فضائل الأمن والأمان

الشيخ ياسر الدوسري

2024-10-11 - 1446/04/08 2024-10-12 - 1446/04/09
التصنيفات: بناء المجتمع
عناصر الخطبة
1/من أعظم النعم بعد الإيمان نعمة الأمن والأمان 2/فضائل وخيرات انتشار الأمن والأمان 3/مساوئ اختلال الأمن وفقده 4/من شروط الاستخلاف في الأرض 5/مقومات تحقيق الأمن 6/شكر الله على نعمة أمن بلاد الحرمين الشريفين

اقتباس

باستتبابِ الأمنِ تُقام شعائرُ الدِّينِ، وينتشرُ العلمُ والتعليم، وتجتمعُ الكلمةُ، ويُحكَمُ بالعدلِ، وتُحفَظُ الحقوقُ، وتُغدَقُ الأرزاقُ، وتَتِمُّ المصالحُ، ويتبادَلُ الناسُ المنافعَ، وتُقام الحدودُ، ويُكَفُّ المُفسِدُ، ويُكبَتُ العدوُّ، ويأمنُ الناسُ على دمائِهِم وأموالِهِم وأعراضِهِم...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله على عظيم نعمائه وآلائه، والشكر له على جزيل كرمه ونواله، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الأسوة في أقواله وأفعاله، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم لقائه.

 

أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله؛ فالتقوى أساس الفَلَاح، ومفتاح النجاح، فما أُسِّسَ بنيانٌ من غير تقًى إلا انهدم، وما شُيِّد صرحٌ من دونِه إلا انعدم؛ (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ)[التَّوْبَةِ: 109].

 

معاشرَ المسلمينَ: إنَّ منْ أعظمِ نِعَمِ اللهِ على عبادِهِ بعدَ الإيمانِ نعمةَ الأمنِ والأمانِ؛ فهي هبةٌ مِنَ الكريمِ الرحمنِ، لا تُقَدَّرُ بالأثمان، ولا تُشترى بالأموالِ، ولا يَهنأ عيشٌ بدونِهَا، ولا تطيبُ حياةٌ بفَقْدِهَا.

 

فباستتبابِ الأمنِ تُقام شعائرُ الدِّينِ، وينتشرُ العلمُ والتعليم، وتجتمعُ الكلمةُ، ويُحكَمُ بالعدلِ، وتُحفَظُ الحقوقُ، وتُغدَقُ الأرزاقُ، وتَتِمُّ المصالحُ، ويتبادَلُ الناسُ المنافعَ، وتُقام الحدودُ، ويُكَفُّ المُفسِدُ، ويُكبَتُ العدوُّ، ويأمنُ الناسُ على دمائِهِم وأموالِهِم وأعراضِهِم.

 

وإذا اختلَّ الأمنُ تبدَّلَتِ الأحوالُ، ولم يَهْنَأْ أحدٌ براحةِ بالٍ، فيفشُو الجهلُ، ويشيعُ الظلمُ، وتضيعُ الحقوقُ، وتختلُّ المعايشُ، وتُنتهكُ الأعراضُ، وتُسفَكُ الدماءُ، وتُهجَرُ الأوطانُ، قالَ اللهُ -تعالى-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[النَّحْلِ: 112].

 

ولجليل مكانة الأمن أكرم الله به أولياءه في جنته وفي دار كرامته، فقال تعالى: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ)[الْحِجْرِ: 46].

 

معاشرَ المؤمنين: ولَمَّا كانَ الأمنُ مِنْ مقاصدِ دعوةِ الأنبياءِ والمرسلينَ -عليهم السلام- قَرَنَ الخليلُ إبراهيمُ -عليه السلام- طلبَ الأمنِ بالتوحيدِ؛ فقالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)[إِبْرَاهِيمَ: 35]، فلمَّا دعَا بالأمنِ مِنْ فسادِ الأبدانِ، دعَا بالأمنِ مِنْ فسادِ الأديانِ.

 

وطَلَبَ الكريمُ بنُ الكريمِ يوسفُ -عليه السلام- مِنْ والديهِ دخولَ مِصرَ، مُبشِّرًا إياهُم بحصولِ الأمنِ لهُم: (وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ)[يُوسُفَ: 99].

 

وعندما خافَ كليمُ اللهِ موسى -عليه السلام- طمأنَهُ ربُّهُ بقولِهِ: (يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ)[الْقَصَصِ: 31]، فاندفعَ المحذورُ، وأقبلَ موسى -عليه السلام- آمِنًا، قد ازدادَ إيمانُهُ، وتمَّ يقينُهُ.

 

ولَمْ يَكُنْ رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَعُ هَؤُلَاءِ الكلمات حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ في دِينِي وَدُنْيَايَ، وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي، وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

وقدَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- نعمةَ الأمنِ على نعمتَي الصحةِ والرزقِ؛ مُبيِّنًا لأمتِهِ أهميةَ الأمنِ في الحياةِ، فقالَ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا في سِرْبِهِ، مُعَافًى في جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(رواه الترمذي).

 

أيها المؤمنون: لَقَدْ وَعَدَ اللهُ عبادَه بالأمنِ متى ما آمَنُوا بهِ ووحَّدُوه، واستقاموا على طاعتهِ وعبدُوه، فقالَ -تعالى-: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا)[النُّورِ: 55]؛ فالأمنُ قرينُ الإيمانِ؛ يزيدُ بزيادتِهِ، وينقصُ بنقصِهِ، ويُفقَدُ بفقدِه.

 

والإيمانُ شرطٌ للاستخلافِ في الأرضِ، فمَنْ آمَنَ واتَّقَى أَمِنَ في الدنيا وفي يومِ العرضِ، قالَ -تعالى-: (فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[الْبَقَرَةِ: 38]؛ فالخوفُ والحزنُ يَنتفيانِ عمَّنِ اتَّبَعَ الهُدَى، ويَحصُلُ لهُ الأمنُ والسعادةُ في الآخرةِ والأُولى، فيفوزُ بالمرغوبِ، ويندفعُ عنه المرهوبُ، ويَعصِمُهُ اللهُ مِنَ الزيغِ والضلالةِ، ويحفظهُ مِنَ الشقاءِ والجهالةِ، قالَ -تعالى-: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)[طه: 123].

 

وبذلكم يُعْلَم -يا عبادَ الله- ما للأمنِ من مكانةٍ في الإسلام، كمقصدٍ مِنْ مقاصدِه الكبرى، وغايةٍ مِنْ غاياتِه العُظمى، وَقَدْ شرعَ اللهُ لهُ منَ الأحكامِ ما يَكفُلُه، وأحاطَهُ مِنَ السياجِ بما يَصُونهُ، فأوجبَ المحافظةَ على الدِّينِ والنَّفْسِ والعقلِ والعِرْضِ والمالِ، وقَدْ تضافَرتْ نصوصُ الوحيينِ على ذلكَ، وحرَّمتْ كلَّ وسيلةٍ تُؤدِّي إلى النَّيْلِ مِنَ الضروراتِ الخمسِ، وشرَعتْ مِنَ الأحكام الزاجرةِ ما يَمنعُ مِنَ التعرُّضِ لها، أو المساسِ بِجَنابِهَا؛ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ"(رواه أحمد)، وعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ -رضيَ اللهُ عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ، وَاللهِ لا يُؤْمِنُ"، قِيلَ: وَمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الَّذِي لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ"(رواه البخاري)ُّ.

 

وجاءتِ الشريعةُ بالنَّهْي عنْ كلِّ ما يُؤذِي الناسَ حتى في طرقاتِهِم وأسواقِهِم ومواضعِ حاجاتِهِم؛ فعَنْ أَبِي مُوسَى الأشعريِّ -رضي الله عنه- قالَ: قالَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا مَرَّ أَحَدُكُمْ في مَسْجِدِنَا، أَوْ في سُوقِنَا، وَمَعَهُ نَبْلٌ، فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا بِكَفِّهِ، أَنْ يُصِيبَ أَحَدًا مِنَ المُسْلِمِينَ مِنْهَا بِشَيْءٍ"(رواه مسلم).

 

ولم يقتصرْ تحقيقُ الأمنِ على المسلمين فحسبُ، بَلِ اعتنى الإسلامُ بتأمينِ حياةِ غيرِهِم، وحمَى حقوقَهُم؛ فعَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنَّه قَالَ: "أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهَدًا، أَوِ انْتَقَصَهُ، أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ).

 

عبادَ اللهِ: بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيه من الآيات والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الحمد في الآخرة والأُولى، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، النبي المصطفى، والرسول المجتبى، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وصحبه، ذوي الفضل والتقى.

 

أمَّا بعدُ، أيها المسلمون: إنَّ نعمةَ الأمنِ لا تتحقَّقُ إلا بوجودِ مُقوِّماتِهَا، ولا تَثبُتُ إلا بدوامِ أسبابِهَا، وأوَّلُها وأَوْلَاها: توحيدُ الله -تعالى-، وتخليصُه منْ شوائبِ الشركِ، ومجانبةُ البِدَعِ والخرافاتِ؛ فالتوحيدُ يُثمِرُ الأمنَ والأمانَ؛ قالَ الله -سبحانه-: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)[الْأَنْعَامِ: 82]؛ فالموحِّدُ المستقيمُ على أمرِ اللهِ آمنٌ في الدنيا، وآمِنٌ في الآخرةِ، يقولُ الله -سبحانه-: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ)[النَّمْلِ: 89]، والمرادُ بالحسنةِ هنا توحيدُ اللهِ -تعالى-.

 

ثانيها: شُكْرُ اللهِ -تعالى- على نعمةِ التوحيدِ والأمنِ والأمانِ، والحذرُ مِنَ الجحودِ والنكرانِ؛ فإنَّ النِّعمَ إذا شُكِرتْ قرَّتْ، وإذا كُفِرتْ فَرَّتْ، والشُّكرُ مُؤذِنٌ بالزيادةِ، قالَ عالمُ الغيبِ والشهادةِ: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 7].

 

ثالثُها: كثرةُ الدعاءِ بدوامِ الأمنِ والأمانِ؛ اقتداءً بالأنبياءِ عليهم الصلاةُ والسلامُ.

 

رابعُها: السمعُ والطاعةُ لوُلاةِ الأمرِ، ولزومُ جماعةِ المسلمينَ؛ فلا أمنَ إلا بجماعةٍ، ولا جماعةَ إلا بإمامٍ، ولا إمامَ إلا بسمعٍ وطاعةٍ، قالَ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)[النِّسَاءِ: 59]، وعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَايَعْنَا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ، وَالمَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ"(رواه البخاري).

 

خامسُها: لزومُ العلماءِ الربانيينَ الراسخينَ في العِلْمِ؛ ففي ذلك سلامةٌ في المنهجِ، ونورٌ في الفَهمِ، وسدادٌ في الرأي، وجَلْبٌ للمصالحِ، ودرءٌ للمفاسدِ، قال -جلَّ وعلا-: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[النِّسَاءِ: 83].

 

سادسُها: ترسيخُ الأمنِ الفكريِّ وتقويتُهُ لدى الناشئةِ والمجتمعِ؛ لحمايتِهِم وتحصينِهِم مِنَ العقائدِ الفاسدةِ، والأفكارِ المُنحرفةِ، والجماعاتِ المُتطرفةِ، والفِرَقِ المشبوهةِ، والأحزابِ الموبوءةِ؛ التي تسعَى لشَقِّ عصَا الطاعةِ، وتفريقِ الجماعةِ، فمتى ما تغذَّتْ عُقولُ الناسِ بالأفكارِ السليمةِ، والمفاهيمِ الصحيحةِ، البعيدةِ عَنْ تحريفِ الغالينَ وانتحالِ المبطلينَ؛ أمِنتْ حياتُهُم، وَاسْتَقَامَتْ معيشتُهُم، وتَحقَّقتْ أحلامُهُم.

 

أيها الناسُ: إنَّ أمرًا هذا شأنُه، ونعمةً هذا أثرُها، لَجديرٌ بنا أَنْ نبذِلَ في سبيلِهَا كلَّ غالٍ ونفيسٍ، وَأَنْ نستثمرَ كلَّ الطاقاتِ، وَأَنْ نُسَخِّرَ كافةَ الإمكاناتِ في سبيلِ تعزيزِهَا والمحافظةِ عليهَا.

 

وإننا في هذا المقام، لنشكر الله -تعالى- ونحمده على ما أنعم به علينا من نعم تترى، وأفضال لا تُحصى، وعلى ما نتفيأ ظلاله من أمن وأمان واستقرار، ورخاء ونمو وازدهار، في ظل قيادتنا الرشيدة، لهذه الدولة المباركة، منذ تأسيسها إلى هذا العهد الزاهر، والتي استمدت دستورها من كتاب الله، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأصبحت دولة عظيمة في أصالتها ومعاصرتها، ومازالت كذلك برؤيتها وإنجازاتها، بقيادة إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهد الأمين، صاحب السمو الملكي، الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، أيَّدَهما اللهُ بتأييده، وأمدَّهما بعونه وتوفيقه وتسديده، وبارَك في مساعيهما، وجزاهما اللهُ عَنَّا وعن البلاد والعباد وعن الإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء وأعظمَه وأوفاه.

 

عبادَ اللهِ: هذا وصلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، فقد أمرتُم بذلك في كتاب الله، قال -جل في علاه-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، فاللهم صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على الرسول الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الأربعة الراشدين، وعن الصحابة أجمعين، والتابعين، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وجودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وانصُرْ عبادَكَ الموحِّدينَ، واحم حوزة الدين، اللهمَّ أدم على بلادنا نعمة الأمن والأمان، والرغد والرخاء والاستقرار، والنمو والرفعة والازدهار، وعم بذلك سائر بلاد المسلمين.

 

اللهمَّ احفظ إمامنا وولي أمرنا، خادم الحرمين الشريفين، وأدم عليه لباس الصحة والعافية، وبارك في عمره وعمله، ووفقه وولي عهده الأمين لكل ما تحب وترضى، اللهمَّ وفق ولاة أمور المسلمين لهداك، واجعل عملَه في رضاكَ.

 

اللهمَّ انصر رجال أمننا وجنودنا على ثغورنا، ونسألك لهم التوفيق والتسديد، والنصر والتأييد، وكن لهم عونًا ونصيرًا، ومؤيدا وظهيرًا، اللهمَّ فَرِّجْ همَّ المهمومينَ، ونَفِّسْ كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم اللهمَّ موتانا وموتى المسلمين.

 

اللهمَّ انصر المستضعَفين من المسلمين في كل مكان، وفي فلسطين، اللهمَّ انصرهم في فلسطين، واجعل لهم من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، من كل بلاء عافية، اللهمَّ اشف جرحاهم، واحقن دماءهم، واربط على قلوبهم، اللهمَّ احفظ المسجد الأقصى واجعله شامخًا عزيزًا إلى يوم الدين.

 

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

المرفقات

فضائل الأمن والأمان.doc

فضائل الأمن والأمان.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات