عناصر الخطبة
1/محطات في زمن الشدة 2/الرد المفحِم على من يسأل: أين الله؟ 3/كيفية الخلاص من الشدة العصيبة في هذه الأيام 4/خطورة المنافقين ووجوب التصدي لهم 5/وجوب تكافُل المسلمين ووحدتهم 6/حقوق الإنسان بين الادعاء الكاذب للغرب والهدي الإسلامي الصادقاقتباس
يا أيها العالَمُ: أين هي حقوقُ الإنسانِ التي تتشدَّقون بها، وتنادون بها، الذي أثبتَتْه الأيامُ أن حقوق الإنسان التي تدعونها دعوةٌ بلا دليلٍ ولا بَيِّنَةٍ، والذي أثبتَتْه الأيامُ أنَّ حقوقَ الإنسان التي تُنادُون بها كذبٌ، وَهْمٌ، خديعةٌ، وحقوقُ الإنسان التي قدمتموها لنا تُميِّز بينَ إنسانٍ وإنسانٍ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ حمدَ الصادقينَ، حمدَ العابدينَ، حمدَ الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنونَ، والصلاةُ والسلامُ على طِبِّ القلوبِ ودوائِها، عافيةِ الأبدانِ وشفائِها، محمدِ بنِ عبدِ اللهِ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه.
مَنْ كان يظنُّ أن الله -تعالى- ينام، وأن الله -تعالى- يَغفُل، وأن الله يقبل بالظلم فقد نسي قولَ المولى: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)[الْبَقَرَةِ: 74]، وقول المولى: (وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[ق: 29]، وقول المولى: (لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ)[الْبَقَرَةِ: 255].
إلهي سيدي ومولاي وخالقي: لا تيأسنَّ إذا اشتدَتْ بَلاياكَ *** ففي السماءِ إلهٌ ليسَ ينساكَ
وأشهد أن سيدنا ونبينا وعظيمنا وقائدنا محمدًا، صلى الله -تعالى- عليه وسلم، أفضل خلق الله أجمعين، الذي قال عليه الصلاة والسلام يوم الحديبية: "وإن الله -تعالى- لن يضيعني أبدًا"، فاللهمَّ لا تضيعنا، اللهُمَّ لا تكلنا إلى أنفسنا فنعجز، ولا تكلنا إلى الناس فيضيعونا.
أمَّا بعدُ، أيها المسلمون، أيها المؤمنون، أيها الصامدون الثابتون: خطبة الجمعة هذا اليوم عنوانها: "في زمن الشدة والمحنة وقفات ومحطات".
أما المحطة الأولى: فإنَّه واللهِ لمن المؤلم أنَّنا أصبحنا نسمع اليومَ مَنْ يقول: "أينَ اللهُ من كل ما يقع؟ أينَ اللهُ من كل ما يَحدُث؟ أينَ اللهُ من دموع المظلومين وآهات المضطهدين؟ إذا كان الله -تعالى- موجودًا فأين هو التدخُّل الإلهي؟
أيها المسلمون: والجواب: إن هذا السؤال -بحدِّ ذاتِه- خطأ، وأي خطأ! فإن الله -تعالى- لا يعمل وفقَ أهواء فلان، ولا عِلَّان، وإن الله -تعالى- حكيم يفعل ما يشاء، وإن الله -تعالى- يتدخل متى يشاء، وإن الله -تعالى- يُعاقِب الظالمينَ كيفما يشاء، أمَا سَمِعْنا قولَ اللهِ -تعالى-: (أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)[الْأَنْعَامِ: 44]، أما سمعنا قول الله -تعالى-: (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا)[الْحَشْرِ: 2]؟
إننا يا عباد الله -تعالى- ننسى أن الله -تعالى- قال لنا: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139]، وننسى أن الله -تعالى- قال لنا: (إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ)[النِّسَاءِ: 104]، وننسى أن الله -تعالى- قال: (وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 88].
فيا عبادَ اللهِ: ليس المطلوب أن نسأل: أينَ اللهُ؟ ولكن المطلوب أن نقف عند حدود الله، وعند منهج الله، وأن نعمل بسنة محمد بن عبد الله، أما تدخل الله -تعالى- فهذا شأن الله وهذا عمل الله -تعالى-.
أيها المؤمنون، أيها الصادقون الصامدون الثابتون: أما المحطة الثانية: إننا -واللهِ- لَنعيش أيامًا عصيبة، وساعات شديدة، فما هو الخلاص؟ وكيف السبيل إلى النجاة؟! اسمعوني أيها المؤمنون بقلوبكم قبل آذانكم: إن السبيل إلى النجاة إنما يكون بصدق العودة إلى الله -تعالى-، وصدق التوبة إلى الله؛ فإن الله -تعالى-جل وعلا- هو نعم الأنيس عند الوحشة، وهو نعم الملاذ عند الخوف، قال الإمام ابن قيم الجوزية: "وَبِاللَّهِ تَزُولُ الْهُمُومُ وَالْغُمُومُ وَالْأَحْزَانُ، فَلَا هَمَّ مَعَ اللَّهِ، وَلَا غَمَّ، وَلَا حَزَنَ مَعَ اللَّهِ"؛ فما أحوجَنا -أيها المؤمنون- في هذه الأوقات العصيبة إلى أعمال صالحات، إلى تسبيحات وتهليلات، إلى صدقات، وإلى همسات مع الله ودعوات، وما أحوجَنا أن نقف على باب الله نقول:
إني أويتُ لكلِّ مأوًى في الوجو *** دِ فما وجدتُ أعزَّ من مأواكَ
وتلمَّسَتْ نفسي السبيلَ إلى النجا *** ة فلم تَجِدْ مَنْجًى سوى منجاكَ
ما لي وما للأغنياءِ، وأنتَ يَا *** مولايَ الغنيُّ ولا يُحَدّ غِناكَ
ما لي وما للأقوياء وأنتَ يا *** مولاي ومولى الناسِ ما أقواكَ
ما لي وأبواب الملوكِ وأنتَ يا مولاي مَنْ *** خلَق الملوكَ وقسَّم الأملاكَ
أيها المسلمون: محطة ثالثة في خطبة الجمعة اليوم، وهي الخطبة الأولى لي في المسجد الأقصى، مع كوني في بيوت الله خطبت مئات الخطب.
أيها المؤمنون: إن العدو الأول لهذه الأمة مَنْ؟ المنافقون؛ ولذلك ليس من باب العجب أن كلمتَيِ "المنافقينَ"، و"المنافقاتِ" جاءت فيما يزيد عن اثنتين وثلاثين آيةً فيها المنافقون والمنافقات، ويا عبادَ اللهِ: إنَّ المنافقين لن تكون لأمة الإسلام كلمة ولا صحوة ما دامت للمنافقين في مجتمعات المسلمين حظوة، ومكانة، وإن أهل العلم قالوا: إن أعمال المنافقين ثلاثة: اسمعوا إلى أعمال المنافقين؛ حتى تقيسوها على منافقي هذا الزمان، قال العلماء: إن أعمال المنافقين ثلاثة: معاداة المسلمين، خداع المؤمنين، موالاة الظالمين.
أيها المؤمنون: إنَّ المنافقين لا يَأبَهونَ بما وقع لأمة الإسلام، ولا يأبهون لِمَا وصلَتْ إليه حالُ أمة المسلمين، هل تطلبون دليلًا على ذلك؟ أنا أعطيكم دليلًا على ذلك؛ المنافق اللعين الخائن مؤيد الدين بن العلقمي، الذي دل المغول على بغداد، فدخلوها، وقتلوا الخليفة، وقتلوا كم؟ كم قتلوا؟ مليون وثمانمائة ألف مسلم، قيل لهذا المنافق -حتى تعلموا أن المنافقين لا يأبهون بما وصل إليه حال المسلمين- قيل لهذا المنافق: يا بن العلقمي، لقد تسببَتْ في قتل كل هؤلاء، فماذا قال؟ قال لعنَه اللهُ: "لا آبَهُ لذلك"؛ يعني أنَّه لا يهتمّ لهذا الكلام، ولا يهمه هذا الأمرُ كلُّه؛ فالمنافقون هم الداء العضال الذي أوصَل الأمةَ إلى ما وصلَتْ إليه.
أيها المؤمنون: محطة ثالثة، وقبل أن أدخل فيها اسمعوا إلى هذا الكلمة التي تبعث الأمل في النفوس، كلمة لعبد من عباد الله -تعالى-، ماذا قال: قال: "فليشهد الله أني ما يئستُ قطُّ، صحيح أنني أصابني في لحظات ضعف الأمل، ولكن كان هناك دومًا صوت في أعماق قلبي ينادي يقول: من تمسك بالله فلن يخيب ظنه أبدًا".
اللهُمَّ إنَّا تمسكنا بك فلا تخيب ظننا فيك، اللهُمَّ آمين.
أيها المؤمنون: ما أحوجَنا في هذه الأيام العصيبة إلى أن نتكافل، إلى أن نتعاضد، إلى أن نكون كما قال المصطفى: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، ما أحوجنا إلى أن نتحابب، إلى أن نتسامح، نعفو، نتجاوز، من كان له على أخيه دين أو حق مالي فليمهل، أو يؤجل؛ فإن الناس قد صارت أحوالهم صعبة، وإن من الناس من جلس في بيته بلا عمل، ولا دخل، ولا معيل، ولا منفق، وكلمة أوجهها إلى كل الذين يغلون على المسلمين، يغلون طمعًا وجشعا واستغلالًا على المسلمين في أثمان سلعهم ودوائهم وقوتهم وبضاعتهم أقول لهم: لا أشبع الله -تعالى- بطونكم.
فيا أيها المؤمنون: في المجتمع المسلم لا يجوز إلا أن نكون متشابكين، متوحدين، إخوة، هكذا، ومن هنا أختِم الخطبةَ الأُولى: ماذا أفتى الإمامُ الجليلُ، والعَلَمُ النبيلُ، يا سيدي الشيخ يوسف، ماذا أفتى الإمامُ الجليلُ ابنُ حزمٍ؟ أفتى الإمامُ الجليلُ ابنُ حزمٍ قال: "إذا مات مسلمٌ في بلد من بلاد المسلمينَ جُوعًا عُدَّ أهلُ ذلك البلد قَتَلَتَهُ، وأُخذت منهم ديةُ قتيلٍ".
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، حمدَ الصادقين، حمدَ العابدين، حمدَ الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنونَ، والصلاةُ والسلامُ على طِبِّ القلوب ودوائِها، عافيةِ الأبدانِ وشفائِها، ابنِ آمنةَ، صلى الله تعالى عليه وسلم.
أمَّا بعدُ، أيها المؤمنون: محطة أختم بها خطبة الجمعة اليوم، وهذه المحطة أوجهها إلى العالَم كلِّ العالَم، أقول لهم: يا أيها العالَمُ، أين هي حقوقُ الإنسانِ التي تتشدَّقون بها، وتنادون بها، الذي أثبتَتْه الأيامُ أن حقوق الإنسان التي تدعونها دعوةٌ بلا دليلٍ ولا بَيِّنَةٍ، والذي أثبتَتْه الأيامُ أنَّ حقوقَ الإنسان التي تُنادُون بها كذبٌ، وَهْمٌ، خديعةٌ، وحقوقُ الإنسان التي قدمتموها لنا تُميِّز بينَ إنسانٍ وإنسانٍ، وحقوقُ الإنسانِ التي تَدَّعُونَها تُكال بمكاييلَ متباينةٍ، ومكاييلَ مختلفةٍ.
يا أيها العالَم: تعالَ واجلس بين يدي المصطفى -عليه الصلاة والسلام-؛ لتتعلم حقوق الإنسان، -تعالى- إلى دين محمد؛ لتتعلم حقوق الإنسان، هذا هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد، ذات يوم يمشي في الشام، وإذا بجماعة من جند المسلمين أوقفوا جماعة من الأنباط (الفلاحين المسيحيين)أوقفوهم تحت الشمس وصبوا عليهم الزيت، قال هشام: ما هذا؟ قالوا: حبسوا في الجزية؟ أي: لم يدفعوا الجزية، فقال هشام: أشهد أني سمعت المصطفى -عليه الصلاة والسلام- يقول: "إن أشد الناس عذابًا عند الله يوم القيامة أشد عذابًا للناس في الدنيا"؛ هذه هي حقوق الإنسان.
أيها العالَمُ: -تعالى- إلى الفقه الإسلامي وتعلم حقوق الإنسان، ماذا يقول الفقه الإسلامي؟ يقول: إذا دق أحدهم عليك باب بيتك وطلب منك آنية من أواني بيتك ليستخدمها ثم يعيدها فلم تعطه إيَّاها أنت ومن يكذب بيوم الدين سواء؛ أما قال الله -تعالى- في صفة الذين يكذبون بالدين، قال تعالى: (وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)[الْمَاعُونِ: 7]، حقوق الإنسان في الفقه الإسلامي لدين محمد -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا مسلم وعليه دين ولم يكن دينه في سفاهة وجب على بيت مال المسلمين أن يسد دينه".
فيها أيها العالم: تأدَّبْ واجلِسْ بينَ يدَيِ المصطفى -عليه الصلاة والسلام-؛ لتتعلم حقوقَ الإنسان.
أيها المسلمون: إني داعٍ فأمِّنوا: اللهمَّ أصلح أحوال أمة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، اللهمَّ عجل بقيام دولة الإسلام، دولة الخلافة، التي يعز فيها أولياؤك، ويهان فيها أعداؤك، اللهُمَّ عليك بأعدائك، اللهمَّ عليك بأعداء المستضعَفين من المؤمنين، اللهُمَّ عليك بأعداء المستضعَفين في فلسطين، اللهُمَّ شتت شملهم، مزق جمعهم، أبطل أسلحتهم، اللهُمَّ نج المستضعَفين من المسلمين، اللهُمَّ اعصم دماءهم في كل مدن فلسطين، اللهُمَّ كن معهم ولا تكن عليهم، اللهُمَّ احفظ شيوخهم وشبابهم وأطفالهم وأنزل الأمن والسكينة على قلوبهم، اللهُمَّ أطعمهم، واسقهم، واكسهم، وداوهم من حيث يحتسبون، ومن حيث لا يحتسبون.
يا غياثَ المستغيثينَ أَغِثْنَا، اللهمَّ تقبَّلْ شهداءَنا، واشفِ مَنْ أُصِيبَ منا، اللهمَّ لا تجعل لنا مبتلى إلا عافيته، ولا ضالًّا إلا هديته، ولا دينا إلا قضيته، ولا معتقلا إلا فككته وأعدته إلى أهله سالمًا غانما، ولا تجعل لنا هما ولا غما إلا أزلته وكشفته.
اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك، يا مثبت القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
اللهُمَّ أَهْلِكِ المنافقينَ، وأَهْلِكِ المذَبذَبِينَ، وأهلِكْ مَنْ والى أعداءَ هذا الدينِ، يا حيُّ يا قيومُ، كلُّ الأبوابِ أُغلِقَتْ إلا بابَكَ، كلُّ السُّبُل سُدَّتْ إلَّا سَبِيلُكَ.
سبحانك اللهمَّ وبحمدكَ، لا يُخلَفُ وعدُكَ، ولا يُهزَم جُندُكَ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بكَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.
أيها الإخوة الأحباب: سنُقيم -بإذن الله-تعالى- بعد صلاة الجمعة صلاة الغائب على كل شهداء المسلمين الذين ماتوا وقتلوا في سبيل الله ولم يُصَلّ عليهم.
وأنتَ يا مقيمَ الصلاةِ: أقمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم