عمل ونية

الشيخ هلال الهاجري

2022-11-18 - 1444/04/24 2022-11-21 - 1444/04/27
عناصر الخطبة
1/قصة رجل رآه النبي الكريم يتقلب في الحنة بغصن شجرة أزاحه من طريق الناس 2/إذا صحبت النية الطيبة العمل الصغير عظمت أجره وضاعفت جزاءه 3/من فاته العمل فلا تفته النية فالعبد يبلغ بنيته ما لا يبلغ العامل بعمله.

اقتباس

استِحضَارُ النِّيَّةِ ووقوفكَ أَمامَ العَزيزِ الكَريمِ، لَيسَ سَهلاً بَل هُو عِندَ اللهِ عَظيمٌ؛ يَقولُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ؛ فَلَمَّا هَلَكَ، قَالَ اللهُ -عزَّ وَجَلَّ- لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟، قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلاَمٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ يَتَقَاضَى، قُلْتُ لَهُ: خُذْ..."

الخطبة الأولى:

 

إنّ الحمدَ للهِ نحمدُه ونستعينُه ونستغفِرُه، ونعوذُ باللهِ من شرورِ أنفسِنا ومن سيّئاتِ أَعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هَاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شَريكَ له، وأشهدُ أنّ نبيَّنا محمَّدًا عبدُه ورسولُه صلّى الله عليه وعلى آلِه وأَصحابِه وسَلَّمَ تَسليمًا كَثيرًا؛ أَما بَعدُ:

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، رَأى النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلاً يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، يَتَنَعَّمُ بِنَعِيمِها، وَيَشرَبُ مِن أنهَارِها، ويَأكُلُ مِن طَعَامِها، ويَتَنَقَّلُ بينَ قُصورِها وخِيامِها، وَيَتكِئُ عَلى فُرُشِها، ويَضاحِكُ ويُعانقُ حُورَها، في ظَلٍّ مَمدودٍ، ومَاءٍ مَسكوبٍ، وفَاكهةٍ كَثيرةٍ، لا مَقطوعةٍ ولا مَمنوعةٍ، فيها ما لا عَينٌ رَأتْ، ولا أُذنٌ سَمِعتْ، ولا خَطَرَ على قَلبِ بَشرٍ، فَما هو هذا العَملُ الذي أوصلَ هذا الرَّجلَ إلى هذا المَقامِ الكَريمِ، والنَّعيمِ المَقيمِ؟

هَل هُو قِيامُ اللَّيلِ فَهو دَأبُ الصَّالحينَ؟، أم صِيامُ النَّهارِ فَهو شَفيعُ العَابدينَ؟، أم صَدقةُ السِّرِ فَهيَ ظِلُّ المَنفِقينَ؟، أم هِيَ الشَّهادةُ في سَبيلِ اللهِ فيَا فَوزَ المَجاهدينَ؟.

اسمَعوا إلى عَملِ هَذا الرَّجلِ الذي أَوصَلَهُ إلى جَنَّةِ الخُلدِ، عَنْ أَبِي هُرَيرةَ -رضيَ اللهُ عنه-، عن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-؛ قال: "لقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ في الجَنَّةِ، في شَجَرَةٍ -وفي رِوايةٍ: غُصْنِ شَوكٍ- قَطَعَها مِن ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ"، وتأمَلُّوا قَولَهُ: "كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ"؛ فَهو لَيسَ مُجَردُ غُصنِ شَوكٍ أُزيلَ مِنَ الشَّارعِ، بَل خَلفَهُ نِيَّةٌ عَظيمةٌ أَوصَلتْهُ إلى هَذا الفَضلِ الواسعِ؛ فَقَد كَانَ يَنوي بِقَطعِهِ رَفعَ الأذى عِن المُسلمينَ؛ فَجَعلَهُ اللهُ يَتَقلَّبُ في نَعيمٍ أَبدِ الآبِدينَ، وصَدقَ ابنُ المُباركِ: "رُبَّ عَمَلٍ صَغيرٍ ‌تُعَظِّمُهُ ‌النِّيةُ".

مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعدَمْ جَوازِيَهُ *** ‌لَا ‌يَذْهَبُ ‌العُرْفُ بَيْنَ اللهِ والنَّاسِ

 

هَل تَعلمونَ أنَّ النَّوايا الحَسَنةَ قَد تَصلُ بالعملِ الصَّغيرِ، إلى مَغفرةِ اللهِ السَّميعِ البَّصيرِ؟، يُحَدِّثُنا رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلمَ- عَن قِصَّةٍ عَجيبةٍ؛ فَيَقولُ: "بَيْنَمَا ‌كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ قَدْ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ ‌بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا -أَي: خُفَّها-؛ فَاسْتَقَتْ لَهُ بِهِ فَسَقَتْهُ إِيَّاهُ"؛ فَهل كَانَ نِيَّتُها هو أَن يَشكُرَها هَذا الكَلبُ الذي لا يَعي؟، أو يُخبرُ النَّاسَ بِعَملِها التَّطوعيِّ؟، أو كَانَتْ تَصوِّرُ المَوقفَ في جَوالِها، لتَنشُرَهُ في وَسائلِ تَواصلِها؟، إنَّها هو اللهُ الذي يَسمعُ ويَرى، ويَعلمُ السِّرَّ وأَخفى، وكَأنَّ لِسانَ حَالِها:

يَا رَبِّ إِنْ ‌عَظُمَتْ ‌ذُنُوبِي ‌كَثْرَةً *** فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ

إِنْ كَانَ لَا يَرْجُوكَ إِلَّا مُحْسِنٌ *** فَمَنِ الَّذِي يَدْعُو وَيَرْجُو الْمُجْرِمُ

أَدْعُوكَ رَبِّ كَمَا أَمَرْتَ تَضَرُّعًا *** فَإِذَا رَدَدْتَ يَدِي فَمَنْ ذَا يَرْحَمُ

مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إِلَّا الرَّجَا *** وَجَمِيلُ عَفْوِكَ ثُمَّ أَنَّي مُسْلِمُ

 

فَماذا كَانَ جَزاؤها؟، قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "فَغُفِرَ لَهَا بِهِ"، لا إلهَ إلا اللهُ، سَقيةُ حَيوانٍ خَالصةٌ مِن ماءٍ، أَطفَأتْ تِلكَ اللَّياليَ الحَمراءَ، ومَحَتْ تِلكَ الصُّحُفَ السَّوداءَ، وغَفرَ لَها إلهُ الأرضِ والسَّماءِ.

 

استِحضَارُ النِّيَّةِ ووقوفكَ أَمامَ العَزيزِ الكَريمِ، لَيسَ سَهلاً بَل هُو عِندَ اللهِ عَظيمٌ؛ يَقولُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "إِنَّ رَجُلاً لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ؛ فَلَمَّا هَلَكَ، قَالَ اللهُ -عزَّ وَجَلَّ- لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟، قَالَ: لاَ، إِلاَّ أَنَّهُ كَانَ لِي غُلاَمٌ، وَكُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا بَعَثْتُهُ يَتَقَاضَى، قُلْتُ لَهُ: خُذْ مَا تَيَسَّرَ، وَاتْرُكْ مَا عَسُرَ، وَتَجَاوَزْ لَعَلَ اللهَ -عزَّ وَجَلَّ- يَتَجَاوَزُ عَنَّا، قَالَ اللهُ -عزّ وَجَلَّ-: قَدْ تَجَاوَزْتُ عَنْكَ"، هَل رَأيتُم كَيفَ تَفعَلُ النَّوايا؟.

 

فَتَدبَّرْ قَولَهُ -تَعالى-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ)، وتَأمَّلْ حَديثَ: "لَا تَحْقِرَنَّ مِن الْمَعْرُوْفِ شَيْئاً"، فَلا نَدري مَا هو العَملُ الذي قَد يَكونُ سَببَ نَجاتِنا، ولا نعلمُ الحَسنةَ التي قَد تَكونُ سَببَ مَغفرةِ ذُنوبِنا.

 

أَقولُ قَولي هَذا، وأَستغفرُ اللهَ العَظيمَ لي ولَكم ولِسائرِ المسلمينَ مِن كُلِّ ذَنبٍ؛ فَاستغفروهُ إنَّهُ هُو الغَفورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ للهِ ربِّ العالَمِيْنَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ عَلَى نبيِّنَا مُحَمَّدٍ وعلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتابعينَ؛ أمَّا بَعْد:

 

أيَّها الأحبَّةُ: إنْ فَاتكم العَملُ، فَلا تَفوتَنَّكم النِّيةَ، فَإنَّ النيةَ أَجرُها كثيرٌ، وخَيرُها وَفيرٌ؛ قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ: "وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: -وذَكرَ مِنهم- عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ ِللهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ، يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ"، سُبحَانَ اللهِ، ذَلكَ يَتعَبُ في جَمعِ المَالِ وإنفَاقِهِ السِّنينَ، ويُشارِكُهُ صَاحبُ النِّيةِ الصَّادقُ المِسكينُ.   

 

كَانَ رَجلٌ يُقالُ له: عمرو بنُ الليثِ الصَّفارُ، وكَانَ قَائداً في أيامِ الدَّولةِ العَباسيةِ، رُئيَ في المنامِ بعد موتِه؛ فَقِيلَ: مَا فَعلَ اللهُ بِكَ؟، قَالَ: أَشرفتُ يَوماً من جَبلٍ عَلى جِيوشي، فَأعجبَني كَثرتَهم، فَتَمنيتُ أَنني كُنتُ حَضرتُ مَعَ رَسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ فَنَصرتُه وأَعنتُه، فشَكرَ اللهُ لي، وَغفرَ لي، فَانظروا ماذا فعلتْ نِيةُ نَصرِ النَّبيِ -عَليهِ الصَّلاةُ والسلامُ- بَعدَ مَوتِه بِقُرابةِ المَائتينِ وتِسعٍ وسَبعينَ سَنةٍ، إنَّها النِّيةُ وما أدراكَ ما النِّيةُ؛ (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ -أَيْ: عَلى نِيَّتِهِ- فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً).

 

اللهم إنا نسألُكَ من الخيرِ كلِه، عاجلِه وآجلِه، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذُ بك من الشرِ كلِه، عاجلِه وآجلِه، ما علمنا منه وما لم نعلم.

 

اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، ونعوذُ بك من النارِ وما قرّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ، ونسألُك أن تجعلَ كلَ قضاءٍ قضيتَه لنا خيراً.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَ الشركَ والمشركينَ، ودمر أعداءكَ أعداءَ الدينِ، واجعل هذا البلدَ آمناً مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمين برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم آمنا في أوطانِنا، وأصلح أئمتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل ولايتَنا فيمن خافَك واتقاك واتبعَ رضاكَ يا ربَ العالمينَ، اللهم وفق وليَ أَمرِنا لما تُحبُه وتَرضاهُ من الأقوالِ والأعمالِ يا حَيُ يَا قيومُ، اللهم أَصلحْ له بِطانَته يا ذا الجلالِ والإكرامِ.

 

اللهم فرج همَّ المهمومينَ من المسلمينَ، ونَفس كَربَ المكروبينَ، واقض الدينَ عن المدينينَ، واشفِ مَرضانا ومَرضى المسلمينَ برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين.

المرفقات

عمل ونية.pdf

عمل ونية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات