فهل ترى لهم من باقية؟

أحمد شريف النعسان

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/ راحة البلاد والعباد بموت الظالمين وهلاكهم 2/ إهلاك الله للظالمين وتدميره لهم 3/ تسلية المظلومين بهلاك الظالمين 4/ ثقة المؤمن بهلاك الظالمين

اقتباس

هؤلاءِ الطُّغَاةُ المُجْرِمُونَ تَنَامُ أَعْيُنُهُم، وَلَكِنْ أَعْيُنُ المَظْلُومِينَ المَقْهُورِينَ الـمُشَرَّدِينَ، وَأَعْيُنُ اليَتَامَى والأَرَامِلِ سَاهِرَةٌ في جَوْفِ اللَّيْلِ وفي وَقْتِ الأَسْحَارِ تَدْعُو عَلَيْهِمُ الوَاحِدَ القَهَّارَ، وَدَعَوَاتُهُم تَصْعَدُ إلى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ من النَّارِ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ -تعالى- حِجَابٌ، وَإِذَا بِهِم...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيا عباد الله: الظَّلَمَةُ والطُّغَاةُ يَلْعَنُهُم مَنْ في السَّمَوَاتِ ومَنْ في الأَرْضِ، بَلْ تَلْعَنُهُم جَمِيعُ الكَائِنَاتِ والمَخْلُوقَاتِ، حَتَّى الحِيتَانُ في البِحَارِ، والطُّيُورُ في الأَوْكَارِ، وَبِمَوْتِهِم يَسْتَرِيحُ مِنْهُمُ العِبَادُ والبِلادُ، روى الشيخان عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا الْـمُسْتَرِيحُ وَالْـمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: "الْعَبْدُ الْـمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ".

 

هؤلاءِ الطُّغَاةُ المُجْرِمُونَ تَنَامُ أَعْيُنُهُم، وَلَكِنْ أَعْيُنُ المَظْلُومِينَ المَقْهُورِينَ الـمُشَرَّدِينَ، وَأَعْيُنُ اليَتَامَى والأَرَامِلِ سَاهِرَةٌ في جَوْفِ اللَّيْلِ وفي وَقْتِ الأَسْحَارِ تَدْعُو عَلَيْهِمُ الوَاحِدَ القَهَّارَ، وَدَعَوَاتُهُم تَصْعَدُ إلى السَّمَاءِ كَأَنَّهَا شَرَارَةٌ من النَّارِ، لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ -تعالى- حِجَابٌ، وَإِذَا بِهِم يَسْمَعُونَ الخِطَابَ من العَزِيزِ الجَبَّارِ عَن طَرِيقِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-، يَسْمَعُونَ خِطَابَ الفَرَجِ الذي يُخَالِطُ شِغَافَ قُلُوبِ المُؤْمِنِينَ المُوقِنِينَ: "وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ" [رواه الإمام أحمد والترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: خَاطِبُوا كُلَّ ظَالِمٍ بِقَوْلِ القَائِلِ:

 

لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْت مُقْتَدِرَاً *** فَـالظُّلْمُ آخِرُهُ يَأْتِيك بِالنَّدَمِ

تَـنَـامُ عَـيْـنَاكَ وَالْـمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ *** يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمْ

لا شَكَّ دَعْوَةُ المَظْلُومِ يَحِلُّ بِهَا *** دَارُ الهَوَانِ وَدَارُ الذُّلِّ والنِّقَمِ

 

يَا عِبَادَ اللهِ: خَاطِبُوا كُلَّ ظَالِمٍ، وَقُولُوا لَهُ: هَلْ عَمِيَ بَصَرُكَ، وَطُمِسَتْ بَصِيرَتُكَ، فَلَمْ تَرَ مَا فَعَلَ اللهُ -تعالى- بالظَّالِمِينَ؟

 

اذْكُرْ يَا أَيُّهَا الظَّالِمُ، قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 6 - 14 ].

 

اذْكُرْ أَيُّهَا الظَّالِمُ، يَا مَنْ فَرَّقْتَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ، يَا مَنْ مَزَّقْتَ قُلُوبَ العِبَادِ بِسَبَبِ ظُلْمِكَ وَقَهْرِكَ، يَا مَنْ ضَيَّقْتَ على العِبَادِ: اذْكُرْ قَوْلَ اللهِ -تعالى-: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت: 15]، غُرُورٌ وَجَهْلٌ وَحَمَاقَةٌ وَوَقَاحَةٌ.

 

اذْكُرْ أَيُّهَا الظَّالِمُ، رَدَّ اللهِ -تعالى- عَلَيْهِم: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت: 15].

 

اذْكُرْ أَيُّهَا الظَّالِمُ، نَتِيجَةَ هؤلاءِ الذينَ قَالُوا مَا قَالُوا: (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ) [فصلت: 16] نَتِيجَةُ هؤلاءِ كَانَتْ كَمَا قَالَ تعالى: (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومَاً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ) [الحاقة: 6 - 8].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: وَخَاطِبُوا كُلَّ مَظْلُومٍ مَقْهُورٍ مُضَيَّقٍ عَلَيْهِ: هَلْ سَمِعْتَ هذا السُّؤَالَ من اللهِ -تعالى- عَن الظَّالِمِينَ: (فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ

 

أَيُّهَا المَظْلُومُ المَقْهُورُ: إِيَّاكَ أَنْ تَهْتَزَّ ثِقَتُكَ باللهِ -تعالى-، إِيَّاكَ أَنْ يَضْعُفَ إِيمَانُكَ بِرَبِّكِ القَائِلِ: (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الفجر: 13- 14].

 

يا عباد الله: أَلَيْسَ الأَمْرُ للهِ -تعالى- من قَبْلُ ومن بَعْدُ؟ أَلَيْسَ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ، وَكَفَى باللهِ حَسِيبَاً؟ أَلَيْسَ اللهُ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟ أَلَيْسَ اللهُ عَالِمٌ بِمَكْرِ المَاكِرِينَ، وَبِإِجْرَامِ المُجْرِمِينَ؟ أَلَيْسَ اللهُ غَالِبٌ على أَمْرِهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ؟ فَلْنَثِقْ باللهِ -تعالى- القَائِلِ: (لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) [إبراهيم: 13].

 

اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ للظَّالِمِينَ في أَبْدَانِنَا وَسْمَاً، ولا تَجْعَلْ لَهُمْ في أَمْوَالِنَا قِسْمَاً، ولا تَجْعَلْ لَنَا في دَوَاوِينِهِمُ اسْمَاً، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، آمين.

 

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

المرفقات

ترى لهم من باقية؟

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات