عمود الدين

الشيخ خالد الكناني

2024-08-30 - 1446/02/26 2024-09-08 - 1446/03/05
التصنيفات: الصلاة
عناصر الخطبة
1/وجوب إقامة الصلاة والمحافظة عليها 2/مكانة الصلاة في الإسلام 3/ثمرات المحافظة على إقامة الصلاة 4/تفويت الصلوات من أعظم المصائب.

اقتباس

الصلاة هي سرّ الفلاح، ومن أهم ركائز النجاح، أهلها المحافظون عليها يرفلون في سعادة وبركات في الدنيا والآخرة، والمضيّعون لها يعيشون في شقاء وهلكة في الدنيا والآخرة، فهي أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة فإن صلحت...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله ربّ العالمين؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلِ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أما بعدُ: أيها المسلمون: اتّقوا الله -تعالى- حق التقوى، واستجيبوا لربكم -تبارك وتعالى-؛ قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

فقد أنعم علينا -تبارك وتعالى- بنعمة الإسلام، قال -تعالى-: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات: 17]، ومن ركائز وأعمدة الإسلام بعد الشهادتين: إقامة الصلاة والمحافظة عليها وأدائها في وقتها، قال -تعالى-: (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء: 103]،  (كِتَابًا مَوْقُوتًا)؛ أي: مفروضًا في وقته، فدلَّ ذلك على فرضيتها، وأن لها وقتًا لا تصح إلا به. وقال -صلى الله عليه وسلم-: "رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ".

 

أيها المسلمون: الصلاة ركن من أركان الإسلام، وليس هناك خيار للمسلم أن يتهاون بها أو يتركها، فهي من الفرائض الفاصلة وتاركها والمتهاون بها على خطر عظيم؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاَةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ".

 

وقال -تعالى-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا)[النساء: 142].

 

(إِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ)؛ أي أن من صفاتهم أنهم إن قاموا إلى الصلاة التي هي أكبر الطاعات العملية (قَامُوا كُسَالَى) متثاقلين لها متبرمين من فِعلها، والكسل لا يكون إلا مِن فَقْد الرغبة من قلوبهم، فلولا أن قلوبهم فارغة من الرغبة إلى الله وإلى ما عنده، عادمة للإيمان، لم يصدر منهم الكسل.

 

أيها المسلمون: هذه الصلوات المباركات أمرنا الله -تعالى- بالمحافظة عليها، قال -تعالى-: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[البقرة: 238]؛ يأمر الله -تبارك وتعالى- بالمحافظة على الصلوات عمومًا، وعلى الصلاة الوسطى، وهي العصر، خصوصًا. والمحافظة عليها: أداؤها بوقتها وشروطها وأركانها وخشوعها وجميع ما لها من واجب ومستحب، وبالمحافظة على الصلوات تحصل المحافظة على سائر العبادات.

 

أيها المسلمون: الصلوات نفحات وبركات ومُكفّرات للذنوب وترفع الدرجات، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الصَّلوات الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ، مَا لَمْ تُغْشَ الْكَبَائِرُ".

 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا تَقُولُ: ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ"؟ قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا؛ قَالَ: "فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا".

 

والله -تعالى- يقول: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ)[هود: 114]، فإنها تُذهب السيئات وتمحوها، والمراد بذلك: الصغائر.

 

وقال -تعالى-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45]؛ قال الشيخ السعدي -رحمه الله- في تفسيره: "ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المُتمِّم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، المداومة والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها".

 

أيها المسلمون: هذه الصلوات المباركات جعلها الله قرة العيون ومفزعًا للمحزون والمهموم، فقد "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ فَزِعَ إِلَى الصَّلَاةِ"، وعن أنس -رضي الله عنه-؛ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ".

 

الصلاة -أيها المسلمون- هي سرّ الفلاح، ومن أهم ركائز النجاح، أهلها المحافظون عليها يرفلون في سعادة وبركات في الدنيا والآخرة، والمضيّعون لها يعيشون في شقاء وهلكة في الدنيا والآخرة، فهي أول ما يُحاسَب به العبد يوم القيامة فإن صلحت فقد أفلح صاحبها وأنجح، وإن فسدت فقد خاب مُضيّعها وخسر.

 

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ ذَكَرَ الصَّلَاةَ يَوْمًا فَقَالَ: "مَنْ حَافَظَ عَلَيْهَا كَانَتْ لَهُ نُورًا، وَبُرْهَانًا، وَنَجَاةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ لَمْ يُحَافِظْ عَلَيْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ نُورٌ، وَلَا بُرْهَانٌ، وَلَا نَجَاةٌ، وَكَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ قَارُونَ، وَفِرْعَوْنَ، وَهَامَانَ، وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ"(مسند أحمد 11/ 141).

 

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- وحافِظوا على الصلوات، ولا تتهاونوا بها أبدًا، واعلموا أن تفويت الصلوات من أعظم المصائب، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ قَالَ: "الَّذِي تَفُوتُهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ، كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ".

 

ومعنى "وُتِرَ أهله وماله"؛ أي: سُلِبَ أهله وماله، وبقي بدون أهل ومال، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ العَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ"؛ فهل نستشعر مثل هذا إذا فاتتنا صلاة العصر؟ وكيف بمن يضيع الصلوات؟!

 

أيها المسلمون: حافِظوا على الصلوات مع جماعة المسلمين، وأتقنوا إقامة الصلاة وأداءها كما أمر بذلك -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي"، وأْمُروا أهلكم بالصلاة وشَجِّعوهم عليها، قال -تعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)[طه: 132].

 

هذا وصلوا على مَن أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

عمود الدين.pdf

عمود الدين.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات