فضائل التوحيد ومنافعه

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2024-07-12 - 1446/01/06 2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: خطب العقيدة
عناصر الخطبة
1/ توحيد الله هو أساس الدين وقوامه 2/ فضائل التوحيد ومنافعه في حياة الفرد والمجتمع.

اقتباس

وحتى ندرك منزلة التوحيد السامقة وأهميته الباسقة لابد أن نتعرف على ثماره الوارفة وآثاره النافعة على الفرد والمجتمع؛ وأولها: تحرير العبد من عبادة العباد إلا عبادة رب العباد؛ فإن الموحد لربه قد سمت روحه وزكت...

الخطبة الأولى: 

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المؤمنون: التوحيد هو أساس دين الإسلام المبين وقوامه المتين، وهو غاية رسالة الأنبياء، وأعظم حقوق رب الأرض والسماء؛ كما أنه أساس قبول الأعمال ونيل ثواب الواحد المتعال؛ وقد ذكر الإمام ابن القيم -رحمة الله- في بيان عظمة كلمة التوحيد فقال: "وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة قامت بها الأرض والسموات، وخلقت لأجلها جميع المخلوقات، وبها أرسل الله وأنزل كتبه، وشرع شرائعه، ولأجلها نصبت الموازين، ووضعت الدواوين وقام سوق الجنة والنار، وبها انقسمت الخليقة إلى مؤمنين وكفار، وأبرار وفجار، وعنها وعن حقوقها السؤال والحساب، وعليها يقع الثواب والعقاب، ولأجلها جردت سيوف الجهاد، وهي حق الله على جميع العباد، فهي كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام".

 

عباد الله: والمتأمل في عظمة كلمة التوحيد يدرك أن العبد بغير توحيد خالقه ومولاه لن يستقيم له بناء؛ فهي أساس التوحيد والأصل لصحة إيمان العبيد؛ يقول سعيد بن جُبيْر والضحَّاك -رحمهما الله- في قول الله -تعالى-: (لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 256]؛ قالا: "هي كلمة التوحيد". 

 

وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- في قول الله -تعالى-: (لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْداً) [مريم: 87] "العهدُ: هو شهادة أن لا إله إلا الله، والبراء من الحول والقوة إلا بالله، وألا ترجو إلا الله -عزَّ وجلَّ-". قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلتُ أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له". 

 

معاشر المسلمين: وحتى ندرك منزلة التوحيد السامقة وأهميته الباسقة لابد أن نتعرف على ثماره الوارفة وآثاره النافعة على الفرد والمجتمع؛ وأولها: تحرير العبد من عبادة العباد إلا عبادة رب العباد؛ فإن الموحد لربه قد سمت روحه وزكت نفسه وزادت كرامته، وبدون التوحيد فالمرء ليس إلا ذليلا لمخلوقات لا تملك له نفعا ولا ضرا ولا تأييدا ولا نصرا ولا تلك له موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.

ولما علت راية التوحيد سعى زعماء الشرك وطغاة الجاهلية إلى محاربتها والصد عنها لأنهم كانوا يعلمون أن معنى "لا إله إلا الله": إعلان عام لتحرير البشر، وإسقاط لكل الجبابرة من عروش تألههم الكاذب، وإعلاء لجباه المؤمنين؛ فلا تطأطئ إلا ساجدة لله رب العالمين.

 

ومن فضائل التوحيد وآثاره: أن التوحيد يجعل شخصية المسلم متزنة في أفكارها سامية في أهدافها الكبيرة، وغايتها العظيمة، وإذا ما أراد العبد الفلاح وصلاح دنياه وآخرته؛ فليس له سبيل إلا سبيل التوحيد الخالص المعين على تحديد الوجهة وبلوغ الغاية المأمولة والنتيجة المنشودة؛ بخلاف من سلك طريق الإشراك بخالقه وموجده وسلم عقله وقلبه إلا مخلوقات مثله لا تلمك لنفسها ضرا ولا نفعا فضلا عن غيرها.

 

والتوحيد -أيها الكرام- يكسب النفس الأمان ويورثها الاطمئنان وصدق الله إذ قال: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ)[الأنعام:82].

روى البخاري عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: لما نزلت: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ)، قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟، قال: "ليس كما تقولون، أولم تسمعوا إلى قول لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)؟"؛ فمعنى (لَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ): أنهم أخلصوا دينهم لله؛ فلم يشوبوا توحيدهم بشرك.

 

ومن فضائل التوحيد وثماره: أنه يؤسس لقيمة الإخاء والمساواة؛ لأن الأخوة والمساواة لا تتحققان في حياة الناس إذا كان بعضهم أربابا لبعض، فأما إذا كانوا كلهم عبادا لله فهذا هو أصل المساواة والإخاء بين الناس؛ ولهذا كانت دعوة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ملوك الأرض ورؤساء الدول تختتم بهذه الكريمة: (تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ) [آل عمران: 64].

ولننظر إلى حال الصدر الأول من هذه الأمة، وكيف تآلفوا بهذا التوحيد، وبهذه العقيدة، وفتحوا العالم في مدة قليلة، وسادوا على الناس بهذا الإسلام قبل الفرقة والانقسام الحاصل.

 

والتوحيد الصافي: يحفظ المؤمن من كيد أعدائه وشر كل ذي شر؛ ألم يقل ربنا في كتابه الكريم؛ (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) [الحج: 38 ]، (وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) [الروم47].

 

ومن فضائل وآثار التوحيد: وحدة قلوب أهل الإيمان على الحق الذي جاء به الديان وأمر بالاعتصام به؛ فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آلعمران:103]؛ فالاختلاف في العقيدة يسبب التفرق والنزاع والتناحر، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) [الأنعام:159].

 

ومن الفضائل التي ينالها صاحب التوحيد: زوال همومه ومتابعه وتفريج كرباته؛ وتأملوا في قصة يونس -عليه السلام- حيث أخبرنا الله -تعالى- بها في كتابه فقال: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ) [الأنبياء:87]؛ بماذا نادى؟ بم استغاث؟ بماذا لجأ؟ بكلمة التوحيد: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء:87] فماذا كانت النتيجة؟ (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنْ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) [الأنبياء:88]؛ بل حتى المشركين يعلمون أن في التوحيد تفريجاً للكربات، قال الله -تعالى-: (فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت:65].

 

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين.

 

 

الخطــبة الثانـية: 

 

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

 

أيها المؤمنون: ومن فضائل التوحيد: نيل شفاعة النبي الكريم يوم لقاء رب العالمين؛ كما روى ذلك الإمام البخاري -رحمه الله- من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "من أسعَدُ الناسِ بشفاعتِك يوم القيامة يا رسول الله؟! قال: "أسعدُ الناسِ بشفاعَتي يوم القيامة: من قال: لا إله إلا الله خالِصًا من قِبَل نفسِه".

 

والتوحيد سبيل إلى مغفرة الذنوب ومحو الزلات من علام الغيوب: فقد جاء في الحديث الصحيح والنص الصريح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله -تعالى-: يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً؛ لأتيتك بقرابها مغفرة" (أخرجه الترمذي وحسنه)؛ وما ذاك إلا لأجل أن التوحيد أثقل شيء في الميزان يوم القيامة.

 

ومن أعظم ثمار التوحيد: أنه ينجي صاحبه من النار ويقوده إلى النعيم الذي المقيم والخير العميم؛ (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ)[الانفطار: 13]، ولا شك أن هذا لا يحصل إلا لأهل التوحيد.

 

أيها المسلمون: ذلكم توحيد رب العالمين وتلكم بعضا من فضائله وآثاره على صاحبه في الدنيا والآخرة؛ فحققوا توحيد ربكم تسعدوا، وأخلصوا فيه لخالقكم تغنموا، ولا تشركوا ببارئكم تسلموا.

 

اللهم حقق إيماننا، واجعلنا من عبادك الموحدين.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَرِيَّةِ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

المرفقات

فضائل التوحيد ومنافعه.doc

فضائل التوحيد ومنافعه.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
طاهر صار
11-01-2020

نظرا لما قرأناه في هذه الخطبة من الفوائد الكثيرة نقدم إليكم أغلى شكر وتقدير سائلا المولى أن يبارك سعيكم،وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه.