عما أصاب الناس من حمى الوادي

خالد بن عبدالله الشايع

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ من سنن الله أنه يبتلي عباده ليتعرفوا إليه 2/ نماذج من ابتلاءات الأمم السابقة وهذه الأمة 3/ حمى الوادي المتصدع من البلاء 4/ الواجب على المسلم تجاه بلاء حمى الوادي

اقتباس

إن ما أصاب الناس في هذه الأيام بما يسمى بحمى الوادي المتصدع، هو من بلاء الله تعالى، فهو نعمة لقوم، وعذاب أليم لآخرين، وإن الواجب على المسلم تجاه هذا البلاء أمور عدة؛ منها: أن يعلم العبد أنه من عند الله، فيصبر ويتوكل عليه ويلتجئ إليه، فإن العاقبة والظفر للصابرين، ومنها: أن يعلم أنه...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى وكونوا لنعمائه شاكرين، ولابتلائه واختباره صابرين محتسبين، فإن الله سبحانه قضى أنه يبتلي عباده فيما يحبون ويكرهون، لينظر كيف يعملون، هل يصبرون أم يجزعون، وهل يرجعون إليه ويؤوبون، أم يفزعون إلى غيره من خلقه ويعرضون: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [الأنبياء: 35]، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنْ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ) [البقرة: 155].

 

عباد الله: إن من سنن الله في الكون أنه يبتلي عباده ليتعرفوا إليه، وإليه يلجؤون، وليعلموا أنهم قد فرطوا في صراطه المستقيم، ليعاودوا الطريق، وإليه ينيبوا.

 

وقد ضرب الله للناس في القرآن من كل مثل لعلهم يعتبرون، فأوضح لهم ما حل بالأمم قبلهم، وكيف ابتلاهم الله بأنواع البلاء، فمنهم من خسر ومنهم من فاز، وما ربك بظلام للعبيد.

 

لقد قصّ الله لنا كيف صنع بآل فرعون لما أعرضوا عن طاعة رسوله، وكذبوه، أرسل الله عليهم أصناف البلاء لعلهم يرجعون، قال -عز ذكره-: (وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ) [الأعراف: 132، 133]، فهل تنبهوا من غفلتهم؟! وهل عاد لهم رشدهم وصوابهم؟! كلا!! (فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) [الأعراف: 133].

 

فلما خسروا في الامتحان، ولم يصبروا على البلاء، ولم يعودوا إلى تصديق رسوله انتقم الله منهم، فأغرقهم في اليم، وكدأبهم ما حصل لكفار قريش لما دعاهم النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى التوحيد لم يستجيبوا له، وأبطؤوا عليه واستعصوا عليه، فدعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم الجهد والجوع حتى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السماء فلا يرون إلا الدخان من الجهد، فهل نجحوا في هذا البلاء والفتنة؟! (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ * فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الدخان: 9-11].

 

فأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقيل: يا رسول الله: استسقِ لمضر فإنها قد هلكت، فاستسقى لهم فسقوا، فأنزل الله: (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَائِدُونَ) [الدخان: 15]، فلما أعرضوا ولم ينتفعوا بذلك البلاء، فيكون لهم رادعًا عما هم فيه من الإعراض والتكذيب، أنزل الله بهم النقمة والعذاب، (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ) [الدخان: 16]، فأهلك الله صناديدهم في معركة بدر، وأسقط مكانتهم، وكسر كبرياءهم، وأذلهم بعد العزة، وكدأبهم بنو إسرائيل، لما حصل لهم من الآيات العظيمة على يدي موسى -عليه السلام- من إهلاك عدوهم، وأنزل المن والسلوى عليهم، وتظليل الغمام عليهم، ورفع الجبل فوقهم، وضياعهم في التيه أربعين سنة، وهم مع ذلك البلاء لا يرجعون، بل ينقضون عهودهم وينكثون.

 

فلما قابلوا البلاء بذلك، صب عليهم ربك العذاب، (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلاَّ بِحَبْلٍ مِنْ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنْ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ الْمَسْكَنَةُ) [آل عمران: 112]، فهم في ذلهم وغضب الله، إلى يوم القيامة جزاءً وفاقًا، وما ربك بظلام للعبيد.

 

أيها المؤمنون: إن من رحمة الله بعبده أنه إذا رآه معرضًا عن طاعته، غارقًا في لجج معصيته، ابتلاه بأصناف من البلاء لينتبه من غفلته وليؤوب إلى ربه وطاعته، ولربما يتكرر عليه البلاء عله أن يتعظ، فإن لم يجد فيه البلاء فإما أن تعجل له العقوبة، أو أنه يمد له من النعيم والخيرات بلاءً ليزداد إثمًا فيوافي ربه بالذنب العظيم، (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 42-45].

 

أخرج البخاري ومسلم من حديث أبي موسى -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته".

 

اللهم اسلك بنا صراطك المستقيم، ومن علينا بعفوك وعافيتك يا كريم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الناس: إن ما أصاب الناس في هذه الأيام بما يسمى بحمى الوادي المتصدع، هو من بلاء الله تعالى، فهو نعمة لقوم، وعذاب أليم لآخرين، وإن الواجب على المسلم تجاه هذا البلاء أمور عدة؛ منها:

 

أن يعلم العبد أنه من عند الله، فيصبر ويتوكل عليه ويلتجئ إليه، فإن العاقبة والظفر للصابرين، ومنها: أن يعلم أنه لا كاشف له سوى الله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) [الأنعام: 17].

 

ومنها: أنه لا ينخدع المسلم بالأسباب الظاهرة التي أدت إلى انتشار هذا الوباء، فإنه إنما يحصل بأمر الله، وهو بلاء لهذه الأمة ليراجعوا دينهم، ويتوبوا من ذنوبهم، فعلى جميع المكلفين من الجن والإنس مراجعة أنفسهم ومحاسبتها، ليكونوا من المفلحين عند نزول البلاء، وليرفع عنهم وعن إخوانهم المسلمين ما حل بهم من البلاء، فإنه ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا يرفع إلا بتوبة.

 

أخرج ابن ماجه والحاكم من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا معشر المهاجرين: خصال خمس إذا ابتليتم بهن، أعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينتقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ولا البهائم لم يمطروا...". الحديث.

 

ومنها: أن لا ينخدع المسلم بقول ضعفاء الإيمان بالسيطرة على المرض والبلاء، فمن يستطيع السيطرة على عذاب الله وبلاءه؟! وإنما يتخذ المسلم الأسباب الظاهرة، ويلجأ إلى ربه ويتوب إليه، ويقلع عما غرق فيه من الآثام والذنوب، ويتضرع بين يديه ليكشف هذا البلاء.

 

ومنها: أنه تكفير المسلم في طريقة انتقال هذا الوباء بين الناس، عن طريق أضعف مخلوقات الله، وأحقرها، وضعف الإنسان أمام هذه البعوضة الضعيفة: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْبَشَرِ) [المدثر: 31].

 

ومنها: خضوع الخلق لله، واستشعار قوة الله سبحانه ونفاذ أمره سبحانه.

 

وليتقِ الله أقوام يصيبهم الرعب عند سماع أمثال هذه الأوبئة، وما ذاك إلا لضعف توكلهم على الله، وزوال يقينهم بالله، فليعلم الجميع أنما قدر الله كائن لا محالة، وأنه سبحانه يصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء، وهو القوي العزيز.

 

ثم ليتقِ الله أقوام يثيرون الشائعات بين المسلمين، ويروجون الأكاذيب في أوساطهم ما يزيد الرعب والهلع بين ضعاف الإيمان، والواجب تذكير الناس بربهم، وحثّهم على التوكل عليه، فهو نعم المولى ونعم النصير.

 

اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا بديع السموات والأرض، يا حي يا قيوم: أزل عن المسلمين الضر والبلاء في كل مكان، اللهم ادفع عنا البلاء ما لا يدفعه سواك، فإنا لا نستعين بغيرك، ولا نرجو إلا إياك.

 

اللهم اجبر مصيبة من أصيب بشيء من ذلك في نفسه وماله، وتفضل علينا وعليهم بالخلف العاجل والخير المدرار، اللهم بارك لنا في أموالنا، وأولادنا، وأعمارنا وأعمالنا، إنك سميع قريب، مجيب الدعاء.

 

 

 

 

المرفقات

أصاب الناس من حمى الوادي

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات