قضايا الشباب (1) فقدان الهوية الإسلامية

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-03-24 - 1443/08/21 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/التعريف بالهوية الإسلامية 2/ضياع الهوية الإسلامية عند الشباب ومظاهر ذلك 3/أسباب فقدان الشباب للهوية الإسلامية 4/آثار فقدان الهوية على الشباب وخطورته 5/وسائل غرس الهوية الإسلامية في نفوس الشباب وحمايتها.

اقتباس

إِنَّ لِفِقْدَانِ الشَّبَابِ لِهُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ آثَارًا وَخِيمَةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى مُجْتَمَعَاتِهِمْ، فَمِنْهَا: طَمْسُ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ: فَأَوَّلُ مَا يَضْعُفُ فِي قُلُوبِهِمْ هِيَ عَقِيدَةُ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ؛ فَيَتَوَلَّوْنَ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ وَيَتَشَبَّهُونَ بِهِمْ وَيَتَّخِذُونَهُمْ قِبْلَةً إِلَيْهَا يَسْجُدُونَ، وَلِمُحَاكَاتِهَا يَتَطَلَّعُونَ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّ الْهُوِيَّةَ هِيَ وُجْهَةُ الْإِنْسَانِ الَّتِي يُوَلِّيهَا وَجْهَهُ، وَإِنَّ هُوِيَّةَ الشَّبَابِ هِيَ الَّتِي تُحَدِّدُ اتِّجَاهَاتِهِ، فَإِنْ كَانَتْ هُوِيَّتُهُ هِيَ الْإِسْلَامَ وَعَقِيدَةَ الْإِسْلَامِ، خَرَجَ شَبَابًا وَاعِيًا طَامِحًا إِلَى الْمَعَالِي، حَامِلًا لِهُمُومِ أُمَّتِهِ، وَإِنْ كَانَتْ هُوِيَّتُهُ غَيْرَ الْإِسْلَامِ تَشَعَّبَتْ بِهِ الْأَهْوَاءُ فِي أَوْدِيَتِهَا.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْهُوِيَّةَ الْإِسْلَامِيَّةَ هِيَ ذَلِكَ الِانْتِمَاءُ وَالْوَلَاءُ إِلَى تَعَالِيمِ الْإِسْلَامِ وَشَرَائِعِهِ وَشَعَائِرِهِ، وَهِيَ تِلْكَ النَّزْعَةُ وَالْمَيْلُ وَالْغَيْرَةُ عَلَى كُلِّ مَا هُوَ إِسْلَامِيٌّ، وَهِيَ ذَلِكَ الشِّعَارُ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ الْمُسْلِمُ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ، وَهِيَ الرِّبَاطُ الَّذِي يَرْبِطُ الْمُسْلِمَ بِرَبِّهِ الْوَاحِدِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَبِرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهِيَ تِلْكَ الصِّبْغَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الَّتِي تَصْطَبِغُ حَيَاةَ الْمُسْلِمِ وَسُلُوكَهُ وَخَطَرَاتِهِ وَكَلِمَاتِهِ: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً)[الْبَقَرَةِ: 138].

وَهَذِهِ الصِّبْغَةُ الرَّبَّانِيَّةُ هِيَ الَّتِي يَعْتَزُّ بِهَا الْمُسْلِمُ وَيَفْتَخِرُ وَيَصْدَحُ فِي الْعَالَمِينَ قَائِلًا:

أَبِي الْإِسْلَامُ لَا أَبَ لِي سِوَاهُ *** إِذَا افْتَخَرُوا بِقَيْسٍ أَوْ تَمِيمِ

 

وَالْهُوِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ هِيَ تِلْكَ الْجَامِعَةُ الَّتِي تَجْمَعُ كُلَّ مُسْلِمٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ بِإِخْوَانِهِ مَهْمَا اخْتَلَفَتْ بُلْدَانُهُمْ وَأَلْوَانُهُمْ وَأَلْسِنَتُهُمْ، مِصْدَاقُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ -تَعَالَى-: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً)[الْأَنْبِيَاءِ:92].

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنَ الْمَصَائِبِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تُصِيبُ شَبَابَنَا الْيَوْمَ؛ فِقْدَانَهُمْ لِهُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَتَرَاهُمْ مُنْبَهِرِينَ بِحَضَارَةِ الْغَرْبِ؛ سَاعِينَ لِلتَّشَبُّهِ بِهِ، وَتَرَاهُمْ يَرْفَعُونَ رَايَاتِ الدُّوَلِ الْأَجْنَبِيَّةِ عَلَى سَيَّارَاتِهِمْ، أَوْ يُعَلِّقُونَهَا فِي غُرَفِهِمْ، وَيَلْبَسُونَ مِثْلَ مَلَابِسِهِمْ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِلُغَاتِهِمْ! وَقَدْ حَذَّرَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ ذَلِكَ قَائِلًا: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْ مَظَاهِرِ ذَلِكَ -أَيْضًا-: الْحِرْصُ عَلَى الْحُصُولِ عَلَى جِنْسِيَّةِ الدُّوَلِ الْأَجْنَبِيَّةِ: وَكَأَنَّهُمْ مَا سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْهَا: اعْتِقَادُ أَنَّ التَّقَدُّمَ فِي اسْتِنَانِ سُنَّةِ الْغَرْبِ وَالشَّرْقِ؛ فَالتَّحَضُّرُ عِنْدَهُمْ هُوَ اتِّبَاعُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَا يَفْعَلُونَ، وَالتَّأَخُّرُ هُوَ مُخَالَفَتُهُمْ! وَكَأَنَّهُمْ مَا تَلَوْا يَوْمًا قَوْلَ اللَّهِ -تَعَالَى-: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا)[النِّسَاءِ: 139].

 

وَمِنْهَا: الْخَجَلُ مِنْ كُلِّ مَا يَمُتُّ لِلدِّينِ بِصِلَةٍ؛ فَهُوَ يَسْتَحِي أَنْ يُعْلِنَ بِشَيْءٍ مِنْ شَعَائِرِ دِينِهِ أَوْ يُمَارِسَهَا أَمَامَ النَّاسِ، ظَانًّا أَنَّ هَذَا عَلَامَةُ الدُّونِيَّةِ وَمَدْعَاةٌ لِلتَّهَكُّمِ!

 

فَهَذِهِ وَغَيْرُهَا صُوَرٌ وَمَظَاهِرُ عَلَى ضَيَاعِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ عِنْدَ الشَّبَابِ أَوْ عَلَى الْأَقَلِّ اخْتِلَالُهَا وَضَعْفُهَا.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ لِفِقْدَانِ الشَّبَابِ لِهُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ أَسْبَابًا عَدِيدَةً، مِنْهَا:

قِلَّةُ الْعِلْمِ وَالْوَعْيِ: فَيَكْثُرُ فِي أَوْسَاطِ الشَّبَابِ الْجَهْلُ بِالدِّينِ، وَهُوَ مِنْ عَلَامَاتِ السَّاعَةِ: "مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ، وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَيَقِلُّ عِنْدَهُمُ الْوَعْيُ فَتُصْبِحُ نَظْرَتُهُمْ لِلْأُمُورِ سَطْحِيَّةً؛ يَنْخَدِعُونَ بِالْمَظَاهِرِ وَيَكْتَفُونَ بِالْقُشُورِ!

 

وَمِنْهَا: تَرَدِّي أَوْضَاعِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَالشَّابُّ يَرَاهُمْ مُنْهَزِمِينَ وَفِي كُلِّ مَجَالٍ مُتَخَلِّفِينَ؛ فَتَضْعُفُ ثِقَتُهُ فِي أُمَّتِهِ وَفِي دِينِهَا؛ قَائِلًا: "لَوْ كَانَ فِي دِينِهَا خَيْرٌ لَرَفَعَهَا!"، وَلَقَدْ تَنَبَّأَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوُصُولِ الْأُمَّةِ إِلَى هَذَا الْحَالِ قَائِلًا: "يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا"، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ"، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهَنُ؟ قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ)، وَالشَّبَابُ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْفَصْلَ بَيْنَ دِينِ الْإِسْلَامِ وَبَيْنَ سُلُوكِ الْمُسْلِمِينَ.

 

وَمِنْهَا: غُرْبَةُ الْإِسْلَامِ بَيْنَ أَهْلِهِ؛ فَعِنْدَمَا يَرَى الشَّابُّ الْمُتَمَسِّكِينَ بِالدِّينِ الْحَقِّ قَلِيلِينَ، وَيَسْمَعُ الْإِعْلَامَ يُشَوِّهُهُمْ صَبَاحَ مَسَاءَ، يَأْنَفُ أَنْ يَكُونَ مَعَ هَؤُلَاءِ الْقِلَّةِ الْغَرِيبَةِ الْمَنْبُوذَةِ فِي مُجْتَمَعِهِ، وَلَا يَدْرِي أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمْ خَيْرُ النَّاسِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَمِنْهَا: الِانْشِغَالُ بِاللَّهْوِ وَالشَّهَوَاتِ: فَهَمُّهُ مَا يَلْبَسُ وَمَا يَرْكَبُ وَمَا يَأْكُلُ، قَبِلَتُهُ إِرْضَاءُ نَزَوَاتِهِ، وَبُغْيَتُهُ إِشْبَاعُ رَغَبَاتِهِ! وَلَا يَهْتَمُّ بِغَيْرِ ذَلِكَ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِفِقْدَانِ الشَّبَابِ لِهُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ آثَارًا وَخِيمَةً عَلَيْهِمْ وَعَلَى مُجْتَمَعَاتِهِمْ، فَمِنْهَا: طَمْسُ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ فَأَوَّلُ مَا يَضْعُفُ فِي قُلُوبِهِمْ هِيَ عَقِيدَةُ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ؛ فَيَتَوَلَّوْنَ غَيْرَ الْمُسْلِمِينَ وَيَتَشَبَّهُونَ بِهِمْ وَيَتَّخِذُونَهُمْ قِبْلَةً إِلَيْهَا يَسْجُدُونَ، وَلِمُحَاكَاتِهَا يَتَطَلَّعُونَ، وَلَمْ يَنْتَبِهُوا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَلَا إِنَّ آلَ أَبِي، يَعْنِي فُلَانًا، لَيْسُوا لِي بِأَوْلِيَاءَ، إِنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).

 

وَمِنْهَا: الْفِكْرُ الْمَمْسُوخُ؛ فَيُصْبِحُ الشَّبَابُ فَرِيسَةً سَهْلَةً لِكُلِّ تَيَّارٍ فَاسِدٍ؛ يَجْرِفُهُمْ نَحْوَ الْإِلْحَادِ أَوِ الشُّيُوعِيَّةِ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ طُرُقِ الضَّلَالِ، وَصَدَقَ الْقَائِلُ:

شَابٌّ بِغَيْرِ هُوِيَّةٍ *** وَرَقٌ تُذَرِّيهِ الرّيَاحُ

 

وَمِنْهَا: كَوْنُهُمْ ثُغْرَةً لِلْأَعْدَاءِ يَنْفُذُونَ مِنْهَا إِلَى قَلْبِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ؛ فَهُمْ يَنْعَقُونَ بِاسْمِ الْغَرْبِ، وَيُنَادُونَ بِتَقْلِيدِهِ فِي كُلِّ أَمْرٍ، مُتَجَاهِلِينَ قَوْلَ اللَّهِ -تَعَالَى-: (لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ)[آلِ عِمْرَانَ: 28].

 

وَمِنْهَا: اضْطِرَابُ الشَّخْصِيَّةِ وَتَمَيُّعُهَا؛ فَهُمْ إِلَى الْغَرْبِ الْكَافِرِ يَحِنُّونَ وَيَتُوقُونَ، لَكِنَّهُمْ أَيْضًا لَا يَرْغَبُونَ عَنْ دِينِهِمُ الَّذِي تَرَبَّوْا عَلَيْهِ، فَمَا أَشْبَهَ مَا يَفْتَعِلُ فِي صُدُورِهِمْ بِمَنْ قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى- فِيهِمْ: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ)[النِّسَاءِ: 143].

 

وَكُلُّ عَوَارٍ وَانْحِرَافٍ فِي الْخَلْقِ أَوِ التَّفْكِيرِ نَرْصُدُهُ الْيَوْمَ فِي شَبَابِنَا إِنَّمَا هُوَ نِتَاجُ خَلَلٍ فِي هُوِيَّتِهِمُ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ عَوَارٍ.

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ لِغَرْسِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي نُفُوسِ الشَّبَابِ وَسَائِلَ كَثِيرَةً؛ فَمِنْ ذَلِكَ:

زَرْعُ الْعَقِيدَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ الصَّافِيَةِ فِي قُلُوبِهِمْ وَتَرْبِيَتُهُمْ عَلَيْهَا، خَاصَّةً عَقِيدَةَ الْوَلَاءِ وَالْبَرَاءِ، فَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "أَوْثَقُ عُرَى الْإِسْلَامِ: الْوِلَايَةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ، وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).

 

وَمِنْهَا: بَثُّ رُوحِ الِاعْتِزَازِ بِالدِّينِ دَاخِلَهُمْ؛ مِنْ خِلَالِ تَرْبِيَتِهِمْ عَلَى أَنَّ دِينَهُمْ وَحْدَهُ الْحَقُّ، وَسَائِرَ الْأَدْيَانِ سِوَاهُ بَاطِلَةٌ كُلُّهَا، وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ وَحْدَهُمْ عَلَى هُدًى وَغَيْرَهُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ.

وَمِمَّا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا *** وَكِدْتُ بِأَخْمَصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا

دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ: يَا عِبَادِي *** وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا

 

وَمِنْ وَسَائِلِ غَرْسِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي نُفُوسِ شَبَابِنَا: رَبْطُهُمْ بِتَارِيخِ أُمَّتِهِمُ الْمَجِيدِ؛ فَهُمْ أَحْفَادُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فَهَؤُلَاءِ هُمُ الْعُظَمَاءُ بِحَقٍّ، وَقُدُوَاتُهُمْ خَالِدٌ، وَالْمُثَنَّى، وَالْقَعْقَاعُ، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- وَلَيْسَ أَبْطَالَ الْأَفْلَامِ السِّينِمَائِيَّةِ... فَاجْهَدْ لِرَبْطِهِمْ بِالْقُدُوَاتِ الصَّالِحَةِ حَتَّى يَكُونَ لِسَانُ حَالِهِمْ:

أُولَئِكَ آبَائِي فَجِئْنِي بِمِثْلِهِمْ *** إِذَا جَمَعَتْنَا يَا جَرِيرُ الْمَجَامِعُ

 

وَمِنْ ذَلِكَ: تَعْلِيمُهُمُ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ الْفُصْحَى؛ فَهِيَ حِصْنٌ مَنِيعٌ مِنْ حُصُونِ الْهُوِيَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ؛ فَهِيَ لُغَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَلُغَةُ دِينِ الْإِسْلَامِ كُلِّهِ: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)[فُصِّلَتْ: 3]، وَإِنَّ الْبُعْدَ عَنِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْفُصْحَى هُوَ -فِي حَقِيقَتِهِ- بُعْدٌ عَنِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالتُّرَاثِ الْإِسْلَامِيِّ كُلِّهِ، وَكُلَّمَا ازْدَادَتْ غُرْبَةُ الشَّابِّ عَنْ لُغَتِهِ كُلَّمَا ضَعُفَتِ الْهُوِيَّةُ فِي نَفْسِهِ أَوِ انْطَفَأَتْ.

 

وَمِنْهَا: إِشْعَالُ حَمَاسَةِ الدَّعْوَةِ إِلَى الْإِسْلَامِ فِي صُدُورِهِمْ؛ فَيَنْطِقُونَ بِمِثْلِ مَا نَطَقَ بِهِ رِبْعِيُّ بْنُ عَامِرٍ مُوَاجِهًا رُسْتُمَ: "اللَّهُ ابْتَعَثْنَا، وَاللَّهُ جَاءَ بِنَا لِنُخْرِجَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادَةِ الْعِبَادِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ، وَمِنْ ضِيقِ الدُّنْيَا إِلَى سَعَتِهَا، وَمِنْ جَوْرِ الْأَدْيَانِ إِلَى عَدْلِ الْإِسْلَامِ"(تَارِيخُ الطَّبَرِيِّ).

 

وَمِنْهَا: التَّوْعِيَةُ وَالتَّبْصِيرُ؛ فَيُحَذَّرُونَ مِنْ كَيْدِ الْأَعْدَاءِ وَمَكْرِهِمْ وَتَرَبُّصِهِمْ بِالشَّبَابِ، وَيُبَصَّرُونَ بِوَسَائِلِهِمُ الْخَبِيثَةِ لِإِغْرَاءِ الشَّبَابِ بِالِانْسِلَاخِ مِنْ هُوِيَّتِهِمْ وَاتِّبَاعِ شَهَوَاتِهِمْ وَالِانْغِمَاسِ فِي لَذَائِذِهِمْ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فَإِنْ قُمْنَا بِتِلْكَ الْمُهِمَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ؛ فَحَذَّرْنَا الشَّبَابَ وَحَصَّنَّاهُمُ اسْتَقَامَ لَنَا حَالُهُمْ، وَاسْتَوَى عَلَى الْجَادَّةِ عُودُهُمْ، وَصَارُوا سَنَدًا لِأُمَّتِهِمْ وَرِفْعَةً لِدِينِهِمْ، فَسَعِدْنَا بِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَإِلَّا فُوجِئْنَا بِبَوَارِ الزَّرْعِ زَمَانَ حَصَادِهِ.

 

فَاللَّهُمَّ أَصْلِحْ حَالَ شَبَابِنَا، وَاجْعَلْهُمْ هُدَاةً مَهْدِيِّينَ، وَاحْفَظْهُمْ بِحِفْظِكَ، وَاحْمِهِمْ مِمَّا يُرَادُ بِهِمْ.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات

قضايا الشباب (1) فقدان الهوية الإسلامية.pdf

قضايا الشباب (1) فقدان الهوية الإسلامية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
04-09-2022

ماشاءالله الله يفتح عليك يارب