في ظلال اسم الله: (الشافي)!

عبداللطيف بن عبدالله التويجري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/الحكمة من الأمراض والأسقام 2/أثر فقه اسم الله الشافي على المرضى 3/حكم تسمية غير الله باسم الله الشافي 4/وصايا للمرضى

اقتباس

اتركِ الانشغالَ بالبحثِ عن أرقامِ وأسماءِ الأطباء، ومواقعِ المستشفيات، وابنِ في غرفتِك عيادةً جديدةً اسمُها: السجادة!، واعقدْ موعداً مع السجود، وسجّلْ في قلبِك اسما واحداً وهو: الشافي -سبحانه وتعالى-؛ فهوَ هوَ -سبحانه-: يشفي بالصبر.. يشفي بالدعاء.. ويشفي بالصدقة.. ويشفي بالاستغفار.. ويشفي بالتوبة.. ويشفي بالرضا.. لا يريدُ منك سوى العودةَ إليه.. أن تتلمّسَ الطريقَ المؤديةَ إليه...

الخطبة الأولى:

 

أيها الفضلاء: يرضُّهُ المرضُ رضًا.. تَتَشتتْ أسرتُه.. تَتَبعثرُ أملاكُه.. أفضلُ الناسِ حوله تفاؤلاً يفقدُ الأملَ في شفائِه.. وهو صابرٌ محتسبٌ.. تشتعلُ الأسقامُ في جسدِه، وهو متوكلٌ على ربِّه.. وبعدَ سنواتِ البلاء -حتى ذكرَ بعضُهم أنه لبثَ في مرضِه ثمانيةَ عشر عامًا- بعدها تَندُّ من شفتيه زفرةً مؤدبة، يقولها في حياء: (أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ)! فإذا بأبوابِ السماءِ تنفتحُ بالرحمة.. وإذا بالرحماتِ تنزلُ من السماء؛ لأجلِ ذلك المهمومِ المكروب.. تُنهي سنينَ الآهاتِ.. ليأتيَ عهدُ الشفاء! (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ)[الأنبياء:83-84].

 

أيها العابدون: الأمراضُ والأسقامُ مِنْ سُنَنِ الحياةِ التي لابدَّ منها، ولا انفكاكَ عنها، كتبها اللهُ -جلَّ جلالُهُ-؛ لتُذكِّرَ الناسَ بالنعمةِ المنسيةِ على الدوامِ: نعمةِ الصحةِ والعافيةِ! ولولا الأمراضُ لما تذكَّر أحدٌ افتقارَهُ إلى خالِقِه، وحاجتِه إليه في كشفِ البلاء وتخفيفِ الشدّة، وقد يتأخرُ هذا الشفاءُ لحكمةٍ إلهية؛ رفعًا لدرجاتِ المريض، وتكفيرًا لسيئاتِه؛ فقد روى الترمذيُّ في سننِه بإسنادٍ حسنٍ من حديثِ جابرِ -رضيَ اللهُ عنه-: أن النبيَّ -صلى اللهُ عليه وسلّم- قال: "يودُّ أهلُ العافيةِ يومَ القيامةِ حينَ يُعطَى أهلُ البلاءِ الثواب، لو أنّ جلودَهم كانت قُرِضَت في الدنيا بالمقاريضِ".

 

عبادَ الله: بين البسمةِ والأنينِ ثانيةٌ، ولكنها عن ألفِ ساعةِ يصحو بها القلب، وبينَ الأنينِ والبسمةِ لحظاتٌ فيها من لطائفِ الشافي، ما يجعلُ العبدَ يرجعُ للحياةِ أقوى عزيمةً، وأعمقُ إيمانًا، وأعظمُ استقامة.

 

إنَّ فقهَ اسمِ اللهِ "الشافي" كفيلٌ بتغييرِ نظرتِنا للمرض؛ فمتى عرفَ المؤمنُ ربَه باسمِه أحبَّه، ومتى عرفَ بأن ربَه شافٍ أحبَّ ربَه، ونبذَ اليأسَ وراءَ ظهرِه، وأيقنَ الفرجَ والشفاء.

 

والمؤمنُ عندما يتأمل في اسمِ اللهِ "الشافي" فإنه يبحثُ في طياتِ المرضِ عن مكامنِ لطفِ اللهِ به في مرضِه؛ من رفعةِ الدرجاتِ ومحوِ السيئاتِ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة:155-157].

 

إنَّ المؤمنَ الذي يعبدُ ربَّه باسمِه الشافي يحملُ بين جنباتِه شفاؤُه من أسقامِه، ولو كان في مفازةٍ لا يجدُ فيها طبيبًا ولا دواء!

 

إنَّ إيمانَ العبدِ باسمِ ربِه الشافي يجعلُ له حصانةً منَ البدعِ والأوهام؛ فلا يَتعاطى الأسبابَ المحرمةَ في التداوي، ولا يهرعُ إلى أبوابِ الشياطين، يبحثُ عنِ الشفاءِ عند أعوانِهم من السحرةِ والمشعوذين.

 

جاءت امرأةُ ابنِ مسعودَ -رضيَ اللهُ عنه- وقالت له -لما ذكرَ لها أنّ التولةَ والتمائمَ شركٌ-: أن عينَها كانتْ تَقْذِفُ فكانتْ تَخْتَلِفُ إلى راقٍ يهوديّ، فإذا رقاها سكنت، فقال لها ابنُ مسعود -بيقينٍ تام-: "إنما ذاك عملُ الشيطانِ كان ينخسُها بيدِه فإذا رقاها كفَّ عنها، إنما كانَ يكفيْكِ أن تقولي كما كان رسولُ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- يقول: "أذهبِ البأسَ ربَ الناس، اشفِ أنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤٌك شفاءٌ لا يغادرُ سقما"(أخرجه أبو داود وصححه الألباني).

 

فانظرْ -رعاك الله- إلى يقينِ ابنِ مسعودَ بربِّه حين أرشدَها إلى الفعلِ السديد، والقولِ الصحيح، وهكذا ينبغي عليك -أيها المريض- أن تعلقَ أملَك باللهِ الشافي، وتتوجَّه إليه بقلبِك وقالبِك.

 

ومما يجدرُ التذكير به: أنه لا ينبغِي إطلاقُ اسمِ (الشافي) إلا على الله، ولا ينبغي أنْ يتعلّقَ قلبُ المريضِ إلا بالله؛ فقد روى أبو داودَ في سننِه بإسنادٍ صححه الألبانيُّ عن أبي رِمْثةَ قال: دخلتُ مع أبي على رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم-، فرأى أبِي الذي بظَهرِ رَسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- فقال: "دعْني أعالِجُ الذي بظَهرِك؛ فإنِّي طبيبٌ، فقال: بَلْ أَنْتَ رَجُلٌ رَفِيق، طَبِيبُهَا الَّذِى خَلَقَهَا!".

 

أعوذُ باللهِ منِ الشيطانِ الرجيم: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا)[الإسراء: 82].

 

 

الخطبة الثانية:

 

أمَّا بعد: حدثَ ابنُ القيم -رحمَه اللهُ تعالى- عنْ نفسِه فقال: "وَلَقَدْ مَرَّ بِي وَقْتٌ بِمَكَّةَ سَقِمْتُ فِيهِ وَفَقَدْتُ الطَّبِيبَ وَالدَّوَاء، فَكُنْتُ أَتَعَالَجُ بِالفاتحةِ آخُذُ شَرْبَةً مِنْ مَاءِ زَمْزَم، وَأَقْرَؤُهَا عَلَيْهَا مِرَارًا، ثُمَّ أَشْرَبُه، فَوَجَدْتُ بِذَلِكَ الْبُرْءَ التَّام، ثُمَّ صِرْتُ أَعْتَمِدُ ذَلِكَ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْجَاع، فَأَنْتَفِعُ بِهَا غَايَةَ الانتفاع".

 

أخي المريض: قدْ يضعُ سبحانه الشفاءَ في أسهلِ الأشياءِ وأقربِها منك؛ كالماء، وكلُّنا يحفظُ "ماءُ زمزمَ لما شُرِب له"، وهو " طعامُ طُعمٍ وشفاءُ سُقم"، وكم من مريضٍ أضناه المرضُ فأدمنَ شربَ هذا الماءِ المباركِ فبرئَ -بإذنِ الله-!.

 

ومن استعرضَ أحاديثَ الشفاء وجدَ كمّا كبيراً من الأدويةِ النبويّة جمعَها ابنُ القيم في الطبِّ النبوي؛ فمنَ الأدويةِ -على سبيلِ المثال لا الحصرِ-: العسلُ، والحجامةُ، والقسطُ البحريُّ والهندي، ولبنُ البقرِ وسمنُها، والسنا والسَّنُّوت، والحبةُ السوداء، والتلبينة، كلُ ذلك جاءت فيه الأحاديثُ الصحيحة.

 

يا من أضناه المرض: إذا رضيتَ عن الله أرضاك الله.. المرضُ من أقسى اختباراتِ الرضا، فإذا كانت إجاباتُك في هذا الاختبارِ راضية؛ كانتِ النتيجةُ مُرضيةً -بإذنِ اللهِ تعالى-؛ فقلْ مِنْ بينِ آهاتِك "رضيتُ باللهِ ربا، وبالإسلامِ دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيّا". قُلْها بقلبِك؛ بل روّضْ قلبَك على الرضوخِ لمعناها.. اجعلْه يتلذذُ بالرضا، ثم تأملْ جسدَك.. وسترى أماراتَ الشفاءِ تدبُّ في نواحيه -بإذنِ اللهِ- الشافي!

 

أنتَ لا تحتاجُ إلى أنْ تحجزَ تذكرةً هنا وهناك؛ فدواؤُك -إن شاءَ اللهُ- قريب.. فقط احجزْ لقلبِك رحلةً إلى قارّةِ الرضا..

 

دواؤُك فيك وما تشعرُ ** وداؤُك منك وما تبصرُ!

 

أخي المكلوم: اجمعْ يديك واقرأْ وادعُ الله، ثم امسحْ على جسدِك بقلبٍ صادق، ورضا تام..

 

وتذكرْ أنك مُبتلى لتُهذَّبَ لا لتُعذَّبْ؛ فاجعلْ المرضَ بدايةَ عهدٍ جديد.. تتعرّفُ فيه إلى ربِّك من خلالِ اسمِه الشافي.. وتذكرْ: لأنّه الرحيمُ يشفيك! ولأنه العليمُ يشفيك! ولأنه الحليمُ يشفيك! لأنّه القديرُ يشفيك! ولأنّه اللهُ يشفيك!

 

اتركِ الانشغالَ بالبحثِ عن أرقامِ وأسماءِ الأطباء، ومواقعِ المستشفيات، وابنِ في غرفتِك عيادةً جديدةً اسمُها: السجادة!، واعقدْ موعداً مع السجود، وسجّلْ في قلبِك اسما واحداً وهو: الشافي -سبحانه وتعالى-؛ فهوَ هوَ -سبحانه-: يشفي بالصبر.. يشفي بالدعاء.. ويشفي بالصدقة.. ويشفي بالاستغفار.. ويشفي بالتوبة.. ويشفي بالرضا.. لا يريدُ منك سوى العودةَ إليه.. أن تتلمّسَ الطريقَ المؤديةَ إليه.. عدْ إليه بالرضا.. عُدْ إليه بالسجود.. عدْ إليه بالتوبة.. عدْ إليه بالاستغفار.. عدْ إليه بالصدقة.. عدْ إليه بالاعتراف.. اُطْرُقْ بابَه بأيِّ وسيلةٍ كانت.. المهمُ أن تعود.. ثم ارتقبِ الشفاء!

 

أخيرًا.. -أخي الرافلُ في ثوبِ العافية- طفْ بقلبِك في المشفى، وعُدْ أولئك المرضى؛ فثمّتَ هُناك حياةٌ لقلبِك؛ فالمشفى موعظةٌ صامتةٌ، تحدثُك عن عظمةِ ربِك، وأنه وحدُه الشافي!

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء:78-80].

 

اللهم اشفنا ومرضانا وجميع مرضى المسلمين، يا رب العالمين..

المرفقات

في ظلال اسم الله (الشافي)!

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات