كنز من كنوز الأدعية

خالد ضحوي الظفيري

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ أهمية جوامع الأدعية التي كان يدعو بها النبي صلى الله عليه وسلم 2/ وقفة مع دعوة عظيمة كان يدعو بها نبينا صلى الله عليه وسلم 3/ الثبات على الدين من أعظم علامات أهل السنة 4/ شكر النعمة وحسن العبادة مطلب عظيم ومقصد جليل 5/ من جوامع الدعاء وكوامله 6/ من كوامل التعوذ وجوامعه 7/ أفضل الاستغفار.

اقتباس

ينبغي لكل مسلم أن يُحسِن إقباله على دعوات النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة الثابتة عنه؛ يقبل عليها دعوةً لله بها وتأملاً لمعانيها وتحقيقًا لغاياتها ومضامينها. إن دعوات النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوات معصومة من الذلل والخطأ، وفي الوقت نفسه مشتملة على غاية المطالب العالية ونهاية المقاصد الرفيعة، فكيف نبغي عنها بدلاً ونستعير عنها بغيرها، وهي دعوات النبي المعصوم -عليه الصلاة والسلام-.. هذه وقفة مع دعوة عظيمة كان يدعو بها نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهي ثابتة عنه، وقد حوت مجامع الخير وأبواب البر وأُسس السعادة في الدنيا والآخرة.

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أما بعد: فإن نبينا المصطفى ورسولنا المجتبى عليه -صلوات الله وسلامه- أوتي جوامع الكلم وبدائع الحكم -صلوات الله وسلامه عليه-، فكان يقول الكلمات القليلة ويتلفظ بالألفاظ اليسيرة الحاوية للمعاني الجامعة العظيمة.

 

عباد الله: وهكذا الشأن في دعوات النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكان يعجبه إذا دعا الله أن يدعو بجوامع الكلم؛ كما ثبت ذلك في الحديث، ويتأكد على كل مسلم أن يُحسِن إقباله على دعوات النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحيحة الثابتة عنه؛ يقبل عليها دعوةً لله بها وتأملاً لمعانيها وتحقيقًا لغاياتها ومضامينها.

 

إن دعوات النبي -صلى الله عليه وسلم- دعوات معصومة من الذلل والخطأ، وفي الوقت نفسه مشتملة على غاية المطالب العالية ونهاية المقاصد الرفيعة، فكيف نبغي عنها بدلاً ونستعير عنها بغيرها، وهي دعوات النبي المعصوم -عليه الصلاة والسلام-.

 

عباد الله: هذه وقفة مع دعوة عظيمة كان يدعو بها نبينا -صلى الله عليه وسلم- وهي ثابتة عنه، وقد حوت مجامع الخير وأبواب البر وأُسس السعادة في الدنيا والآخرة.

 

روى أحمد في مسنده والطبراني في معجمه بسند ثابت صححه الألباني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حديث شداد بن أوس -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا شداد بن أوس! إذا اكتنز الناس الذهب والفضة فأكنز هؤلاء الكلمات: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبَاً سَلِيمَاً، وَلِسَانَاً صَادِقَاً، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ".

 

فقوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الدعاء: "اللهم إني أسألك الثبات في الأمر" أي: أن أثبت على دين الله، وأن أستقيم على طاعة الله، وألا أنحرف ذات اليمين وذات الشمال، ومثله قوله -صلى الله عليه وسلم- "يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك".

 

 

وقد جاء من حديث أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا مصرف القلوب صرِّف قلبي على طاعتك"، قالت: قلت يا رسول الله! ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء أو أن القلوب لتتقلب؟ قال: "نعم؛ ما من قلب إلا بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء، فإن شاء أقامه وإن شاء أزاغه".

 

فما أحوجنا عباد الله إلى الإكثار من هذا الدعاء؛ أن يثبتنا الله على الأمر، والمراد بالأمر أي دين الله -عز وجل- الذي شرعه لعباده، وأمرهم به والثبات على السنة والتوحيد، والثبات على المنهج الحق، وهذا الثبات من أعظم علامات أهل السنة التي امتازوا بها عن أهل الأهواء والبدع الذين يتقلبون في أهوائهم حسب مصالحهم وأحزابهم.

 

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "والعزيمة على الرشد" هذا مطلب عظيم ما أحوجنا إليه! الرشد -عباد الله- هو كل خير وفلاح في الدنيا والآخرة، وكثيرًا ما نسمع بالأحاديث والمواعظ النافعة إلا أن عزائمنا فاترة، وهممنا ضعيفة، فما أحوج كل منا أن يسأل الله -عز وجل- العزيمة على الرشد، أي: أنك إذا بلغك الخير وعلمت به أن تعزم عليه، وأن تحرص على فعله، وأن تفعله لتكون من أهله.

 

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وأسألك شكر نعمتك" شكر النعمة -عباد الله- من أعظم المنن وأكبر العطايا؛ أن يوزعك الله شكر النعمة، وشكرها قائم على أركان؛ فالقلب يشكر الله بالاعتراف بالنعمة، واللسان يشكر الله بالتحدث بها والثناء على الله وحمده بما هو أهله، والجوارح تشكر الله باستعمال النعم في طاعة الله -جل وعلا-.

 

وقوله: "وحسن عبادتك" حسن العبادة مطلب عظيم ومقصد جليل بل إن الله -جل وعلا- لا يقبل العبادة إلا إذا كانت متصفة بهذا قال -جل وعلا-: (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) [الملك: 2]، والعمل لا يكون حسنًا إلا بأمرين؛ بإخلاصه لله -عز وجل- وبالمتابعة فيه لرسول -صلى الله عليه وسلم- فشمل قولك: "حسن عبادتك" الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول -صلى الله عليه وسلم-.

 

وقوله في هذا الدعاء: "وأسألك قلبًا سليمًا" أي قلبًا نقيًّا ذكيًّا مطهرًا من الشرك والنفاق والغل والحسد ومن كل أمراض القلوب وأسقامها، وإذا زكا القلب وطاب صلحت الجوارح وحسنت.

 

وقد جاء في دعاء إبراهيم -عليه السلام- حيث قال: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88- 89].

 

وإذا سلم القلب تبعته الجوارح في السلامة، وفي هذا يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله؛ ألا وإن وهي القلب".

 

وقوله: "ولسانًا صادقًا" أي: يحافظ على الصدق، ويتحرى في أقواله وأحاديثه، وإذا كان اللسان صادق اللهجة؛ فإن الجوارح كلها تتبعه على الاستقامة، يدل ذلك ما ثبت في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ, فَإِنَّ الْأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ، فَتَقُولُ: اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ فَإِنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا".

 

اللهم إنا نسألك الصدق في القول والعمل وأن تجعلنا من الصادق..

 

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد:

 

عباد الله: ما أجمع أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- وما أعظمها! وما أكثر فوائدها! ومن ذلك في هذا الدعاء حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم".

 

ومن جوامع الدعاء وكوامله حيث سأل في هذه الجملة الخير كله ظاهره وباطنه سره وعلانيته ما كان منه في الدنيا، وما كان منه في الآخرة؛ فإن قوله: "اللهم إني أسألك من خير ما تعلم"، يجمع الخير كله في الدنيا والآخرة، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وأعوذ بك من شر ما تعلم".

 

من كوامل التعوذ وجوامعه فإنك في هذه الجملة تعوذت من كل شر وكل بلاء وكل ضر فإن قول: "وأعوذ بك من شر ما تعلم" يجمع التعوذ كله، وقوله في خاتمة هذا الدعاء -صلوات الله وسلامه- عليه: "وأستغفرك لما تعلم" فيه إقرار العبد بذنوبه وخطاياه وكثرتها وتعددها، وأن منها ذنوبًا كثيرة لا يعلمها، نسيها العبد، ولكن أحصاها الله -عز وجل-.

 

فما أجمل أن يقول المستغفر في استغفاره: "وأستغفرك لما تعلم"؛ لأن علم الله -عز وجل- محيط بالسرائر والمعلنات بالخفيات والظاهرات بالذنوب المتقدمة والمتأخرة، محيط بكل شيء؛ فهو -جل وعلا- علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، ولذلك ختم النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الدعاء متوسلاً إلى الله -عز وجل- بقوله: "إنك أنت علام الغيوب" أي: أحاط علمك بكل شيء غائب عنا.

 

أما في حق الله -عز وجل- فالغيب عنده شهادة، والسر عنده علانية، لا تخفى عليه خافية.

 

فهذه وصية عباد الله بالعناية بهذا الدعاء العظيم الجامع، وهو ثابت عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-، والعناية بمثله مما ثبت من الأدعية عنه -عليه الصلاة والسلام- مع التأمل بدلالتها ومعانيها.

 

اللهم إنا نسألك الخير كله.. اللهم إنا نسألك الخير كله..

 

المرفقات

كنز من كنوز الأدعية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات