كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد

حسام بن عبد العزيز الجبرين

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فضائل الصدقة 2/ مثل ضربه النبي -عليه الصلاة والسلام- للمتصدق وللبخيل 3/ نماء المال بالصدقة والإنفاق 4/ ثمرات الصدقة وعواقب البخل 5/ حث الآخرين على الصدقة عبادة يغفل عنها الكثيرون 6/ ذكر بعض آداب الصدقة 7/ فن مراعاة كرامة المحتاج 8/ الحث على اقتطاع مبلغ شهري للصدقة.

اقتباس

هناك عبادة يغفل عنها كثير من الناس متعلقة بالصدقات؛ ألا وهي حث الآخرين على الصدقة؛ فالتصدق عبادة، والحض على الصدقة عبودية أخرى..، واليوم تيسرت طرق كثيرة يستطيع المسلم من خلالها الحضّ على الصدقة،.. ومن تصدق بسببك فلك مثل أجره؛ كما ثبت في الحديث الصحيح. ومما يُستحسن عند الصدقة النقدية أن يجعلها في كفّه ليأخذها المحتاج أثناء المصافحة، فيكسب المحسن مع أجر الصدقة أجر مراعاة كرامة المحتاج، وأجر السلام والمصافحة. ومما يُندب إليه المسلم أن يحدد مالاً للصدقة كأن يجعل من دخله مبلغًا أو نسبة معينة، تزيدها إذا زاد فضل الله عليك..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الملكِ المعبود، الرحيمِ الودود، ذي العطاء والمنِ والجود وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له:

 

يَأَتِْيكَ مِن ألْطَافِهِ الفَرَجُ الذِيْ *** لَمَ تَحْتَسِبْهُ وأنْتَ عَنْهُ غَافِلُ

يا مُوْجِدَ الأشْيَاءِ مَن ألَقْى إلَى *** أبْوَابِ غَيرِك فَهُو غٍِرٌ جَاهِلُ

ومَن اسْتَرَاحَ بِغَيرِ ذِكْرِكَ أَوْ رَجَا *** أحَدًا سِوَاكَ فَذَاكَ ظِل زَائِلُ

 

وأشهد أن نبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أكرمه ربه بالحوض المورود والمقام المحمود صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه.

 

 أما بعد: فأوصي نفسي وإياكم بوصية الله للبشرية قديمًا وحديثًا (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) [النساء: 131].

 

فلنتق الله عباد الله، ولنحرص على ارتداء لباس التقى ولنطهره من دنس الذنوب بالتوبة والأعمال الصالحة (وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ) [هود: 114].

 

إخوة الإيمان: عبادة محبوبة لله، شُرعت قبل الحج وصوم رمضان وقبل الزكاة أيضًا!، لأهلها باب من أبواب الجنة الثمانية، إنها سبب لانتشار الأمن، كما إنها مما يخفِّف قسوة القلب، وحث النبي -عليه الصلاة والسلام- عليها، وأخبر أنه سيأتي وقت لن يتمكن من فعلها.

 

أمر بها -سبحانه- كثيرًا ونوّع الترغيب إليها؛ ففي آيات ذكر أنها من أعمال أهل الجنة، وفي آيات أخرى ضرب لها الأمثال، وفي آيات وَعَدَ -عز وجل- والله لا يخلف الميعاد، في شأنها أحاديث كثيرة متنوعة فورد أنها سببٌ لإظلال العبد يوم القيامة، وأنها تطفئ غضب الرب وأنها سبب لشفاء المرضى والأحاديث فيها كثيرة جدا نعم .. إنها عبادة الصدقة.

 

إخوة الإيمان: إليكم مثلاً ضربه النبي -عليه الصلاة والسلام- للمتصدق وللبخيل، فعند البخاري مرفوعًا: "مثلُ البخيلِ والمنفقِ، كمثل رجلين، عليهما جُبَّتانِ من حديدٍ، من ثُدِيِّهما إلى تراقِيهما، فأما المنفقُ: فلا ينفق إلا سبغتْ، أو وفرت على جلدِه، حتى تخفي بنانَه، وتعفو أثرَه. وأما البخيلُ: فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقتْ كلُّ حلقةٍ مكانها، فهو يوسعها ولا تتسع" (وأخرجه مسلم بنحوه).

 

فشبَّه النبي -عليه الصلاة والسلام- المنفق بمن لبس جبة أو جُنَّة حديد كما في رواية مسلم، والأصل في لبسها الوقاية والسَتر، فأما الباذل فكلما تصدق امتدت وغطت جسده حتى تستر أصابعه وتستر أثره، قال ابن حجر: "والمعنى أن الصدقة تستر خطاياه كما يغطي الثوب الذي يجر على الأرض أثر صاحبه" اهـ.

 

ويحتمل التشبيه معنى آخر: قال النووي: "وهو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق" اهـ، وفي معنى ثالث: أن الجواد كلما همَّ بالصدقة انفسح لها صدره، وطابت نفسه فتوسعت في الإنفاق، أما البخيل فبعكسه كلما همَّ بالإنفاق شحَّت نفسه، وضاق صدره وانقبضت يده (وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9].

 

 قال -عليه الصلاة والسلام-: "وأما البخيلُ" فلا يريد أن ينفق شيئًا إلا لزقتْ كلُّ حلقةٍ مكانها، فهو يوسِّعها ولا تتسع".

 

 وفي معنى آخر يحتمله التشبيه؛ قال النووي في شرح المثلين: "وهو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق، والبخل بضد ذلك" اهـ.

 

 وحث النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصدقة قبل أن يأتي زمان لا يوجد من يقبلها ففي البخاري مرفوعًا: "تصدَّقوا، فإنه يأتي عليكم زمانٌ، يمشي الرجلُ بصدقتِه فلا يجِدُ مَن يَقبَلُها".

 

أيها المؤمنون: المال مال الله (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) [النور: 33]، وقد استخلفنا فيه، وأمر بالنفقة، ووعدنا الكريم بأجر كبير، فما ظنك بعطية أكرم الأكرمين! (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) [الحديد: 7].

 

ثم إنه -جلّ جلاله- وعدنا بالخلف أيضًا؛ فنحن حين نتصدق مع الأجر يخلف الله علينا ويعوض (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ: 39]، بل إنه جل شأنه سمى ما تتصدق به قرضًا! (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد: 18]، إن الكريم غني عنا وإنما أمرنا لمصلحتنا (وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ) [البقرة: 272].

 

إخوة الإيمان: فضائل الصدقة ليست للأغنياء فقط، بل إن الفقير قد يتصدق فيكون أكثر أجرًا من صدقة الغني، وإن كانت كثيرة؛ ففي الحديث: "سبقَ دِرهمٌ مائةَ ألفِ درهمٍ، قالوا: وَكَيفَ؟ قالَ: كانَ لرجلٍ درهمانِ تصدَّقَ بأحدِهِما، وانطلقَ رجلٌ إلى عُرضِ مالِهِ، فأخذَ منهُ مائةَ ألفِ درهمٍ فتصدَّقَ بِها" (أخرجه النسائي وحسنه الألباني).

 

بارك الله لي ولكم ..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الكريمِ الغني، القديرِ القوي، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الواسع الولي، وأشهد أن محمدًا خاتم رسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

 

 أما بعد إخوة الإيمان:

فهناك عبادة يغفل عنها كثير من الناس متعلقة بالصدقات؛ ألا وهي حث الآخرين على الصدقة؛ فالتصدق عبادة، والحض على الصدقة عبودية أخرى، قال الحق –سبحانه- عن صاحب الشمال (خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ)؛ ثم ذكر سبحانه عملين من الأعمال التي أدت به إلى هذا المصير السيئ؛ (إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) [الحاقة: 30- 34].

 

وكذا ذكر الله هذه الصفة في معرض ذكر المكذب في سورة الماعون، واليوم تيسرت طرق كثيرة يستطيع المسلم من خلالها الحضّ على الصدقة، كيف وقد وعد الكريم بأجر عظيم فقال (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) [النساء: 114]، ومن تصدق بسببك فلك مثل أجره؛ كما ثبت في الحديث الصحيح.

 

معشر الكرام: ومما يُستحسن عند الصدقة النقدية أن يجعلها في كفّه ليأخذها المحتاج أثناء المصافحة، فيكسب المحسن مع أجر الصدقة أجر مراعاة كرامة المحتاج، وأجر السلام والمصافحة.

 

ومما يُندب إليه المسلم أن يحدد مالاً للصدقة كأن يجعل من دخله مبلغًا أو نسبة معينة، تزيدها إذا زاد فضل الله عليك، وقد ذكر –سبحانه- في صفات أهل الجنة في سورة المعارج وهي مكية (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [المعارج: 24- 25]، وقد نزلت في مكة والزكاة لم تُفرَض إلا في المدينة، وقال في سورة الذاريات وهي مكية في معرض ذكر أعمال أهل الجنة (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) [الذاريات: 19] .

 

وختاما أيه الأحبة: تحروا أوقات حاجة إخوانكم وعمومًا، فالأيام قبل نزول المرتبات تشتد فيها الحاجة (وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون: 10].

 

وبعدُ عباد الله: صلوا وسلموا ...

 

 

المرفقات

رجلين عليهما جبتان من حديد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات