فيما سخره الله لبني آدم وأكرمهم به

محمد بن صالح بن عثيمين

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: الخلق والآفاق

اقتباس

اعرفوا ما كرمكم به على العالمين، وما خولكم به من الفضل في الأولين والآخرين؛ فلقد خلق الله أباكم آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه أسماء كل شيء، وأسجد له ملائكته، وخلق له من نفسه زوجا ليسكن إليها، وينشر الأولاد من بينهما. ثم اذكروا نعمة الله عليكم حيث...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أكرم بني آدم، وفضلهم على العالمين، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه ليكونوا من الشاكرين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الكرم والفضل المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على العالمين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

 

أما بعد

 

أيها الناس: اتقوا ربكم، واشكروا نعمته عليكم: (وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[البقرة:172].

 

واعرفوا ما كرمكم به على العالمين، وما خولكم به من الفضل في الأولين والآخرين.

 

فلقد خلق الله أباكم آدم بيده، ونفخ فيه من روحه، وعلمه أسماء كل شيء، وأسجد له ملائكته، وخلق له من نفسه زوجا ليسكن إليها، وينشر الأولاد من بينهما.

 

ثم اذكروا نعمة الله عليكم حيث خلقكم: (فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِن بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ)[الزمر:6].

 

لا يعلمكم إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يوصل إليكم طعاما ولا شرابا، ولا نفعا ولا ضرا.

 

جعل غذاءكم في بطون أمهاتكم من الدم الذي يتصل بالبدن، من طريق السرة، وينتشر في العروق، ثم هيأ لكم بعد الخروج من بطون أمهاتكم ثديين تنهلون منها لبنا خالصا سائغا، مناسبا في حرارته ومذاقه، لطيفا في نفوذه في العروق وغذائه.

 

وتذكروا نعمة الله عليكم حيث: (أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا)[النحل:78] رحمة بكم، وإحسانا إليكم، فإنكم لو كنتم في تلك الحال تعلمون لما تحملت أجسامكم الصغيرة، ألم الحياة ونكباتها، وفتنها.

 

ثم أعطاكم الله الفهم شيئا فشيئا، كلما ازددتم في العمر ازددتم في الفهم، حتى يتم ذلك.

 

ثم اذكروا نعمة الله عليكم حيث خلق لكم ما في الأرض جميعا، وأباح لكم من الطيبات ما تنالون به وطركم، وأمركم بتناوله والتمتع به، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً)[البقرة:168].

 

وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[البقرة: 172].

 

ونوع لكم هذه الأرزاق في أشكالها وأحجامها، ومذاقها ومنافعها، لتكمل لكم اللذة في التفكه بها.

 

ثم اذكروا نعمة الله عليكم فيما يسر لكم من الركوب: (وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ)[الزخرف: 12].

 

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[النحل:8].

 

واذكروا نعمة الله عليكم، حيث سخر لكم: (مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ)[الجاثية:13].

 

أرسل الرياح مبشرات: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إبراهيم: 32 – 34].

 

ولقد بلغ من عناية الله بكم: أن سخر لكم ملائكته: (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[غافر: 7 - 9].

 

ووكل بني آدم: (كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)[الانفطار: 11- 12].

 

لكل واحد ملكان: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 17-18].

 

إن عمل حسنة كتبوها عشرا، وإن عمل سيئة كتبوها واحدة، وإن هم بحسنة كتبوها حسنة.

 

وسخر الله: الملائكة الكرام لمصالح بني آدم، فجبريل ينزل بالوحي الذي فيه حياة القلوب، وسعادة الأمم، وميكائيل موكل بالقطر والنبات الذي هو حياة الأرض، ومادة غذاء الأبدان، وإسرافيل موكل بالصور ينفخ فيه، فيقوم الناس أحياء: (مِّنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ)[يــس:51].

 

 

ومن الملائكة من وكلهم الله بحفظ بني آدم، وهم المذكورون في قوله تعالى: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ)[الرعد: 11].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار"[البخاري (3051) مسلم (632) (485) أحمد (2/486) مالك (413)].

 

 

وقال: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأول فالأول، فإذا جلس الإمام طووا الصحف، وجاؤا يستمعون الذكر"[البخاري (3039) مسلم (850) الترمذي  (499) النسائي (1388) أبو داود (351) أحمد (2/460) مالك (227) الدارمي (1543)].

 

وكل هذا من عناية الله ببني آدم.

 

ومن عنايته بكم: أنه إذا مات العبد قبضت الملائكة روحه بأمانة تامة، وهم لا يفرطون.

 

ثم إذا كان يوم القيامة تلقت الملائكة المؤمنين بالبشارة: (هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[الأنبياء:103].

 

فإذا أدخلوا الجنة، دخلت عليهم الملائكة: (مِّن كُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد: 23- 24].

 

فيا عباد الله: اشكروا نعمة الله عليكم، وما سخر لكم في السماوات والأرض، وقوموا بعبادته حبا وتعظيما، واستعانة، فله الفضل والإحسان أولا وآخرا، والحمد لله رب العالمين.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخ...

 

المرفقات

فيما سخره الله لبني آدم وأكرمهم به

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات