عناصر الخطبة
1/ محاولات مكر الأعداء بأمة الإسلام 2/ تفجير عسير واستباحة المساجد 3/ خطورة فكر التكفير والتطرف 4/ مناقشات هادئة عن فكر الخوارج 5/ نصائح للآباء 6/ نصائح مهمة لشباب الأمة.اقتباس
وإذا كان ربنا عدّ من أعظم الظلم ظلمَ من منع من مساجد الله أن يعبد فيها, فكيف بمن هدمها, وفجر فيها, وإذا كان نبينا -عليه السلام- يقول: "إني نُهيت عن قتل المصلين", فكيف بمن يتحرى بالقتل غرة المصلين؟! وإذا كان نبينا –صلى الله عليه وسلم- أمر من مرّ بالمسجد ومعه سهام أن يأخذ بنصالها؛ كي لا تؤذي أحداً ولو بأدنى أذى، فكيف بمن يتريث بسهامه من شرع في صلاته؟!
الخطبة الأولى:
منذ بزغ فجر أمة الإسلام وأعداؤها وخصومها يكيدون لها, ويسعون لإطفاء نور الله في ظهورها, ولكن ربنا بحكمته أبى إلا أن يتم نوره, ولو كره الكارهون.
وكان الشيطان في كل مشاهد إحزان المؤمنين, والحرب على المسلمين حاضراً, بتسليط الكفار تارة, والفساق وبالمنافقين تارة, وبالغلاة تارة, ولا تبدأ تباشير عزة إلا وتبدأ السهام الطاعنة في أمة الإسلام تحاول إيقاف الخير فيها.
سأتجاوز جميع شواهد التاريخ وإلا فهي كثيرة, غير خفية؛ لأن ما حدث بالأمس أقض مضجع كل مسلم, وأحزن كل صاحب معتقد حق, حين تسلل مسكين, وتسبب في قتل قومٍ مصلين, أثناء صلاتهم كي يجمع الله له سوءات, قتلِ مسلم, وهدمِ مسجد, وإيذاءِ مؤمنين.
لن أقول لكم بأن التفجير الذي وقع في مسجدٍ بالأمس جريمة, فذاك لا يخفى على من له أدنى مسكة عقل, ولئن كان ربنا عذّب من منع عبداً إذا صلى فكيف بمن قتل عبداً إذا صلى.
وإذا كان ربنا عدّ من أعظم الظلم ظلمَ من منع من مساجد الله أن يعبد فيها, فكيف بمن هدمها, وفجر فيها, وإذا كان نبينا -عليه السلام- يقول: "إني نُهيت عن قتل المصلين", فكيف بمن يتحرى بالقتل غرة المصلين؟!
وإذا كان نبينا –صلى الله عليه وسلم- أمر من مرّ بالمسجد ومعه سهام أن يأخذ بنصالها؛ كي لا تؤذي أحداً ولو بأدنى أذى، فكيف بمن يتريث بسهامه من شرع في صلاته؟!
وإذا أردت أن تعرف عظم الانحراف, وشناعة الانجراف فاعلم أن فاعل ذلك يتقرب بهذا الفعل لربه, فاللهم لا تزغ قلوبنا.
لست ولستم بحاجة لأذكر لكم حرمة هذا الفعل, وجرم قتل نفس مسلمة, لمجرد انتسابٍ لجهاز الأمن, فمن قتل الصحابة كعثمان, وعلي, لا تستغرب أن يخرج من ضئضئهم من يقتلك ويقتل أهله, ومن كفرك فلن تكون بمنأى عن سهامه.
كل هذه أمور ما عدنا نشكك فيها, وبات يعرف حكمها صغيرنا وكبيرنا, وما زال الغلاة تتضح معالمهم, ويتبين منهجهم. لكننا اليوم نريد أن نتكلم عن أصل مثل هذه الأفكار المنحرفة ومن أين خرجت علينا.
في مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-, والمصطفى -عليه السلام- جالس يقسم الغنائم, بقسمة رب العالمين, وهو -عليه السلام- أعدل أهل الأرض, علم رجلٌ بقسمته وإعطاءه بعض رءوس الناس أكثر من غيرهم، فقال -عليه من الله ما يستحق-: "والله إن هذه القسمة ما عدل فيها، وما أريد بها وجه الله"، كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
ثم جاء إلى النبي–صلى الله عليه وسلم-وهو يقسم فقال له: يا رسول الله اعدل!!, يا ويحه, أيقول لرسولنا عليه السلام اعدل, لذا غضب عليه المصطفى– صلى الله عليه وسلم-"ويلك، ومن يعدل إذا لم أعدل، قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل".
فقام عمر –رضي الله عنه- فقال: "يا رسول الله، ائذن لي فيه؛ فأضرب عنقه؟ فقال: "دعه، فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية".
من هنا كانت الشرارة, وفي عهد عثمان كانت البداية, فحين تسوروا عليه سور بيته –رضي الله عنه- كان جالساً يقرأ القرآن, فردت زوجته عنه، فقطع الخارجي أصابعها, ثم تقدم أحدهم فأخذ بلحية عثمان، وقال له يا نعثل –معيراً له- لقد أخزاك الله, يا فقال: "لست بنعثل ولكنني عبد الله، وأمير المؤمنين، ثم قال له: يا ابن أخي دع لحيتي، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت، فقال: ما يراد بك أشد من قبضتي، ثم طعن جنبه بمشقص، ورفع آخر مشاقص فوجأ بها في أذن عثمان، فمضت حتى دخلت في حلقه، ثم علاه بالسيف، ثم اجتمعوا عليه, وطعنه أحدهم تسع طعنات، وقال: ثلاث لله، وست لما في نفسي عليه"!!
وفي عهد علي-رضي الله عنه-كانت الانطلاقة, ففي عام 40 من الهجرة قام علي-رضي الله عنه- ليصلي بالناس الفجر, فقام رجل من الناس وكمن له, وحين مرّ بذلك الطريق خرج الخارجي وانقض عليه وطعنه طعنةً مات بسببها أمير المؤمنين.
انحراف خطير جداً أن يجرؤَ إنسانٌ على قتل المبشَّر بالجنة وابن عم رسول الله، وزوج ابنته وخليفة المسلمين, وصدق الله إذ يقول: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) [الكهف: 103- 104]، قال علي –رضي الله عنه-: "لا أظن إلا أن الخوارج منهم".
هناك وفي تلك الحقبة بدأ الفكر الخارجي, أما النهاية لهذا الفكر فالله أعلم متى, لكن الذي نعلمه أنه –صلى الله عليه وسلم- أخبر أنهم سيخرجون, ويُقطعون, ثم يخرجون, وهكذا, حتى يأتي الدجال, وعند ابن ماجه بسند حسن "ينشأ نشء يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم، كلما خرج قرن قُطع"، قال ابن عمر: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "كلما خرج قرن قطع أكثر من عشرين مرة، حتى يخرج في عِراضهم الدجال".
معشر الكرام: لن أفيض في الحديث عن الخوارج فذاك مما ملئت به كتب السنة, ولن أستطرد في ذكر التواريخ, فتلك مظانها كتب التأريخ, وهي لعمر الله من الأهمية بمكان, فالناظر لأحداث الخوارج في زمن الصحابة, وتطورات فكر داعش الغالي يجد التقارب الكبير, ولا يتردد أن فكر دواعش اليوم متولدٌ من فكر خوارج القرن الأول, وقد قال ميمون بن مهران: "الخارجي هو الذي إذا خالفت رأيه سمّاك كافراً، واستحل دمك", فاللهم عافنا.
نعم يا كرام, الجهاد قائم, وموجود, ولكن فرق بين جهاد الكفار, وبين تكفير المسلمين ثم قتالهم وقتلهم باسم الجهاد.
والله إنه ليحزننا أن يصل الانحراف بقومٍ إلى هذا المستوى, لكن دين الله أحب إلينا, والمقاصد الحسنة لا تكفي, فيعتصر القلب على شابٍ خرج يبغي الجهاد فتلوث فكره وصار يكفر المسلمين بالظنة, ثم يقتلهم, سلم منه الكفار وعانى منه المسلمون, وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية إذ يقول عن بعضهم: "فالمسلمون منهم في تعب, والمشركون منهم في راحة".
لأجل كل هذا معشر الكرام: فإني أخاطب كل شابٍ لا زال يتعاطف مع هذا الغلو, ويحسن الظن بأهله ويعذّر لهم, ويشكك فيما ينسب لهم, أخاطبك يا أيها الشاب, يا من تحزنك مآسي المسلمين, وتبحث عن من يعيد للأمة عزها.
يا أخانا: دعني أقول لك: الجهاد دِينٌ، فانظر عمن تأخذ دينك, وأن يجتمع علماء المسلمين على تخطئة وتضليل جهة وجماعة فقل لي بربك: من الذي حسّن لك منهجهم؟!
إن العلماء الذين وثقت بأن تأخذ عنهم الصلاة والزكاة لهم أهلٌ لأن تثق بهم في أمر الجهاد, وفي الأمة علماء ناصحون, وعلى ساحات الجهاد مطلعون وبها عارفون, ما سمعنا أحداً منهم إلا ويحذر من الدواعش, والأمر دينٌ وليس بهوى فإياك أن تتبع أحداً بهوى وتدع رأي العلماء.
لا تُخدَعنّ بأنه ليس ثمة علماء, ففي الأمة كثر, ولن تجتمع الأمة على ضلالة, ومن جعل دينه عرضةً لمعرّفات مجهولة وأسماءَ مستعارة, وقومٍ عُرف كثير منهم بالغلو فقد ضلّ.
ولا تغترن بعبادة فلان ومنطق فلان, فالمظاهر لا تكفي, وقد قال ابن عباس عن غلاة زمانه حين ناظرهم: "فَدَخَلْتُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ أَرَ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ، أَيْدِيهِمْ كَأَنَّهَا ثفِن الْإِبِلِ -أي: غليظة-، وَوُجُوهُهُمْ مُعَلّمة مِنْ آثَارِ السُّجُودِ".
والأمر إذا تولاه من ليس براسخ في العلم غوى وأغوى, وقد قال ابن عمر عن غُلاة زمانه: "انطلقوا إلى آياتٍ نزلت في الكفار, فجعلوها على المسلمين".
لقد وصل الحال بأكثر أتباع داعش إلى أن يكفّروا علماءنا بل وعامتنا, وما قضايا التفجير التي تحدُث هنا إلا رجعاً لصدى التكفير, وتطبيقاً لمدلولها, بل وصل الحال ببعض أتباع داعش إلى أن يكفّروا عامة مجتمعات المسلمين, لأنهم -كما يقولون- إما طواغيت, أو لإعانتهم الطواغيت, أو لسكوتهم عن الطواغيت, نعوذ بالله من الزيغ, ولتعلم أن الغلو لا يتناهى وصل الحال ببعضهم إلى أن يكفروا خليفتهم, ويرونه مداهناً, ووصل الحال ببعضهم أن يكفّر نفسه, ثم يقومُ ليغتسل, والله لا أقول هذا من فراغ, بل أنا به عارف, وعليه مطلع, ولولا أن المقام لا يحتمل التفصيل لذكرت لك من ذلك الكثير.
ثم ماذا تتوقع ممن يقول: دم هؤلاء -يعني الرايات الإسلامية في الشام من غير رايته- أشهى علينا من دماء النصيرية!!
وماذا نسمي هدم مسجدٍ وقتلَ من فيه من المصلين, أي جهاد هذا؟!, وماذا نسمي قتل جلّة من قادة الجهاد من الكتائب الأخرى, باسم قتل الصحوات, وأصدقك القول: أني لم أعجب؛ لأن مَن قتل الصحابة وعثمان وعليّ بحجة كفرهم لن يؤده قتل أهل هذا الزمن بنفس الحجة, ولو قدر وتمكن لرأيت مصداق مقولة النبي -عليه السلام-: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان"، وأين هم عن دولة الرافضة, أفحينما بدت بوادر دحر الروافض في اليمن, وانكسرت شوكة الفرس هناك, تحرك هؤلاء.
يا أخا الإسلام: هي نفس واحدة, ولأن تلقى الله وأنت معتزلٌ أهون من أن تلقى الله غداً وأنت والغ في دماء المسلمين, أو مخرج لهم عن الدين, ولن يسألك الله لِمَ لَمْ تكفّر من شككت في كفره, لكنك ستحاسب إذا كفّرت مسلماً, وقد قال –صلى الله عليه وسلم- "ومن دعا رجلاً بالكفر أو قال عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه"، فإن أبيت إلا أن تظل على هذا، فسل ربك بصدق وإخلاص, والهج بدعوة المصطفى: "اللهم رب جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختُلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم"، عصمنا الله من الضلال, وهدانا لأحسن القول والفعال, اللهم صل على محمد...
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده, والصلاة والسلام على من لا نبي بعده:
الخوارج ليسوا -يا كرام- أوصافاً لا جسوم لها, وليسوا خيالاً لا وجودَ له, لو كان كذلك لما تتابع التحذير النبوي منهم, بل في السنة من التحذير منهم ما هو أكثر من غيرهم.
لماذا إذن حُذِّرْنا من مسالكهم؟ لأنهم الذريعة الكبرى لوأد المشاريع الإسلامية, وكبْت فريضة الجهاد في سبيل الله, ووسيلة لتشويه الدين باسم الدين.
ولأنهم يقتلون باسم الدين, ويضربون على وتر نصرة الدين, ويكفّرون المسلمين, ولو قدّر لهم أن استعلوا لما أبقوا في الأرض من المسلمين ديّاراً, إلا من كان على نهجهم, وصدق ابن كثير إذ يقول متحدثاً عنهم في زمن الصحابة: "لو تقوى هؤلاء الخوارج على الناس لأفسدوا الأرض كلها عراقًا وشامًا, ولم يتركوا طفلاً ولا طفلة ولا رجلاً ولا امرأة؛ لأن الناس قد أصبحوا فاسدين عندهم فسادًا لا يُصلحه إلا القتل"!
ولأن خطرهم الأكبر على أتباع الأمة, وارجع للتاريخ تجد أنهم حربةٌ في خاصرة المسلمين, وغصةٌ في حلوقهم, وصدق النبي–صلى الله عليه وسلم-إذ يقول: "يدعون أهل الأوثان ويقتلون أهل الإسلام".
معشر الكرام: بوادر الانحراف ربما لا تظهر في مبادئها, ونوافذ الغلو قد تأتيك من أقرب بابٍ, لأجل كل هذا أيها الولي, فلزامٌ أن تكون يقظاً, عظِّم في نفوس أولادك قدر العلماء الصادقين, فانقطاع الصلة بين الشاب والعلماء وسيلة سانحة لتنمية الغلو فيه, حذّرهم من مضلات الفتن, ومسارب الغلو عبر برامج التواصل, فكم شابٍ تغير فكره بمتابعة معرّف مجهول, يبتر كلام العلماء, ويكفر بالظنة, ويتهم بلا بينة, اربطهم بحلقات العلم والقرآن, ربّهم على العمل للدين, نمّ في نفوسهم التفاؤل بنصرة الدين.
وإذا رأيت بوادر غلو فلا تتردد في نصح وتوجيه, ومحاورة وإقناع, قبل أن يفوت الإمكان, وقد قال ابن كثير متحدثاً عن الخوارج في زمنه: "فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأخوال والخالات، وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسموات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات".
وقد تدارك جماعة من الناس بعض أولادهم وإخوانهم فردوهم وأنّبوهم ووبّخوهم فمنهم من استمر على الاستقامة، ومنه من فرَّ بعد ذلك فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة.
عباد الله: ولا تفتأ مثل هذه القضايا تحدث إلا ويتسارع قوم مفتونون ليلصقوا هذه الأحداث بعقيدتنا ومحاضن العلم الشرعي, والحلقات القرآنية, ليقولوا للناس بأن هذه مخرجات العلم والقرآن والتمسك, وكل هذا لعمر الله بهتان, بل ها نحن نرى استنكار عامة العلماء لهذه الأمور.
وثمة آخرون يلصقون هذه الأفعال بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب, وهؤلاء منهم من يريد النيل من هذه الدعوة الشامخة, التي غيّرت واكتسحت, وأعادت الكثير للمعتقد السليم, وهؤلاء قوم حاقدون على السلفية, ويستغلون كل حدثٍ ليقولوا للناس بأن هذا ما تخرجه الوهابية لكم.
وثمة قوم من الغلاة ينسبون كل فعل وقعوا فيه للوهابية, وتلك قضية تحتاج لتمحيص, وكم من قضيةٍ نسبت للشيخ محمد بن عبد الوهاب، وعند التمحيص تجد أنها لا تصح, واحدةٌ من هذه الأمور ما نسب للمجدد من أمره بقتل ابن معمر, وهو من ناصر الدعوة في أول أمرها, ثم تغّير, فأمر بقتله وهو يصلي, وطار البعض ممن يقدح في الدعوة السلفية بهذا الموقف المنسوب, وقد بحثت في هذه القضية فإذا بها لم تثبت, وما أحرى المسلم إلى أن يتثبت مما يقرر وينسب.
أيها الفضلاء: وحين ترى من يتبجح ليقول بأن ديننا ومناهجنا هي السبب فإنك تعلم أن هذا مفتون, يريد فسح المجال لفسقه, وإلا فالمنصف يعلم أنه لا يحق لأحد أن ينسب كل غلو إلى صفاء الدين ووسطيته, إن الرجل الذي قال للنبي–صلى الله عليه وسلم-: "اعدل يا محمد", كان كث اللحية مشمر الإزار, أي: قصيره, فهل شوهت سمعة اللحية بذلك, وكان إعفاؤها سبباً للغلو.
وبرغم أن الصحابة حدّثوا عن وصف الخوارج بأنهم يقرءون القرآن, لكنهم لم يكونوا يحاربون مجالس تعلم القرآن وحفظه, ففرق بين هذا وهذا, وإنما يحارب الغلو بالعلم والحجة, فكفاكم تشويشاً وتهويشاً, فدين الله وسط بين غلو وجفاء, ولن ينمو الغلو إلا حين تُضيّق مجالات الدين الوسط.
وبعد يا موفق: فالفتن إذا أقبلت لم يعرفها إلا العلماء, وإذا انقضت وأدبرت عرفها كل أحد, فانظر أين يحط العلماء رحالهم, فهم حجة لك أمام ربك, وسل ربك سلامة الدين, وأن يهديك للحق, وأن يريك الحق حقاً حقّاً ويرزقك اتباعه.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم