عناصر الخطبة
1/رحمة الله بعباده المستضعفين 2/عظم الجزاء مع عظم البلاء 3/الحث على اغتنام عشر ذي الحجة 4/طرق استجلاب رحمة الله تعالى 5/رحمة الإسلام في الحروب 6/ظلم وفساد القوانين الدولية في التعامل مع الحروب 7/وجه الشبه بين وداع الحجاج ووداع الشهداء 8/الوصية بالصبر والثباتاقتباس
في الوقت الذي نُودِّع فيه حُجَّاجَ بيتِ الله الحرام، ليؤدوا مناسك الحجِّ، حيث أرواحهم حول الكعبة المُشرَّفة طائفة، وأجسادهم خاشعة، يلتقون بكل مَنْ يَفِدُ إلى بيت الله الحرام، من كل فج عميق، تُودِّعون يا أهلَ غزةَ أطفالَكم ليفدوا على الرحمن في أعالي الجنان، لتحلق أرواحهم في البيت المعمور...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمدُ للهِ قاهرِ الطغاةِ الظالمينَ، الحمدُ للهِ قاسمِ الجبارينَ المستكبرينَ المستبدِّينَ، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، القائل في كتابه العزيز: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ في الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)[الْقَصَصِ: 5-6].
لا إله إلا الله، يبتلي عبادَه بالسراء والضراء، وبالعافية والبلاء، ويفتن بعضهم ببعض؛ (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا)[الْفُرْقَانِ: 20]، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا ورسولنا محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم، جاء من عند الله -تعالى- بالحق المبين، فكان دينه رحمة للعالمين، نبي الرحمة، كان يسارع لنجدة المستضعَفينَ، وإغاثة الملهوفينَ، وإجارة المستجيرينَ، نعم كان يجير المستجيرينَ، مسلمينَ وغير مسلمينَ.
اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ على سيدنا محمد، وارض اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين، وأهل بيته الطاهرين وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بِمَنِّكَ وكرمِكَ ورحمتِكَ يا أرحم الراحمين.
أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]؛ فمن أراد الفلاحَ فَلْيَسْلُكْ سبيلَ المتقينَ، ومَنْ أحبَّ أن يكون اللهُ وليَّه فالله وليُّ المتقينَ، وأكرمُكم عند الله أتقاكم، والعاقبةُ للمتقينَ.
أيها المرابطون: بسم الله الرحمن الرحيم، هو الرحمن الرحيم، ما أرحمك يا الله، وما أصبرك وما أحلمك، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطي منهما ما تشاء، وتمنع منهما ما تشاء، بالمؤمنين رؤوف رحيم، ما خلقنا ليعذبنا، وما أوجدنا ليُشقينا، وما كلفنا ليشق علينا، أنزل البلاء وأنزل النعماء، ينعم على قوم؛ ليبتليهم بالنعم، هل يشكرون أم يكفرون، ويرسل البلاء على أقوام ليبتلي إيمانهم، ويختبر صدقهم، ويختبر يقينهم، لا ليعذبهم، ويضيق عليهم، بل إن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فأكثر الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ لأنَّه يأتي مع البلاء والصبر الأجور والدرجات، والرضا والرحمات، والتمكين في الأرض ببشارة نبوية عظيمة، قال عليه الصلاة والسلام: "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم؛ فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السُّخْط"، وفي رواية: "فله السَّخَط"، اللهُ قادرٌ أن يعذب مَنْ عصاه عند أول ذنب، وعند أو جُرم، وعند أول اعتداء وبطش، ولو فعل ذلك ما ترك على ظهرها من دابة؛ (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا)[فَاطِرٍ: 45]، يُمهِل الظالمينَ، يُمهِل الجبارينَ، يُمهِل المعتدينَ، يُمهِلُهم حتى حينٍ، ثم يأخذُهم أخذَ عزيزٍ مقتدرٍ.
أيها المصلون: أيامُنا هذه أيام مبارَكة، تتنزَّل فيها الرحماتُ، وتُضاعَف فيها الأجورُ والحسناتُ، فتعرَّضوا لهذه الرحمات وهذه النفحات، وتعرَّضوا لهذا العطاء وهذا الكرم، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن لربكم -عز وجل- في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها؛ لعل أحدكم أن تصيبه منها نفحة لا يشقى بعدها أبدًا"، اللهُمَّ أدخلنا في واسع رحمتك وعفوك، وسترك وكرمك.
واعلموا -عباد الله- أن رحمة الله وعفوه وسعة مغفرته تُستجلَب بطاعته، واتباع رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 132].
وسعة رحمته تُستجلَب بالصلاة والزكاة؛ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[النُّورِ: 56].
ومفاتيح الرحمات تأتي بالتقوى والإيمان؛ (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ)[الْأَعْرَافِ: 156].
وهذه الرحمات تتنزَّل على الصابرين، تتنزَّل على المحتسِبينَ، تتنزَّل على المرابطين، تتنزل عند نزول المصائب والآلام؛ (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[الْبَقَرَةِ: 156-157].
مع هذه الابتلاءات تذكَّرُوا دائمًا قوله -تعالى-: (لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التَّوْبَةِ: 40]، اهجروا همومكم، واطردوا أحزانكم، أزيلوا اليأس من قلوبكم؛ لأن الله معنا، ارفعوا رؤوسكم، وهدئوا من روعكم، وأريحوا حالكم؛ لأن الله معنا، أبشروا بالفوز المبين، وانتظروا الفرج العظيم، وترقبوا مصير المجرمين؛ لأن الله معنا.
أيها المرابطون: لقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- والعالَم يعيش أنواع الظلم، وصنوفَ الاعتداءات والانتهاكات، فكانت غزواته -صلى الله عليه وسلم- رحمةً للعالمين، وسَكينة لهم، تعلم منها العالم أن الحرب لا تقصد لذاتها، استعمارا واستضعافا، بل للحرب أخلاق يحافظ عليها؛ لذلك لم تكن حروب المسلمين حروب استعمار أو اعتداء، أو استيطان أو تدمير شامل، بل كانت بشارة بدين الإسلام، بدين الرحمة، بدين الفضيلة والعدل والإحسان، دين التسامُح والرحمة، وكانت الوصية من النبي الأعظم، ومن بعده من الخلفاء، أن الحرب لها ضوابط وشروط، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أمر أميرًا على جيش أو على سرية أوصاه بتقوى الله في خاصته، ومن معه من المسلمين خيرًا، ثم قال: "اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ، لَا تَغْلُوا، وَلَا تَغْدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا وَلِيدًا"، وكذلك دأب الخلفاء والأمراء من بعده، برسولهم مقتدين، بوصيته عاملين، فلم يخربوا عمرانًا، ولم يقطعوا شجرًا، ولم يقتلوا امرأة.
إن مشهد الحروب المدمرة في هذا العالم، والتي تفتقد إلى أدنى معاني الإنسانيَّة، وما لحق من ضرر على البشريَّة، وعجز القوانين الدوليَّة، من محاسبة مجرمي الحرب، تجعلنا نفتخر بالرؤية الإسلاميَّة للحروب، من حيث الأهداف والضوابط والأخلاقيات، وهي رؤية لم تصل البشريَّة إليها رغم ما شهدته من تقدم ورقي وحضارة، وبسبب انتقال السيادة والحكم في الأرض إلى غير المسلمين، وضعوا الاتفاقيات والقوانين التي تُنظِّم الحقوقَ في الحروب، ووضعوا توصيفًا لمخالَفتِها تُسمَّى "جرائمَ حربٍ"، وتعاقب عليها القوانين الدوليَّة حسب زعمهم، وهذه الحقوق ذكروا لمن هم في مناطق النزاع، نقارنها مع الذي يحدث في غزة هاشم، والتي تحرق ويباد أهلها على مرأى ومسمع من العالم الحر، بدوله الكبرى، ومنظماته الدوليَّة، فَمِمَّا ذكرته هذه الاتفاقيات وجوب نقل الأطفال والنساء والجرحى، والمرضى والعجزة والمسنين، من مناطق النزاع، أو المناطق المحاصرة إلى مناطق آمنة، فما الذي نراه في غزة هاشم؟ نرى أن المناطق الآمنة هي التي تتعرض للقتل والتدمير والإبادة، لا حول ولا قوة إلا بالله.
أعداؤكم فرَّغوا ما في قلوبهم من حقد وغِلّ وكُرْه، على المستضعَفين، لا لشيء إلا لكرههم لهذا الدين، قلوبهم مشحونة بالبغض، ممتلئة بحب الانتقام، تتقيَّح حسدًا وعداوةً، ضمائرهم قاحلة من الإنسانيَّة، فلا أخلاق لهم، ولا ذمة ولا عهدا؛ لذلك هم يتلذذون بالقتل والتعذيب، لقد لقي إخواننا هناك من صنوف والتعذيب وألوان التقتيل ما يصعب تخيله، مع وضعهم تحت الضغط النفسيّ والقهر المعنوي مما يصعب تحمله، هذه القوانين والاتفاقيات التي تجرم المجرمين لا يتطبق إلا على الدول الضعيفة، أو على أشباه الدول، لا على الدول القوية، من ذوي النفوذ؛ فهم يكيلون بمكاييل مختلفة، بحسب الدين واللون والمصلحة، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ما طال ليل أو تداعت كربة إلا ولطف الله قريب، نعم لا تيأسوا، إن الله -عز وجل- لطيف بِعِبَادِهِ، اللطف قريب، والفرج أقرب، والله يقول في محكم التنزيل: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139]، بهذه الآية الكريمة إشارة إلهيَّة وبشارة ربانية، إشارة للمؤمنين الصادقين، أن يتفاءلوا ويرسموا في وجوههم الأمل المشرق، ويمحوا من فكرهم أي معالم لليأس؛ لأن الله حكم لهم بأنهم هم الأعلون بإيمانهم، الذي هو مصدر العلو والعزة والرفعة، والنصر والتمكين، هذه الآية نزلت بعد غزوة أحد، فيها عزاء وتسلية للمسلمين، بما أصابهم يوم أحد من القتل والجراح والتمثيل، فحثهم الله -عز وجل- على الثبات، ونهاهم عن العجز واليأس والقنوط والإحباط، وبشرهم أنهم هم الأعلون، وهم الغالبون؛ فهم أهل الحق، قتلاهم في الجنة، وعدوهم إلى زوال وبوار.
أبها المرابطون: إذا نظرنا لسيرته -صلى الله عليه وسلم- وتربيته لصحابته الكرام، نرى اهتمامه -صلى الله عليه وسلم- برفع الجانب المعنوي للصحابة الكرام، وتعزيز ثقتهم بأنفسهم؛ فالحق معهم، والنصر لهم، لقد أدرك الصحابة الكرام أنهم على الطريق المستقيم، فكان نهجهم على بصيرة، ينتظرون، وينظرون إلى اليوم التالي، يوم يتحقق فيه وعد الله لهم، بالنصر والتمكين، وقد رأوه بعيونهم وعايشوه، فكان لهم التمكين والعزة.
نعم -عبادَ اللهِ- إنه نور الأمل، الذي يبدد ظلمة اليأس، واليقين الصادق بالفجر الذي يمحو عتمة الليل، ولكنكم تستعجلون.
جاء في الحديث الشريف، عن تميم الداري -رضي الله عنه- وأرضاه قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ".
أقول كما سمعتم، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، الذي أظهَر دِينَه وأعزَّ جندَه، ونصَر عبدَه، وصدَق وعدَه، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، لا رادَّ لحُكمِه، ولا مُعقِّبَ لأمره، وأشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمدًا، عبده ورسوله، بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين، إلى يوم الدين.
أيها المرابطون: في ظل ارتقاء شهدائنا الأبرار، على ثرى هذه البلاد الطاهرة، وفي ظل الجرائم البشعة التي تُرتكَب بحقِّ شعبنا الأبي الصابر المرابط، وفي ظل القهر والعجز الذي نعيشه، عجز عن النصرة، وعَجْز عن رفع الظلم، عن شعب يُباد في كل يوم وليلة، وفي ظل الألم والخذلان والضعف والهوان في العالَم العربيّ والإسلاميّ تتلاشى كل العناوين، تختفي كل العبارات، فالحدث أعظم من الحديث، والخطب أبلغ من الخطب، وليس الخبر كالعيان.
أما أنتم يا أهلَ غزةَ: ففي الوقت الذي نودع فيه حجاج بيت الله الحرام، ليؤدوا مناسك الحج، حيث أرواحهم حول الكعبة المُشرَّفة طائفة، وأجسادهم خاشعة، يلتقون بكل مَنْ يَفِدُ إلى بيت الله الحرام، من كل فج عميق، تُودِّعون يا أهلَ غزةَ أطفالَكم ليفدوا على الرحمن في أعالي الجنان، لتحلق أرواحهم في البيت المعمور، مع الملائكة، تكون في حواصل طير خضر تسرح في أنهار الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش.
يا أهل غزة: حُجَّاجُنا يعودون بعد أداء مناسكهم، أما حجاجكم فهم شهداء عند ربهم، مناسكهم لا تنقطع إلى يوم القيامة، حُجَّاجُنا نطلب منهم الدعاء، أما حُجَّاجُكم فنطلب منهم الشفاعةَ، فهنيئًا لكم، هنيئًا لكم يوم تنادون غدًا: (سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرَّعْدِ: 24].
عبادَ اللهِ: في ظل هذه الظروف، تيقَّنَّا أن جميع الأبواب الدنيوية قد أُغلقت في وجهنا، فما ثمَّ إلا باب الله -تعالى-.
اللهمَّ إنَّا نقف على بابكَ، فلكم الله يا أهل الشموخ، لكم الله وقد رأى العالَمُ أجمعُ معاناتكم، وسمعوا أصواتكم، فتحركت الجامعات، وطلبة الثانويَّة من أجلكم، وعالمنا العربيّ يعيش في ثبات عميق، فقد شاهَدْنا عالَمنا العربيَّ على الشاشات بعيون حائرة، وتابعناهم من هنا، بقلوب ثائرة: أين أنتم؟ ما حالكم؟ عالم أعمى، يعيشون في دُنيا صماء، يعيشون مع المباريات والأغاني والمسلسلات، ويعيشون مع الرقص والحفلات، نفوض أمرنا إلى ربنا، تفويضا صادقًا واثقًا بعونه ونصرته، وسنرى إن شاء الله كما وعدنا الله في كل محنة منحة، وخلف كل ضيق فرجًا ومخرجًا، وبعد كل عسر يسِرًّا.
أيها المرابطون: القدس قلب الأمة النابض، وغزة اليوم جرحها النازف، وهذه الجراح مستمرَّة، تأبي أن تلتئم، وبالرغم من الظلم الذي يتعرَّض له شعبنا، والاعتداءات المتكررة، على أرضه ومقدساته، وخصوصًا المسجد الأقصى المبارَك، والحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة خليل الرحمن، ومع ما يحاك ضده لتمحى الهُوِيَّة، وتستأصل الشوكة، إلا أنَّه شعب ثابت، مرابط، على أرضه بكل صبر وشجاعة.
أيها المرابطون: إنكم بصبركم وثباتكم وثقتكم بربكم، تُعلِّمون العالَمَ بأَسْرِه معنى العبودية لله، وتُسطِّرون أجلَّ المواقف في البطولة والفداء، إنكم برباطكم لا تعرفون اليأس، فلا تهزكم النكباتُ، ولا النكساتُ، ولا الشدائدُ أبدًا، فنورُ عِزِّكم بعبادة ربكم، وقوة صبركم باتباع نهج نبيكم -صلى الله عليه وسلم-.
إنكم قوم عرفتُم أن ارتباطكم بأرضكم ارتباط عقيدة وتاريخ، ارتباط واقع ومصير، فلا تؤثر فينا مسيرة الأوهام، ولا يهزنا عدد حملة الأحلام، ولا يربكنا اعتداء الأقزام، فالقدس مدينتنا، والأقصى مسجدنا، فلا أحد ينازعنا في حقنا هذا، ولن يغير هذا الواقع شيئًا من الحقائق؛ (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)[الشُّعَرَاءِ: 227].
اللهُمَّ كن لنا عونًا ومُعينًا، وسندًا وظهيرًا، وناصرًا ومؤيدا، اللهُمَّ ارحمنا بواسع رحمتك، وارفع عَنَّا البلاء، اللهمَّ اخذل عدونا، ومن بغى علينا، اللهُمَّ اجبر كسرنا، وأطعم جائعنا، واسق ظمآنا، واحمل حافينا، واكسُ عرياننا، وداوِ جرحانا، وارحم موتانا، اللهُمَّ لطفك بشيوخ ركم، وأطفال رضع، وزوجات رملن، وأبناء يتموا، يا خير الناصرين، يا جابر كسر المنكسرين، يا مجيب دعوة المضطرين.
اللهُمَّ احفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك -عليه الصلاة والسلام- وحصنه بتحصينك المتين، واجعله في رعايتك، وعنايتك، واجعله في حرزك وأمانك وضمانك، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، واهزم أعداء الدين، اللهُمَّ صل على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، سنصلي إن شاء الله صلاة الغائب على أرواح الشهداء.
وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم