عناصر الخطبة
1/ خطة أبرهة الحبشي لهدم الكعبة المشرفة 2/ بيان شرف الكعبة وأنها أول بيت وضع للناس 3/ حسد النصارى وحقدهم على مكة والعرب 4/ التضحية في سبيل المقدسات 5/ خونة الأمة مخذولون 6/ حقيقة المعركة بين الله وأعدائه 7/ تعظيم الناس للبيت وأهله 8/ قصة الفيل من دلائل النبوة 9/ حفظ الله للبيت العتيق 10/ ضلال الدعوة إلى وحدة الأدياناقتباس
فمهما كانت قوة العدو وحشوده فإنها لا تستطيع الوقوف لحظة واحدة أمام قدرة الله وبطشه ونقمته، فهو سبحانه واهب الحياة وسالبها في أي وقت شاء؛ لذا يجب على المسلمين اليوم أن يتوجهوا ويعتمدوا على الله في مواجهة أعدائهم من اليهود والنصارى وغيرهم، مع الأخذ بالأسباب بالمادية ..
إن الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُول) [سورة الفيل].
جاء في السيرة النبوية: أن ملكًا كان باليمن غلب عليها، وكان أصله من الحبشة يقال له: أبرهة، بنى كنيسة بصنعاء، وزعم أنه يصرف إليها حج العرب، وحلف أن يسير إلى الكعبة فيهدمها، فخرج ملك من ملوك حمير فيمن أطاعه من قومه يقال له: ذا نفر، فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذه، فلما أتى به قال له ذو نفر: أيها الملك: لا تقتلني، فإن استبقائي خير لك من قتلي، فاستبقاه وأوثقه، ثم خرج سائرًا يريد الكعبة، حتى إذا دنا من بلاد خثعم، خرج إليه النفيل بن حبيب الخثعمي ومن اجتمع إليه من قبائل اليمن، فقاتلوه فهزمهم وأخذ النفيل، فقال النفيل: أيها الملك: إني عالم بأرض العرب فلا تقتلني، فاستبقاه، وخرج معه يدله، حتى إذا بلغ الطائف خرج إليه مسعود بن مُعَتَّب في رجال ثقيف فقال: أيها الملك: نحن عبيد لك، ليس لك عندنا خلاف، وليس بيننا وبينك الذي تريد -يعنون اللات- إنما تريد البيت الذي بمكة، نحن نبعث معك من يدلك عليه، فبعثوا معه مولى لهم يقال له: أبا رُغال، فخرج معهم، حتى إذا كان بالمغمّس مات أبو رغال.
وبعث أبرهة من المغمّس رجلاً يقال له: الأسود بن مقصود على مقدمة خيله، فجمع إليه أهل الحرم، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير بالأرك، ثم بعث أبرهة حُناطة الحميري إلى أهل مكة، فقال: سل عن شريفها، ثم أبلغه أني لم آت لقتال، إنما جئت لأهدم هذا البيت، فذهب ثم رجع، ودخل على أبرهة فقال: أيها الملك: هذا سيد قريش، وصاحب عين مكة الذي يُطعم الناس في السهل، والوحوش في الجبال، يستأذن عليك، وإنه أحب أن تأذن له، فقد جاءك غير ناصب لك ولا مخالف عليك، فأذن له، وكان عبد المطلب رجلاً عظيمًا جسيمًا وسيمًا، فلما رآه أبرهة عظّمه وأكرمه، وكره أن يجلس معه على سريره وأن يجلس تحته، فهبط إلى البساط فجلس عليه معه، فقال له عبد المطلب: أيها الملك: إنك قد أصبت لي مالاً عظيماً فاردده عليّ، فقال له: لقد أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت فيك، قال: ولم؟! قال: جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك، وعصمتكم ومنعتكم فأهدمه، فلم تكلمني فيه، وتكلمني في مائتي بعير لك؟! قال: أنا رب هذه الإبل، ولهذا البيت رب سيمنعه، قال: ما كان ليمنعه مني، قال: فأنت وذاك، قال: فأمر بإبله فردت عليه، ثم خرج عبد المطلب وأخبر قريش الخبر، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب، وأصبح أبرهة وقد تهيأ للدخول وعبّأ جيشه، وقرّب فيله وحمل عليه ما أراد أن يحمل وهو قائم، فلمّا حرّكه وقف ثم برك إلى الأرض، فضربوه بالمعول في رأسه فأبى، فأدخلوا محاجن لهم تحت مراقه ومرافقه فأبى، فوجهوه إلى اليمن فهرول، فصرفوه إلى الحرم فوقف، ولحق الفيل بجبل من تلك الجبال، فأرسل الله الطير من البحر: مع كل طير ثلاثة أحجار: حجران في رجليه وحجر في منقاره، فإذا غشين القوم أرسلنها عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحدًا إلا هلك، وليس كل القوم أصيب، وبعث الله على أبرهة داءً في جسده، ورجعوا سراعًا يتساقطون في كل بلد، وجعل أبرهة تتساقط أنامله، كلما سقطت أنملة أتبعها مِدَّة من قيح ودم، فانتهى إلى اليمن وهو مثل فرخ الطير فيمن بقي من أصحابه، ثم مات.
هذه باختصار قصة أصحاب الفيل، ولنا معها بعض الدروس والعبر والفوائد:
1- بيان شرف الكعبة، وأنها أول بيت وضع للناس: وكيف أن مشركي العرب كانت تعظّمه وتقدسه، ولا يقدمون عليه شيئًا، وتعود هذه المنـزلة إلى بقايا ديانة إبراهيم وإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام-.
2- حسد النصارى وحقدهم على مكة وعلى العرب الذين يعظمون هذا البيت؛ ولذلك أراد أبرهة أن يصرف العرب عن تعظيم بيت الله ببناء كنيسة في اليمن، وعلى الرغم من استعماله أساليب الترغيب والترهيب إلا أن العرب امتنعوا. فحسد النصارى منطلقه ديني أكثر من أي شيء آخر، وما يمارسه النصارى اليوم بالتعاون مع اليهود في كل من فلسطين والعراق وأفغانستان منطلقه ديني، وإن زخرفوه بالكذب من أجل تحقيق الديمقراطية أو محاربة الإرهاب في العالم أو البحث عن أسلحة الدمار الشامل ونحو هذا الكلام.
3- التضحية في سبيل المقدسات: قام ملك من ملوك حمير في وجه جيش أبرهة، ووقع الملك أسيرًا، وقام النفيل بن حبيب الخثعمي ومن اجتمع معه من قبائل اليمن فقاتلوا أبرهة، إلا أنهم انهزموا أمام الجيش العرمرم، وبذلوا دماءهم دفاعًا عن مقدساتهم. إن الدفاع عن المقدسات والتضحية في سبيلها شيء غريزي في فطرة الإنسان؛ لذا لا نستغرب تلك التضحيات العجيبة التي يقدمها أبناء فلسطين من أجل المقدسات هناك، حتى إنهم يقدمون أرواحهم رخيصة أمام صلف اليهود، ومثله حركات المقاومة والتضحيات التي تقدم من أجل إخراج المحتل، فكل هذا أمر فطري غريزي في الإنسان، بل الغريب والعجيب من يفسر ذلك بأنها إرهاب.
4- خونة الأمة مخذولون: فهؤلاء العملاء الذين تعاونوا مع أبرهة وصاروا عيونًا له وجواسيس، وأرشدوه إلى بيت الله العتيق ليهدمه، لُعنوا في الدنيا والآخرة، لعنهم الناس، ولعنهم الله -سبحانه وتعالى-، وأصبح قبر أبي رغال رمزًا للخيانة والعمالة، وصار ذاك الرجل مبغوضًا في قلوب الناس، وكلما مرّ أحد على قبره رجمه. فليحذر كل من ينتمي لهذه الأمة أن يخون أمته ويكون عميلاً لجهة معينة مقابل تحقيق مصالح شخصية لنفسه، مثل هذا الرجل يلعنه الناس في الدنيا، وأما في الآخرة فحسابه عند ربه: (وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) [طه: 127]. ولا يُعرف على مر التاريخ أن خونة عاشوا وماتوا ولم يعرفوا ولم تكتشف خياناتهم.
5- حقيقة المعركة بين الله وأعدائه: في قول عبد المطلب زعيم مكة: "سنخلي بينه وبين البيت، فإن خلى الله بينه وبين بيته، فوالله ما لنا به قوة". وهذا تقرير دقيق لحقيقة المعركة بين الله وأعدائه، فمهما كانت قوة العدو وحشوده فإنها لا تستطيع الوقوف لحظة واحدة أمام قدرة الله وبطشه ونقمته، فهو سبحانه واهب الحياة وسالبها في أي وقت شاء؛ لذا يجب على المسلمين اليوم أن يتوجهوا ويعتمدوا على الله في مواجهة أعدائهم من اليهود والنصارى وغيرهم، مع الأخذ بالأسباب بالمادية.
6- تعظيم الناس للبيت وأهله: ازداد تعظيم العرب لبيت الله الحرام الذي تكفّل بحفظه وحمايته من عبث المفسدين وكيد الكائدين، وأعظمت العرب قريشًا وقالوا: هم أهل الله، قاتل الله عنهم وكفاهم العدو، وكان ذلك آية من الله ومقدمة لبعثة نبي يبعث من مكة ويطهر الكعبة من الأوثان، ويعيد لها ما كان لها من رفعة وشأن.
7- قصة الفيل من دلائل النبوة: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وكان ذلك عام مولد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان جيران البيت مشركين يعبدون الأوثان، ودين النصارى خير منهم، فعلم بذلك أن هذه الآية لم تكن لأجل جيران البيت حينئذ، بل كانت لأجل البيت، أو لأجل النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ولد في ذلك العام عند البيت أو لمجموعهما، وأي ذلك كان فهو من دلائل نبوته".
وقال ابن كثير -رحمه الله- عندما تحدث عن حادثة الفيل: "كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدرة يقول: لم ينصركم -يا معشر قريش- على الحبشة لخيرتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق، الذي سنشرفه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد -صلوات الله وسلامه عليه- خاتم الأنبياء.
8- حفظ الله للبيت العتيق: وهي أن الله لم يقدر لأهل الكتاب أبرهة وجنوده أن يدمروا البيت الحرام أو يسيطروا على الأرض المقدسة، حتى والشرك يدنسه، والمشركون هم سدنته، ليبقى هذا البيت عتيقًا من سلطان المتسلطين، مصونًا من كيد الكائدين، وليحفظ لهذه الأرض حريتها حتى تنبت فيها العقيدة الجديدة حرّة طليقة، لا يهيمن عليها سلطان، ولا يطغى فيها طاغية، ولا يهيمن على هذا الدين الذي جاء ليهيمن على الأديان وعلى العباد، ويقود البشرية ولا يُقاد، وكان هذا من تدبير الله لبيته ولدينه قبل أن يعلم أحد أن نبي هذا الدين قد ولد في هذا العام.
واليوم نطمئن إزاء ما نعلمه من أطماع فاجرة ماكرة ترف حول الأماكن المقدسة من قِبل الصليبية والصهيونية العالمية، ولا تهدأ في التمهيد الخفي اللئيم لهذه الأطماع الفاجرة الماكرة، فالله الذي حمى بيته من أهل الكتاب وسدنته من المشركين، سيحفظه -إن شاء الله- ويحفظ هذه الأمة: "ولا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله". وسيأتي ذلك اليوم نقوله تحقيقًا لا تعليقًا: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].
أيها المسلمون: إن الصراع بين الإسلام والنصرانية صراع قديم جديد، صراع دائم مستمر لا يتوقف، وحقد النصارى تجاه المسلمين حقد وكره عقائدي ديني، ومجازر النصارى في رقاب المسلمين معروفة ومحفوظة في ذاكرة التاريخ قديمًا وحديثًا، وهذا ليس بغريب أن يفعله النصارى لو تمكنوا من رقابنا، بل لماذا نذهب بعيدًا، ففي خلال الأعوام الماضية القريبة كم قُتل من مسلمي البوسنة وطاجاكستان وألبانيا والشيشان!!
بل كم قُتل من شعب الصومال والسودان والعراق على أيدي النصارى، والنصارى الجدد يريدون أن يستمروا في إراقة الدماء ولو كانت دماء شيوخ ونساء وأطفال، المهم أنهم مسلمون.
نسأل الله -جل وتعالى- أن يكفينا شرهم، وأن يحمي بلاد المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه...
نفعني الله وإياكم بهدي...
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
أما بعد:
أيها المسلمون: ومع حرب النصارى لنا ولديننا علانية في الآونة الأخيرة، يأخذك العجب من ترديد البعض لما يسمى بوحدة الأديان، والتقارب مع هؤلاء، وهي دعوى قديمة فارغة وباطلة، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة، ولا يمكن أن يتحقق جزء منها على أرض الواقع، ومع ذلك لا يخجل أرباب الإعلام من نشر سمومهم في وقت يَنحر فيه النصارى المسلمين في وضح النهار في عدد من البلاد، وتنشر صحفهم الاستهزاء والسخرية بديننا ورسولنا علانية.
أيها المسلمون: إن من أصول الاعتقاد في الإسلام، المعلومة من الدين بالضرورة، والتي أجمع عليها المسلمون: أنه لا يوجد على وجه الأرض دين حق سوى الإسلام، وأنه خاتمة الأديان، وناسخ لجميع ما قبله من الأديان والملل والشرائع، فلم يبق على وجه الأرض دين يُتعبد الله به سوى الإسلام، قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: 3]، وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85].
ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن كتاب الله تعالى "القرآن الكريم" هو آخر الكتب نزولاً وعهدًا برب العالمين، وأنه ناسخ لكل كتاب أنزل من قبل، من التوراة والزبور والإنجيل وغيرها، ومهيمن عليها، فلم يبق كتاب منزل يُتعبد الله به سوى القرآن الكريم، قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ) [المائدة: 48].
كما يجب الإيمان بأن التوراة والإنجيل قد نُسخا بالقرآن الكريم، وأنه قد لحقهما التحريف والتبديل بالزيادة والنقصان، قال الله تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ) [المائدة: 13]، وقال -عز وجل-: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة: 79]. ولهذا فما كان منها صحيحًا فهو منسوخ بالإسلام، وما سوى ذلك فهو محرّف أو مبدّل.
ومن أصول الاعتقاد في الإسلام: أن نبينا ورسولنا محمدًا -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء والمرسلين، كما قال تعالى: (مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب: 40]، فلم يبق رسول يجب اتباعه سوى محمد -صلى الله عليه وسلم-، ولو كان أحد من الأنبياء حيًّا لما وسعه إلا اتباعه -صلى الله عليه وسلم-، وإنه لا يسع أتباعهم إلا ذلك، كما قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران: 81]، ونبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام- إذا نزل في آخر الزمان يكون تابعًا لمحمد -صلى الله عليه وسلم- وحاكمًا بشريعته.
ومن أصول الإسلام: أنه يجب اعتقاد كفر كل من لم يدخل في الإسلام من اليهود والنصارى وغيرهم، وتسميته كافرًا ممن قامت عليه الحجة، وأنه عدو الله ورسوله والمؤمنين، وأنه من أهل النار، كما قال تعالى: (لَمْ يَكُنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ الْبَيِّنَةُ) [البينة: 1]، وقال -جل وعلا-: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6]، وثبت في صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة: يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار". ولهذا فمن لم يُكَفِّر اليهود والنصارى فهو كافر.
وأمام هذه الأصول الاعتقادية والحقائق الشرعية؛ فإن الدعوة إلى وحدة الأديان والتقارب بينها وصرفها في قالب واحد، دعوة خبيثة ماكرة، والغرض منها خلط الحق بالباطل، وهدم الإسلام وتقويض دعائمه، وجرّ أهله إلى ردة شاملة، ومصداق ذلك في قول الله سبحانه: (وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا) [البقرة: 217]، وقوله -جل وعلا-: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89].
وإن من آثار هذه الدعوة الآثمة إلغاء الفوارق بين الإسلام والكفر، والحق والباطل، والمعروف والمنكر، وكسر حاجز النفرة بين المسلمين والكافرين، فلا ولاء ولا براء، ولا جهاد ولا قتال لإعلاء كلمة الله في أرض الله، والله -جل وتقدس- يقول: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة: 29]، ويقول -جل وعلا-: (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ) [التوبة: 36].
ولهذا فإن الدعوة إلى وحدة الأديان إن صدرت من مسلم فهي تعد ردة صريحة عن دين الإسلام؛ لأنها تصطدم مع أصول الاعتقاد، فترضى بالكفر بالله -عز وجل-، وتُبطل صدق القرآن ونَسْخه لجميع ما قبله من الشرائع والأديان، وبناءً على ذلك فهي فكرة مرفوضة شرعًا، محرمة قطعًا، بجميع أدلة التشريع في الإسلام من قرآن وسنة وإجماع.
وبناءً على ما تقدم: فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن الله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولاً، الدعوة إلى هذه الفكرة الآثمة، والتشجيع عليها، وتسليكها بين المسلمين، فضلاً عن الاستجابة لها، والدخول في مؤتمراتها وندواتها، والانتماء إلى محافلها.
ولا يجوز لمسلم طباعة التوراة والإنجيل منفردين، فكيف مع القرآن الكريم في غلاف واحد؟! فمن فعله أو دعا إليه فهو في ضلال بعيد؛ لما في ذلك من الجمع بين الحق والمحرّف، أو الحق والمنسوخ.
كما لا يجوز لمسلم الاستجابة لدعوة بناء مسجد وكنيسة ومعبد في مجمع واحد؛ لما في ذلك من الاعتراف بدين يُعبد الله به غير دين الإسلام، وإنكار ظهوره على الدين كله، ودعوة مادية إلى أن الأديان ثلاثة، لأهل الأرض التدين بأي منها، وأنها على قدم التساوي، وأن الإسلام غير ناسخ لما قبله من الأديان، ولا شك أن إقرار ذلك واعتقاده أو الرضا به كفر وضلال؛ لأنه مخالفة صريحة للقرآن الكريم والسنة المطهرة وإجماع المسلمين، واعتراف بأن تحريفات اليهود والنصارى من عند الله، تعالى الله عن ذلك.
كما أنه لا يجوز تسمية الكنائس بيوت الله، وأن أهلها يعبدون الله فيها عبادة صحيحة مقبولة عند الله؛ لأنها عبادة على غير دين الإسلام، والله تعالى يقول: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران: 85]، بل هي بيوت يُكفَرُ فيها بالله، نعوذ بالله من الكفر وأهله.
ومما يجب أن يُعلم: أن دعوة الكفار بعامة، وأهل الكتاب بخاصة، إلى الإسلام، واجبة على المسلمين، بالنصوص الصريحة من الكتاب والسنة، ولكن لا يكون إلا بطريق البيان والمجادلة بالتي هي أحسن، وعدم التنازل عن شيء من شرائع الإسلام؛ وذلك للوصول إلى قناعتهم بالإسلام، ودخولهم فيه، أو إقامة الحجة عليهم؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيّ عن بينة؛ قال الله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 64].
أما مجادلتهم واللقاء معهم ومحاورتهم لأجل النـزول عند رغباتهم، وتحقيق أهدافهم، ونقض عرى الإسلام ومعاقد الإيمان، فهذا باطل، يأباه الله ورسوله والمؤمنون. والله المستعان على ما يصفون؛ قال الله تعالى: (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) [المائدة: 49].
اللهم...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم