عناصر الخطبة
1/ رسالة النبي –صلى الله عليه وسلم-إلى كسرى 2/ كيف تعامل كسرى مع الرسالة النبوية 3/ قصة إسلام باذان 4/ وجه الشبه بين كسرى الفرس وكسرى اليمن 5/ استيلاء المخلوع اليمني على ثروات اليمن 6/ أبرز الدروس والعبر المستفادة من القصة.اقتباس
وَفَاسِدُ اليَمَنِ اليومَ، خَانَ العَهْدَ والمِيثَاقَ، وَتَحَالفَ مَعَ كُلِّ شَيطَانٍ مَرِيدٍ، وَعَضَّ يَدًا أَطْعَمَتْهُ وَسَانَدَتْهُ وَعَالَجَتْهُ، وَتَحَالَفَ مَعَ دَولَةِ الرَّفْضِ والمَجُوسِ، وَتَعَاقَدَ مَعَ الحَوثِيينَ الرَّوَافِضِ، وَأَغْرَاهُمْ بِبِلادِ الحَرَمَينِ، وَمَنْبَعِ الوَحْيَيْنِ، وَتَبِعَهُ سُذَّجٌ وَمُرْتَزِقُونَ، وَقَامَ عليهِ أَهْلُ العَقْلِ والحِكْمَةِ والدِّينِ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. حَقَّاً لَقَدْ كَانَ بَاذَانُ أكْثَرُ حِكْمَةً أَرْجَحُ عَقْلاً. فَقَدْ حَسبَ لِعَواقِبِ الأُمُورِ. أمَّا فَاسِدُ اليَمَنِ اليومَ فَقَدْ أخَذَهُ الغُرورُ وَلَمْ يُدْركَ مَعْنى: اتَّقِ شَرَّ الحَليمِ إذا غَضِبَ!
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله هَدَانا لِدينِهِ القَويِمِ وصِرَاطِهِ الْمُستَقَيمِ، نَشهدُ ألَّا إله إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريِكَ له، يُحِقُّ الْحَقَّ ويُبطِلُ البَاطِلَ ويَقْطَعُ دَابِرَ الكَافِرِينَ، ونَشهدُ أنَّ نَبَيَّنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسُولُهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ، أَرسَلَهُ اللهُ بالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ ولو كَرِهَ الْمُشرِكُونَ، اللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى جميع الآلِ والأصحاب، ومَنْ تَبِعَهم بِإحسَانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الْمَآبِ.
أَمَّا بَعدُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .
عبادَ اللهِ: حَدِيثُنا اليومَ لَهُ عَلاقَةٌ بِيَمَنِ الأَمْسِ، وَيَمَنِ اليومِ، وَمُقَارَنَةٌ بَينَ مَنْ حَكَمَ اليَمَنَ بِعَقْلٍ وَحِكْمَةٍ، وَبينَ مَنْ غَلَبَ عليهِ الغَبَاءُ وَالمَكْرُ والطُّغْيَانُ! فَرَسُولُ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- لَمْ يَأْلُ جُهْدَاً لِنَشْرِ الإسلامِ من خلالِ إرسالِ الرُّسُلِ والكُتُبِ إلى مُلُوكِ العالَمِ! وكانَ لِأُسلُوبِ الرَّسَائِلِ أَثَرٌ بَارِزٌ في دُخُولِ بَعضِهُمُ الإسلامَ، كَمَا كَشَفَتْ حَماقَةَ وَغَباءَ بَعْضِهِم!
ومنها: مَا كَتَبَهُ إلى كِسْرَى مَلِكِ الإمْبِرَاطُورِيَّةِ الفَارِسَيَّةِ، حيثُ اختار لِحَمْلِ كِتَابِهِ عبدَ اللهِ ابنَ حُذَافَةَ السَّهمِيَّ، فجهَّزَ عبدُ اللهِ نَفْسَهُ، وودَّع أهلَهُ، مَضَى وَحِيدَاً ليس معه إلَّا اللهُ تعالى!
حتى بَلَغَ دِيَارَ فَارِسَ، فاستَأْذَنَ بالدُّخولِ على مَلِكِهَا، فَأَمَرَ كِسْرَى بِإيوانِهِ فَزُيِّنَ، وَدَعَا عُظَمَاءَ فَارِسَ لِلحُضُورِ، ثُمَّ أُذِنَ لعبدِ الله بنِ حُذَافَةَ بالدُّخولِ عليه، فَدَخَلَ على مَلِكِ فارسَ، بَينَ جَوَانِحِهِ عِزَّةُ الإسلامِ، وكِبْرِيَاءُ الإيْمَانِ، له هَيْبِةُ الْمُؤمِنِ، فَمَا إنْ رَآهُ كِسْرَى مُقبلاً حتى أَوْمَأَ إلى أَحَدِ رِجَالِه أَنْ يِأخُذَ الكِتَابَ من يَدِهِ، فقالَ: لا، إنَّمَا أَمَرَنِي رسولُ اللهِ أنْ أَدْفَعَهُ إليكَ يَدًا بِيدٍ، وأنَا لا أُخَالِفُ أَمْرَ رَسُولِ اللهِ، فقال كِسْرَى: دَعُوه يَدْنُو مِنِّي، فَدَنَا فَنَاوَلَهُ الكتابَ بِيدِهِ.
ثُمَّ دَعَا كَاتِبَاً أَنْ يَقْرَأَ فإذا فيه: "بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، مِنْ مُحمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إلى كِسْرَى عَظِيمِ فَارِسَ، سَلامُ اللهِ على مَنْ اتَّبَعَ الْهُدى وآمَنَ باللهِ ورَسُولِهِ وَشَهِدَ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهَ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ اللهِ، فَإِنِّي أَنَا رسولُ اللهِ إلى النَّاسِ كَافَّةً، لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيَّاً ويَحِقَّ القَولُ على الكافرينَ، فَأَسْلِمْ تَسْلَمْ، فإنْ أَبَيْتَ فَإِنَّ إِثْمَ الْمَجُوسِ عَلَيكَ".
فَما إنْ سَمِعَ كِسْرَى الرِّسالةَ حتى اشتِعَلَ الغَضَبُ في صَدْرِهِ، واحْمَرَّ وَجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أَودَاجُهُ، فَجَعَلَ يُمَزِّقُها ويَصْرُخُ أَيَكْتُبُ لي بِهذا وهو عَبدٌ من عَبيدِي؟ دُونَ أنْ يَعْلَمَ أيُّ شَرٍّ يَجُرُّهُ على نَفْسِهِ وَمَملَكَتِهِ! ثُمَّ أَمَرَ بِابنِ حُذَافَةَ فَأُخْرِجَ! فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ ذَلِكَ قَالَ: "الَّلهُمَّ مَزِّقْ مُلْكَهُ".
عِندَهَا أَمَرَ كِسْرَى أنْ يُكْتُبَ كِتَابَاً إلى بَاذَانَ واليهِ على اليَمَنِ وَإذْ فِيها: أنْ أرْسِلْ إلى مُحَمَّدٍ وَاكْتُبْ لَهُ: أنَّ مَلِكَ الْمُلوكِ كِسْرى يأمُرُكَ أنْ تَأْتِيَ إِلَيهِ، فَإنْ أَجَبْتَ كَفَّ أَذَاهُ عَنْكَ، وَإنْ أَبَيْتَ جَاءَتْكَ سَطْوتُهُ وَبَطْشُهُ أنتَ وقَومُكَ!
أيُّها الكِرَامُ: بَاذَانُ الفَارِسِيُّ رَجُلٌ عَاقِلٌ حَكِيمٌ! ألا تَعْلَمُونَ أنَّ لَهُ قِصَّةَ إسلامٍ عَجيبَةٍ! تَبْدَأُ مِنْ حِينِ أنْ أَمَرَهُ كِسْرَى أنْ يَبْعَثَ بِرَجُلَينِ جَلْدَينِ مِنْ عِنْدهِ، إلى مُحَمَّدٍ، وحمَّلَهُمَا رسالةً يَأْمُرانِ فيها رسُولَ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- بِأَنْ يَنْصَرِفَ مَعَهُمَا لِلِقَاءِ كِسرى دُونَ إِبْطَاءٍ.
خَرَجَ الرَّجُلانِ شَطْرَ الْمَدِينَةِ، حَتَّى إذَا رَأَيَا تَعظِيمَ الصَّحابَةِ لِلنَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- وَحُبِّهمْ لَهُ أدْرَكَا خُطُورَةَ الْمَهَمَّةِ التي جَاءَا مِنْ أَجْلِهَا. فَلَمَّا دَخَلا على رَسُولِ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- وَقَدْ حَلَقَا لِحَاهُمَا وأَعْفَيَا شَوارِبَهُمَا أعرَضَ بوجْهِهِ عَنْهُما، وقالَ: "وَيْلَكُمَا، مَنْ أَمَرَكُمَا بِهذا؟" قالا: أَمَرَنَا رَبُّنَا، يَقْصِدَانِ كِسْرى، فقالَ رسولُ اللهِ : "ولكنَّ رَبِّي أَمَرَنِي بِإِعْفَاءِ لِحيَتِي وَقَصِّ شَارِبَي".
أَخَذَ رَسُولُ اللهِ رِسَالَةَ بَاذَانَ، فَإِذَا فيها إنَّ مَلِكَ الْمُلوكِ كِسْرى يأمُرُكَ أنْ تأتِيَ إليهِ، فَإنْ أَجَبْتَ كَفَّ أَذَاهُ عَنْكَ، وإنْ أَبَيْتَ جَاءَتْكَ سَطْوتُهُ وَبَطْشُهُ أَنْتَ وقَومُكَ!
أيُّها المُؤمِنُونَ: كيفَ كانَ موقِفُ النَّبِيِّ مِنَ الكتابِ؟ إنَّهُ لَمْ يَغْضَبْ بل تَبَسَّمَ وَقَالَ لهُمَا: "ارجِعَا إلى رِحَالِكُما اليومَ، وَائْتِيَا غَدَاً"، فَلَمَّا غَدَوا عَلى رَسُولِ اللهِ مِنَ الغَدِ قَالاَ لَهُ: هَلْ أعَدَدْتَ نَفْسَكَ للمُضِيِّ مَعَنَا لِلقَاءِ كِسْرَى؟ فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم-: "إَّن رَبِّي قَتَلَ رَبُّكُمَا الَّليلَةَ".
حيثُ سَلَّطَ عليهِ ابْنَهُ شِيْرَوَيْهِ وَقَتَلَهُ، فَحَدَّقَا في وجْهِ النَّبِيِّ –صلى الله عليه وسلم- وقالاَ: أَتَدْرِي ما تَقُولُ؟ أَنَكْتُبُ بِذلِكَ لِبَاذَانَ وَالي اليَمَنِ؟ قَالَ –صلى الله عليه وسلم-: "نعم". وَقُولاَ لَهُ: "إنَّ دِينِي سَيَبْلُغُ ما وَصَلَ إليه مُلكُ كِسْرى، وإنَّكَ إنْ أَسْلَمتَ أَعطَيتُكَ ما تَحتَ يَدَيْكَ، ومَلَّكتُكَ على قَومِكَ".
خَرجَ الرَّجلانِ مِنْ عِندِ رسولِ اللهِ حَائِرَينِ غَيْرَ مُصَدِّقَينِ، قَدِمَا على بَاذَانَ، وأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ. فَطَارَ عَقلُهُ! وَلَكِنَّهُ كَانَ لَبِيبَاً عَاقِلاً، يُفَكِّرُ لِعَوَاقِبِ الأمُورِ! فَقَالَ لِمَنْ حَولَهُ: الأمْرُ لا يَحتَاجُ إلى أَكثَرَ مِنْ شَهْرٍ لِنَعرِفَ حَقِيقَةَ مُحَمَّدٍ، نَنَتَظِرُ رُسُلَ فَارِسَ، فإنْ كَانَ كَمَا قَالَ فَهُوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ، وَإنْ كَانَ غيرَ ذَلِكَ فَلَنَا مَعَهُ شَأْنٌ آخَرُ.
فَمَا هِيَ إلاَّ أيَّامٌ حتى جاءَتْ رِسَالَةُ شِيْرَوَيْهِ فإذَا فيها: "أمَّا بَعدُ: فَقَدْ قَتَلْتُ كِسْرَى، ولَمْ أَقْتُلْهُ إلاَّ انتِقَامَاً لِقَومِنَا، فَقدْ اسْتَحَلَّ أَشْرَافَهُم وَسَبَي نِسَائَهُمْ وانْتَهَبَ أَموَالَهُم، فِإذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَخُذْ لِي الطَّاعَةَ مِمَّنْ عِندَكَ".
فَما إنْ قَرَأَ بَاذَانُ كِتَابَ شِيْرَوَيْهِ حتى طَرَحَهُ جَانِبَاً، وأَعلَنَ دُخُولَهُ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الفُرْسِ في الإسلامِ فَأَرْسَلَ لَهم مِنْ أَصْحَابِهِ مُعَلِّمِينَ يُعَلِّمُونَهُم الدِّينَ، مِنُهم عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، ومُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وأبو مُوسى الأَشْعَرِيُّ، ووبْرُ بنُ يُحَنَّسَ؛ -رَضِيَ اللهُ عنهم أَجمَعينَ-.
وَأَمَرَ أَنْ يُبنَى لَهم مَسْجِدَاً في صَنْعَاءَ حَدَّدَ رَسولُ اللهِ مَوضِعَهُ وقِبْلَتهُ، أَقُولُ قَولي هَذَا، وأَستَغفِرُ اللهَ لي ولَكم ولِسَائِرِ الْمُسلِمينَ مِنْ كُلِّ ذنبٍ فاستغفروه، إنَّه هوَ الغَفورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي أَرسَلَ رَسُولَهُ بالْهُدى ودِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ على الدِّينِ كُلِّهِ وكَفَى باللهِ شَهِيداً، نشْهَدُ ألَّا إله إلا اللهُ وحدَهُ لا شَرِيكَ لهُ إِقْرَارَاً بِهِ وتَوحِيدَاً، ونَشْهدُ أنَّ مُحَمَّدِاً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ صَلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإْحسَانٍ وإيمانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً مَزِيدَاً.
أَمَّا بَعدُ: فَيا أَيُّها النَّاسُ: اتَّقُوا اللهَ حَيثُمَا كُنْتُمْ، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعَاً وَلا تَفَرَّقُوا: (وَمَنْ يَعتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلى صِرَاطٍ مُستَقيمٍ) [آل عمران: 101].
أيُّها الكرامُ: مِنْ قِصَّةِ كِسْرَى وبَاذَانَ نَأْخُذُ دُرُوساً وَعِبَرًا: فَمِنْهَا: زِيَادَةُ الإيْمَانِ واليَقِينِ بِتَدَارُسِ مُعجِزَاتِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الذي لا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى! فَقد أَبْلَغَ القَومَ بالقَتْلِ والقَاتِلِ وَمَوعَدَ القَتْلِ! وأَوضَحَ لَهم حُدودَ مُلكهِ وانْتِشَارَ دِينِهِ فكانَ صَادِقَاً بِمَا أَخْبَرَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ!
وَمِنَ الدُّرُوسِ: تَشَابُهِ الظَّلَمَةِ والطُّغَاةِ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ: فَكِسْرى رَفَضَ كُلَّ مَبَادِئَ الصُّلْحِ والسَّلامِ، فَقَتَلَهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إليهِ شَرَّ قِتْلَةٍ، وَمَزَّقَ اللهُ مُلْكَهُ وَشَتَّتَ شَمْلَهُ!
وَفَاسِدُ اليَمَنِ اليومَ، خَانَ العَهْدَ والمِيثَاقَ، وَتَحَالفَ مَعَ كُلِّ شَيطَانٍ مَرِيدٍ، وَعَضَّ يَدًا أَطْعَمَتْهُ وَسَانَدَتْهُ وَعَالَجَتْهُ، وَتَحَالَفَ مَعَ دَولَةِ الرَّفْضِ والمَجُوسِ، وَتَعَاقَدَ مَعَ الحَوثِيينَ الرَّوَافِضِ، وَأَغْرَاهُمْ بِبِلادِ الحَرَمَينِ، وَمَنْبَعِ الوَحْيَيْنِ، وَتَبِعَهُ سُذَّجٌ وَمُرْتَزِقُونَ، وَقَامَ عليهِ أَهْلُ العَقْلِ والحِكْمَةِ والدِّينِ، والحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. حَقَّاً لَقَدْ كَانَ بَاذَانُ أكْثَرُ حِكْمَةً أَرْجَحُ عَقْلاً. فَقَدْ حَسبَ لِعَواقِبِ الأُمُورِ. أمَّا فَاسِدُ اليَمَنِ اليومَ فَقَدْ أخَذَهُ الغُرورُ وَلَمْ يُدْركَ مَعْنى: اتَّقِ شَرَّ الحَليمِ إذا غَضِبَ!
عِبَادَ اللهِ: من الدُّروسِ : أَهَمِّيَّةُ الدُّعَاءِ على الظَّالِمِينَ، فَكلَّمَا حَصَلَ ظُلْمٌ وَبَغيٌ كَانَتِ الإجَابَةُ مِن اللهِ تَعَالى أَسْرَعَ وأَحْرَى ! قَالَ اللهُ تَعَالَى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ) [النمل: 63] وَقَالَ رَسُولُ اللهِ : "اتَّقُوا دَعْوَةَ الْمَظلُومِ، فَإنَّها تُحمَلُ على الغَمَامِ، وَيَقُولُ اللهُ: وَعِزَّتِي وجَلاَلي لأَنْصُرَنَّكِ ولَو بَعدَ حِينٍ".
فَلَمَّا مَزَّقَ كِسْرَى كتَابَ رَسُولِ اللهِ دَعَا عليهِ وَقَالَ: "الَّلهُمَّ مَزِّقْ مُلْكَهُ". فَكَمْ مِنْ إخوانِنَا في أرضِ اليَمَنِ السَّعيدِ مِمَّنْ ظُلِمُوا في أرزَاقِهِمْ وَأمْنِهِمْ وَدِينِهِمْ فَرَبُّكَ لِلظَّالِمِينَ بالمِرصَادِ.
واللهِ يا كِرامُ: أَنَّنِي أقُولُها بِكُلِّ صِدْقٍ وَيَقِينٍ أنَّ فَاسِدَ اليَمَنِ تَرَبَّعَ على رِئَاسَةِ اليَمَنِ أكْثَرَ مِنْ ثَلاثِينَ عَامَاً، وَفي كُلِّ عَامٍ يَجُرَ أَرْضَ اليَمَنِ السَّعِيدِ مِن هَاوِيَةٍ إلى هَاوِيَةٍ، وَمِنْ مُصِيبَةٍ إلى بَلِيَّةٍ، أذاقَ رِجَالَهَا أنوَاعَ الذُّلِ والمَهَانَةِ، أفْقَرَ رِجَالَهَا، وَنَهَبَ خَيْرَاتَها، وَقَرَّبَ أقَارِبَهُ، وَاشْتَرَى ذِمَمَ رُؤسَاءِ الَقَبَائِلِ، وَجَعَلَ البِلادَ فِي حُرُوبٍ طَاحِنَةٍ دَائِمَةٍ، حتَّى قَيَّضَ اللهُ لأهْلِنَا هُنَاكَ عَاصِفَةً حَازِمَةً وَتَحَالُفَاً نَسْألُ اللهَ تَعَالى أنْ يَجْعَلَهُ لِصَالِحِ الإسْلامِ والمُسْلِمِينَ. وَكَتَبَ اللَّهُ النَّصرَ والتَّمكِينَ لِكُلِّ مَنْ نَصَرَ الإسلامَ والمُسْلِمِينَ.
نعم عبَادَ اللهِ: لَقَد سُرِقَ اليَمنُ فِي وَضَحِ النَّهَارِ، وَأهلُنا هُنَاكَ ضَعُفَت قُوَّتُهم، وقَلَّتْ حِيلَتُهم، فاستَنجَدُوا بِإخوَانِهم المُسلِمينَ، حُكَّامَاً وَمَحكُومينَ، فَجَاءَتْ العَاصِفَةُ الحَازِمَةُ، لِتُعِيدَ الحَقَّ لأَهلِهِ وَلِتَقطَعَ يَدَ السَّارِقِ، فَأرْضُ اليَمَنِ، إرثٌ إِسلامِيٌّ عَرَبِيٌّ أَصِيلٌ، ولَيسَتْ أَرْضَ شِرْكٍ، وَشَتْمٍ لِأَصحَابِ مُحَمَّدٍ، وعُبَّادِ القُبُورِ! مُنطلَقينَ من قَولِ اللهِ جَلَّ وَعَلا: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات: 10]، وقَولِ رَسُولِهِ : "وكونوا عبادَ الله إخوانًا، المُسلمُ أَخُو المُسلمِ، لا يَظلِمُهُ، ولا يَخذُلُهُ، ولا يُسلِمُه"(متفق عليه).
فالنُّصرَةُ حَقٌّ أَسَاسِيٌّ مِن حُقُوقِ الأُخُوَّةِ ومُقتَضَيَاتِها العَمَليَّةِ.
اللهُ أكبرُ يا مؤمنونَ: إنَّ الذي أنْهى مُلْكَ كِسْرَى أَنُو شِرْوانَ بِلَمْحَةِ بَصَرٍ قادرٌ أن يُدَمِّرَ مُلْكَ وَرِئَاسَةَ قَومٍ ظَالِمينَ، وحُكَّامٍ جَائِرينَ، ولِشَرِيعَةِ اللهِ مُعَطِّلينَ! (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 227]، وَقَالَ جَلَّ وعلا: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) [إبراهيم: 42].
أيُّها المؤمنونَ: استحضروا قُلُوبَكُم، وأَلِحُّوا على اللهِ بالدُّعاءِ: "فَأَعجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عن الدُّعاءِ". فلا إله إلا اللهُ العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرشِ العظيمِ، لا إله إلا الله ربُّ السمواتِ السَّبعِ وربُّ العرشِ الكريمِ.
رَبَّنَا أَعِنْ إخوَانَنَا في فِلَسْطِينَ وَسُورِيا واليَمَنِ ولا تُعِنْ عَلَيهم، وانصُرهم ولا تَنْصُرْ عَلَيهم، وامكُرْ لهم ولا تَمْكُرْ عَلَيهم، واهدهم ويَسِّر الهُدَى لهم، وانصرهم على من بَغَى عَلَيهم.
اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ، مُجْرِىَ السَّحَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، هَازِمَ الأَحْزَابِ، اللَّهُمَّ اهْزِمِ طواغيتَ العصرِ وجُنْدَهم، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ، وَانْصُر إخوانَنَا عَلَيْهِمْ اللَّهُمَّ اِكْفِنَاهمْ بِمَا شِئْتَ.
اللَّهُمَّ وحِّد صفوفَ إخوانِنا في كُلِّ مكانٍ، واجمع كلمتَهم على الحقِّ والهدى، اللَّهُمَّ هيئ لهم قادةً صالحينَ مُصلِحينَ.
اللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وجَمِيعِ سَخَطِكَ.
اللَّهمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنَ الفِتَنِ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، اللَّهُمَّ أدم علينا نعمةَ الأمنِ والإيمانِ والرَّخاءِ والاستقرارِ، وأصلحْ لنا وُلاتَنَا وهيئ لِهُم بِطَانةً صَالحةً نَاصِحَةً واجعلهم رَحمةً على رعاياهم.
اللهم انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعينَ.
اللهم إنا نَعُوذُ بك من الغلا والوبا والرِّبا وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْها وَمَا بَطَنَ. ربَّنا آتنا في الدنيا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عذابَ النَّارِ، (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم