عظمة يوم عرفة وأحكام الأضحية

د عبدالعزيز التويجري

2022-07-08 - 1443/12/09 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
العناصر 1/إرساء النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعالم الدين في خطبته يوم عرفة 2/بعض فضائل يوم عرفة 3/فضل صيام يوم عرفة لغير الحاج واستجابة الدعاء فيه 4/التقرب إلى الله بذبح الأضاحي وشروطها

اقتباس

في حجة النبي -صلى الله عليه وسلم- صلّى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة بالناسِ الظهرَ والعصرَ جمعاً بعرفة، ثم خطبَ وهو راكبٌ على راحلتهِ القصواء خطبةً عظيمةً بين فيها معالمُ الدينِ، وأساسُ الحنيفيةِ، وأبطلَ ظلمَ الجاهليةِ وحكمِها، وأوضعَ الربا، ومنع الدّماء من أن تراق، والأموال من أن تؤخذ بغير استحقاق، وأعلن حقوق المرأة بدون هضم أو استعلاء، ثم عمم فأعلن حقوقَ...

الخطبة الأولى:

 

لكَ الحمدُ ربنا حمداً يملا السماء *** وأقطارها والأرضَ والبرَّ والبحرا

لكَ الحمدُ مقروناً بشكركَ دائماً *** لكَ الحمدُ في الأولى لك الحمدُ في الأخرى

 

وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وعلى من سار على دربهم، واتبع الآثار إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.

 

أما بعد: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا)[الطلاق: 10]، (وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة: 197].

 

وفي أمِ القرى قرتْ عيونٌ *** عشيةَ لاحَ زمزمُ والحطيمُ

أولاكَ الوفدُ وفدُ اللهِ لاذوا *** إليهِ بفقرهمْ وهوَ الكريمُ

 

تالله ما أسعد من بلغه الله في هذه الأيام البلد الحرام! ومشى بين تلك الربوع من البيت العتيق إلى ثرى منى متوجهاً إلى عرفات!

 

يا راحلين إلى البيتِ العتيقِ لقد *** سرتم جسومًا وسرنا نحنُ أرواحا

إنا أقمنا على عذرٍ وعن قدرٍ *** ومن أقامَ على عذرٍ فقد راحا

 

حج النبيُ -r- فوافق عرفةَ يومَ الجمعةِ، وقد قال: "خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ"، فَإِذَا وَافَقَ الجمعةَ يَوْمَ عَرَفَةَ كَانَ لَهُ زِيَادَةُ مَزِيَّةٍ وَاخْتِصَاصٍ وَفَضْلٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ، فضلٌ من اللهِ ومنّة، قال قَتَادَةَ وغيره: (وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)[البروج: 3]، قَالَ: "الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ يَوْمُ عَرَفَةَ".

 

ثم إنّ النبيَّ -r- في هذا اليوم صلّى بالناسِ الظهرَ والعصرَ جمعاً بعرفة، ثم خطبَ وهو راكبٌ على راحلتهِ القصواء خطبةً عظيمةً بين فيها معالمُ الدينِ، وأساسُ الحنيفيةِ، وأبطلَ ظلمَ الجاهليةِ وحكمِها، وأوضعَ الربا، فقال: "أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ، وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ".

 

ومنع الدّماء من أن تراق، والأموال من أن تؤخذ بغير استحقاق؛ والظّلم في البلد الحرام حرام: "إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا".

 

وأعلن حقوق المرأة بدون هضم أو استعلاء: "فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ".

ثم عمم فأعلن حقوقَ الإنسانِ ومبادئَهُ: "ألا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عجميٍّ، ولا لِعَجَمِيٍّ على عَربيٍّ، ولا لأَحْمرَ على أسْوَدَ، إلا بِالتقْوى".

 

وأصّلَ في هذا اليومِ العظيم أنّ المرجعَ والتحاكمَ والاعتصامَ إنما هو لكتابِ اللهِ، ولأمرِ اللهِ، ولشرعِ اللهِ: "وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ: كِتَابُ اللهِ".

 

وأحطمخهاتخهعسبرييكحختهقثبخوأومأ إلى قربِ رحيلهِ ودنو أجلهِ، فكان صلى الله عليه وسلم يقولُ بعد كل مقطع من خطبته: "ألا هل بلغت؟"، فيقول الصحابة: نعم، فرفع صلى الله عليه وسلم أصْبَعَه السَّبَّابَةَ، إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ، ويقول: "اللهُمَّ اشْهَدْ، اللهُمَّ اشْهَدْ".

 

وفي هذا اليومِ العظيمِ وبينما رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- واقفٌ عشيةَ عرفةَ أنزل الله عليه قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا)[المائدة: 3]، فقرأها على الناسِ معلناً كمال الدينِ وتمام النعمةِ، فلما سمعها عمر -رضي الله عنه- فَقِهها، واستشعر من معناها أنّ مهمةَ رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قد انتهت، فاستعبر باكياً، وقال: "ليس بعد الكمال إلا النقصان".

 

فيا هناء من حضي بالوقوفِ في هذه اللحظاتِ على صعيدِ عرفات! بدعواتٍ صالحاتٍ موقنات! راجيًا رباً رحيماً! داعياً براً كريماً! بإخلاص وإخبات.

 

من نالَ من عرفاتِ نظرةَ ساعةٍ *** نالَ السرورَ ونالَ كلَّ مرادِ

 

وبشراكم أيها الصوامُ في الأمصارِ بمغفرةِ اللهِ لذنوبكم، ففي صحيح مسلم: "وصِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ"، فأيامُ المواسمِ مكرمةُ مفضلةٌ، وأوقاتُها مرفوعةٌ أعمالهَا متقبلةٌ.

 

وهذا اليومُ خيرُ أيامِ اللهِ، وبلوغهِ منحةٌ ربانيةٌ، و "مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"(أخرجه مسلم).

 

في هذا اليومِ العظيم لا يُسألُ إلا الله، ولا يُرجى إلا إياه، رأى سالمُ بنُ عبداللهِ بنِ عمرَ سائلا يسألُ يومِ عرفة، فقال: يا عاجز في هذا اليوم تسأل غير الله؟ "وخَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَة".

 

فالصائم إذا نادى ربه لبّاه الله وأجابه، فلا تهنوا في الدعاء، ولا يحقرنّ أحدُ في هذا اليومِ نفسَه، فكمٍ أَشْعَث أغبر ذِي طمرين لَو أقسم على الله لَأَبَره.

 

كم من دعوةٍ كُتبَ لصاحبِها سعادةٌ لا يشقى بعدها أبداً! وكم من دعوةٍ كُتبَ لصاحبِها رحمةٌ لا يعذبُ بعدها أبداً! "وخير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة"، فاقبل على ربك من كل قلبك أن يغفر ذنبك، وأن يستر عيبك، وأن يفرج كربتك وأن يرحمك، ويرزقك ويعافيك.

 

فكم أشرقت شمس هذا اليوم على أشقياء فغابت وهم سعداء! وكم أشرقت على أقوام مذنبين مسيئين فغابت وهم مطهرون مرحومون مغفور لهم!

 

فلله نفحات ولله رحمات، وخزائنه ملأى، بيده سبحانه وتعالى الخير كله، فناده وأنت موقنٌ برحمتهِ، وتحس أنك أفقر العباد إليه، وأغناهم به سبحانه وتعالى، وتعج ببابه جل جلاله مسترحماً مستعطفاً لله -سبحانه وتعالى-.

 

فكم من عتيق فيه كمل عتقه *** وآخر يستسعي وربك أكرم

 

"ومَا رُؤِيَ الشَّيْطَانُ أَصْغَرَ وَلَا أَذَلَّ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ" لما يرى من تنزل الرحمة، وتجاوز الله عن الذنوب العظام.

 

فابتهلوا فيه إلى ربكم، وتضرعوا إلى مولاكم، ودعوا لأنفسكم وأهليكم وللمستضعفين والمنكوبين والمأسورين من المسلمين والمسلمات، ولتعج البيوتُ والمساجدُ، وليجأرَ الصغيرُ والكبيرُ والذكرُ والأنثى، فإنّ الله يُحب فقر عباده وحاجتَهم إليه، ثم أحسنوا الظنّ بالله يغفرْ لكم، ويجيب دعواتكم، قال عَبْدُاللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: "جِئْتُ إلَى سُفْيَانَ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَهُوَ جَاثٍ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَعَيْنَاهُ تَهْمِلاَنِ، فَالْتَفَتُ إِلَيه، فَقُلْتُ: مَنْ أَسْوَأُ هَذَا الْجَمْعِ حَالاً؟ قَالَ: الَّذِي يَظُنُّ أَنَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- لاَ يُغْفَرَ لَهُ".

 

حج عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- فنظر إلى الناس يتسابقون يوم عرفة مع الغروب إلى مزدلفة وهو يدعو ويتضرع، ويقول: "لا والله ليس السابق اليوم من سبق جواده وبعيره، إن السابق اليوم من غفر له".

 

أَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ وللمسلمين والمسلمات، فاستغفروه إن ربنا لغفور شكور.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير خلقه أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين.

 

أما بعد: إنّ من تَمامِ شُكْرِ المولى -عزَّ وجلَّ-: تكبيرُ اللهِ وذكرهِ وشكرهِ، والتقرب إليه بذبح الأضاحي سنة محمد -صلى الله عليه وسلم-، قال ابن عمر -رضي الله عنه-: "أقامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشرَ سنين يضحي كل سنة"(أخرجه الامام أحمد).

 

والأضحية تجزئ عن الرجل وأهل بيته، قال عطاء بن يسار سألت أبا أيوب -رضي الله عنه-: كيف كانت الضحايا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: كان الرجل يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويطعمون، حتى تباها الناس فصارت كما ترى"(أخرجه مالك والترمذي وصححه).

 

ويشترط أن تكون سالمةً من العيوب، وفي سِنها المعتبر شرعا، فالضأن ما تم له ستة أشهر، والماعز ما تم له سنة، والبقر ما تم له سنتان، والإبل ما تم له خمس سنين. وشُرعت لتحقيقِ التقوى وَالْإِخْلَاصُ، وما يرتفع لله إلا مَا أُرِيدَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ: (لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ)[الحـج: 37].

 

وستقام صلاة العيد في هذا الجامع المبارك.

 

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، اللهم ارزقنا الإخلاص والقبول والإعانة على طاعتك، وحسن الإقبال عليك.

 

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارض اللهم عن صحابته أجمعين، وعمنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

المرفقات

عظمة يوم عرفة وأحكام الأضحية.pdf

عظمة يوم عرفة وأحكام الأضحية.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات