غضب الأنبياء

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2022-11-04 - 1444/04/10 2022-11-09 - 1444/04/15
عناصر الخطبة
1/أخلاق الأنبياء في الدعوة 2/غضب الأنبياء لله

اقتباس

أَخْلاقُ المرْسَلِينَ صَحائِفُ مِنْ نُور.. حِلْمٌ وصَبْرٌ ورَحْمَةٌ ورِفْقٌ وأَناة، وهُمْ بأَمرِ اللهِ يأَتَمِرُون، ولاؤُهُم للهِ، وحُبُّهُمْ للهِ، وعَطاؤُهُمْ للهِ، ومَنْعُهُمْ لله، وللهِ يَغْضَبُون، يَغْضَبُ الأَنْبِياءُ لله.. حِيْنما تُتَجاوَزُ حُدُوْدُ اللهِ وتُنْتَهَكُ حُرُماتُه، وتُخالَفُ شَرِيْعَتُهُ ويُكْفَرُ بآياتِه.

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)،   (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

أيها المسلمون: مَكَارِمُ الأَخْلاقِ تَعْلُو بالفَتَى، ولا يُدْرِكُ العَلْياءَ غَيرُ خَلُوْقِ، وأَكرَمُ الناسِ خُلُقاً.. رِجالٌ اصْطَفاهُمُ اللهُ لِحَمْلِ رِسالَتِه إلى الناس و(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).

 

أَخْلاقُ المرْسَلِينَ.. أَخْلاقٌ صُنِعَتْ عَلَى عَيْنِ رَبِّ العالَمِين، لا يَعْتَرِيْها نَقصٌ ولا يلْحَقُها خَلَلٌ.

 

 أَخلاقُ مَنْ يَدْعُونَ الناسَ إلى رَبِّ الناس، ويَهدونَ الناسَ إلى صراطٍ مستقيم. ومواقِفُ الشِّدَةِ والأَذَى.. هِيَ الكَاشِفَةُ لِمَعَادِنِ النُفُوس، وَهِي المُظْهِرَةُ لِحَقَائِقِ الأَخْلاقْ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إلا حُورِبَ وأُوذِيَ، وأُقْصِيَ وَعُودِي؛ (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا).

 

رُسُلٌ كِرامٌ.. يُقابِلُونَ الأَذَى بِالصَّبرِ، والسُخْرِيَةَ بالحِلْمِ، والجَهلَ بالإعراضْ. لا يَنْتَقِمُونَ لأَنفُسِهِم، ولا يَثْأَرُونَ لِذَوَاتِهِم، تَجَرَّدُوا مِنْ حُظُوظِ النَّفْسِ قَدْ بَاعُوا النَّفْسَ لله؛ قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُوْدٍ -رضي الله عنه-: كَأَنِّي أنْظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنَ الأنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فأدْمَوْهُ، وهو يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجْهِهِ ويقولُ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فإنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ"(متفق عليه).

 

أَخْلاقُ المرْسَلِينَ صَحائِفُ مِنْ نُور.. حِلْمٌ وصَبْرٌ ورَحْمَةٌ ورِفْقٌ وأَناة، وهُمْ بأَمرِ اللهِ يأَتَمِرُون، ولاؤُهُم للهِ، وحُبُّهُمْ للهِ، وعَطاؤُهُمْ للهِ، ومَنْعُهُمْ لله، وللهِ يَغْضَبُون، يَغْضَبُ الأَنْبِياءُ لله.. حِيْنما تُتَجاوَزُ حُدُوْدُ اللهِ وتُنْتَهَكُ حُرُماتُه، وتُخالَفُ شَرِيْعَتُهُ ويُكْفَرُ بآياتِه. يَغْضَبُ الأَنْبِياءُ للهِ لا لأَنْفُسِهِم يَغْضَبُون. يَغْضَبُونَ لله.. ولا يَقُومُ الغَضَبُ للهِ إِلا في قَلْبِ مَنْ كانَ للهِ وَلِياً.

 

والغَضَبُ للهِ.. عِبادَةُ عِبادِ اللهِ المُخْلَصِيْن، عِبادَةُ مِنْ وَحَّدَ اللهَ وأَخْلَصْ، ونَزَّهَ اللهَ وقَدَّسْ، وَعَظَّمَ اللهَ وكَبَّرْ، عِبادَةُ مَنْ يَغارُ على حُرُماتِ اللهِ، وهَلْ قامَتْ شَرِيْعَةُ المجاهَدَةِ للكُفارِّ والمنافِقِينَ إلا غَضَباً للهِ وغَيرةً على دِيْنِه؛ (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

 

يَغْضَبُ الأَنْبِياءُ لله.. ظَلَّ نوحٌ -عليه السلام- في قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إلا خَمْسِيْنَ عاماً، صَابِراً على دَعوتِهِم، صَابِراً مُصَابِراً على أَذَاهُمْ وسُخْرِيَتِهِم، يَرْجُو لَهم هِدايَةً ورَشاداً، فَلَمَّا أَوْحَى إِليهِ رَبُّهُ؛ (أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)، أَيِسَ مَنْ صلاحِهِم، وَغَضِبَ نُوحٌ للهِ.. وابْتَهَلَ إِليهِ مُتَضَرِّعاً؛ (رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا).

 

وإِبْرَاهِيْمُ -عليه السلامُ- غَضِبَ للهِ.. أَن رأَى قَومَهُ عُكُوْفاً عَلَى أَصْنَامٍ يَعْبُدُونَها مِنْ دُونِ الله؛ (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ * قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ * قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ * وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ)، غَضِبَ للهِ.. فَحطَّمَ أَصناماً كانَتْ تُعبَدُ مِن دُونِ الله.

 

ومُوْسَى -عليه السلامُ-.. حِينما اتْخَذَ قَومُهُ ـ بِغِيابِهِ- العِجْلَ مَعْبُوْداً مِنْ دُونِ الله، وأَضَلَّهُمُ السامِرِيّ، غَضِبَ للهِ غَضَباً شَدِيْداً؛ (فَرَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدتُّمْ أَن يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُم مَّوْعِدِي)، وقال للسامِرِي: (وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا*إِنَّمَا إِلَٰهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۚ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)، غَضِبَ للهِ.. فأَنْكَرَ المُنْكَرَ وأَزالَه، وحَرَّقَ الصَّنَمَ ونَسَفَه، وبَيَّنَ الحَقَّ وأَظْهَرَه.

 

غَضَبٌ للهِ.. ولا يَقُومُ الغَضَبُ للهِ إِلا في قَلْبِ مَنْ كانَ للهِ وَلِياً، ورَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ باللهِ وأَخشاهُم لَه، قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: "وَمَا نِيلَ مِن رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَيءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِن صَاحِبِهِ، إلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ"(رواه مسلم).

 

 يَغْضَبُ رَسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- للهِ.. غَضَباً يَحْفَظُ بِهِ مَـحَارِمَ الله، ويَحْمِيْ بِهِ حُدُودَ الله، ويَنْصُرُ بِهِ دِينَ الله، فَيُنْكِرُ مُنْكَراً، ويَرُدُّ بَاطِلاً، ويُصْلِحُ فَسَاداً، ويُقِيْمُ اعْوِجَاجاً، غَضَباً للهِ.. مَقْرُوناً بِوَعْظٍ ونُصْحٍ وإِرْشاد، وَتَهْذِيْبٍ وتَرْبِيَةٍ وتأَدِيْبٍ؛ قالتْ عائشَةُ -رضي الله عنها-: "دَخَلَ عَلَيَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَفِيْ البَيْتِ قِرَامٌ فِيْهِ صُوَرٌ -أَي سِتارٌ من قُماشٍ فيه صُوَر- فَتَلَوَّنَ وَجْهُهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ السِّتْرَ فَهَتَكَهُ، وقَالَ: مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ الذِّيْنَ يُصَوِّرُوْنَ هَذِهِ الصُّوَرْ"(رواه البخاري ومسلم).

 

وقالَ عبدُاللهِ بنُ عَمْرو -رضي الله عنهما-: "خرجَ النبيُ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ علَى أصحابِهِ وَهُم يختَصِمونَ في القَدَرِ، فَكَأنَّما يُفقَأُ في وجهِهِ حَبُّ الرُّمَّانِ مِنَ الغضَبِ، فَقَالَ: بِهَذا أُمِرتُمْ؟! أَوْ لِهَذا خُلِقتُمْ؟! تَضْرِبُوْنَ القُرآنَ بَعْضَهُ ببَعْض. بِهَذا هَلَكَتِ الأُمَمُ قَبْلَكُم"(رواه ابن ماجة).

 

وقالَ أَبو مَسْعُود الْأَنْصَارِيُّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-: جَاءَ رَجُلٌ إِلى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنِّي واللَّهِ لَأَتَأَخَّرُ عن صَلَاةِ الغَدَاةِ -أَي الفَجْر- مِن أجْلِ فُلَانٍ؛ ممَّا يُطِيلُ بنَا فِيهَا، قالَ: فَما رَأَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قَطُّ أشَدَّ غَضَبًا في مَوْعِظَةٍ مِنْهُ يَومَئذٍ. ثُمَّ قالَ: "يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ، فأيُّكُمْ ما صَلَّى بالنَّاسِ فَلْيُوجِزْ؛ فإنَّ فِيهِمُ الكَبِيرَ، والضَّعِيفَ، وذَا الحَاجَةِ"(رواه البخاري ومسلم).

 

غَضَبٌ للهِ.. يَحْمِلُ عَلَى القِيامِ بِأَمْرِهِ والكَفِّ عَنْ نَهيِه، ويَحمِلُ على إِنْكَارِ المُنْكَرِ وعلى البَيَانِ والنُّصْحِ والإِصْلاحْ؛ (وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ).

 

بارك الله لي ولكم..

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ للهِ رَب العالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأَشهد أن محمداً رسول رب العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: مَنْ عَظَّمَ اللهَ عَظَّمَ أَمْرَه، ومَنْ عَرَفَ اللهَ أَسْلَمَ لَه، يَمْتَلِئُ القَلْبُ للهِ تَوقِيْراً؛ فَيَغارُ على أَوامِرِ اللهِ، ويَغْضَبْ إِذَا انْتُهِكَتْ للهِ حُرْمَة.

 

غَضَبٌ للهِ.. لا يَحْمِلُ على تَجَاوُزٍ لِحُدُوْدِ اللهِ، ولا على تَعَدٍّ لأَوامِرِ الله، ولا عَلَى جْرْأَةٍ على عَمَلِ ما لَمْ يأَذَن بِهِ الله.

 

الغَضَبُ للهِ.. لَهُ شَرِيْعَةٌ تُهَذِّبُه، ودُسْتُورٌ يُقَوِّمُه، وَدِيْنٌ يَقَودُهُ وَيَهْدِيْه، غَضَبٌ للهِ.. يَحْمِلُ على امْتِثَالِ أَمْرِ رٍسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"(رواه مُسْلِمْ).

 

غَضَبٌ للهِ.. يَتَمَعَّرُ بِهِ القَلْبُ إِنْ رأَى مُنْكَراً يُغْضِبُ الله. فَلا يَشْهَدُ مُنْكَرَاً ولا يَرْضَى بِه، ولا يَطْمَئِنُ إليه ولا يَهُوْنُ عَلَيْه.

 

تَنْطَفِئُ جَذوَةُ الإِيمانِ في القَلْبِ.. إِنْ انْطَفَأَتْ غَيْرَتُهُ على حُرُماتِ الله، يَرَى محارِمَ اللهِ تُنتَهَك فَلا يَحْزَن، ويَرَى حُرماتِ اللهِ تُسْتَباحُ فَلا يَتَأَلَّم، يَرَى المُنْكَرَ في أَهلِهِ وفي مَنْ حَولَه.. فلا يَنْصَحُ ولا يُصْلِح، ولا يأَمُرُ ولا يَنهى، ولا يَقُومُ للهِ بما يَسْتَطِيْع، و(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).

 

وإِنكارُ القَلْبِ.. يَكُوْنُ فِيْمَا لا يُقْدَرُ عَلَيْهِ بِاليدِ أَو اللِّسَانِ، وهُوَ آخِرُ مَراتِبِ الإنكارِ، ولا تَرْتَحِلُ تِلْكَ المَرْتَبَةُ مَنْ قَلْبٍ فيهِ للهِ تَعْظِيْم.

 

وما أَطْفَأَ تَوَقُدَ الغَيرَةِ علَى حُرُماتِ الله.. مِثْلُ إِدْمَانِ مُشاهَدَةِ المُنْكَرِاتِ ومُجالَسَةِ أَهلِها، وإشاعَةِ صُوَرِها وبَثِّ أَخبارِها، ووسائِلُ التواصُلِ بِشَتَّى صُوَرِها.. سِلاحٌ إِنْ لَمْ تُرْفَعْ بِهِ للحقِّ رايةٌ، رُفِعَت بِه للبَاطِلِ رايات؛ (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ).

 

يَغارُ القَلْبُ لله ويَغْضَب.. ما بَقِيَ فيه إِيمانٌ وشَعَّ فِيهِ نُور، ولا حَيَاةَ لِقَلْبٍ مِنَ الإِيْمَانِ خَوَى.

 

غَضِبَتْ للهِ الجَمَادَاتْ، وَغَضِبَتْ لَهُ عَظَائِمُ المَخْلُوقات، غَضِبَتْ لَهُ الأَرضُ والجِبالُ والسماوات (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدًا).

 

غَضِبَتْ علَى مَنْ أَشْرَكَ باللهِ ودعا لَه الوَلَد، ومَسْلُوبُ العَقْلِ والدِّينِ.. جامِدُ القَلْبِ لَمْ يَغْضَبْ، بَل انْتَكَس وارْتَكَسْ، ومَضَى يَقْتَفِي أَثَرَ الكافِرِينَ وبِهِم يَتَشَبَّه.

 

ونارُ اللهِ المُوقَدَةُ.. يَشْتَدُ غَيْظُها وغَضَبُها يَومَ القيامةِ على أَعْدَاءِ اللهِ؛ قال اللهُ -جَلَّ جَلالُه-: (إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا)، وقال الله جَلَّ ذِكْرُه: (تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ).

 

مَنْ غَضِبَ لله.. تَبَرّأَ مِنْ كُلِ عَدُوٍّ لله: (وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ).

 

 اللهم املأ قلوبنا إيماناً ويقيناً..

 

ـــ الاستسقاء ــ

المرفقات

غضب الأنبياء.pdf

غضب الأنبياء.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات