما لها من الأثرِ الطَّيِّبِ على النُّفوسِ والأبدانِ، والإقدامِ على العملِ بنشاطٍ وإتقانٍ، حتى لو كانَ المُسلِمُ يعلمُ أنها لا تُغيُّرُ شيئاً من أمرِ خالِقِ الأكوانِ، فما أعظمَ شَّرعٍ جاءَ بكلِّ ما يبعثُ الأملَ والتَّفاؤلَ في نفوسِ أهلِ الإيمانِ، ونهى عن كلِّ ما يجلبُ التَّشاؤمَ واليَّأسَ والأحزانَ.

 

ولذلك تجدُ الشَّيطانَ حريصاً على الأسبابِ التي تُحزنُ المؤمنينَ .. قالَ تعالى: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [المجادلة: 10].. وذلك لأن الُحزنَ إذا سرى في جَسدِ الرَّجلِ .. ملأه ضَعفاً وكَسَلاً ويأساً من الحياةِ .. وبعد أن كانَ قويَّاً نشيطاً مُجتهداً في أمرِ الدُّنيا والآخرةِ .. إذ به قد قَعدَ عن العملِ والعبادةِ .. فلا يرى نوراً للأملِ ولا يذوقُ طعماً للسَّعادةِ.  

 

فيا عبادَ اللهِ ..

لماذا لا نُشيعُ ثَقافةَ التَّفاؤلِ والأملِ بيننا .. وفي وسائلِ تواصلِنا .. في حديثِنا واتصالاتِنا ورسائلِنا .. وبين أهلِنا وأحبابِنا وجيرانِنا .. ولنُضيء بها دروبَ أجيالِنا .. انطلاقاً من قولِ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ".

 

إذا زُرتَ مريضاً فَنَفِّسْ لَهُ في الأَجَلِ فإِنَّ ذلكَ لا يَرُدُّ شَيْئاً وهُوَ يُطَيِّبُ نَفْسَ المَرِيضِ .. وأخبرْه أن صِحتَه الآنَ أفضلُ .. ووجهَهُ اليَومَ أحسنُ .. وأن اللهَ تعالى قادرٌ على رفعِ المرضِ في لمحِ البَصرِ .. "أَيُّوبُ نَبِيُّ اللَّهِ كَانَ فِي بَلَائِهِ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَرَفَضَهُ الْقَرِيبُ وَالْبَعِيدُ، إِلَّا رَجُلَانِ مِنْ إِخْوَانِهِ كَانَا مِنْ أَخَصَّ إِخْوَانِهِ، كَانَا يَغْدُوَانِ إِلَيْهِ وَيَرُوحَانِ إِلَيْهِ" ..

 

ثُمَّ بنداءٍ من عبدٍ ضَعيفٍ مُحتاجٍ .. لمن يكشفُ الضُّرَ ولو كانَ دونَ علاجٍ .. (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) [ص: 41].. وإذا بالشِّفاءِ يأتي من اللهِ تعالى القديرِ .. تحتَ الأقدامِ الواهنةِ التي لمْ تَعدْ قادرةً على السَّيرِ .. (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) [ص: 42].. فضربَ برجلِه الأرضَ وشَربَ واغتسلَ .. ثُمَّ ماذا؟ .. "اسْتَبْطَأَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَتَلَقَّتْهُ تَنْظُرُ وَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أَذْهَبَ اللَّهُ مَا بِهِ مِنَ الْبَلاءِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مَا كَانَ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَالَتْ: أَيْ بَارَكَ اللَّهُ فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا الْمُبْتَلَى؟، وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَشْبَهَ بِهِ مِنْكَ إِذْ كَانَ صَحِيحًا، قَالَ: "فَإِنِّي أَنَا هُوَ" .. فأيُّ أثرٍ لهذا الكلامِ على المريضِ؟!

 

يقولُ الكاتبُ علي أدهم -رحمَه اللهُ-: "الفَرقُ بينَ نظرةِ الإسلامِ والنَّظرةِ التَّشاؤميةِ، هو أنَّ الإسلامَ يَنظرُ للحياةِ كما يَنبغي أن تكونَ، أما التَّشاؤمَ فإنَّه يَنظرُ للحياةِ كما هي".

 

وإذا رأيتَ فقيراً .. فذكِّره بقولِه تعالى: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [هود" 6].. وأنه كُتبَ له رِزقُه وهو في بطنِ أمِّه: "إنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسَلُ إلَيْهِ الْمَلَكُ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، وَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتْبِ رِزْقِهِ، وَأَجَلِهِ، وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٍّ أَمْ سَعِيدٍ" .. وأنه لن يموتَ حتى يأخذَ رِزقَه كُلَّه .. قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي، أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها، وتستوعِبَ رزقَها، فاتَّقوا اللهَ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ".

 

والأهم من ذلكَ كُلِّه .. أن الفقرَ ليسَ علامةً لبُغضِ اللهِ للعبدِ .. وليسَ الغِنى علامةَ حُبٍّ له .. كما يعتقدُ ذلكَ بعضُ النَّاسِ .. (فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ* كَلَّا) [الفجر: 15- 17] .. قالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "وَإِنَّ اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ- يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ، وَلا يُعْطِي الدِّينَ إِلا لِمَنْ أَحَبَّ فَمَنْ أَعْطَاهُ اللَّهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ" .. فإذا كُنتَ من أهلِ الصَّلاحِ .. فأبشرْ في الدُّنيا والآخرةِ بخيرٍ وفلاحٍ .. فسترونَ أثرَ هذا الكلامِ على ذلكَ المِسكينِ .. وكيفَ سيشعرُ أنه غنيٌ بعبادةِ خيرِ الرَّازقينَ.

 

يقولُ مُصطفى السِّباعي -رحمَه اللهُ-: "إِذَا نَظَرتَ بِعَيْنِ التَّفَاؤُلِ إِلَى الوُجُودِ رَأَيْتَ الجَمَالَ شَائِعًا فِي كُلِّ ذَرَّاتِهِ، حَتَّى القُبْحَ تَجِدُ فِيهِ جَمَالًا".

 

إذا اشتكى إليك عَاطِلاً .. وأخبرَك أنه طَرقَ كلَّ بابٍ .. فارفعْ أُصبعَك إلى السَّماءِ وقل: بقيَ بابٌ واحدٌ .. "وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" ..

 

لو طرقتَه بصدقٍ ويقينٍ وإصرارٍ .. لفُتِحتْ لك أبوابٌ فلم تدرِ ماذا تختارُ .. (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60] .. وعليكَ بأوقاتِ القَبولِ .. وتحرَّ ساعاتِ النُّزولِ .. حيثُ الكثيرُ بنومِه أو لهوِه مشغولٌ .. حينَ "ينزل رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ" .. عندَها قدِّم طلبَك برفعِ اليدينِ .. وأحضرْ أوراقَك بدعاءٍ مَتينٍ .. واذكر مؤهِّلاتِك بدمعِ العينينِ .. فيا سعادةَ من له ربٌّ يجيبُ دعوةَ الدَّاعينَ.

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ العَظِيمِ وَنَفَعَنِي وَإِيَاكُم بِمَا فِيهِ مِن الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ .. أَقُولُ قَولِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم وَلِكَافَةِ المُسْلَمَين مَن كُلِ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ الحليمِ الشَّكورِ، العَزيزِ الغَفورِ، قَائمٍ على كُلِّ نفسٍ بما كسبتْ، يُحصِي على العبادِ أعمالَهم ثمَّ يَجزيهم بما كسبتْ أيديهم، ولا يظلمُ ربُّكَ أحدًا، أحمدُ ربّي وأشكرُه، وأتوبُ إليه وأستغفرُه، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له العليمُ بذاتِ الصُّدورِ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا وسيِّدَنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه الدَّاعي إلى كلِّ عملٍ مَبرورٍ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وباركْ على عبدِك ورسولِك محمَّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ ..

 

أما بعدُ:

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- قَالَ: قَالَ اللَّهُ -تعالى:- "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي".. فظُنَّ بربِّكَ خيراً .. تفاءلْ .. كُنْ مصدرَ سعادةٍ .. بُثَّ في نفوسِ النَّاسِ الأملَ .. دعْ عنكَ التَّشاؤمَ .. أبعدْ عنكَ وعنْ إخوانَكَ اليَأسَ .. فلنربِ أنفسَنا وأبناءَنا ومن حولنا على النَّظرةِ الإيجابيَّةِ للواقعِ .. لأننا نؤمنُ بأنَّ لنا ربَّاً يُجيبُ السَّامعُ .. الحكيمُ العليمُ القديرُ مالكُ الكونِ .. إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ.

 

كُنْ مُتفائلاً .. كنَبيِّ اللهِ يعقوبَ -عليه السَّلامَ- .. فعندما فَقدَ أبناءَه الثَّلاثةَ .. لمْ يقطعْ رجاءَه باللهِ –تعالى- .. بل لا زالَ يطمعُ في رُجوعِ الأولِ .. تفاؤلاً وأملاً باللهِ الخبيرِ .. الذي هو على كلِّ شيءٍ قديرٍ .. (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87] ..

 

تفاءَلَ، فأرجعَ اللهُ عليه –تعالى- أبناءَه وردَّ عليه بصرَه .. (وَلَمَّا فَصَلَتِ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلاَ أَن تُفَنِّدُونِ * قَالُواْ تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيمِ * فَلَمَّا أَن جَاء الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [يوسف: 94- 97].

 

كُنْ مُتفائلاً .. كنبيِّكَ محمدٍ -صلى اللهُ عليه وسلمَ- .. الذي جاءَه مَلَكُ الجِبالِ فقالَ له: قَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ فَمَا شِئْتَ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا" ..

 

تفاءَلَ، فأقرَّ اللهُ –تعالى- عينَه بفتحِ مكةَ ودخولِ النَّاسِ في دينِ اللهِ أفواجاً .. وأخرجَ اللهُ من أصلابِ الكفرةِ .. ذريَّةً مؤمنةً شُهداءَ بررةً .. فكنْ مُتفائلاً ترى الوجودَ جميلاً.

 

اللَّهُمَّ إنَّا نَسْألُكَ مُوجِباتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزائِمَ مَغْفِرَتِكَ، والسَّلامَةَ مِنْ كُلِّ إثمٍ، والغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ، والفَوْزَ بالجَنَّةِ، والنَّجاةَ مِنَ النَّارِ ..

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأَذِّلَّ الشِّركَ والمشركينَ، ودَمِّرْ أعداءَ الدِّينِ، واجعلْ هذا البَلدَ آمناً مُطمَئِنَّاً وسائرَ بِلادِ المسلمينَ، اللَّهُمَّ ولِّ على المسلمينَ خِيارَهم واكفِهم شَرَّ شِرارِهم، اللَّهُمَّ اجعلْ ولايتَنا فِيمنْ خافَك واتَّقاكَ واتَّبعَ رضاك.

 

 اللَّهُمَّ وفق وليَ أمرِنا لما فيه صَلاحُ الإسلامِ والمسلمينَ، اللَّهُمَّ أصلحْ بطانتَه وجلساءَه، وأبعدْ عنه بِطانةَ السُّوءِ والمفسدينَ يا ربَّ العالمينَ .. (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

 

 

 

المرفقات

متفائلا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات