عناصر الخطبة
1/ تكبيرة الإحرام والبراءة من النار والنفاق 2/ السلف وشدة حرصهم على إدراك تكبيرة الإحرام 3/ متى تدرك تكبيرة الإحرام؟ 4/ دعوة للحصول على هذه الشهادة الربانيةاقتباس
إنك ترى كثيرا من الناس يحرصون على جمع شهادات التزكية وشهادات الخبرة للترقية في السلم الوظيفي، أو ليعلقوها في مجالسهم؛ ألا يحسن بنا الحرص على نيل شهادات ربانية تقينا من النار وتحصننا من النفاق؟! وذلك بالحرص على تكبيرة الإحرام، إنك ترى المرءَ عمره خمسين سنة أو ستين سنة لم يجمع لنفسه...
الخطبة الأولى:
لقد كانت أحكام الشريعة تتنزل على نبينا -صلى الله عليه وسلم- من فوق سبع سموات، وكان أمين الملائكة في السماء جبريل -عليه السلام- هو المكلف بنقل هذه التكاليف إلى أمين الأرض نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعندما أراد الله -عز وجل- أن يفرض الصلاة على الأمة ويبين أهميتها؛ عرج بنبيه إلى السماء وفرضها عليه هناك بلا واسطة، مما أكسب الصلاة أهمية جعلتها عمود هذا الدين، والفاصل بين المسلم وغير المسلم، وأن من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورا ولا برهانا ولا نجاة ولن يُقبل له أي عمل.
لقد أكثر المصطفى -صلى الله عليه وسلم- الحديث عن الصلاة وفضل أدائها وعظيم ثوابها وعقاب المتخلف عنها، وأخبر -صلى الله عليه وسلم- بأنها خير موضوع، واليوم أقف معكم أمام حديث واحد من أحاديث فضل الصلاة، نعرض فيه أعمالنا وسلوكنا وتصرفاتنا تجاه هذه الفريضة العظيمة، ونحاسب أنفسنا من خلال هذا الحديث؛ لعلنا نستيقظ من غفلتنا تجاه أعظم ركن من أركان الإسلام بعد الشهادتين؛ التي أصبحت روتينا باردا عند البعض وغير ذي بال عند آخرين.
هذا الحديث الذي سنذكره يشيد بفضل تكبير الإحرام التي لا يدرك فضلها كثير من الناس، ويعطي من حقَّق شروطه بنجاح: شهادة تزكية فيها براءة من النار وبراءة من النفاق!
فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق" ( رواه الترمذي وحسنه الألباني).
فهذا الحديث فيه فوائد عديدة وفضائل جمة، دعونا نستوضح عباراته ونقف مع كل كلمة من كلماته.
فهو دورة تدريبية على المحافظة على أداء الصلاة بشروط معينة؛ لنحظى على أعظم شهادة من الله -عز وجل-: هي البراءة من النار والبراءة من النفاق.
أما الشرط الأول في هذا الحديث قوله -صلى الله عليه وسلم- "من صلى لله" فيه الأمر بإخلاص العمل لله -عز وجل-، وكونه -صلى الله عليه وسلم- ذكر هذه العبارة لدليل على أن هناك أفراد من المسلمين لا يصلون لله -عز وجل- وإنما يصلون رياء وسمعة أو خوف مذمة أو لتحقيق مصلحة، وهناك عدة أحاديث تكشف خطر الرياء في الصلاة وأنه الشرك الخفي الذي كان يخشاه علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ الشرك الخفي: أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل" (رواه البيهقي).
فكلما كان العمل خالصا لله -عز وجل- كان ثوابه أعظم، وكان سببا لنجاة صاحبه في الدنيا والآخرة، وما قصة الثلاثة الذين دخلوا الغار في يومٍ مطير فأطبقت عليهم الصخرة منا ببعيد، فقد دعوا الله بخالص أعمالهم، وكان كلُ واحد منهم يقول في ختام دعائه: اللهم إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك؛ ففرج عنا ما نحن فيه، ففرج الله عنهم وخرجوا من الغار سالمين.
الشرط الثاني في هذا الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم- "من صلى لله أربعين يوما"، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- هنا يشترط أداء هذه الصلاة بهذه الشروط أربعين يوما متواصلة وهي تعادل مئتي فرض من فراض الصلاة.
والشرط الثالث في هذا الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "في جماعة" فهو يشترط أداء الصلاة أربعين يوما متواصلة في جماعة؛ لكي ندرك الثواب المنشود، ومن فعل ذلك أدرك ثوابا آخر هو ثواب سبع وعشرين درجة وثواب المشي إلى الصلاة وغير ذلك من أجور عديدة.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات الخمس حيث ينادى بهن، فإن الله تعالى شرع لنبيكم -صلى الله عليه وسلم- سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم... الخ.
والشرط الرابع في هذا الحديث: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يدرك التكبيرة الأولى" ففيه فضل إدراك هذا التكبيرة وهي تكبيرة الإحرام، ولا يتأتى للمرء أن يدرك هذه التكبيرة إلا إذا أتى مبكرا إلى الصلاة.
أيها الأخوة في الله: ومن حقق هذه الشروط الأربعة كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق، قال الطيبي -رحمه الله تعالى-: أي يؤمنه الله في الدنيا أن يعمل عمل المنافق، ويوفقه لعمل أهل الإخلاص، وفي الآخرة يؤمنه مما يعذب به المنافق، ويشهد له أنه غير منافق اهـ.
فهذا هو منطوق الحديث وأما مفهومه هو أن الذي لا يحافظ على أول الصلاة في جماعة ولا يدرك تكبيرة الإحرام لا يحصل على تلك البراءات.
لماذا من حقق هذه الشروط كتب له براءة من النفاق؟ لأن المنافقين لا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا.
أيها المؤمنون: لقد كان السلف الصالح -رحمهم الله تعالى- إذا فاتتهم التكبيرة الأولى عزوا أنفسهم؛ لأنهم خسروا هاتين الشهادتين العظيمتين من الله -عز وجل-؛ براءة من النار وبراءة من النفاق، ولزمهم استئناف الدورة من جديد، ولهذا قال أحد السلف: "إذا رأيت الرجل يتهاون في التكبيرة الأولى فاغسل يدك منه"، وقد جاء عن التابعي الجليل سعيد بن المسيب -رحمه الله تعالى- أنه ما فاتته تكبيرة الإحرام أربعين عاما؛ فما كان يصلي في المسجد النبوي إلا في الصف الأول، وقال وكيع -رحمه الله تعالى-: "كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى واختلفنا إليه قريبا من سبعين فما رأيته يقضي ركعة".
هذا هو حال سلف هذه الأمة ومن سار على نهجهم، أما حال بعض الخلف فحدث ولا حرج؛ لأنك ترى العجب العجاب منهم، تقام الصلاة في كثير من المساجد وليس في المسجد سوى بضعة عشر مصليا، ثم سرعان ما يتوافدون سراعا من كل حدب وصوب بعد الإقامة مفوتين عليهم ليس تكبيرة الإحرام فحسب بل الركعة والركعتين.
متى تدرك تكبيرة الإحرام؟
قال وكيع: "من أدرك آمين مع إمامه فقد أدرك معه فضيلة تكبيرة الإحرام"، وأنكر الإمام أحمد ذلك وقال: "لا تُدركُ فضيلة الإحرام إلا بإدراكها مع الإمام" ا.ه. (فتح الباري لابن رجب وليس ابن حجر (7/93). لذلك يلزم التبكير إلى المسجد كي ندرك تكبيرة الإحرام.
إن هذا الحديث ظاهره السهولة ولكن من أراد تطبيقه سيجد بعض الصعاب؛ لأنه يتوجب عليه ترك جميع الأشغال فور سماع الأذان وقبل الإقامة لإدراك تكبيرة الإحرام، ومن فاتته تكبيرة الإحرام في أي فرض يلزمه استئناف الدورة من جديد؛ ليصلي أربعين يوما متواصلة في جماعة يدرك التكبيرة الأولى؛ لكي يحصل على هذه الشهادات الربانية.
أسأل الله -عز وجل- أن يعيننا على مقاومة هوى أنفسنا ويقظنا من غفلتنا ويعننا على فعل الخير ويجعلنا من أهله إنه ولي ذلك والقادر عليه، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين، وجعلها كتابا موقوتا على المؤمنين، وألزم بها المسلمين وحثهم عليها في محكم التنزيل فقال تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) [البقرة:238]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا وقدوتنا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، واعلموا أن للصلاة عند الله شأن عظيم وثوابها عنده ثواب جزيل؛ فهذا حديث واحد من مئات الأحاديث في فضل هذه الصلاة يدربنا على إحصاء الأعمال الحسنة والسيئة ويدربنا على محاسبة النفس، فبإمكان كل جاد يريد دخول هذه الدورة الإيمانية أن يجعل له جدولا يوميا يضع فيه علامة على كل فريضة فاتته فيها تكبيرة الإحرام ليستأنف أربعين يوما أخرى لعله يدرك فيها التكبيرة الأولى. وبهذه المحاسبة يتولد لدى المسلم الحرص على التبكير إلى الصلاة والندم على فوات الأجر، ومن فعل ذلك أدرك ثواب الجماعة في كل الأحوال.
لقد كان السلف الصالح يحاسبون أنفسهم محاسبة شديدة؛ فهذا ابن وهب -رحمه الله تعالى- قال: "جعلت على نفسي كلما اغتبت إنسانا صيام يوم، فهان علي -أي هان عليه الصيام؛ لأنه متعود عليه- فجعلت عليها كلما اغتبت إنسانا صدقة درهم فثقل علي وتركت الغيبة".
أسأل نفسك كم شهادة براءة من النار وبراءة من النفاق حصلت عليها حتى الآن؟
إنك ترى كثيرا من الناس يحرصون على جمع شهادات التزكية وشهادات الخبرة للترقية في السلم الوظيفي، أو ليعلقوها في مجالسهم؛ ألا يحسن بنا الحرص على نيل شهادات ربانية تقينا من النار وتحصننا من النفاق؟! وذلك بالحرص على تكبيرة الإحرام، إنك ترى المرءَ عمره خمسين سنة أو ستين سنة لم يجمع لنفسه حتى الآن شهادة ربانية واحدة من تلك الشهادات؛ فهي بمثابة بطاقة تأمين ضد النار وضد النفاق؛ فلو مت وعندك تلك البطاقة وتلك الشهادة نجوت من كرب يوم القيامة.
قد يراك شخص حريص على التبكير إلى المسجد فيقول لك لماذا أنت مستعجل؟! فلن تطير عنك الصلاة، ولماذا هذا التبكير إلى الصلاة فلم تُقَمْ الصلاة؟!؛ ونحو ذلك من كلمات تنم عن جهل قائلها بثواب الصلاة، ولو كان يعلم سر حرصك لما قال ذلك، فكثير من الناس لا يزالون يجهلون ثواب الصلاة: لا يقرؤون عنها، ولا يكلفون أنفسهم بسؤال غيرهم عنها، لا يحزنون ولا يندمون على ما فاتهم من الأجور، ظاهر حالهم أنهم يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين. اللهم انصر المجاهدين من المسلمين في كل مكان ….اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا أنت. اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم إنا نسألك الجنة ما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل. اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح أحوال المسلمين، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمرنا، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولأرحامنا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم