عناصر الخطبة
1/ الإصلاح سبب للأمان من العذاب 2/ فضل إصلاح ذات البين 3/ من أنواع الإصلاحاقتباس
بعض الناس يتكاسل عن القيام بمهمة الإصلاح ويترك النزاع يفسد ما بين المسلمين وعنده القدرة على تسويته، ولكن الشيطان يخذله ويقول له لا تكلف نفسك أنت في غافية، فيترك ما أوجب الله، والبعض الآخر يوقد الفتنة ويحرش بين المتنازعين ويكون من جند الشيطان وهذا هو الذي يكون مغلاقاً للخير مفتاحاً للشر، يحرض المتنازعين على النزاع ويلقن كل طرف ما يتخذه ضد الآخر فاحذروا هؤلاء وابتعدوا عنهم وانصحوا إخوانكم بالحذر منهم ..
الحمد لله رب العالمين، يؤتي المصلحين أجراً عظيماً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله تعالى وكونوا دعاة خير وإصلاح ولا تعثوا في الأرض مفسدين، فمن الناس من يكون مفتاحاً للشر مغلاقاً للخير، (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) وشتان بين الفريقين (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) وسيجازي كلا بعمله ويوفيه حسابه.
عباد الله: إن سبل الإصلاح كثيرة وكل مسلم يطلب منه أن يساهم بما يستطيعه منها. فالدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعليم العلم النافع من أعظم سبل الإصلاح ووجود من يقوم بذلك في الأمة أمان لها من العذاب قال تعالى: (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) يقول تعالى: هلا وجد في القرون الماضية بقايا من أهل الخير ينهون عما كان يقع بينهم من الشرور والمنكرات والفساد في الأرض (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ) أي قد وجد من هذا الصنف الخير القليل وقد أنجاهم الله عند حلول غضبه، والكثير استمروا على ما هم عليه من المعاصي والمنكرات ولم يلتفتوا إلى إنكار الأخيار الذين نهوهم عن الفساد ففاجأهم العذاب فأهلكهم. ثم أخبر تعالى أنه لم يهلك قرية إلا وهي ظالمة لنفسها ولم يهلك قرية مصلحة قط.
ولهذا أمر الله هذه الأمة أن يكون فيها من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر فقال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وذلك ليسلموا مما أصاب الأمم قبلهم بسبب إهمال هذا الجانب، والذي يتمسك بالكتاب ويؤدي ما أوجب الله عليه يسمى مصلحاً- قال تعالى (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) وذلك لأن الأرض تعمر بالطاعة وتكثر خيراتها ويكون هؤلاء الصالحون قدوة لغيرهم في الخير.
ومن أنواع الإصلاح: الإصلاح بين المعادين المتقاطعين من المسلمين قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى قال: إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هو الحالقة" رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وانب حبان في صحيحه- وقال الترمذي: حديث صحيح- وفي رواية أنه قال: هي الحالقة، لا أقول: تحل الشعر، ولكن تحلق الدين.
وقال الله تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي لا خير في كثير ممّا يُسرّه القوم ويتناجون به في الخفاء إلا: إذا تناجوا في صدقة يعطونها سراً أو أمر بطاعة الله أو إصلاح بين المتخاصمين في الدماء والأموال الأعراض، وكل ما يقع فيه التداعي بين الناس (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي من فعل هذه الخصال الطيبة بعدما أمر بها الناس فجمع بين الأمر بالخير وفعله مخلصاً لله في ذلك فله الأجر العظيم عند الله.
وفي هذا ترغيب في الإصلاح بين الناس حتى أنه تسومح فيه بالكذب إذا كان فيه توصل إلى الصلح، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيراً أو يقول خيراً" متفق عليه. (ومعنى ينمي خيراً) أي ينقل خبراً فيه خير، وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من جملة الصدقات التي يطالب بها الإنسان كل يوم العدل بين الاثنين المتخاصمين حيث قال صلى الله عليه وسلم: "كل سلامى من الناس عليه صدقة وكل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة" الحديث.
ومن أنواع الإصلاح الإصلاح بين الزوجين المختلفين قال الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) وقال تعالى: (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) وذلك لأن الإصلاح بين الزوجين تنبني عليه البيوت وتترابط به الأسر التي هي أسس المجتمعات البشرية، وفساد ما بين الزوجين يترتب عليه فساد البيوت وتفكك الأسر.
ومن أنواع الإصلاح المطلوبة الإصلاح بين الطوائف المقتتلة من المسلمين- قال تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) أمر الله المؤمنين أن يسعوا بالصلح بين المتقاتلين ويقضوا على أسباب الفتنة بالعدل الذي يعطي كل ذي حق حقه حتى يستتب الأمن وتحقن الدماء ويؤخذ على يد المعتدي وينصف المعدي عليه.
ولما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حصل بين بعض طوائف المسلمين من النزاع خرج إليهم بنفسه ومعه بعض أصحابه وتأخر عن الصلاة بالناس بسبب ذلك حتى سوى ما بينهم من نزاع.
عباد الله: بعض الناس يتكاسل عن القيام بمهمة الإصلاح ويترك النزاع يفسد ما بين المسلمين وعنده القدرة على تسويته، ولكن الشيطان يخذله ويقول له لا تكلف نفسك أنت في غافية، فيترك ما أوجب الله، والبعض الآخر يوقد الفتنة ويحرش بين المتنازعين ويكون من جند الشيطان وهذا هو الذي يكون مغلاقاً للخير مفتاحاً للشر، يحرض المتنازعين على النزاع ويلقن كل طرف ما يتخذه ضد الآخر فاحذروا هؤلاء وابتعدوا عنهم وانصحوا إخوانكم بالحذر منهم (أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم