عناصر الخطبة
1/تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للشباب 2/رفقه صلى الله عليه وسلم بالشباب 3/توظيفه صلى الله عليه وسلم لطاقات الشباب 4/أثر معاملته صلى الله عليه وسلم على نفوس الشباب.اقتباس
فَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُرَبِّينَ اسْتِلْهَامُ تِلْكَ النَّمَاذِجِ الْوَضَّاءَةِ؛ لِإِخْرَاجِ جِيلٍ ذِي هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وَعَزِيمَةٍ وَثَابَّةٍ، تَسْتَفِيدُ مِنَ الْمَاضِي، وَتَسْتَشْرِفُ الْمُسْتَقْبَلَ، لِتَنْشِئَةِ جِيلٍ قَادِرٍ عَلَى مُجَابَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ وَالْمَسْؤُولِيَّاتِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
فَيَا أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ هِيَ أَهَمُّ مَرَاحِلِ الْعُمْرِ، وَالشَّبَابُ هُمْ أَحْوَجُ الْفِئَاتِ لِلرِّعَايَةِ وَالِاهْتِمَامِ وَالتَّوْجِيهِ وَالْعِنَايَةِ؛ فَإِنَّهَا مُفْتَرَقُ طُرُقٍ فِي حَيَاةِ كُلِّ إِنْسَانٍ؛ فَإِمَّا أَنْ تُوَجَّهَ طَاقَتُهُ إِلَى الْخَيْرِ فَيَتَرَقَّى فِي مَرَاتِبِهِ، وَإِمَّا أَنْ تُسَاقَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَهْوِي فِي مَهَاوِي الشَّرِّ! وَإِنَّ خَيْرَ وَأَعْلَمَ مَنِ اهْتَمَّ بِالشَّبَابِ هُوَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَلُمَّ بِنَا نَرَى كَيْفَ وَفِيمَا اعْتَنَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ.
عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نَفْسِهِ: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَبْعَثْنِي مُعَنِّتًا، وَلَا مُتَعَنِّتًا، وَلَكِنْ بَعَثَنِي مُعَلِّمًا مُيَسِّرًا"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَالَ عَنْهُ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَهَا هُوَ ذَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- الْقَضَاءَ؛ فَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْيَمَنِ، وَأَنَا شَابٌّ حَدِيثُ السِّنِّ فَقُلْتُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ بَعَثْتَنِي إِلَى قَوْمٍ يَكُونُ بَيْنَهُمْ أَحْدَاثٌ، وَأَنَا شَابٌّ حَدِيثُ السِّنِّ"(رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْكُبْرَى)، فَعَلَّمَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقَضَاءَ قَائِلًا: "إِذَا تَقَاضَى إِلَيْكَ رَجُلَانِ، فَلَا تَقْضِ لِلْأَوَّلِ حَتَّى تَسْمَعَ كَلَامَ الْآخَرِ، فَسَوْفَ تَدْرِي كَيْفَ تَقْضِي"(حَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَعَلَّمَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَوْلَوِيَّاتِ الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ قَائِلًا: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ عِبَادَةُ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَإِذَا عَرَفُوا اللَّهَ، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ، فَإِذَا فَعَلُوا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِذَا أَطَاعُوا بِهَا، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَعَلَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أُصُولَ الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ: "يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَعَلَّمَ أَحَدَ الشَّبَابِ كَيْفَ يَذْبَحُ شَاةً، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِغُلَامٍ يَسْلُخُ شَاةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَنَحَّ حَتَّى أُرِيَكَ" فَأَدْخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ بَيْنَ الْجِلْدِ وَاللَّحْمِ، فَدَحَسَ بِهَا حَتَّى تَوَارَتْ إِلَى الْإِبِطِ وَقَالَ: "يَا غُلَامُ، هَكَذَا فَاسْلُخْ"(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ كَانَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُعَلِّمًا لِلشَّبَابِ بِرِفْقٍ وَشَفَقَةٍ وَحُبٍّ، وَكَيْفَ لَا؛ وَهُوَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْقَائِلُ: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)، وَالْقَائِلُ: "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَهَا هُوَ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يُخْطِئُ فِي صَلَاتِهِ حَتَّى هَمَّ بِهِ الصَّحَابَةُ، فِي حِينِ رَفَقَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَحْكِي مُعَاوِيَةُ فَيَقُولُ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ؟ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
أَمَّا هَذَا الشَّابُّ فَقَدْ تَجَرَّأَ فَنَطَقَ فِي حَضْرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا لَا يَلِيقُ قَائِلًا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ مَهْ.. أَمَّا نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ: "ادْنُهْ"، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا فَجَلَسَ، فَقَالَ لَهُ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟" قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟"، قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللَّهِ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ"، قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟"، قَالَ: لَا، وَاللَّهُ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ، قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ"، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"، فَلَمْ يَكُنْ بَعْدَ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ.(صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
وَيَشْهَدُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- بِرِفْقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِ وَبِمَنْ مَعَهُ مِنَ الشَّبَابِ فَيَقُولُ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ.."(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
خُذِ الْأُمُورَ بِرِفْقٍ وَاتّئِدْ أَبَدًا *** إِيَّاكَ مِنْ عَجَلٍ يَدْعُو إِلَى وَصَبِ
الرِّفْقُ أَحْسَنُ مَا تُؤْتَى الْأُمُورُ بِهِ *** يُصِيبُ ذُو الرِّفْقِ أَوْ يَنْجُو مِنَ الْعَطَبِ
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ تَمَامِ عِنَايَةِ الرَّسُولِ الْأَكْرَمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالشَّبَابِ أَنْ وَجَّهَ طَاقَاتِهِمْ وَمَوَاهِبَهُمْ إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ وَأَحْسَنَ اسْتِثْمَارَهَا، فَهَا هُوَ ذَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْعَثُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَاضِيًا، وَيُرْسِلُ بِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- مُعَلِّمًا.
وَيُوفِدُ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- سَفِيرًا إِلَى الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ، فَعِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: "ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ قِبَلِكَ فَيَدْعُو النَّاسَ بِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ أَدْنَى أَنْ يُتَّبَعَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ"(رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ).
وَنَصَّبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ فِيهِ كِبَارُ الصَّحَابَةِ، بَلْ وَيَسْتَأْذِنُ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَقَدْ صَارَ خَلِيفَةً لِلْمُسْلِمِينَ فِي أَنْ يَتْرُكَ لَهُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لِيُعِينَهُ، حَتَّى كَانَ عُمَرُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- لَا يَلْقَى أُسَامَةَ إِلَّا قَالَ لَهُ: "السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ".
وَمَا زَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَخْرِجُ مِنَ الشَّبَابِ طَاقَاتِهِمْ وَيُوَظِّفُهَا حَتَّى فَتَحَ بِهِمُ الْبِلَادَ وَأَضَاءَ بِهِمُ الدُّنْيَا.
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ أَثْمَرَتْ عِنَايَتُهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالشَّبَابِ ثِمَارًا يَانِعَاتٍ مُبَارَكَاتٍ، وَمِنْهَا:
أَنَّ الشَّبَابَ أَحَبُّوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْظَمَ الْحُبِّ وَأَصْدَقَهُ، فَوَجَدْنَاهُمْ يَفْدُونَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِمَائِهِمْ وَأَرْوَاحِهِمْ رَاغِبِينَ مُخْتَارِينَ، فَسَمِعْنَا أَبَا طَلْحَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: "يَا نَبِيَّ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، لَا تُشْرِفْ يُصِيبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَرَأَيْنَا سَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ وَهُوَ يَلْفِظُ أَنْفَاسَهُ الْأَخِيرَةَ: "وَقُلْ لِقَوْمِي الْأَنْصَارِ: لَا عُذْرَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُخْلَصَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِيكُمْ شُفْرٌ يَطْرِفُ" وَفَاضَتْ نَفْسُهُ. (رَوَاهُ الْحَاكِمُ).
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ تَفَانَوْا فِي خِدْمَةِ الْإِسْلَامِ وَرَفْعِ رَايَتِهِ: فَهَذَا أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- يَقُولُ: "وَاللَّهِ مَا نِمْتُ فَحَلَمْتُ، وَلَا شَبَّهْتُ فَتَوَهَّمْتُ، وَإِنِّي عَلَى طَرِيقِي مَا زِغْتُ"(تَارِيخُ الْمَدِينَةِ لِابْنِ شَبَّةَ)، وَيَشْهَدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ شَبَابِ الصَّحَابَةِ قَدْ دُفِنُوا بَعِيدًا عَنْ دِيَارِهِمْ شُهَدَاءَ لِنَشْرِ دِينِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فِي كُلِّ بِقَاعِ الْأَرْضِ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُمْ رَبَّوُا الْأَجْيَالَ الَّتِي تَلِيهِمْ عَلَى مَا رَبَّاهُمْ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعْتَنَوْا بِهِمْ كَعِنَايَتِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ، فَلَا عَجَبَ إِذَنْ أَنْ كَانُوا خَيْرَ أَجْيَالِ الْإِسْلَامِ: "خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَهَكَذَا يَكُونُ الشَّبَابُ إِذَا مَا وُجِّهَتْ إِلَيْهِمُ الْعِنَايَةُ وَالرِّعَايَةُ وَالِاهْتِمَامُ؛ سَبَبَ رِفْعَةٍ وَرُقِيٍّ وَسَعَادَةٍ لِأُمَّتِهِمْ، بِهِمْ تَصُولُ وَتَجُولُ، شَبَابُ هُدًى وَصَلَاحٍ وَعِزَّةٍ، لِسَانُ حَالِهِمْ:
رَسُولُ اللَّهِ رَبَّانَا، وَبِالْإِسْلَامِ أَحْيَانَا *** وَعَلَّمَنَا بِأَنْ نَبْقَى لِدِينِ اللّهِ أَعْوَانَا
نَهَلْنَا مِنْهُ شِرْعَتَنَا وَأَعْلَيْنَا بِهِ الشَّانَا *** فَلَمْ نَظْلِمْ وَلَمْ نَغْدِرْ وَلَمْ نَسْتَعْلِ طُغْيَانَا
فَعَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَالْمُرَبِّينَ اسْتِلْهَامُ تِلْكَ النَّمَاذِجِ الْوَضَّاءَةِ؛ لِإِخْرَاجِ جِيلٍ ذِي هِمَّةٍ عَالِيَةٍ، وَعَزِيمَةٍ وَثَابَّةٍ، تَسْتَفِيدُ مِنَ الْمَاضِي، وَتَسْتَشْرِفُ الْمُسْتَقْبَلَ، لِتَنْشِئَةِ جِيلٍ قَادِرٍ عَلَى مُجَابَهَةِ التَّحَدِّيَاتِ وَالْمَسْؤُولِيَّاتِ.
فَاللَّهُمَّ هَبْ لِشَبَابِنَا مُعَلِّمِينَ وَمُرَبِّينَ أَتْقِيَاءَ صَالِحِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم