قرارات خير بإذن الله تعالى

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-08 - 1444/03/12
عناصر الخطبة
1/ قرارات خادم الحرمين الجديدة 2/ وقفات وتأمُّلات حيالَ تِلكَ القَرَارَاتِ الملكيَّةِ 3/ رفعة مكانة العلماء في المجتمع 4/ من علامَاتِ سُوءِ الزَّمانِ 5/ من أسبابِ فَسادِ المُجتَمَعاتِ 6/ ميزان شرعي في التَّعاملِ مع المال 7/ الأحق بالإنفاق والصدقة 8/ الحث على تقوى الله ومراقبته في العمل العام.

اقتباس

عبادَ اللهِ: ليلةَ البارحةِ اجتمعنا حولَ وسائلِ الإعلامِ نَتَرَقَّبُ قَرَارَاتِ خادمِ الحرمينِ الشَّريفينِ وفَّقه اللهُ! وما إنْ صدرتِ الأوامرُ الملكيةُ حتى هلَّلَ كثيرٌ من النَّاسِ وكبَّروا وسجَدُوا! لِمَا شَمِلَتْ تلكَ القَراراتُ وحوتْ؟ وتَفَألوا وفَرِحوا! والفَألُ عبادَ اللهِ: مَنهجٌ شَرعِيٌّ ومَطلَبٌ دِينيٌّ, فقد: «كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ».. فلا يُلامُ مُسلِمٌ على تَفَاؤلِهِ وحُسنِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ, فاللهُ تعالى عندَ حُسنِ ظَنِّ عَبدِهِ بِهِ... وهناكَ عدَّةُ وقفاتٍ وتأمُّلاتٍ حيالَ تِلكَ القَرَارَاتِ الملكيَّةِ سائلاً المولى لي ولكم التَّوفيقَ والرُّشدَ والسَّدادَ.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله. أفاضَ علينا مِن جزيلِ آلائِه أمنًا وإيمانًا. وأسبغَ علينا من كريمِ ألطافه مَنًّا وإحسَانا. نشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له. ربًّا رحيمًا رحمانًا. ونشهَدُ أنَّ نبيَّنَا محمَّدًا عبدُ الله ورسولُه. بعثه اللهُ لنا رحمةً وأمانًا. وعلَّمنا سُنَّة وقرآنا. صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه. أكرِم بِهم أعلاماً للدِّين وعُنوانَاً, ومن تَبِعَهُم بإحسانٍ وإيمانٍ فضلاً مِنكَ ربَّنا وإحساناً. 

  

أمَّا بعد فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهَ: واجعَلوا تقوى اللهِ شِعَارًا لكم ودِثارًا. واستشعِروا مراقبتَه سرًّا وجِهَارًا. يفتحْ لكم من الخير أبوابًا. ويُعْظِم لكم أجراً وثواباً, (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2- 3].

 

عبادَ اللهِ: ليلةَ البارحةِ اجتمعنا حولَ وسائلِ الإعلامِ نَتَرَقَّبُ قَرَارَاتِ خادمِ الحرمينِ الشَّريفينِ وفَّقه اللهُ! وما إنْ صدرتِ الأوامرُ الملكيةُ حتى هلَّلَ كثيرٌ من النَّاسِ وكبَّروا وسجَدُوا! لِمَا شَمِلَتْ تلكَ القَراراتُ وحوتْ؟ وتَفَألوا وفَرِحوا! والفَألُ عبادَ اللهِ: مَنهجٌ شَرعِيٌّ ومَطلَبٌ دِينيٌّ, فقد: «كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يُعْجِبُهُ الْفَأْلُ الْحَسَنُ». (رواه ابن ماجة).

 

وفي صحيح مُسلمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ». وقالَ: «وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ». فلا يُلامُ مُسلِمٌ على تَفَاؤلِهِ وحُسنِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ, فاللهُ تعالى عندَ حُسنِ ظَنِّ عَبدِهِ بِهِ.

 

أيُّها الكرامُ: وهناكَ عدَّةُ وقفاتٍ وتأمُّلاتٍ حيالَ تِلكَ القَرَارَاتِ الملكيَّةِ سائلاً المولى لي ولكم التَّوفيقَ والرُّشدَ والسَّدادَ.

 

أولاً: أوضحت القَرَارَاتُ قوةَ التَّلاحمِ بين الرَّاعي والرَّعيةِ! وقُربَ بعضِهم من بعضٍ حيث أنَّها لامَسَتْ احتياجاتِ كثيرٍ من النَّاس وتطلُّعاتِهمُ الماديةِ والمعنويةِ ! 

 

ثانيا: بيَّنت تلكَ القَرَارَاتُ مَكَانةَ العلمِ والعُلَماءِ لدى وُلاةِ أمرِنا سَدَّدَهُمُ اللهُ! وهذا بلا شَكٍّ سَيزيدُ العِبءَ والمُسؤولِيَّةَ على العُلمَاءِ من جِهَةٍ! وحاجةَ كِلا الطَّرفينِ للآخرِ من جهةٍ أخرى!  كيف لا تكونُ للعلماءِ تلكَ المكانةُ العاليةُ وقد قامت هذه البلادُ المباركةُ بحمدِ اللهِ بِتَعَاضُدِ وتَكَاتفِ وتَنَاصُرِ الإمامينِ محمدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ ومحمدِ بنِ سعودٍ عليهما رحمةُ اللهِ ؟!  

 

 فالعلماءُ أُمناءُ الشَّرِيعَةِ, وحملةُ الملَّةِ, وهم أهلُ الرأي والْحِكمَةِ؟! كفى شَرَفاً بِحُبِّهم ومُجالسَتِهم أنَّهم قومٌ لا يَشقَى بِهم جَلِيسُهُم! قالَ اللهُ تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) [الزمر: 9]، فإذا ما تكاتفَ العلماءُ مع الأمراءِ على الحقِّ والعدلِ صَلُحَ أمرُ الدِّين والدُّنيا.

 

ولقد قال مؤسسُ البلادِ -رحمهُ اللهُ- لعمومِ أبنائه: "أوصيكم بِعُلَمَاءِ المسلمينَ خيرًا. احرصوا على تَوقِيرِهم ومُجَالَسَتِهم وأخذِ نصيحتِهم. واحرصوا على تَعليمِ العلمِ؛ لأنَّ النَّاسَ ليسوا بشيءٍ إلا باللهِ ثم بالعلمِ ومعرفةِ هذه العقيدةِ".

 

عبادَ اللهِ: ومن الْخطأِ أنْ يَغْفُلَ العالمُ عن عُمُومِ الرِّسالة وشمولِها! ويَقْصُرَ الأمرَ على الفُتيا فحسب!  فَيُوسُفُ -عليه السَّلامُ- سعى إلى تَصْحِيحِ عَقَائدِ النَّاس! ودنياهُم كذلكَ:  (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) [يوسف: 55]. فكم نحنُ بحاجةٍ إلى أهلِ ديانةٍ ودِرَايةٍ بحفظِ المالِ وتَصريفهِ؟! (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) [القصص: 26].

 

والعالِمُ يُكمِّل ما نقصَ من أمرِ السُّلطانِ فيكونُ له عوناً إنْ غَفَلَ! وذلكَ بالبيانِ والحسنى. لا بالمنازعةِ والفوضى. فواجبٌ علينا أنْ نضعَ أيديَنا بأيدِ علمائِنا, وأنْ نَحذُوَ حَذْوَهُم، وأنْ نَتَواصَلَ معهم بكلِّ ما يُشكلُ علينا فهم أهلُ أمانةٍ وعليهم مسؤوليةٌ عظمى!

نسألُ الله أنْ يُعينَهم ويُسَدِّدَهُمُ ويُلْهِمَهُم الرُّشدَ والصَّلاحَ والإصلاحَ.

 

عباد اللهِ: ثالثُ الوقفاتِ: أنَّ الدَّولةَ -وفَّقها اللهُ- أخرَسَتْ بِتَلكَ القَرَاراتِ ألسُنَاً بذيئةً, وأيدٍ خبيثةً, وأقلاماً نَتِنَةً, كانت تَصُبُّ جامَ حِقدِها وغَضَبِها على العلماءِ الأجلاءِ, وطلبةِ العلمِ الأفاضلِ بل حتى حلقاتِ تحفيظِ القرآنِ الكريم لم تَسْلَمْ من أذاهم ووصْفِهِمْ لها بِأَقْذَعِ الأوصافِ؟! وَصَدَقْتَ يا رسولَ اللهِ حين قلتَ: «إِنَّ بَينَ يَدَيِ السَّاعَةِ سِنِينَ خَدَّاعَةً. يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ. ويُكَذَّبُ فيها الصادِقُ. ويُؤتَمَنُ فيها الخَائِنُ. ويُخَوَّنُ فِيها الأَمِينُ. ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ». قِيلَ: وما الرُّوَيبِضَةُ؟ قال: «المَرءُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ في أَمرِ العَامَّةِ». حَمَى اللهُ تَعَالَى بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ. وَأَدَامَ عَلَينَا وَعَلَى المُسْلِمِينَ الأَمْنَ والرَّخاء وَالاسْتِقْرَارَ. إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

عبادَ اللهِ: رسَّخَ خادمُ الحرمينِ الشَّريفينِ في تِلكَ القَرَاراتِ ما للأجهِزَةِ الدِّينيَّةِ والاجتمَاعيَّةِ والخيريَّةِ من مكانةٍ عاليةٍ! فَدَعْمُهُم لها أقوى شاهدٍ على شَرَفِ مَكَانَتِها وأهميَّتِها في حفظ الأمنِ, واستقرارِ البَلَدِ, ونَشرِ الفَضِيلةِ, والقضَاءِ على الفسادِ والْمُفْسِدِينَ! 

 

فقد أدركَ ولاتُنَا وفَّقهمُ اللهُ منذُ تأسيسِ المملكةِ أنَّها لن تكونَ أُمَّتُنَا خيرَ الأُمَمِ, ولا آمنَ الأُمَمِ إلا إذا قامت بهذا الأمرِ العظيمِ. فَأَمَرَتْ بالمعروف الذي يحبُّه الله ويرضاه. ونهتْ عن المنكرِ الذي يبغضُه الله ويأباهُ. فمن نَصَرَ أجهِزَةَ الخير فَلْيَبْشِرْ بِنَصرِ اللهِ وعونهِ وتوفيقهِ !  قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) [الحج: 40- 41]. واللَّهُ تعالى (لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس: 81].

 

 فلنكنْ جَميعا يداً واحدةً ضدَّ الفسادِ والمفسدينَ! أقولُ ما تسمعونَ. وأستغفرُ اللهَ . فاستغفروه. إنَّه هو الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبةُ الثَّانيةِ:

 

الحمدُ للهِ جعلَ قُوَّةَ الأُمَّةِ في إيمانِها. وعِزَّها في إسلامِها. والتَّمكينَ لها في صدقِ عبادتِها. أشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له, وأشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا ونَبِيَّنَا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ ورسولُه, دعا إلى الحقِّ وإلى طريقٍ مُستقيمٍ, صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه وعلى آله وأصحابه والتابعينَ, ومن تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عبادَ اللهِ وَأَطِيعُوهُ. اتَّقُوا اللهَ فِيمَا أمَدَّكم مِنْ نِعَمٍ. وَمَا دَفَعَ عَنْكُمْ مِنْ نِقَمٍ. فَقَيِّدُوهَا بِالْطَّاعَاتِ. وَزِيدُوهَا بِالْشُّكْرِ. فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى: (لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11].

 

أيُّها المؤمنونَ: وخامِسُ تلكَ الوقفاتِ أنَّكَ تَتَأمَّلُ حينَ قالَ اللهُ -تعالى- عن أحوالِ النَّاسِ يومَ القيامَةِ: (خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ)[الواقعة: 3] أنَّه في الدُّنيا كذالِكَ فَأُنَاسٌ كانوا مِلء سَمْعِ النَّاسِ وأبصارِهم وأنَّهم سَيعمَلونَ ويعملونَ وبينَ غَمضَةِ عينٍ وانتِباهتِها يُبدِّلُ اللهُ من حالٍ إلى حالٍ.

 

لِذا فالدَّرسُ الأعظَمُ لنا جميعا ولِكُلِّ مَسئولٍ أنَّهُ يَجبُ عليه تَقوَى اللهِ في الوظائِفِ بِشتَّى أَنوَاعِها وَمَسؤوليَّاتِها. ومِن أعظمِها مَنْ اؤتُمِنَ على الأموالِ العامَّةِ التي يَعُودُ نَفعُها وحَقُّها لِلمُسلِمينَ قَاطِبَةً. فقد فرَضَ اللهُ رعايَتَها وعدَمَ إِهدَارِها. وأوجَبَ حفظَها كمَا يَحفظُ الإنسَانُ مَالَهُ أو أَشَدُّ. قالَ النَّبِيُّ في حديثٍ عَظِيمٍ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ. وَإِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".

 

أيُّها المُسلمونَ: ومِنَ الأَمَانَاتِ العَظِيمَةِ أنْ لاَ يُوسَدَ أَمرٌ مِن أُمورِ المُسلِمينَ إلاَّ فِيمنْ يُعلَمُ صِدقُهُ وأمانَتُهُ وقُوَّتُهُ وخَوفُهُ من اللهِ تَعالى.

 

وإنَّ من علامَاتِ سُوءِ الزَّمانِ وأسبابِ فَسادِ المُجتَمَعاتِ: تَقدِيمُ المَصالِحِ الخَاصَّةِ على العامَّةِ! فيا مَنْ تَحمَّلَ أمانَةً وَمَسؤولِيَّةً لَقد استرعَاكُم ربُّكم ثُمَّ وُولاةُ أُمورِكم فاتَّقوا اللهَ بما يُرضيهِ.فإنَّكم قريباً عنها مُفارِقُونَ: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء: 229].

 

وإيَّايَ وإيَّاكُم وَتَسخِيرَ المَنَاصِبِ لِمصالحَ خاصَّةٍ وَذَاتِيَّةٍ, كُونوا رَحمَةً على النَّاسِ وارفقُوا بهم. واقضُوا حَاجَاتِهم. وَسهِّلوا عَليهم. واحذَروا من المَشَقَّةِ والتَّسلُّطِ عَليهم. فَوصِيَّةُ رَسولِنا "يسِّروا ولا تعسِّروا. وبشِّروا ولا تنفِّروا", وكونوا كذالِكَ عونًا في إفشَاءِ مَحبَّةِ النَّاس لِدِينهم وَمُجتَمَعِهم ووُلاتِهم. فإنَّ مِن أعظَمِ الخِيانَةِ أنْ تَكونوا عونًا لِلشَّيطَانِ على النَّاسِ! جعلنا اللهُ جميعاً مفاتيحَ خيرٍ مغاليقَ شرٍّ.

 

وسادسُ الوقفاتِ: أنَّ تلكَ القَرَاراتِ أظهرت أنَّنا -بحمدِ اللهِ تعالى- في عَيشِ رَغِيدٍ, وأنَّ مُستقبَلَنَا بإذنِ اللهِ زاهرٌ وسعيدٌ, فواجبٌ علينا أن نحوطَ هذه النِّعمَ بالشُّكرِ المزيدِ, والعملِ الرَّشِيدِ, والرأي السَّديدِ, فبالشُّكرِ تدومُ النِّعمُ وتَزْدادُ! واللهُ لا يُخلفُ الميعَاد؟!

 

فالمالُ زينةُ الحياةِ الدُّنيا. والمالُ حَقِيقَةً لا يطلبُ لذاتِهِ وإنَّما يُطلبُ لِمَا يَتَضَمَّنُهُ من مَصَالِحَ ومنافِعَ. فهو وسيلةٌ لا غايةٌ. وقد قال تعالى عن المالِ, وما يسوقُهُ من خيرٍ أو شَرٍّ:  (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)[الليل: 5- 11].

 

أيُّها الكرامُ : وقد أنعم اللهُ علينا بِتلكَ القَرَاراتِ بشيءٍ من الأموالِ فللهِ الحمدُ أولاً وآخِراً وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ .وجَعَلَ هذا المالَ فتنةً لنا وامتحانًا فقالَ: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[التغابن: 15- 16]. والمالُ حَقِيقَةً هو ما نُقَدِّمُهُ لأنفسِنا ذُخْرًا عِندَ ربِّنا جلَّ وعلا.

 

وميزانُ التَّعاملِ مع المالِ يَجْمَعُها قولُ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "كلْ واشربْ وتصدقْ والبسْ فإنَّ الله يحبُّ أنْ تُرى نِعمَتَهُ على عَبْدِهِ".

 

واعلموا يا كرامُ: أنَّ من أحقِّ النَّاس بالصَّدقةِ والهديةِ هم أقارِبُكُم؛ فإن الصَّدقَةَ والهديةَ عليهم يُضَاعَفُ أجرُها مَرَّتَينِ؛ وهكذا النَّفقاتُ يبدأُ الإنسانُ بِنَفْسِهِ. ثمَّ بِمَنْ يَعُولُ. قالَ -صلى الله عليه وسلم-:  "ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ أُمَّكَ وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ".

 

ولا تَحرِمُوا أنفُسَكُم من المساهمةِ في المشروعاتِ الخيريَّةِ المتنوعةِ, فالحياةُ فُرَصٌ!  (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 10- 11].

 

فاللهم لا تجعلِ الدٌّنيا أكبرَ همِّنا. ولا مبلغَ عِلمِنا. ولا إلى النار مصيرنا. اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك. ومن طاعتك ما تُبَلُّغنا به جنَّتَكَ اللهم ألبسنا لباسَ التَّقوى. وألزمنا كلمة التقوى , وأدخلنا جنَّة المأوى, واجعلنا مِمَّن بَرَّ واتَّقى. وصدَّق بالحسنى فَيَسَّرتَهُ لليُسرى. وجَنَّبتَهُ العُسْرَى.

 

اللهمَّ لكَ الحمدُ على نِعَمِكَ العَظِيمَةِ وآلائِكَ الْجَسِيمَةِ. اللهم احمِ بِلَادَنَا وَبِلَادَ المُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ سُوءٍ وَمَكْرُوهٍ. وَأَدَامَ عَلَينَا وَعَلَى المُسْلِمِينَ الأَمْنَ وَالاسْتِقْرَارَ. إِنَّكَ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.

 

اللهم إنَّا نعوذُ بك من الفتنِ ما ظهر منها وما بطن يا ربَّ العلمين. اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ الطَّاعةِ ويُذلُّ فيه أهلُ المعصيةِ ويؤمرُ فيه بالمعروف ويُنهى فيه عن المنكر يا ربَّ العالمين.

 

اللهم وفِّق ولاةَ أمورِنَا لِمَا تُحِبُّ وترضى وأعنهم على البرِّ والتقوى, وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة يا ربَّ العالمين. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).

 

عباد الله: اذكروا الله العظيمَ يذكُركم، واشكروه على عمومِ نعمه يَزِدْكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

 

 

المرفقات

خير بإذن الله تعالى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات