عناصر الخطبة
1/وجوب إفراد الله بالعبادة 2/ بعض مظاهر الشرك القولية 3/ ثمرات التوحيد 4/ مفاسد الشركاقتباس
إنَّ نعمة التوحيد يخرج بها قلب العبد من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإِيمان بالله وتوحيده، يخرج من النية والحيرة والضلال والشرود، إلى المعرفة واليقين والطمأنينة والرضا والهداية، يخرج من الدينونة المذلة لأرباب متفرقين، إلى ... ابتدأ الله -عز وجل- هذه الآية الكريمة، بأعلى المقامات، التي أجلها عبادة الله وحده، وامتن على عباده بإيجادهم، وما أوجده لأجلهم، فلا...
الخطبة الأولى
الحمد لله الواحد، الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، أحمده - سبحانه - على هدايته وتوفيقه، وعلى نعمه وألآئه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ند له ولا مثيل ولا شريك، وأشهد أنَّ نبينا محمد اختاره واصطفاه لتبليغ رسالته إلى الناس كافة؛ صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله -عباد الله- وأخلصوا له في عبادته تسعدوا في الدارين، واستعدوا لما أماكم من الجزاء والحساب، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ) [البقرة: 281].
عباد الله: الله -سبحانه- هو المتفرد بالخلق والرزق والتدبير، لا شريك له ولا مثيل، فالواجب علينا أن نعبده وحده، وأن لا نشرك به أحدًا في الأقوال، أو الأفعال، أو الاعتقادات.
وقد نهى الله -سبحانه- عباده عن أن يجعلوا له أمثالاً وشركاء يصرفون لهم شيئًا من العبادة، وهم يعلمون أن الله وحده هو الذي يرزقهم وأن هذه الأنداد لا تملك لهم ضرًا ولا نفعًا.
فاتخاذ الند مع الله شرك أكبر ينافي التوحيد، ومن مات عليه فهو خالد في النار.
قال تعالى: (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 22].
قال ابن عباس في الآية: الأنداد هو الشرك، أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل.
وقد فسر ابن عباس - رضي الله عنهما - هذه الآية: (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) التي نزلت في الشرك الأكبر لأنواع من الشرك الأصغر؛ لأن لفظ الآية يشمل الشرك بنوعيه، وهذه الأنواع تدور على ألسنة كثير من الناس، ويقعون فيها لخفائها، ومن ذلك.
أولاً: قول: "والله وحياتك يا فلان"؛ وقول "حياتي": فهذا شرك أصغر؛ لأنه حلف بحياة مخلوق.
ثانيًا: قول: "لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص"، "ولولا البطُّ في الدار لأتى اللصوص" فهذا شرك أصغر؛ لما فيه من الاِستناد إلى الأسباب ونسيان المُسبب وهو الله - تعالى - فلو شاء -سبحانه- لأخرس الكُليبة واسكت البط، فالواجب نسبة ذلك إلى الله؛ فهو الذي يحفظ عباده بالليل والنهار.
ثالثًا: قول الرجل لصاحبه: "ما شاء الله وشئت"، "لولا الله وفلان": شرك أصغر؛ لما فيه من المساواة بين الخالق والمخلوق.
هذه بعض الأمثلة من اتخاذ الأنداد من دون الله، والواجب على المسلم التأدب مع الله في الألفاظ فهو - سبحانه - لا مثيل له ولا نظير.
أيها المسلمون: قال -عز وجل- في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 21 - 22].
ابتدأ الله -عز وجل- هذه الآية الكريمة، بأعلى المقامات، التي أجلها عبادة الله وحده، وامتن على عباده بإيجادهم، وما أوجده لأجلهم، فلا يجعلوا له أندادًا، أي شركاء ونظراء، يصرفون لهم شيئًا مما يستحقه -سبحانه وتعالى-، فيقعوا في الشرك الأصغر أو الأكبر؛ فإن من تحقيق التوحيد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ، وإن لم يقصد المتكلم بها معنى لا يجوز، بل تجري على لسانه من غير قصد.
وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاء بِنَاء وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ) [البقرة: 21 - 22] أي: ومن كان هذا وصفه فهو المستحق أن يُعبد وحده، "فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً" أشباهًا ونظراء، تصرفون أنواع العبادة أو شيئًا منها لهم، كحال عبدة الأوثان، الذين كانوا يعبدونها من دون الله: "وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ" أنه ربكم، لا يرزقكم غيره.
أيها المسلمون: روى الترمذي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك".
لله -سبحانه- التعظيم المطلق، فمن تعظيمه ألا يُحلف إلا بأسمائه وصفاته، ومن حلف بغير الله، كالنبي، أو الولي، أو الكعبة، أو النعمة، أو الشرف؛ فقد وقع في الشرك الأصغر، أملا إذا أقام بقلبه تعظيم هذا المحلوف به مثل تعظيم الله، فهو شرك أكبر.
وفي قول ابن مسعود - رضي الله عنه-: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحبُّ إليَّ من أحلف بغيره صادقًا".
بيان أن ابن مسعود - رضي الله عنه - لا يحب كلا الأمرين، ولكن الحلف بالله كاذبًا أهون عليه من الحلف بغيره صادقًا لأن:
الحلف بالله في هذه الحالة؛ فيه حسنة وهي: التوحيد، وفيه سيئة وهي: الكذب.
أما إذا قرن هذا الكذب باليمين، واليمين تعظيم لله - عز وجل-، فإذا كان على كذب صار فيه شيء من تنقص الله - عز وجل - حيث جعل اسمه مؤكدًا لأمر كذب، ولذلك كان الحلف بالله كاذبًا عند بعض أهل العلم من اليمين الغموس؛ التي تغمس صاحبها في الإِثم؛ ثم في النار.
والحلف بغير الله في هذا الحالة فيه حسنة وهي الصدق، وفيه سيئة وهي الشرك.
وحسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق، مع شدة قبح سيئة الكذب ِإلا أنها أهون من سيئة الشرك.
عباد الله: منع الرسول صلى الله عليه وسلم جميع العبارات الشركية، ومنها ما جاء في الحديث، وذكر البديل الصحيح عنها: "لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، لكن قولوا ما شاء الله ثم ما شاء فلان" [رواه أبو داود]، وتفصيل ذلك على النحو التالي:
فقول: "ما شاء فلان"، و "أعوذ بالله وبك"، "ولولا الله وفلان" شرك أصغر؛ لأن "الواو" تفيد المساواة بين الخالق والمخلوق، والله - سبحانه - لا ند له ولا مثيل.
والجائز أن يقال: "ما شاء الله ثم ما شاء فلان"؛ لأن "ثم" تفيد الترتيب والتراخي، فللعبد مشيئة بعد مشيئة الله: (وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ)[الإنسان: 30].
ويقال: "أعوذ بالله ثم بك" يا فلان من شر هذا الظالم أن ينالني بظلمه؛ لأن "ثم" تفيد الترتيب والتراخي - والاستعاذة هنا - تختص بالحي الحاضر فيما أقدره الله عليه، أما الاستعاذة بالميْت العاجز الذي لا يملك نفعًا ولا ضرًا فشرك أكبر.
وأن يقال: "ولولا الله ثم فلان"؛ لأنّ "ثم" تفيد الترتيب والتراخي، فالأمر إنما يحصل بقضاء الله وقدره وبفضله ونعمته، فهو - سبحانه - المُسدي للنعم.
والأولى في كمال التوحيد أن يقال: "ما شاء الله وحده"، "ولولا الله وحده"، و "أعوذ بالله".
إن الواجب على العبد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ وإن جرت على لسانه بغير قصد، تعظيمًا وإجلالاً لله رب العالمين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: "اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ" [البقرة: 255].
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أشهد أن لا إله إلا الله، إله الأولين والآخرين، وأشهد أنَّ نبينا محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
إنَّ نعمة التوحيد يخرج بها قلب العبد من ظلمات الشرك وجهالاته إلى نور الإِيمان بالله وتوحيده، يخرج من النية والحيرة والضلال والشرود، إلى المعرفة واليقين والطمأنينة والرضا والهداية، يخرج من الدينونة المذلة لأرباب متفرقين، إلى الدينونة الموحدة لرب الأرباب: (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)[القصص: 88].
عباد الله: محبة الله - عز وجل - هي أعظم أنواع العبادة، قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ) [البقرة: 165] لأن الرب - سبحانه وتعالى - هو المتفضل على عباده بجميع النعم ظاهرها وباطنها، وهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له؛ فاحذروا من صرف شيء من هذه المحبة لغير الله، فهي محبة واجبة ومقدمة على كل شيء.
ويجب الحذر من الوقوع في الشرك؛ لأنه أعظم الذنوب، فكل ما عدا الشرك داخل تحت المشيئة، أما الشرك فهو أقبح الذنوب وأظلم الظلم، لذا ينبغي على المسلم أن يخافه ويحذره ويتقيه ويدرؤه عن نفسه بكل وسيلة؛
مخافة أن يقع فيه وهو لا يعلم، فلابد من معرفة أسبابه وأنواعه وخطورته، فرضي الله عن حذيفة بن اليمان حين قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني [أخرجه البخاري].
ورضي الله عن الفاروق حين قال: "إنما تنقض عرى الإِسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإِسلام من لم يعرف الجاهلية".
نسألك اللهم حياة على التوحيد، وموتًا على شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
هذا، وصلوا...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم