عناصر الخطبة
العناصر 1/الحياة الزوجية لا تخلو من مشكلات 2/تعامل النبي مع المشكلات الزوجية 3/نماذج لما وقع بين النبي وزوجاته 4/وصية النبي بالنساءاقتباس
ثم أرسلن زينب بنت جحش فأتته -أي: النبي -صلى الله عليه وسلم-, فأغلظت وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة, فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها, حتى إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لينظر إلى عائشة...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد:
عباد الله: إن خير ما تزودنا به لسفر الدنيا والآخرة طاعة الله فيما أمر وترك ما نهى عنه, ومن أطاع فله الجنة ومن عصى فله النار؛ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ)[النساء: 13، 14].
أيها المسلمون: للبيوت أسرارها, وللعلاقات الزوجية سماتها, وفي حياة كل زوجين أفراح وأتراح, فيوماً تطيب العشرة بين الزوجين؛ فيصبحان وكأنهما أسعد زوجين, ينعمان بعيشة هنية, وحياة زوجية هانئة هادئة, ويوماً يحدث في البيت ما يعكر صفوه ويكدر هناءه؛ فتتباعد القلوب, وتستوحش النفوس, ويضيق البيت على سعته بساكنيه, وبين هذين اليومين أيام وأيام تكون شوباً من المودة والبغض, وخليطاً من الحب والكراهية, فيا ترى هل هناك بيت يخلو من المشاكل والمنغصات بين الزوجين؟ ومن الزوج المثالي الذي يحسن إدارة منزله, ويجيد قيادة مركب العائلة حتى لا تغرقه أمواج الشقاق, ويبتلعه طوفان المشكلات؟.
أيها الأحبة: ليس منا أحد يدعي أنه ذلك الرجل, ولكن دعونا نرحل إلى منزل زوج مثالي كان قدوة عظيمة في فن إدارة منزله؛ إنه زوج لا كالأزواج, رجل كان على خلق رفيع ومنهج حميد, استطاع بحكمته وبرفقه ولينه أن يدير منزله أحسن إدارة, لم يكن يماثله أحد في الخلق والعدل, ولم يكن أغنى الناس, بل كان من أفقرهم, تمضي عليه الأيام والليالي الكثيرة ولم يذق طعاماً مطبوخاً, كان بيته صغيراً لا باحات فيه ولا ساحات, ولا ملاحق ولا مقدمات, بل كان منزله مكوناً من حجرات قليلة, في كل حجرة منها تسكن إحدى زوجاته.
هذا الرجل كان يحمل رسالة عظيمة, وقد وكلت إليه مهمة جسيمة, ولكن مهمته تلك لم تشغله عن إصلاح منزله ورعاية أسرته, والترفق مع مشاكل البيت, ومع أن صاحبنا هذا كان قمة في الخلق واللين والصفح عن المخطئ والعفو عن الجاهل, إلا أنه لم يخلُ بيته من المشكلات الزوجية, ولم يسلم بيته من حدوث المنغصات والمكدرات, مثله مثل سائر بيوت الناس.
أعرفتم هذا الرجل -يا عباد الله-؟ إنه محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب, هذا النبي الكريم الذي اصطفاه ربه من بين الخلائق أجمعين, زكاه ربه فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4], أمرنا ربنا أن نقتدي به ونتأسى بعمله فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[الأحزاب: 21]؛ فصلى الله عليه وسلم ما تعاقب الليل والنهار.
عباد الله: تعالوا بنا نسائل زوجاته أمهات المؤمنين, فنسمع منهن ما كان يقع في بيت محمد -صلى الله عليه وسلم- من بعض المكدرات والمشكلات, وكيف تعامل معها هذا النبي الكريم -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-, ولننظر ولنقارن بين ما قد نفعله نحن حيال ما يقع في بيوتنا وبين ما فعله محمد -صلى الله عليه وسلم-.
عباد الله: لو اكتشف أحدنا أن زوجته تشك في بعض تصرفاته, وربما تلصصت على أقواله أو أفعاله, أو تبعت خطواته هنا أو هناك, يدفعها إلى ذلك الريبة وسوء الظن, ماذا سيصنع بها زوجها؟ وما موقفه من هذه الأنثى الضعيفة التي تجرح كبرياءه بشكها, وتهدد قوامته برصدها ومتابعتها؟ أيلطمها ويسبها؟ أم يتفوه بطلاقها؟ أم يبادلها الشك والريبة ويضع تصرفاتها تحت مجهره وبين عينيه؟ ربما فعل أحدنا ذلك كله أو بعضه, ولكن دعونا نعرض ذلك على بيت محمد -صلى الله عليه وسلم- وهل وقع شيء من ذلك؟ وما الذي صنعه أفضل الخلق -صلى الله عليه وسلم-؟.
تحدثنا أمنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- قائلة: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَعَنِّي, قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فِيهَا عِنْدِي, انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ, وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ فَاضْطَجَعَ, فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ, فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ -أي أغلقه- رُوَيْدًا, فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي وَاخْتَمَرْتُ وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي, ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ, حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ فَأَطَالَ الْقِيَامَ, ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ, فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ, فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ, فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ -أي أسرعت أشد من الهرولة- فَسَبَقْتُهُ, فَدَخَلْتُ فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ, فَدَخَلَ فَقَالَ: "مَا لَكِ يَا عَائِشُ حَشْيَا رَابِيَةً -أي: مالك ونفسك مرتفع من أثر الهرولة وأنت نائمة؟!- قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ, قَالَ: "لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ", قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي فَأَخْبَرْتُهُ, قَالَ: "فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي", قُلْتُ: نَعَمْ, فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي, ثُمَّ قَالَ: أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ, قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ.
ولم يكتف -صلى الله عليه وسلم- بهذا بل بين لها السبب الذي دعاه إلى ما صنع, بكل أريحية وسعة صدر وفي آخر الليل, قَالَ: "فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ, فَأَجَبْتُهُ فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ, وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ, وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ, وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي, فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ"(أخرجه مسلم في صحيحه).
ومثال آخر: لو طلبت زوجة أحدنا منه أن يساعدها في تنظيف المنزل أو ترتيب أركانه, فما عساه يقول في جوابها؟ أيوافق مستبشراً, أم يكشر غاضباً وكأن رجولته قد انتقصت؟ أما محمد بن عبدالله -صلى الله عليه وسلم- فتقول عنه زوجه عائشة -رضي الله عنها- فيما أخرجه البخاري عن الأسود قال: سألت عائشة: ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مهنة أهله -تعني خدمة أهله-, فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة".
ومن ظن أنه قد يخلو بيت من المشكلات فقد أبعد النجعة وطلب محالاً, فإذا كان محمد -صلى الله عليه وسلم- وهو سيد البشر وأفضلهم وأتقاهم, ونساؤه أمهات المؤمنين, ولم يكن لربه -سبحانه- أن يزوجه إلا من ذوات الفضل والخلق والمعدن الكريم, ومع ذلك لم يخل بيته من تلك المشكلات المعتادة في البيوت فبيوت غيره من الناس أحرى.
ها هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يحدثنا وهو والد إحدى زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- عما علمه وسمعه وشاهده, فيقول فيما أخرجه البخاري: كنا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ نَغْلِبُ النِّسَاءَ, فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى الْأَنْصَارِ إِذَا قَوْمٌ تَغْلِبُهُمْ نِسَاؤُهُمْ, فَطَفِقَ نِسَاؤُنَا يَأْخُذْنَ مِنْ أَدَبِ نِسَاءِ الْأَنْصَارِ, فَصَخِبْتُ عَلَى امْرَأَتِي فَرَاجَعَتْنِي, فَأَنْكَرْتُ أَنْ تُرَاجِعَنِي قَالَتْ: وَلِمَ تُنْكِرُ أَنْ أُرَاجِعَكَ؟! فَوَاللَّهِ إِنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيُرَاجِعْنَهُ, وَإِنَّ إِحْدَاهُنَّ لَتَهْجُرُهُ الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ, فَأَفْزَعَنِي ذَلِكَ وَقُلْتُ لَهَا: قَدْ خَابَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكِ مِنْهُنَّ, ثُمَّ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي فَنَزَلْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ -زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-, فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ حَفْصَةُ أَتُغَاضِبُ إِحْدَاكُنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْيَوْمَ حَتَّى اللَّيْلِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ, فَقُلْتُ: قَدْ خِبْتِ وَخَسِرْتِ, أَفَتَأْمَنِينَ أَنْ يَغْضَبَ اللَّهُ لِغَضَبِ رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَهْلِكِي؟.
ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- بالذي يحول بين أهله وبين ما أباح الله -تعالى- من اللهو المباح, هذه عائشة تحدث قائلة: "والله لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقوم على باب حجرتي, والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ يسترني بردائه لكي أنظر إلى لعبهم, ثم يقوم من أجلي, حتى أكون أنا التي أنصرف, فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن حريصة على اللهو"(أخرجه مسلم في صحيحه).
بل إنه -صلى الله عليه وسلم- لم تمنعه هيبته ولا وقاره عن أن يسابق زوجه عائشة -رضي الله عنها-, فتسبقه مرة ويسبقها في المرة الأخرى, وهو رسول رب العالمين وسيد الأولين والآخرين, بل إن بيته -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يخلو مما يكون بين الضرائر من النزاع والشقاق والتنافس, ومع هذا كان -صلى الله عليه وسلم- مثالاً للزوج الحكيم الحليم الذي لا تأخذه العزة بالإثم أو يعجل في العقاب.
أخرج البخاري عن عائشة -رضي الله عنها- أن نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كن حزبين, فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة, والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, ثم ذكرت أن حزب أم سلمة أرسلن إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يبلغنه احتجاجهن على تعامله مع عائشة, ثم أرسلن زينب بنت جحش فأتته -أي: النبي -صلى الله عليه وسلم-, فأغلظت وقالت: إن نساءك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة, فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها, حتى إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لينظر إلى عائشة هل تكلم؟ فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها, قالت: فنظر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عائشة وقال: "إنها بنت أبي بكر".
وأخرج مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تِسْعُ نِسْوَةٍ, فَكَانَ إِذَا قَسَمَ بَيْنَهُنَّ لَا يَنْتَهِي إِلَى الْمَرْأَةِ الْأُولَى إِلَّا فِي تِسْعٍ, فَكُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَأْتِيهَا, فَكَانَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ, فَجَاءَتْ زَيْنَبُ فَمَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا, فَقَالَتْ: هَذِهِ زَيْنَبُ, فَكَفَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَدَهُ, فَتَقَاوَلَتَا حَتَّى اسْتَخَبَتَا وَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ, فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ عَلَى ذَلِكَ فَسَمِعَ أَصْوَاتَهُمَا, فَقَالَ: اخْرُجْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَى الصَّلَاةِ, وَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ التُّرَابَ, فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ: عَائِشَةُ الْآنَ يَقْضِي النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَاتَهُ فَيَجِيءُ أَبُو بَكْرٍ فَيَفْعَلُ بِي وَيَفْعَلُ, فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- صَلَاتَهُ أَتَاهَا أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ لَهَا قَوْلًا شَدِيدًا وَقَالَ: أَتَصْنَعِينَ هَذَا.
وأخرج البخاري عن أنس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عند بعض نسائه, فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام, فضربت التي النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيتها يد الخادم, فسقطت الصحفة فانفلقت, فجمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلق الصحفة, ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: "غارت أمكم", ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها, فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها, وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت, الله أكبر! عدل في التعامل ورفق بالجاهل, لا صراخ ولا زعيق ولا تهديد ولا وعيد, فسبحان من أدب نبيه -صلى الله عليه وسلم- فأحسن تأديبه,
وصورة أخرى تتجلى فيها مكانة المرأة عند النبي -صلى الله عليه وسلم-, فحين منعت قريش النبي -صلى الله عليه وسلم- من دخول مكة عام الحديبية, وتوالت الرسل بينه وبين قريش, وحصل الاتفاق بين الطرفين, فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا", قال الراوي: فوالله ما قام منهم رجل, حتى قال ذلك ثلاث مرات, فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة, فذكر لها ما لقي من الناس, فقالت أم سلمة: يا نبي الله! أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك, وتدعو حالقك فيحلقك, فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه, ودعا حالقه فحلقه, فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا, وجعل بعضهم يحلق بعضا, حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما(أخرجه البخاري), فنبي الله -صلى الله عليه وسلم- يستشير زوجه ويأخذ برأيها, وقد كان نعم الرأي, ولم يأنف من ذلك, ولم يكن قدحاً في عقله ولا رأيه.
أيها المسلمون: هذا غيض من فيض, وتلك صور قليلة مما حفلت به كتب السنة موضحةً كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعاهد أزواجه, ويصبر على ما قد يثرنه من المشكلات التي تقع في بيوته, ناهيكم عما ورد من أقواله الكثيرة في وجوب إحسان عشرة الزوجات وتحمل أذاهن, فقد كان كثيراً ما يوصي بهن ويبين حقوقهن وينهى عن ظلمهن, فليكن لنا فيه -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة.
ومن أراد السعادة في حياته العملية والزوجية فليتق الله ربه, وليقتد بنبيه -صلى الله عليه وسلم- (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب: 21]
أقول قولي هذا وأستغفر الله الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم