عناصر الخطبة
1/ التسخط من إنجاب البنات من الجاهلية 2/ ما أشبه الليلة بالبارحة 3/ الإسلام يعلي من شأن البنات 4/ فضل تربية البنات وأثره في الدنيا 5/ من صور الإحسان إلى البنات 6/ تصدير الغرب ضلاله المتعلق بالمرأةاقتباس
من صفات الجاهلية المقيتة التي قصّها علينا ربنا -عز وجل- في كتابه تسخط البنات وكراهتهن، وربما آل الأمر عند بعض هؤلاء الجاهلين إلى وأد البنت عند الولادة: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ). فمن شدة الحزن والكآبة حينما يعلم أنه رزق ببنت يسودّ وجهه ويمتلئ حزناً وغيظاً على امرأته التي ولدت له الأنثى، فيختفي من أصحابه من أجل سوء ما بشر به ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
من صفات الجاهلية المقيتة التي قصّها علينا ربنا -عز وجل- في كتابه تسخط البنات وكراهتهن، وربما آل الأمر عند بعض هؤلاء الجاهلين إلى وأد البنت عند الولادة: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [النحل: 58 - 59].
فمن شدة الحزن والكآبة حينما يعلم أنه رزق ببنت يسودّ وجهه ويمتلئ حزناً وغيظاً على امرأته التي ولدت له الأنثى، فيختفي من أصحابه من أجل سوء ما بشر به لئلا يروا ما هو فيه من الحزن والكآبة ولئلا يشمتوا به، ويحدث نفسه ويفكّر ويقدر هل يبقي هذه الأنثى على هوان وذل فليس لها من الرأي والميراث ما للذكور، وهي كسائر المتاع تورث، أم يئدها فيدفنها حية في التراب.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فبعض مظاهر هذه الجاهلية لا زالت تشاهد وتسمع، فلو رأينا وجوه بعض من يبشر بالأنثى لا سيما من له أكثر من بنت أو ليس له أبناء لوجدنا العبوس حينما يسمعون الخبر من شدة الحزن والكآبة يسودّ لون الوجه، فأين أثر الإيمان بقضاء الله وقدره وأن ما قضاه له خير!! قال صالح بن الإمام أحمد: "كان أبي إذا ولد له ابنة يقول: الأنبياء كانوا آباء بنات". اهـ. ولا يختار الله لخيرة خلقه إلا الأفضل.
فأتى الإسلام فبدّد بنوره ظلام الجاهلية، ورفع الظلم عن المرأة فجعلها بالمنزلة الرفيعة، فحسْبُها رفعةً وعلوَ مكانةٍ أن الجنة عند رجلي الأم.
قال ربنا عن النساء: (فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) [النساء: 19].
ومن ذلك الخير أن البنات حصن حصين يتحصن المؤمن به من النار إذا أحسن إليهن وفق ما أمره به ربه -عز وجل-، فعن عائشة قالت: جاءتني امرأة معها ابنتان تسألني، فلم تجد عندي غير تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها، ثم قامت فخرجت فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فحدّثته فقال: "من ابتُلي من هذه البنات شيئًا فأحسن إليهن كنّ له سترًا من النار". رواه البخاري (5995) ومسلم (2629).
والثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمرّ إلى أن يحصل استغناؤهن عنه بزوج أو غيره. والله أعلم.
ومن ذلك الخير أن المسلم يحصل له بسببهنّ المرتبة العالية الرفيعة التي لا يدركها بعمله؛ فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين". وضم أصابعه. رواه مسلم (2631). أي إلى أن تستقلا بأنفسهما عن أبيهما بزوج أو غيره.
هذا بعض الخير الذي يحصل للمسلم بسبب البنات في الآخرة، أما في الدنيا فالمشاهد أن أكثر البنات أرحم وأشفق من الأبناء على الأبوين في حال ضيق ذات اليد أو تقدم السن، فكم من أب وأم لهما من الأبناء ما لهما انتهى بهما المطاف حينما ردا إلى أرذل العمر إلى البنات، فالمرأة عندها من العاطفة والعناية بمن هو بحاجة إليها ما ليس عند الرجل.
فالبنات نعمة من نعم الله علينا، متى ما قمنا بما افترضه الله علينا من الإحسان إليهن، وليس الإحسان مجرد الإحسان بالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والمركب، فهذا من أيسر الإحسان لمن له جدة.
بل الإحسان عام في تربيتهن التربية الحسنة والقيام عليهن منذ الصغر تحبيبًا لهن بالخير وتنفيرًا لهن من الشر.
الإحسان إليهن بتنشئتهن على الحشمة في اللباس.
الإحسان إليهن بإبعادهن عن مخالطة الذكور الأقارب، فهم الموت والأباعد.
الإحسان إليهن بالكلمة الطيبة والإطراء على الحسن من القول والفعل والخَلق والخُلق، فالمرأة بطبعها تحب الإطراء.
إخواني: ليس من الإحسان بالبنت تزويجها بمن لا يصلي، كيف يزوج تارك الصلاة مسلمة وقد حكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بكفر تارك الصلاة!! فلا بد من التثبت قبل النكاح وعدمِ الاكتفاء بصلاح الأبوين والأسرة.
ليس من الإحسان بالبنت عضلها ومنعها من نكاح الكفء إذا تقدم لها، وليس المقصود بالولاية على النساء التسلط عليهن وقهرهن، بل المراد النظر الحسن لهن، فللرجل مِنْ بُعد النظر ما ليس للمرأة، فإذا أساء الأب التصرف في هذه الولاية فلا ينفذ تصرفه السيئ على بناته، فعن خنساء بنت خِذَام -رضي الله عنها- الأنصارية أنَّ أباها -رضي الله عنه- زوّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحه. رواه البخاري (5139).
ليست الولاية حكرًا على الأب لا تفارقه إلا بالموت، فإذا أساء الأب في ولايته لابنته سقطت ولايته وولي غيره من العصبات ولو كان أبعد منه أو القاضي، فعن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له". رواه الإمام أحمد (24798) وغيره، ورواته ثقات.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين.
وبعد:
ليس من الإحسان للمرأة السماح لها بلبس الملابس المحرمة، ومن ذلك الملابس التي لا تستر لقصرها أو لشفافيتها؛ فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". رواه مسلم (2128).
ولعل اللبس يقع عند بعض النساء فتلبس هذه الملابس بحجة أنَّ هذه الملابس تلبس عند النساء، والمشهور من كلام الفقهاء أن عورة المرأة عند المرأة من السرة إلى الركبة.
وليعلم أن باب ما يجوز كشفه للحاجة وجواز النظر إليه غير باب اللباس، فمثلاً ثدي المرأة ليس بعورة عند النساء، فلها أن ترضع ولدها عند النساء، لكن في باب اللباس يحرم إظهاره للحديث السابق، وليس الستر خاصًا بالعورة فقط، ويجوز كشف ما عدا ذلك، فالشارع يأمر بستر ما ليس بعورة، فمثلاً عاتقا الرجل أمر النبي بسترهما في الصلاة مع أنهما ليس بعورة.
ليس من الإحسان للمرأة السماح لها أن تكشف جزءًا من وجهها باسم النقاب، وما نشاهده من بعض النساء ليس من النقاب في شيء، بل هو إلى السفور أقرب، بل السفور في بعض الأحيان أقل فتنة منه، فالنقاب الذي كان على عهد السلف هو ما كان يظهر حدقة العين، فالكشف للحاجة، والحاجة تقدَّر بقدرها، وتندفع الحاجة بكشف العين، أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره بإسناد صحيح عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة السلماني عن قوله: (قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ) [الأحزاب: 59]، قال: فقال بثوبه فغطى رأسه ووجهه، وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه. وعبيدة السلماني من كبار التابعين، ومن تلاميذ علي بن أبي طالب وابن مسعود -رضي الله عنهما-.
ليس من الإحسان للمرأة غض الطرف عن تبرجها في الأسواق متعطرة متبرجة متبذلة في كلامها مع الباعة، تخضع لهم بالقول.
ليس من الإحسان للمرأة السماح لها بالخروج لبعض المنتديات التي يحصل فيها اختلاط، وربما اشتغل كبار النساء بالأحاديث الجانبية، والبنات يُترَكْنَ لوحدهن يتجولن ويدخلن ويخرجن، فربما فُتِنَّ وفَتَنَّ.
عباد الله: الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن؛ يقول ربنا تعالى مبينًا ذلك: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) [آل عمران: 14]، فجعل النساء من حب الشهوات وبدأ بهن قبل بقية المذكورات، إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك. والله أعلم.
وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". رواه البخاري (5096) ومسلم (2740).
وأول ما دخل النقص على من كان قبلنا من جهة النساء؛ فعن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء". رواه مسلم (2742).
والغرب الكافر يريد أن يصدّر للمسلمين انحرافه وضلاله فيما يتعلق بالمرأة وتحريرها من عبودية ربها لتكون عبدة لشهوات الرجل ونزواته، يصدّر هذه الفتنة باسم شعارات ظاهرها فيها الرحمة وباطنها من قبلها العذاب، وحال هذه الشعوب تشهد بذلك.
ليت الغرب صدّر للدول النامية ما تحتاجه من تقنية لتنهض وتواكبه صناعيًا، بل صدّر مصدر بؤسه وشقائه بشهادة عقلائه، وينعق بهذه الشعارات دعاة التغريب من المسلمين وكأن الغرب لم يتقدم صناعيًا إلا بكشف الصدور والسيقان، ليتهم ركزوا على ما يتفق الجميع على استحسانه والحاجة إليه.
والذي يتعين على الجميع التصدي لهذه الحملة بالتربية الجادة المبنية على الإقناع، فتنشأ المرأة على تلقي التكاليف الشرعية الخاصة بها بالرضا والتسليم محبة لله وتعظيمًا لأمره وإيمانًا أن هذا خير لها في عاجلها وآجلها.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم