عناصر الخطبة
1/انطلاق ركب الحجيج 2/وجوب الحج على الفور للقادر المستطيع 3/شروط الحج 4/الاستطاعة أربعة أنواع 5/تلبية نداء الحج.اقتباس
وللحج شروطٌ.. فأولها وأعظمها: الإسلام؛ فلا يصح الحج من غير المسلم، كما لا يصح الحج من المسلم المرتد، كالذي لا يصلي، وكالذي يدعو غير الله ويذبح لغيره، أو يصدق السُّحار والكُهَّان والعرَّافين، فهؤلاء لا يصحّ حجّهم ولو حجُّوا؛ لأنه حجوا عَلَى غير قاعدة الإسلام وملته.
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تجد لَهُ وليًا مرشدًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إقرارًا به وتوحيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيِّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي بعثه الله جَلَّ وَعَلَا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بشيرًا ونذيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا النَّاس! فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إِلَّا وأنتم مسلمون.
عباد الله؛ هذِه جموع الحجيج، وَهذِه قوافلهم قد يممَّت تجاه بين الله العتيق، مؤدّين فرض الله عليهم بحج بيته، ومسارعين إِلَى أداء فرضه، فأينكم يا أهل اليسار ويا أهل القوة والشباب، هل أديتم فرض الله -عَزَّ وَجَلَّ- عليكم بالحج؟ وهو القائل -جَلَّ وَعَلَا-: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آل عمران: 97].
حج بيت الله الحرام -لأهل وجوبه- فرضٌ من فرائض الله، وركن من أركان دينه، لَا بُدَّ من المبادرة والمسارعة إليه، وإنَّ الحج واجبٌ -يا عباد الله- عَلَى الفور لمن كان من أهل وجوبه وأهل استطاعته؛ فقد وقف النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطيبًا في النَّاس؛ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاس، إنَّ الله قد فرض عليكم الحج؛ فحُجُّوا"، فَقَام رجلٌ فَقَالَ: أفي كل عامٍّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "لو قلت: نعم، لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرةً، فمن زاد فهو تطوع"(أخرجه مسلم في صحيحه).
وللحج -يا عباد الله- شروطٌ لَا بُدَّ من توافرها وتضافرها:
فأولها وأعظمها: الإسلام؛ فلا يصح الحج من غير المسلم، كما لا يصح الحج من المسلم المرتد، كالذي لا يصلي، وكالذي يدعو غير الله ويذبح لغيره، أو يصدق السُّحار والكُهَّان والعرَّافين، فهؤلاء لا يصحّ حجّهم ولو حجُّوا؛ لأنه حجوا عَلَى غير قاعدة الإسلام وملته.
الشَّرْط الْثَّانِي: التَّكْلِيْف؛ وهو يشمل البلوغ في سنّه، ويشمل أيضًا الوفور في عقله، فإنَّ الحج لا يجب عَلَى الصغير وإن كان يصح منه، وكذلك المجنون لا يصح حج الإسلام إِلَّا بوفور عقله.
ومن شرائط الحج -يا عباد الله- الحرية، فلا يكون مملوكًا رقيقًا، فإنه وإن حج لا يُغنه ذلك إذاعتك عن حجة الإسلام. قَالَ ابن عباس -رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا-: "إنَّ الصغير إذا بلغ، والعبد إذا عتق، فعليهما حجةٌ أخرى في دينهم أو في حجة الإسلام".
ومن شرائط الحج -يا عباد الله-، وهو الشَّرْط المنوَّه عنه في آية سورة آل عمران: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا)[آل عمران: 97].
والاستطاعة أربعة أنواع:
الشَّرْط اَلْأَوَّل: استطاعة في بدنه؛ بأن يستطيع الذهاب إِلَى مكة وأداء المشاعر، ثُمَّ الرجوع بعد ذلك، فلا يكون مريضًا طريحًا في فراشه، أو مسجونًا سجنًا طويلاً مؤبدًا، فَهذَا قد عجز في بدنه عن الحج.
وَالشَّرْط الْثَّانِي: الاستطاعة المالية؛ بأن يجد نفقةً زائدةً عن حوائجه الأصلية في نفقة أهله وعياله، تؤدي به هذِه النَّفَقَة إِلَى مكة، ثُمَّ تعيده بعد ذلك إِلَى وطنه.
ويدخل في الاستطاعة المالية -يا عباد الله- مَن عليهم ديون حالَّة، يعجزون عن الوفاء بها، فإنَّ الحج لا يجب عليهم إِلَّا أن يأذن أهل الديون بأن يحجوا؛ لأن الحج مظنة الخطر والسفر، وهو مظنة الهلاك والموت.
ومن شرائطها أَيْضًا: أن يكون الحاج آمنًا في طريقةً ذاهبًا وغاديًا، ويدخل في هذَا الحصول على تصريح الحج وما يتعلق بفِيَزِهِ.
وتزيد المرأة بأمر رابع في الاستطاعة: إذا كان حجها يحتاج إِلَى سفر، فإنه يحج بها المحرم؛ ففي الصحيحين عن النَّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إِلَّا ومعها ذو محرم"، فقام رجل فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إني اكتُتبت في غزوة كذا وكذا، وإن امرأتي خرجت حاجَّة، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انطلق فحُج مع امرأتك".
دلَّ عَلَى أنَّ السفر هو المناط بأمر المحرم، لا أداء المناسك في نفسها، فلو سافر بها محرمها، ثُمَّ طافت وسعت ووقفت ورمت بنفسها لوحدها، صحَّ بذلك حجُّها؛ لأن المحرمية مُتَعَلِّقَة بالسفر نفسه، لا بأداء النُّسك في ذاته.
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده سُبْحَانَهُ وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مقرًّا بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك مَن عاند به أو جحد وكفر.
وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى سيد البشر، الشَّافِع المشفع في المحشر، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليلٌ وأقبل عليه نهارٌ وأدبر.
الحج -يا عباد الله- فرض الله -جَلَّ وَعَلَا-، وإجابةٌ لندائه عَلَى لسان خليله إبراهيم -عليه وعَلَى نَبِيِّنَا أفضل صلاةٍ وأزكى-؛ فَقَالَ الله -جَلَّ وَعَلَا-: (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)[الحج: 27].
فإنَّ إبراهيم لما فرغ مع ابنه إسماعيل من بناء البيت، أمره الله أن ينادي في النَّاس بالحج، فرقى إبراهيم عَلَى جبل أبي قبيس، وقيل: عَلَى ظهر الكعبة، وَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاس، إنَّ الله قد فرض عليكم الحج فحجوا"، فلم يزل هذَا النداء متكررًا، ولم يزل بالغًا ببلوغ القرآن إِلَى قلوب النَّاس وأفئدتهم وأسماعهم.
(يَأْتُوكَ رِجَالًا)؛ أي: ماشيين عَلَى أرجلهم (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ)؛ وهي الرِّكاب المضمَّرة لتحمُّلها المسافات الطويلة، (وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)؛ أي: من كل مكان بعيدٍ سحيق.
فاللهم لك الحمد عَلَى نعمك، ولك الحمد عَلَى فرائضك، ولك الحمد عَلَى إفضالك، حمدًا كثيرًا يليق بجلالك وعظمتك.
ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية، وَالْجَمَاعَة خلف الإمام عِصمةٌ لأهلها من الفتن.
ثُمَّ اعلموا أنَّ الله أمرنا بأمرٍ بدأ فيه بنفسه، وثنَّى بملائكته المسبحة بقدسه، وحثَّكم أَيُّهَا المؤمنون من جنِّه وإنسه، فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ نَبِيُّنا -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-: "مَن صلى عليَّ مرةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بها عشرًا".
اللَّهُمَّ عزًّا تعز به أولياءك، وذلًّا تذل به أعداءك، اللهم أبرم لهذِه الأُمَّة أمر رشدًا يُعَز فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيها أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم آمنا والمسلمين في أوطاننا، وفي ديننا وأعراضنا وفي أموالنا وأهلينا وديارنا، اللهم كن لولاة أمورنا مؤيدًا ونصيرًا، اللهم خذ بنواصيهم للبر وَالتَّقْوَى، واجعلهم عزًّا للإسلام وأهله، وكفًّا للمسلمين، وذلًّا ونصرةً عَلَى أعدائنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ارفع ما أصاب إخواننا من اللأواء والبأساء، اللهم ارحم موتاهم واكتبهم شهداء، اللهم عافِ مبتلاهم، اللهم صب عَلَى أعدائنا وأعدائهم من هؤلاء الصهاينة، صُب عليهم العذاب صبا، اللهم اجعلهم عليهم سنين كسني يوسف.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العظيم الحليم، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رب العرش الكريم، نعوذ بك اللهم من شرور أعدائنا، وندرأ بك اللهم في نحورهم.
اللهم مَن أراد بنا أو بولاتنا وعلمائنا أو بمجتمعاتنا أو بالمسلمين سوءًا، اللهم فاجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم اكفنا شره بما شئت، واحفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، اللهم وارض عنا رضاءً لا تسخط علينا معه أبدًا، لنا ولكم ولوالدينا ووالدينا ومشايخنا وولاتنا وذرارينا وجميع المسلمين.
سُبْحَانَ رَبِّنَا رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم