عناية الإسلام بالشباب (2)

الشيخ د إبراهيم بن محمد الحقيل

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ الميل للشهوة في مرحلة الشباب 2/ منهج نبوي فريد في التعامل مع الشباب 3/ ثمرة التربية الإيمانية في جيل الصحابة 4/ طريقة الثناء في توجيه الشباب 5/ الأسلوب الحواري العقلي 6/ ضرورة الصبر على غرائب مطالب الشباب 7/ استهداف الأعداء لفئة الشباب في المجتمع المسلم 8/ القضاء على الشباب بالمخدرات والمسكرات

اقتباس

وللنبي صلى الله عليه وسلم منهج فريد عجيب في القرب من الشباب، ومحاكاة عقولهم، وتخفيف سورتهم، وتهذيب شهوتهم، وتوجيه قوتهم إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وذلك بتقريبهم من الطاعات، وإبعادهم عن المحرمات، بخطاب يناسب أحوالهم، ويراعي الفوارق بينهم. كان النبي صلى الله عليه وسلم يغرس في قلوب الشباب الإيمان، ويربيهم على العلم مع العمل ..

 

 

 

 

(الحَمْدُ لله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَهُ الحَمْدُ فِي الآَخِرَةِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ) [سبأ:1]، نحْمَدُهُ حمْدَاً يليق بجلاله وعظيم سلطانه؛ فالخير بيديه، والشر ليس إليه، ونشكره على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة. 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا يزال يغرس في هذا الدين غرسا يستعملهم في طاعته، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ آواه ربه في يتمه، وأغنى نفسه، وهدى قلبه، وأدَّبه فأحسن تأديبه، وعلَّمَهُ مَا لم يعلم؛ فكان أحسن الناس خلقا وتعاملا، وأرقاهم تأديبا وتعليما.

قال فيه معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه-: فَبِأَبِي هو وَأُمِّي ما رأيت مُعَلِّمًا قَبْلَهُ ولا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا منه، صَلَّى اللهُ وسلَّم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه فلا تعصوه، اتقوه في إقامتكم وأسفاركم، واتقوه في شهود الناس وغيبتهم؛ فإنه عليم بكم، مطلع عليكم، لا تخفى عليه خافية منكم، (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1].
 

أيها الناس: في مرحلة الشباب ميلٌ للشَّهوة، وإظهار للفُتُوَّة، وكسل عن الطاعة؛ ولذا كان من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظلّه شاب نشأ في عبادة الله تعالى؛ ولأن مرحلة الشيخوخة فيها ضعف القوة، وخمود الشهوة، كان من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله تعالى ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم أُشَيْمِطٌ زانٍ، والأشيمط هو الشيخ الذي شاب رأسه.

وجاء في الحديث: "إن الله يعجب من الشاب ليست له صبوة" رواه أحمد. أي: ليس له ميل إلى الهوى باعتياده للخير، وقوة عزيمته في البُعْدِ عن الشر، وهذا عزيز نادر فلذلك قُرِنَ بالتعجُّب؛ وذلك لأن الغريزة تنازع الشباب، وتدعوهم إلى الشهوات، والشيطان يزينها لهم، فعدم صدور الصبوة من الشاب هو من العجب العجاب.
 

وللنبي -صلى الله عليه وسلم- منهج فريد عجيب في القرب من الشباب، ومحاكاة عقولهم، وتخفيف سورتهم، وتهذيب شهوتهم، وتوجيه قوتهم إلى ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وذلك بتقريبهم من الطاعات، وإبعادهم عن المحرمات، بخطاب يناسب أحوالهم، ويراعي الفوارق بينهم.

كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يغرس في قلوب الشباب الإيمان، ويربيهم على العلم مع العمل، ويتعاهدهم عند بلوغهم؛ لأنه سن التكليف، وكأن هذا الفعل منه -صلى الله عليه وسلم- كان عاما مع الشباب؛ كما يدل عليه حديث جُنْدُبِ بن عبد اللَّهِ قال: كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قبل أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا. رواه ابن ماجه. والحزور هو الذي قارب البلوغ.

وأثمرت هذه التربية الإيمانية في المدينة النبوية شبابا متطلعا للآخرة، عاملا لها، نافعا لنفسه ولأمته، يقوم بواجبه تجاه أهله، ويتفانى في خدمة غيره، يدل على ذلك حديث أَنَسِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: كان شَبَابٌ مِنَ الأَنْصَارِ سَبْعِينَ رَجُلاً يقال لهم الْقُرَّاءَ، كَانُوا يَكُونُونَ في الْمَسْجِدِ، فإذا أَمْسَوُا انْتَحَوْا نَاحِيَةً مِنَ الْمَدِينَةِ فَيَتَدَارَسُونَ وَيُصَلُّونَ، يَحْسِبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ في الْمَسْجِدِ، وَيَحْسِبُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ أَنَّهُمْ في أَهْلِيهِمْ.

حتى إذا كَانُوا في وَجْهِ الصُّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنَ الْمَاءِ، وَاحْتَطَبُوا مِنَ الْحَطَبِ فجاؤوا بِهِ فَأَسْنَدُوهُ إلى حُجْرَةِ رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَبَعَثَهُمُ النبي -صلى الله عليه وسلم- جَمِيعاً فأصيبوا يوم بِئْرِ مَعُونَةَ، فَدَعَا النبي -صلى الله عليه وسلم- على قَتَلَتِهِمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً في صَلاَةِ الْغَدَاةِ" رواه أحمد، وقصة استشهادهم في الصحيحين.

وإن رأى -صلى الله عليه وسلم- شابا صالحا عنده ترك بعض النوافل أثنى على صلاحه تشجيعا له؛ فإن التشجيع يعمل عمله في القلوب، ثم أرشده إلى ما عنده من النقص ليكمله، فثناؤه عليه بما فيه من الخير يفتح قلبه لتلقي الإرشاد.

وفي ذلك قصة ابن عمر -رضي الله عنهما- يحكيها، وكان شابا صالحا فيقول: كان الرَّجُلُ في حَيَاةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَتَمَنَّيْتُ أن أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا على النبي -صلى الله عليه وسلم-.

قال: وَكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا، وَكُنْتُ أَنَامُ في الْمَسْجِدِ على عَهْدِ رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَأَيْتُ في النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إلى النَّارِ، فإذا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وإذا لها قَرْنَانِ كَقَرْنَيْ الْبِئْرِ، وإذا فيها نَاسٌ قد عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِالله من النَّارِ! أَعُوذُ بِالله من النَّارِ! أَعُوذُ بِالله من النَّارِ!.

قال: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فقال لي: لم تُرَعْ. فَقَصَصْتُهَا على حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ على رسول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نِعْمَ الرَّجُلُ عبد اللَّهِ، لو كان يُصَلِّي من اللَّيْلِ!" قال سَالِمٌ: فَكَانَ عبد اللَّهِ بَعْدَ ذلك لَا يَنَامُ من اللَّيْلِ إلا قَلِيلًا. رواه الشيخان. وفي رواية للدارمي قال: وَكُنْتُ إذا نِمْتُ لم أَقُمْ حتى أُصْبِحَ. قال: فَكَانَ ابن عُمَرَ يُصَلِّي اللَّيْلَ.

فأثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- عليه بما فيه من الخير، ثم وجَّهَه إلى ما ترك من نافلة قيام الليل، فكان هذا التوجيه بعد الثناء محل قبول ابن عمر، فعمل بإرشاد النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وربما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- شبابا فيه شيء من التقصير في الطاعة، أو الوقوع في المعصية، فيرشده بما يبعده عن المحرم؛ إذ فعل الواجبات وترك المحرمات أهم بالتوجيه والتأديب من الإرشاد إلى المندوبات.

ومن ذلك ما روى سَمُرَةُ بْنُ فَاتِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "نِعْمَ الْفَتَى سَمُرَةُ، لَوْ أَخَذَ مِنْ لِمَّتِهِ، وَشَمَّرَ مِنْ مِئْزَرِهِ"، فَفَعَلَ ذَلِكَ سَمُرَةُ، أَخَذَ مِنْ لِمَّتِهِ، وَشَمَّرَ، مِنْ مِئْزَرِهِ . رواه أحمد. فتأملوا كيف نفع الثناء على هذا الشاب في ترْكِه المنهيّ عنه.

وأحيانا يعمد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى الأسلوب الحواري العقلي ليزيل ما في نفس الشاب من التعلق بالمعصية، ويأخذه بالرفق واللين، فليس كل الشباب يتقبلون الأمر والنهي بلا إقناع؛ ومهما كان مطلب الشاب فيه شذوذ وخروج عن المألوف، وضرب من الجنون، فلا سبيل إلى ثنيه عنه إلا بالإقناع والحوار والإلزام، والجدال بالتي هي أحسن.

والعمدة في ذلك حديث أَبِي أُمَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا، فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ وَقَالُوا: مَهْ. مَهْ. فَقَالَ: "ادْنُهْ"، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا.

قَالَ: فَجَلَسَ، قَالَ: "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ". قَالَ: "أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟" قَالَ: لَا وَاللهِ! جَعَلَنِي اللهُ فِدَاءَكَ. قَالَ: "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ".

قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اللهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ، وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْد ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ. رواه أحمد.

فتأملوا كيف زجر الناسُ هذا الشاب لجرأته في طلبه! وكيف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلطف به، وفتح مداركه بالسؤال على خطأ ما يطلب! ثم دعا له بعد ذلك.

وما فقد الآباءُ والمربون والمصلحون فئة الشباب إلا لأنهم لم يصبروا على غرائب مطالبهم، ولم يستطيعوا إثبات خطئهم فيها، والرفق مع الشاب لا يأتي إلا بخير.

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- في تربيته للشباب يحول بينهم وبين مواطن الرِّيَب، ومواضع الفتن، ويسعى جهده في صرفهم عنها؛ لئلا تزل بهم الأقدام، ومن ذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- في حجته اسْتَفْتَتْهُ جَارِيَةٌ شَابَّةٌ من خَثْعَمٍ وكان الفضل بن العباس رديفَه، وكان شابا.

فجعل ينظر إلى الفتاة وتنظر إليه، فلَوَى النبي -صلى الله عليه وسلم- عُنُقَ الْفَضْلِ، فقال له الْعَبَّاسُ: يا رَسُولَ الله، لِمَ لَوَيْتَ عُنُقَ ابن عَمِّكَ؟ قال: "رأيتُ شَابًّا وَشَابَّةً فلم آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا" رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

فأين من هذا الحديث العظيم وما فيه من حسم مادة الفساد مَن يفتحون أبواب الشهوات للشباب والفتيات، ويزينون لهم الفواحش والمنكرات، ويعبِّدون طرقها بالاختلاط؟!.

لقد رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- شابا ينظر إلى شابة فلوى رقبته عنها خوفا عليهما، وأرباب الشهوات يريدون خلط الفتيان بالفتيات في التعليم والعمل، ويجدون مَن يشرِّع لهم هذا المنكر العظيم، نعوذ بالله تعالى من زيغ القلوب، وفتنة الهوى.

ونسأله تعالى أن يعصمنا والمسلمين من مُضِلَّات الفتن والأهواء ما ظهر منها وما بطن، وأن يحفظ شباب المسلمين وفتياتهم من كيد الكائدين، وتربُّص المتربِّصين، إنه سميع مجيب.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ) [ص:26]
 

 

 

 

 

الْخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ:

 

 

 

الْحَمْدُ لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْه كَمَا يُحِبُ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَه إِلَا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَه، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوُلُهُ، صَلَّى الله وَسَلَّمَ وْبَارَكَ عَلَيْه وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الْدِّيِن.
 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا الله تَعَالَى وَأَطِيْعُوْهُ، وَعَظِّمُوا حرماته، وأدوا فرائضه؛ فإن بين أيديكم موتا وقبرا وحسابا وجزاء، فأعِدوا لذلك عُدَّته: (وَالوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ) [الأعراف:8-9].

أيها المسلمون: فترة الشباب فترة خطيرة تؤرق الآباء والأمهات، ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن والمغريات، واستُهدف فيه الشباب والفتيات بأنواع من الشر، وسهُل الوصول إليهم بوسائل الاتصال الحديثة التي اقتحمت عليهم غرفهم، وبإمكان أي أحد أن يحادثهم وهم في فرشهم، فصارت الرقابة عليهم لحفظهم من العسر بمكان.

ولا سيما أن شباب اليوم قد صار فيهم تمرد وحب استقلال وعزلة وانفراد عن والديهم وأهلهم، ولا سبيل إلى الوصول إليهم إلا بالمعاملة الحسنة، والكلمة الطيبة، والحوار والإقناع، كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الشاب الذي صرح بكل جرأة وصفاقة أنه يريد الزنا؛ فألَانَ النبي -صلى الله عليه وسلم- القول له، وأحاطه بلطفه، وأقنعه ولم يزجره، مع أنه يستأذنه في فعل كبيرة من كبائر الذنوب.

إن شباب الإسلام وفتياته مستهدفون من الأعداء بأنواع من الاستهداف، مستهدفون في عقائدهم وأفكارهم لتغييرها، ومستهدفون في قناعتهم بالانتماء إلى أمتهم لتبديلها، ومستهدفون في أخلاقهم وسلوكهم لإفسادها، حتى إنهم مستهدفون في عقولهم وأجسادهم لإتلافها بالمسكرات والمخدرات، وما تكشفه دوائر الجمارك والأمن كل يوم من تهريب المخدرات وترويجها بين الشباب والفتيات بكميات ضخمة جدا؛ لَيدل على أن جهودا دولية جبارة تبذل في هذا السبيل.

والإجازة مرتع خصب لمروِّجي المخدرات والمسكرات، ينشرونها بين الشباب في استراحاتهم، وفي أماكن تجمعُّهم.

وقبل تسعين سنة عقد كبير المنصرين في وقته زويمر مؤتمرا يخاطب فيه المنصرين الذين يستهدفون شباب المسلمين وفتياتهم، فكان مما قال فيه: إنكم أعددتم نشئاً في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تُدخِلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقا لما أراد له الاستعمار، لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، ولا يصرِّف همه في دنياه إلا في الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات. انتهى كلامه أخزاه الله تعالى.

إن ثروة الأمة التي لا تقدر بثمن، ولا يمكن تعويض خسارتها أبدا، هي شبابها وفتياتها، وماذا تفيد البُنى التحتية، وازدهار الاقتصاد، وتدفُّق النعم، وكثرة البناء والعمران إذا تم استلاب عقول الشباب والفتيات، وصرْفهم عن قضايا أمتهم إلى سفاسف الأمور، ورذائل الأخلاق، وإغراقهم بالشهوات المحرمة؟ حينها يكونون عبئا على أسرهم، وعلى مجتمعاتهم، وعلى الأمة جمعاء.

وإن أعظم استثمار يستثمره الرجل في حياته هو استثماره في أبنائه وبناته، في القرب منهم، والقيام عليهم، وتحسس مشاكلهم، وإشباع حاجاتهم؛ وإلا فتنمية الأموال، وكثرة العقار لن تجدي شيئا إذا ما فقد الرجل أولاده، أو أحس بعدم انتمائهم إليه، وبعدهم عنه.

فأوْلُوا مرحلة الشباب عنايتكم، واتقوا الله تعالى فيهم، أدِّبوهم أحسن تأديب، وربوهم على الإيمان والقرآن، وازرعوا فيهم مكارم الأخلاق، وعامِلوهم كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعاملهم؛ فإنكم إن فعلتم ذلك وجدتم نفعهم في دنياكم، ويصلكم دعاؤهم لكم بعد مماتكم، "وإذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له" كما جاء في الحديث.

وصلوا وسلموا على نبيكم...
 

 

 

 

 

المرفقات

الإسلام بالشباب (2)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات