فصبر جميل

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/الابتلاء سنة الله في الأولين والآخرين 2/سلاح المؤمن عند الابتلاءات والشدائد والمحن 3/ثمرات الصبر والرضا على الأقدار الإلهية 4/الوسائل المعينة على الصبر على المصائب.

اقتباس

المُصِيبَةُ حَقَّاً إنَّمَا هِيَ مُصِيبَةُ الدِّينِ، إنْ غَفَلْتَ عَن اللهِ فَأنتَ خَاسِرٌ! إنْ قَارَفْتَ المَعَاصِي وَتَلَذَّذْتَ لَهَا فَأنتَ خَاسِرٌ! وَمَا سِوى مُصِيبَةُ الدِّينِ فَهِي عَافِيَةٌ، فَلا تَأْسَ عَلى مَا فَاتَكَ مِنْ أحْبَابٍ وَأمْوَالٍ، فَرَبُّنَا وَحْدَهُ لَهُ الحَمْدُ، وَإِليهِ المُشْتَكى، فَإذَا تَكَالَبَتْ عَليكَ الأَيَّامُ، فَلا تَرْجُ إلَّا اللهَ فِي رَفْعِ مُصِيبَتِكَ وَدَفْعِ بَلِيَّتِكَ، فَقَلِّبْ وَجْهَكَ فِي السُّجُودِ، وَارْفَعْ أَكُفَّ الضَرَاعَةِ لِمَولاكَ، وَنَادِ يا كَريمُ فَرِّجْ كُرَبِي، وَسَهِّلْ أَمْورِي، وأَكْثِرْ مِن دَعْوَةِ ذِي النُّونِ...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحَمدُ للهِ وَعَدَ الصَّابِرينَ أَجراً بِغَيرِ حِسابٍ، وَأَثَابَ الشَّاكِرِينَ لَهُ فَنِعمَ الثَّوَابُ، نَشهدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لهُ الحُكمُ وإليهِ المَآبُ، ونَشهدُ أنَّ مُحمدَاً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خَيرُ مَن صَبَرَ وصَابَرَ، الَّلهمَّ صَلِّ وَسَلِّم وبارِك عليهِ وعلى آلِهِ وَأصحَابِهِ وَأتبَاعِهِ الَّذِينَ صَبَرُواْ وَاتَّقُواْ رَبَّهم إلى يَومِ القَرَارِ.

 

 أمَّا بَعدُ: فاتَّقُوا اللهَ يَا مُؤمِنُونَ؛فَإنَّ طَاعَتَهُ أَقوَمُ وأَقْوى، وَتَزَوَّدُوا لآخِرَتِكُم واستَعِينوا على دُنياكُم بالصَّبر والتَّقوَى.

 

أيُّها المُسلمونَ، لقد قدَّرَ اللهُ المَقَادِيرَ وَالآجَالَ، وَنَسخ الآثَارَ والأعمَالَ، وَقَسَّمَ المَعَايِشَ وَالأمَوَالَ، وَخَلَقَ المَوتَ وَالحياةَ لِيَبْلُوَنَا أَيُّنا أَحْسَنُ عَمَلاً. فالحمدُ للهِ القَائِلِ: (الَّذِي خَلَقَ المَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ العَزِيزُ الغَفُورُ) [الملك: 1].

 

عبادَ اللهِ: والإيمانُ بِقضاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ رُكنٌ مِن أَركانِ الإيمَانِ، فَمَا فِي الأَرْض مِن حَرَكَةٍ ولا سُكُونٍ إلَّا بِمَشِيئَةِ اللهِ وَإرَادَتِهِ، وهذهِ الدُّنيا الدَّنِيَّةِ طَافِحَةٌ بِالأنْكَادِ وَالأَكْدَارِ، فيها العَوارِضُ وَالمِحَنُ وَالأهْوَالُ فَرَبُّنا هُوَ القَائِلُ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْء مّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مّنَ الأمَوَال ِوَالأنفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].

 

وَسُبحانِ اللهِ العَظِيمِ: النَّفسُ البَشَرِيَّةُ لا تَزْكُو ولا تَصْحُو إلَّا بِالتَّمْحِيصِ، فَالبَلايا تُظهِرُ الرِّجَالَ، نَسْألُ اللهَ السَّلامَةَ والعَافِيَةَ.

 

يَقولُ ابنُ الجَوزِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَنْ أَرَادَ أَنْ تَدُومَ لَهُ السَّلامَةَ وَالعَافِيَةَ مِنْ غَيرِ بَلاءٍ فَمَا عَرَفَ التَّكْلِيفَ وَلا أَدْرَكَ التَّسلِيمَ". فَلا بُدَّ مِنْ حُصُولِ أَلَمٍ لِكُلِّ نَفْسٍ، سَواءٌ آمنْتَ أَمْ كَفَرْتَ، سَخِطَّتَ أمْ جَزِعْتَ.

 

فَيَا أيُّها المُؤمِنُ: وَطِّنْ نَفْسَكَ على المَصَائِبِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، لِيَهُنْ عَليكَ وَقْعُهَا، فَلِلْبَلايَا أَمَدٌ مَحْدُودٌ عندَ اللهِ تَعالى، ولا تسخط بالمقال، فرب كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان، وَفي الحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه، أنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».      

 

وَالمُؤمِنُ الحَازِمُ يَثْبُتُ لِلعَظَائِمِ، وَلا يَتَغَيَّرُ فُؤَادُهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وَلا يَنْطِقُ لِسَانُهُ بِالتَّشَكِّي، فَمَا زَالَ العُظَمَاءُ وَالعُقَلاءُ يُظهِرُونَ تَجَلُّدَاً، وَيَكْتُمُونَ المَصَائِبَ وَالأَوْجَاعَ، لَئلاَّ يشَمْتَ بِهِمُ الأَعْدَاءُ، وَلِيَنَالُوا عَظِيمَ الأجْرِ والثَّوابِ. (وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 96].

 

أَيُّها المُسلِمُ المُبْتَلى: ما ابْتَلاكَ اللهُ تَعَالَى إلَّا لِتُعَافَى، وَلا امْتَحَنَكَ إلَّا لِيَصْطَفِيَكَ، فَلا تُضَيِّع زَمَانَكَ بِهَمِّكَ، فَمَا دَامَ الأَجَلُ بَاقِيَاً كَانَ الرِّزْقُ آتِيَاً، فَقَد قَالَ الصَّادِقُ المَصْدُوقُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رُوعِي أَنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ». واللهُ تَعَالَى يَقُولُ: (وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) [هود: 6].

 

يَا مُؤمِنُ: طَريقُ الابْتِلاءِ مَحْتُومٌ، تَعِبَ فِيهِ آدَمُ، وَرُمِيَ فِي النَّارِ إبْرَاهِيمُ، وَأُضْجِعَ لِلذَّبْحِ إسْمَاعِيلُ، وَأُلقِيَ فِي بَطْنِ الحُوتِ يُونُسُ، وَقَاسَى الضُّرَّ أَيُّوبُ، وَبِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ يُوسُفُ، وَأُلقِيَ فِي السِّجْنِ ظُلْمَاً، وقَاسَى أَنْوَاعَ الأَذَى نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ -عليهِ وعلى سَائِرِ الأنبِياءِ أفضَلُ الصَّلاةِ وَأزْكَى التَّسْلِيمِ-.

 

وَأَنْتَ أيُّها المُسلِمُ الكَرِيمُ عَلى سُنَّةِ الابْتِلاءِ سَائِرٌ! يَقُولُ المُصْطَفَى –صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ» (رواه البخاري).

 

وعَنْ سَعْدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ –رضي الله عنه- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟قَالَ: "الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ".

 

أيُّها المُؤمِنُ: المُصِيبَةُ حَقَّاً إنَّمَا هِيَ مُصِيبَةُ الدِّينِ، إنْ غَفَلْتَ عَن اللهِ فَأنتَ خَاسِرٌ! إنْ قَارَفْتَ المَعَاصِي وَتَلَذَّذْتَ لَهَا فَأنتَ خَاسِرٌ! وَمَا سِوى مُصِيبَةُ الدِّينِ فَهِي عَافِيَةٌ، فَلا تَأْسَ عَلى مَا فَاتَكَ مِنْ أحْبَابٍ وَأمْوَالٍ، فَرَبُّنَا وَحْدَهُ لَهُ الحَمْدُ، وَإِليهِ المُشْتَكى، فَإذَا تَكَالَبَتْ عَليكَ الأَيَّامُ، فَلا تَرْجُ إلَّا اللهَ فِي رَفْعِ مُصِيبَتِكَ وَدَفْعِ بَلِيَّتِكَ، فَقَلِّبْ وَجْهَكَ فِي السُّجُودِ، وَارْفَعْ أَكُفَّ الضَرَاعَةِ لِمَولاكَ، وَنَادِ يا كَريمُ فَرِّجْ كُرَبِي، وَسَهِّلْ أَمْورِي: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل: 62].

 

أَكْثِرْ مِن دَعْوَةِ ذِي النُّونِ: (لاَّ إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَـانَكَ إِنّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء: 87]، قَال العُلَمَاءُ: ما دَعَا بِها مَكرُوبٌ إلَّا فَرَّجَ اللهُ كَرْبَهُ، وَقَالَ ابنُ القَيِّمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَقد جُرِّبَ أنَّ مَنْ قَالَ: (أَنِّى مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) [الأنبياء: 83]، سَبْعَ مَرَّاتٍ كَشَفَ اللهُ ضُرَّهُ".

 

فَيَا عَبْدَ اللهِ: أَلْقِ كَنَفَكَ بَينَ يَدي اللهِ، وَعَلِّق رَجَاءَكَ بِهِ، وَسَلِّم أَمْرَكَ لِلرَّحِيمِ الرَّحَمنِ، وَتَحَرَّ أَوقَاتَ الإجَابَةِ، وَإيَّاكَ أنْ تَستَطِيلَ زَمَنَ البَلاءِ، وَتَمَلَّ مِن كَثْرَةِ الدُّعَاءِ، فَإِنَّكَ مُتَعبَّدٌ بِالصَّبْرِ وَالدُّعَاءِ: (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ)[يونس: 107]؛ فَهو الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ. وَرَسُولُنا –صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يُسْتَجَابُ لِأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ، يَقُولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي".

 

وَتَفَقَّدْ المَسَاكِينَ، فَالصَّدَقَةُ تَرْفَعُ وَتَدْفَعُ البَلاءَ.

 

وَبَعْدُ فالمُؤمِنُ الحَقُّ مَنْ أَيقَنَ دَومَاً بِقَدَرِ اللهِ وَخَلْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ، وَصَبَرَ عَلى بَلائِهِ وَحُكْمِهِ، وَاسْتَسْلَمَ لِأَمْرِهِ. أعوذُ بِاللهِ مِن الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) [التوبة: 51].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، وَنَفَعَنا بِمَا فِيهما من الآيات والذكر الحكيم، أقولُ ما تَسمعون، وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ، نَشهَدُ ألَّا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ المَلِكُ الحَقُّ المُبينُ، ونَشهَدُ أنَّ نَبيَّنا مُحمدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ الصَّادِقُ الأَمِينُ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّم وَبَارِك عليهِ وعلى آلِهِ وأصحَابِهِ والتَّابعينَ لَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالى وَأَطِيعُوهُ والتَزِمُوا أمرَهُ وَلا تَعصُوهُ. فَالسَّعِيدُ مَن لازَمَ التَّقوى، إنْ اسْتَغْنَى بِهَا زَانَتْهُ، وَإنْ افْتَقَرَ إليها أَغْنَتْهُ، قَالَ دَاودُ بنَ سُليمَانَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "يُستَدَلُّ عَلى تَقْوَى المُؤمِنِ بِثَلاثٍ: حُسْنِ التَّوَكُّلِ فِيمَا لَمْ يَنَلْ وَحُسْنِ الرِّضَا فِيمَا قَد نَالَ، وَحُسْنِ الصَّبْرِ فِيمَا قَد فَاتَ".

 

عِبَادَ اللهِ: ثَمَّةَ وَصَايَا نَافِعَةٍ لِكُلِّ مُبْتَلَىً وَحَزِينٍ، أوَّلُها: تَطْبِيقُ قَولِ اللهِ تَعَالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ) [البقرة 155].

 

قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّهَا: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَجِرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَأَخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللَّهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا".

 

وَمِن العِلاجِ أَنْ تَنْظُرَ إلى ما قَدْ أَبْقَى رَبُّكَ لَكَ مِنْ النِّعَمِ الأخرَى!

وَمِنَ العِلاجِ أَنْ تُوقِنَ أنَّ الجَزَعَ لا يَرُدُّ شَيئَاً بَلْ يَزِيدُها شَقَاءً وَبَلاءً، فَهَلْ تَشَكِّي المَرِيِضِ شَفَاهُ، وَهَلْ لاطِمُ خَدِّهِ أغْنَاهُ! فَالفَضِيلَةُ والسُّرُورُ لِلصَّابِرِينَ.

 

لا تَنْسَ أيُّها المْبْتَلى أَنَّ الجَزَعَ يُشْمِتُ بِكَ العَدُوَّ وُيُسِيءُ إلى الصَّدِيقِ وَيُغْضِبُ الرَّبَّ وَيُحبِطُ الأَجْرَ. فَلِصَّابِرِ بَيتَاً في الجَنَّةِ اسمُهُ بَيتَ الحَمْدِ.

 

إنَّ أَنْفَعَ عِلاجٍ أنْ تَرضَى وَتُحِبَّ مَا أَحَبَّهُ لَكَ وَرَضِيهُ لَكَ فَإنَّهُ أَحْكَمُ الحَاكِمِينَ، وَأَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، (وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)[آل عمران: 186].

 

أيُّها المُسلِمُ: اصْبِرْ على طَاعَةِ اللهِ عَنْ مَحَبَّةٍ وَرِضَى، وَاصْبِرْ عن المَعَاصِي بُغْضَاً لَهَا وَكُرْاهاً، اصْبِر على قَضَاءِ وَقَدَرهِ إيمَاناً وَاحْتِسَابَاً، فالعِبَادَاتِ شَاقَّةٌ على النُّفُوسِ؛ وتَحتاجُ إلى مُصابَرَةٍ ومُجَاهَدَةٍ! فالصلاةُ والصِّيامُ، والحَجُّ والزَّكَاةُ، والأمرُ والنَّهيُ، كُلُّها تحتاجُ إلى الصَّبرِ، قَالَ اللهُ تَعَالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا).

والثَّانِي: الصَّبرُ عن الوُقُوعِ فِيمَا حَرَّمَ اللهُ تَعالى، وَذَلِكَ بِكَفِّ النَّفسِ عن أنْ تَفعَلَ مُحَرَّمَاً أو تُقَصِّرَ في واجبٍ.

 

عبادَ اللهِ: وآفَةُ المُنكراتِ في هذا الزَّمنِ، أنْ سَهُلَ الوُصُولُ الحرامِ فكانَ أقرَبَ إلى أحدِنا من يَدِهِ لِعينِيهِ! فالقَنواتُ والشَّبكاتُ والأجهِزَةُ الذَّكِيَّةُ، إنْ لَمْ نَصبِرِ عن الحرامِ الذي فيها، أوردتنا المهالكَ والمَضارَّ! ذلِكَ أنَّ النَّفسَ مَيَّالَةٌ إلى الآثامِ، تَوَّاقَةٌ إلى الشَّهوَاتِ، فإنْ لم نُلجِمهَا بِتَقوى اللهِ والصَّبرِ عن مَعَاصِيهِ، تَلَطَّخنا بِالأَوزَارِ!

 

وأعظَمُ عِلاجٍ قَولُ اللهِ في مُحكَمِ التَّنزِيلِ: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف: 43].

فَعَاقِبَةُ الصَّـبرِ الجَمِيلِ جَمِيلةٌ *** وأَحسَنُ أَخلاقِ الرِّجَالِ التَّحَفُظُ

 

وأَمَّا القِسمُ الثَّالِثُ: فَهُو صَبرٌ على أَقدَارِ اللهِ المُؤلِمَةِ وعلى مَصَائِبِ الحَيَاةِ المُتَنَوِّعَةِ، فمن من البشَرِ من سَلِمَ من ذلِكَ؟ُ مَن منَّا من لَم يُصبْ بِمَرَضٍ؟ مَنْ مِن البشَرِ من لم يفقدْ مالاً؟ أو قريباً أو عزيزاً؟ ولهذا قالَ اللهُ سُبْحَانَهُ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155] فهذهِ سُنَّةُ اللهِ في عِبَادِهِ؛ وهي ابتِلاؤُهُم بِشَيءٍ من الخَوفِ، ولَم يَقُل: بِالخَوف كُلِّهِ؛ لأنَّهُ لو قَالَ: بالخَوفِ لأَهلَكَهُم!

 

اللَّهُمَّ اجعَلْنَا ممَّن إِذَا أُعطِيَ شَكَرَ، وَإِذَا ابتُلِيَ صَبَرَ، وَإِذَا أَذنَبَ استَغفَرَ، آمنَّا باللهِ وتَوكَّلنا عليه. رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ.

 

اللهمَّ اشفِ مَرضَانَا، وعَافِ مُبتَلانا، وارحم مَوتانا، وفُكَّ أسرانَا، واهدِ ضَالَّنا، ورُدَّ غَائِبَنا، وارزقنا حُسنَ القولِ والعَمَلِ، اللهم اجعلنا مُقيمي الصَّلاةِ ومن ذُرِّياتِنَا رَبَّنا وَتَقَبَّل دُعاءَ، اللهمَّ ثَبِّتنا بالقولِ الثَّابتِ في الحياةِ الدُّنيا ويَومَ يقومُ الأشهادُ.

 

اللهم آمنَّا في أوطانِنِا، وأَصلِح ووفِّق أَئِمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، خُذ بِنَواصِيهم لِلبرِّ والتَّقوى، وأصلح لهم البِطَانَةِ.

 

اللهم أَصلِح حَالَنا وأَحسِن مآلنا، اللهم عليك بالمفسدين واقطع دَابِرَهُم وأوقِعْ بِهم وافضح مُخَطَّطاتِهِم. ووفِّقَ رجالَ أمننا لكُلِّ عَمَلٍ يُرضيكَ واحفظ حُدُودَنا وانصُر جُنُودَنا يا ربَّ العالمينَ.      

 

عباد الله: اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

 

المرفقات

جميل

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات