في الوباء منح وعطاء

عبد الرحمن بن عبد العزيز السديس

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/تباشير التعافي ووجوب شكر الله تعالى 2/مجهود يشكر لبلاد الحرمين الشريفين لمواجهة الوباء 3/الجوائح تكون ثم تهون 4/دروس وعبر من جائحة كورونا 5/وقفة مع القرار الحكيم بإقامة الحج بصورة رمزية

اقتباس

الجوائح تكون ثم تَهُون، وكم من أوبئة حلَّت ثم اضمحلَّت، وها هي -بفضل الله- البشاراتُ مشوبةٌ بحذر، تتوالى بانكشاف الغمة، التي أَلَمَّت، وكم آلَمَتْ، ولكن لا تخلو المصائبُ والمآسي والأحزان من مِنَن يدركها أهلُ الإيمان...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله، الحمدُ لله المتفرِّد بالخَلْق علمًا وإيجادًا، أحمده -سبحانه-، حمدًا نزكو به دنيا ونسمو معادًا.

 

لكَ الحمدُ حمدًا نستلِذُّ به ذِكْرًا *** وإِنْ كنتُ لا أُحصِي ثناءً ولا شُكرًا

لكَ الحمدُ كَمْ قلَّدْتَنا من صنيعةٍ ** وَأَبْدَلْتَنَا بالعُسْرِ يا ربَّنا يُسرًا

 

وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، يبتلي عباده تمحيصًا وإسعادًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، أرسَلَه بالهدى ودين الحق، فعمَّ الخيرُ والهدى وسادَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آله وصحبه، البالغينَ من العلياء أمجادًا، والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهم واقتفى أثرَهم، يرجو توفيقًا وسدادًا، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.

 

أمَّا بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن التقوى بَلْسَمُ النوائبِ وترياقُها، ونورُ القلوبِ وائتلاقُها، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا)[الطَّلَاقِ: 4].

 

عليكَ بتقوى اللهِ في كل مشهدٍ *** فلله ما أزكى نسيمًا ولا أبقى

إذا ما ركبتَ التُّقى مُسْتَمْسِكًا بها *** سبقتَ بها مَنْ لا يظنُّ له سَبْقَا

 

أيها المسلمون: في ظل عودة الحياة لطبيعتها، بعد أن جثَمَت جائحة (كورونا) على العالَم، كأمواج البحار الهادرة، وأرخَتْ سدولَها القاتمةَ على البشرية، بأنواع الإصابات والوفيات، وتمطَّت بصُلْبها، وأردَفَت أعجازها، وناءت بكلكلها، ابتلاءً وامتحانًا، واليومَ -بحمد الله وفضله، ومَنِّه وكرمه-، تكاد تنجلي بالشفاء والتعافي، وما هو بِمُعارِضٍ البتةَ العودةُ باحتياطٍ وحذرٍ، والرجوع بمسئولية واحتراز، والأخذ بالأسباب الوقائية، قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ)[النِّسَاءِ: 71]، وقال سبحانه: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)[النِّسَاءِ: 29]، وقال جلَّ وعلا: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)[الْبَقَرَةِ: 195].

 

هَذِي التباشيرُ قد لاحَتْ مطالِعُها *** فَلْيَسْعَدِ القومُ في حمدٍ وتَكبِيرِ

والشُّكْرُ للهِ في أُولَى وآخِرةٍ *** ثم الولاةِ على حُكْم وتَدبِيرِ

 

إخوةَ الإسلامِ: وإنَّ مِنْ فضلِ الله -سبحانه- وعظيم آلائه، التي تلهَج بها الألسنُ ابتهالًا ودعاءً وشكرًا وثناءً، ما منَّ اللهُ به على هذه البلاد المبارَكة، من الاجتهاد المحمود المشكور، في الأخذ بالأسباب الدينية منها والدنيوية، وما وفَّق إليه ولاةَ الأمر مِنْ أخذِ التدابيرِ الوقائيةِ، والقرارات الحازمة الاحترازية، لصدِّ سلبياتِ هذه الجائحة عن هذه البلاد المحروسة، وعن المسلمين والعالَمين أجمعينَ، فكان درسًا عمليًّا في فن إدارة المخاطر، وسرعة التكيُّف مع الأزمات، وثمةَ ملمحٌ يَحسُنُ التنبيهُ إليه، خاصةً في هذا الأوان؛ ألَا وهو أن التوقيَّ من الأوبئة والأدواء هو مِنَ الأخذِ بالأسباب التي حثَّت عليها شريعتُنا الغرَّاءُ، فلتكن عودتُنا لشئون حياتنا بحَذَر، مع التقيُّدِ التامِّ بالإرشادات الصحية، والاحترازات والإجراءات الاحترازية، والتدابير الوقائية.

 

والشكرُ موصولٌ للجهات الأمنية والصحية، وللعموم، على الوعي والتجاوب الأخَّاذ، مع أن في الناس مُجازِفينَ، ومتهوِّرينَ ومستهترينَ، ومَنْ يستغلونَ الأوبئةَ للترويج للشائعات والافتراءات، ومَنْ يقتاتون على فُتاتِ الأحداثِ بالغشِّ والمخالَفاتِ، لا يردعهم إلا الحزمُ والعزمُ؛ ألَا فاتقوا اللهَ -عباد الله- في أنفسكم وصحتكم، وصحة والديكم، وأبنائكم وأُسَرِكم، ومجتمعاتكم وأوطانكم، فمسئوليتُنا تجاهَ أوطاننا وقاية مجتمعاتها، ورعاية أمنها الصحي، وكم أدرَج اللطيف الخبير من آلائه، في ثنايا ابتلائه، قال جلَّ في عليائه: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ)[الْبَقَرَةِ: 216].

 

وقد يبتلي اللهُ عبادَه بالأمراض؛ ليعرفوا قيمة الصحة والعافية ويُقَدِّروها قدرَها ويحافظوا عليها، فالصحةُ تاجٌ على رؤوس الأصحاء، روى البخاريُّ في صحيحه، من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نِعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحةُ والفراغُ"، وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(أخرجه الترمذي وابن ماجه)، ومن حديث العباس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سَلُوا اللهَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة"(أخرجه الترمذي، وقال: حديث صحيح)، وفي رواية: "سَلُوا اللهَ العَافِيَةَ، فَمَا أُوتِيَ أحدٌ بعدَ اليقينِ أفضلَ مِنَ العافيةِ". ما أنعَم اللهُ على عبده بنعمة أوفى من العافية، وكلُّ مَنْ عُوفِيَ في جسمه فإنَّه في عيشة راضية.

 

معاشرَ المسلمينَ: الجوائح تكون ثم تَهُون، وكم من أوبئة حلَّت ثم اضمحلَّت، وها هي -بفضل الله- البشاراتُ مشوبةٌ بحذر، تتوالى بانكشاف الغمة، التي أَلَمَّت، وكم آلَمَتْ، ولكن لا تخلو المصائبُ والمآسي والأحزان من مِنَن يدركها أهلُ الإيمان، وكم في هذه المحنة (الكورونية) من مِنَح، ودروس وعِبَر تُستمنَح، ومن فواتح تلك المنح:

 

تحقيق التوحيد الخالص لله، (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)[الزُّمَرِ: 3].

 

والمنحة الثانية: تقوية الإيمان المزهر واليقين المبهر، بقضاء الله وقدره فيما ذرأ في خلقه وكونه، ثم كانت المنحة الثالثة، تلك الجوهرة النفيسة، من جواهر الشريعة الخالدة، وهي حرمة النفس البشرية، التي كرَّمَها اللهُ وشرَّفَها، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)[الْإِسْرَاءِ: 70]، ونوَّه بها في عظيم خطابه، فقال سبحانه: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا)[الشَّمْسِ: 7]، فكان المنهج الإسلامي الوضَّاء، في مواجَهة الأمراض والأدواء أنموذجًا فريدًا ومثلًا يُحتَذَى، في الوقاية ابتداءً، ثم العلاج والحَجْر الصحي انتهاءً، كما أبان لنا هذا المنهجُ السامي في خِضَمِّ هذه الجائحة منحةً رابعةً؛ وهي أن الخوض والنظر في النوازل والمستجِدَّات والكوارث والأزمات واستكناه المغبَّات فيها والمآلات معقود بأهل العلم والاختصاص، الراسخين والفقهاء النابهين، وذوي الحجا النابهين، الذين لا يصدُر رأيهم إلا عن التريُّث والتشاور والتباحث والاجتماع، لا عن الزَّهْوِ والأحادية، وحُبّ الشهرة والظهور والاندفاع، فلا مجالَ للمتعالِمِينَ والمتطبِّبينَ، بله الدجاجلة والمشعوذينَ، الذين يتعامَوْن عن آلاف الإصابات والوفيات، فمعًا محتَرِزون، وجميعًا حَذِرُونَ، وكلُّنا مسئولون، وحقًّا منتصرون.

 

أمةَ الإسلامِ: وفيما نستبصر به خامسًا: أن تعي الأمة مكانةَ أوطانها، ومسئولياتها تجاهَ مجتمعاتها، خاصةً في المجالين الأمني والصحي، وما عُمِّرت الأوطانُ بمثل رفرفة راية العقيدة الصحيحة، على جنباتها، وتحكيم الشريعة، والقرآن والسُّنَّة، على أرضها وأهلها، ثم التلاحم الوثيق بين رعيتها ورعاتها، وإعزاز القِيَم والفضائل، وإقصاء المخالَفة والرذائل، والدعاءَ الدعاءَ، (لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ)[الْأَنْعَامِ: 42]، والأوطان مسئولية وأمانة، في أعناقنا جميعًا، فلنحافظ عليها، ولتكن عودتُنا لشئون حياتنا بحذر واحتياط، واعتدال وتعايُش، وتوازُن بين التخوُّف والحيطة، مع التقيُّد التامّ بالإرشادات الصحية، والإجراءات الاحترازية، والتدابير الوقائية، وإنه لا بدَّ من التعاون الدولي، والتنسيق العالميّ، للتصدِّي لهذه الجائحة الخطيرة، أسوةً بما تقوم به هذه البلادُ المباركةُ.

 

أمةَ الإيمانِ: ومن أعظم المنح، التي أظهرتها هذه المحنةُ (الكورونية)، أنَّ الوعيَ التامَّ والتثقيفَ العامَّ أمانةٌ شرعيةٌ، ومسئوليةٌ خلقيةٌ، وضرورةٌ اجتماعيةٌ، وقيمةٌ حضاريةٌ، لا تزيد الأممَ إلا تحضُّرًا وعُلُوًّا، ورقيًّا ونموًّا؛ لذا لَزِمَ أن نعزِّز هذا الوعيَ لدى فلذاتِ الأكبادِ والأجيالِ، في الأُسَر والبيوت، والمعاهِد والجامعات، والمدارس والكليات، وثمةَ ثمرةٌ يانعةٌ، من أعظم الثمرات التي أظهرتها هذه المحنةُ؛ وهي الوحدة الدينية، والأُخُوَّةُ الإسلاميةُ، والبعد الإنساني العالمي؛ حيث تلاشت الأهواءُ الشخصيةُ، والأطماعُ الدنيويةُ، وظهَر التعاونُ والتآزرُ والتضامنُ والتكافلُ، فكان الجميع على قلب رجل واحد، فتلألأت في الآفاق مقاصدُ قول الله -عز وجل-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الْحُجُرَاتِ: 10]، وقوله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا)[الْحُجُرَاتِ: 13]، وكان الواقع العملي تجسيدًا للمعنى القرآني: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[الْمَائِدَةِ: 2]، وهذا دأبُ وديدنُ بلادِ الحرمينِ الشريفينِ -حرسها الله-، مع أبنائها خصوصًا، ومع المسلمين وقضاياهم عمومًا، والإنسانية كافَّةً، وسعيها في تحقيق الأمن والسِّلْم الدوليينِ، وما مركزُ الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية إلا أنموذجٌ مشرقٌ لمواقف هذه البلاد المباركة، لحرص ولاة أمرها، على نصرة قضايا الإسلام والمسلمين في كل مكان، ودَعْم الأعمال الإغاثية والتطوعية والإنسانية، فأعمالُه مذكورةٌ، وجهودُه مشكورةٌ، وعندَ النَّصَفةِ غيرُ منكورة؛ ممَّا يتوجَّب تأييده ومساندته في أداء رسالته الإغاثة والصحية والإنسانية.

 

إن التعاونَ قوةٌ علويةٌ *** تَبْنِي الرجالَ وتُبدِع الأشياءَ

بَذَلَ الجهودَ الصالحاتِ صحابةٌ *** لا يَسألون عن الجهود جزاءَ

 

واللهُ المسئولُ أن يبارك في الجهود، ويسدِّد الخطى، ويجعل الأعمال خالصةً لوجهه الكريم؛ إنه سميع مجيب.

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكْر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل الذنوب والخطيئات، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنَّ ربي غفور ودود.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على ما أوْلَى من الآلاء والنِّعَم، وخصَّنا بأسمى الأحكام والقِيَم، وأشهد ألَّا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، صلى الله وسلم وبارَك عليه، وعلى آله ذوي الفضل والشَّمَم، وصحبه أُولِي النجابةِ والكرمِ، والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ ما نسَخ الضياءُ الظُّلَمَ.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله عباد الله، فإن تقواه -سبحانه- أوثقُ الوثائق، وبها تُكشَف وجوهُ الحقائق، واشكروا اللهَ عبادَ اللهِ، على ما تعيشونه مِنْ شَرَفِ الزمانِ والمكانِ، فأنتُم في شهر من أشهر الحج، ومِنْ أَشْهُرِ اللهِ الحُرُمِ، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ)[التَّوْبَةِ: 36]، فاحذروا ظلمَ النفس بالمعاصي، واذكروا يومَ يُؤخَذ بالنواصي، فلا تنفع الأموالُ والبنونَ والصياصي.

 

إخوةَ الإيمانِ: ومن معاقِد القول الموطَّدة، وحقائقه المؤكَّدة، ما شرَّف اللهُ به بلادَ الحرمين الشريفين، المملكةَ العربية السعودية، من خدمة الحرمين الشريفين، وقاصِدِيهما، وخدمة ضيوف الرحمن والمشاعر المقدّسة، ومن هنا يأتي القرار الصائب الحكيم التأريخيُّ، في إقامة مناسك الحج رمزيةً محدودةَ الأعداد، جمعًا بين الحُسنَيَيْنِ، في أمرينِ مهمينِ؛ هما: إقامة شعيرة الإسلام في الحج، والحفاظ على أمن وصحة وسلامة ضيوف الرحمن؛ عملًا بالأدلة الشرعية، والتزامًا بالمقاصد المرعية، في الحفاظ على النفس الإنسانية، فإن من القواعد الشرعية: جَلْب المصالح ودَرْء المفاسد وإزالة الضرر والحفاظ على النفس البشرية، وعدم تعريضها للوباء والخطر، (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)[الْمَائِدَةِ: 32]، فهذه الدولة المبارَكة تجعل مِنْ صحة الإنسان أُولَى أولوياتها، وأدقَّ اهتماماتها، والحجُّ شعيرةُ الدِّينِ، وشرفُ الدولةِ، وقد لَقِيَ هذا القرارُ الموفَّقُ السديدُ الاستثنائيُّ الترحيبَ والتأييدَ الإسلاميَّ والعالميَّ، ولله الفضلُ والمنةُ، فالواجب على الجميع التجاوب مع هذا القرار الحكيم؛ حفاظًا على صحتهم وسلامتهم، فنعم القرارُ، ونعم متَّخِذُوه، ونِعْم المتجاوِبون معه، والحمد لله في بدء ومختتم، والشكر لله أن أعطى وأن وهب.

 

أدام الله بلاد الحرمين الشريفين روضةً بالأشذاء فوَّاحة، لتبقى -بإذن الله-، على مرِّ الدهورِ وكرِّ العصورِ شامةً في دنيا الواقع، وأنموذجًا يُحتذى، ومثلًا يُقتفى، وحَفِظَ اللهُ سائرَ بلاد المسلمين، والعالمينَ أجمعينَ، من الأمراض والأوبئة، ومن كل سوء ومكروه، إنه خير مسئول، وأكرم مأمول.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على البشير النذير، والسراج المنير، خير من افتتحت بذكره الدعوات، واستنجحت بالصلاة والسلام عليه الطلبات، كما أمركم بذلك رب الأرض والسموات، فقال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

 

أزكى صلاة بتسليم يؤازرها *** على نبيٍّ كريمِ الأصلِ مختارِ

محمدٍ خيرِ مبعوثٍ وعترتِه *** وصحبِه خيرِ أصحابٍ وأنصارِ

 

وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وسار على نهجهم واقتفى، يا خير من تجاوز وعفا.

 

اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، واحم حوزة الدين، وارفع كلمة الحق والدين، يا ربَّ العالمينَ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيد بالحق إمامنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وهيئ له البطانة الصالحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، اللهم وفقه وولي عهده وأعوانهم إلى ما فيه عز الإسلام وصلاح المسلمين، وإلى ما فيه الخير للبلاد والعباد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم، برحمتك نستغيث، فلا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأصلِح لنا شأنَنا كلَّه، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، اللهم احفظ مقدسات المسلمين، اللهم احفظ المسجد الأقصى شامخا عزيزا إلى يوم الدين، يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم عليك بأعدائك أعداء الدين؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم شتت شملهم وفرق جمعهم، واجعلهم عبرة للمعتبرين يا ربَّ العالمينَ، اللهم كن لإخواننا في فلسطين، اللهم أصلح حال إخواننا في العراق، وفي بلاد الشام، وفي اليمن، وفي ليبيا، وفي أراكان، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم وفِّق رجال أمننا، اللهم وفِّق رجال أمننا، اللهم اجزهم خير الجزاء، اللهم وفِّق رجال صحتنا، يا ذا الجلال والإكرام، واجزهم خير الجزاء وأوفاه، على ما قدموا للبلاد والعباد، اللهم وفق العاملين في خدمة الحرمين الشريفين، وخدمة قاصديهما، والحجاج والمعتمرين، يا ربَّ العالمينَ، اللهم كن لإخواننا المرابطين، على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، وعاف جرحاهم، واشف مرضاهم، وردهم سالمين غانمين يا ذا الجلال والإكرام، اللهم ادفع عنا الغلا والوبا والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا وسائرَ بلاد المسلمين يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم إنا نسألك أن تعيذنا من الطعن والطاعون، والبرص والجنون والجذام، ومن سيئ الأسقام، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اكشف عنا (كورونا)، اللهم ارفع عنا (كورونا)، اللهم أنت الشافي، والكافي، والمعافي، اشف مرضانا، ومرضى المسلمين والعالمين، من (كورونا) وغيرها من الأوبئة والأسقام، يا ذا الجلال والإكرام.

 

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180].

 

 

المرفقات

في الوباء منح وعطايا

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته