عدل لا مساواة

ناصر بن محمد الأحمد

2015-03-18 - 1436/05/27
عناصر الخطبة
1/الإسلام دين العدل لا دين المساواة المطلقة 2/أهم الفروق بين العدل والمساواة 3/استغلال دعاة المساواة لبعض صور المساواة في الإسلام والرد على ذلك 4/بعض الآثار السيئة لفكرة المساواة المطلقة

اقتباس

أخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين مساواة، بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين والتفريق بين المفترقين، لم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً، إنما يأمر بالعدل، بمعنى: إذا فرّق الشرع بين أمرين، فهو العدل، وإذا ساوى....

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: يخطئ كثير من الناس عندما يقول أو يظن بأن الإسلام دين المساواة المطلقة، والصحيح: أن الإسلام دين العدل، وليس المساواة المطلقة.

 

فالمساواة المطلقة فتح للباب على مصراعيه وهو عبث، بل يصادم نصوص الشرع الصريحة الواضحة التي تنفي المساواة بين بعض الأشياء؛ مثل قوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ) [السجدة: 18].

 

وقوله تعالى: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) [آل عمران: 36].

 

قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: "أخطأ على الإسلام من قال: إن دين الإسلام دين مساواة، بل دين الإسلام دين العدل، وهو الجمع بين المتساويين والتفريق بين المفترقين".

 

وقال أيضاً: "لم يأت حرف واحد في القرآن يأمر بالمساواة أبداً، إنما يأمر بالعدل" انتهى.

 

بمعنى: إذا فرّق الشرع بين أمرين فهو العدل، وإذا ساوى بينهما فهو العدل.

 

وقد ترتب على التوسع في مفهوم المساواة آثار خطيرة جداً تناقض أصولاً، وتناقض ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

 

أيها المسلمون: ويمكن إجمال أهم الفروق بين العدل والمساواة في الآتي:

 

أولاً: إن العدل في الشرع مأمور به، ومرغَّب فيه مطلقاً في كل مكان، ومع أي شخص كان، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].

 

وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

 

أما المساواة، فمنفية في بعض المواضع؛ كقوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ) [السجدة: 18].

 

ثانياً: إن العدل يشمل التسوية والتفريق وكلاهما موجود في الشريعة.

 

أما المساواة، فهي تشمل التسوية فقط، فالإسلام دين العدل وليس المساواة المطلقة؛ لأن المساواة قد تقتضي التسوية بين شيئينِ الحكمةُ تقتضي التفريقَ بينهما.

 

ومن أجل هذه الدعوة الجائرة إلى التسوية صاروا يقولون: أي فـرق بين الذكر والأنثى ؟! حتى إن الشيوعية، قالت: أي فرق بين الحاكم والمحكوم، لا يمكن أن يكون لأحد سلطان على أحد، حتى بين الوالد والولد، ليس للوالد سلطة على الولد، وهلمَّ جرّاً، لكن إذا قلنا بالعدل، وهو إعطاء كل أحد ما يستحقه، زال هذا المحذور.

 

وقد عبر النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض المواضع عن المساواة بالعدل، وذلك لما جاءه بشير بولده النعمان، فقال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحةَ عَطِيّةً، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: "أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟" قَالَ: لاَ، قَالَ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ!" قَالَ: فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ".

 

فمن العدل: التسوية بين الزوجات في النفقة.

 

ومن العدل: التسوية بين الأولاد في العطية.

 

ومن العدل: التفريق بين الرجل والمرأة في الميراث والشهادة.

 

أيها المسلمون : هناك صور يوجد فيها المساواة في الإسلام يستغلها دعاة المساواة المطلقة إما للتشكيك في الشرع بدعوى التناقض لوجودها هنا، وانتفاؤها هناك، أو للاستدلال بها على المساواة المطلقة، وكِلا الأمرين باطل.

 

ومن هذه الصور:

 

أولاً: المساواة في أصل الخلقة: والمقصود بذلك أن الناس في أصل الخلقة سواء، أي في الإنسانية، فكل الناس لآدم وآدم خلق من تراب، لا فرق بين أبيض وأسود وأحمر، ولا طويل ولا قصير، ولا عربي ولا عجمي إلا بالتقوى، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13].

 

فجميع الناس في أصل الخلقة سواء، وعلى هذا قامت الشريعة.

 

ثانياً: المساواة في أصل الخطاب الشرعي بالإسلام: إن الخطاب الشرعي بالإسلام جاء للناس جميعاً، العرب والعجم، البيض والسود، دون تمييز؛ لأن الله -تعالى- أرسل محمداً -صلى الله عليه وسلم- للناس كافة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سبأ: 28].

 

فالخطاب موجه للناس جميعاً دون تمييز.

 

فلا يجوز أن يقال: إن دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة لجنس دون جنس، ولا لجهة دون جهة.

 

ومن آمن من الناس كان أصل خطاب التكليف موجهاً إليهم جميعاً رجالاً ونساءً على قدم المساواة، إلّا ما خصه الشارع لحكمة يعلمها، قال الله -تعالى-: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ) [آل عمران: 195].

 

فأركان الإسلام الخمسة بالجملة يطالَب بها الرجال والنساء، لم تستثنِ الشريعة واحداً منهم.

 

والترغيب في فضائل الأعمال للرجال والنساء، كالإنفاق، والدعوة إلى مكارم الأخلاق كالصدق والأمانة، وغير ذلك.

 

ثالثاً: المساواة في الحكم بين الناس: وفي الحُكْم بين الناس لا يجوز التفريق بين الخصمين لأي سبب من الأسباب، لذلك قال الله -تعالى-: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة: 8].

 

فلا يجوز أخذ حقوق الناس بمجرد العداوة والبغضاء؛ لأن الإسلام دين العدل.

 

وقد قضى شريح القاضي ليهودي بدرع، مع أن الخصم هو أمير المؤمنين علي -رضي الله عنه-، فلم يعرف الإسلام الظلم في تأريخه، بل كان العدل شعاره.

 

رابعاً: المساواة في بعض الأحكام الشرعية: فالشريعة ساوت بين الناس في بعض الأحكام الشرعيةِ، العدلُ يقتضي التسويةَ فيها، فمن ذلك على سبيل المثال: التسوية بين الأولاد في العطية، كما في الحديث السابق، والتسوية بين الزوجات في النفقة والمبيت، وغير ذلك من الأحكام.

 

أيها المسلمون: ومع أن الناس فيما ذكرنا سواء، ولكن قامت موانع منعت من المساواة بينهم في بعض الأمور، تقضي الحكمة حصول التفرقة فيها، ونفي المساواة، إما لمانع شرعي، أو مانع جبليّ.

 

المانع الشرعي الذي جاءت به النصوص الشرعية، ولا أحد يستطيع تجاوز الشرع كائناً من كان، كالمنع من المساواة بين المسلم والكافر، قال الله -تعالى-: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ) [السجدة: 18].

 

قال البغوي -رحمه الله-: "نزلت في على بن أبي طالب والوليد بن عقبة بن أبي معيط أخي عثمان لأمه، وذلك أنه كان بينهما تنازع وكلام في شيء، فقال الوليد بن عقبة لعلي: اسكت، فإنك صبي، وأنا والله أبسَطُ منك لساناً، وأحدُّ منك سِناناً، وأشجع منك جنِاناً، وأملأ منك حشواً في الكتيبة، فقال له علي: اسكت فإنك فاسق، فأنزل الله -تعالى-: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُون)[السجدة: 18].

 

ولم يقل: لا يسـتويان؛ لأنه لم يرد مؤمناً واحداً وفاسقاً واحداً، بل أراد جميع المؤمنين وجميع الفاسقين" انتهى.

 

فهم لاَّ يَسْتَوُونَ عقلاً وشرعاً، كما لا يستوي الليل والنهار، والضياء والظلمة، وكذلك لا يستوي ثوابهما في الآخرة، قال الله -تعالى-: (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} [القلم: 36 - 35].

 

حتى بين المسلمين لا يستوي أصحاب الأعمال؛ كما قال تعالى: (لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 95].

 

وقال تعالى: (لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [الحديد: 10].

 

إلى غير ذلك من النصوص الدالة على التفرقة بسبب الشرع.

 

أما المانع الجِبِلِّي، فبسبب أصل الخِلْقة، بمعنى أن الناس جميعاً خرجوا من آدم، ولكن الله -تبارك وتعالى- أقام في خِلْقة المرأة والرجل فروقاً فرّق بسببها بينهما في التكاليف، قال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النساء: 34].

 

فالتفضيل هو للمزايا الجِبِلِّية التي تقتضي حاجة المرأة إلى الرجل في الذبّ عنها، وحراستها لبقاء ذاتها، لذلك قد بُني على هذا المانع التفرقة بين الرجل والمرأة في بعض التكاليف الشرعية التي يقتضي التفريق في أصل الخلقة التفريق بينها في هذه الأحكام، كالشهادة؛ لأن النسيان من أصل خِلْقَتها، قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى) [البقرة: 282].

 

وكذا الولاية؛ لأن الضعف في أصل خِلقتها، ولأن العجلة من أصل خلقتها، إلى غير ذلك.

 

أيها المسلمون: لقد أثرت "فكرة المساواة المطلقة" على الفكر في مجالات عديدة، وترتب عليها آراء منحرفة عن الصواب، كانت سبباً في إضلال كثير من الناس.

 

ويمكن القول: إن معظم الآراء والأفكار المنحرفة تؤثر فيها المساواة المطلقة تأثيراً مباشراً، إما لكون الفكرة أساساً بنيت على هذه المساواة، أو أنها عمود أساسي من أعمدتها، ومن هذه الأفكار:

 

أولاً: اعتبار المواطنة هي الأصل في الحقوق والواجبات: من أبرز آثار المساواة المنحرفة دعوتها إلى المساواة الكاملة بين أبناء الوطن الواحد، ومناداتها بإزالة كل أمر يفرّق أبناء الوطن الواحد حتى ولو كان الدين، فتذوب في ظلها كل الفوارق الدينية والجنسية، فلا فرق في ظل الوطن بين المسلم وغيره، وبين الرجل والمرأة، وبرزت الدعوة إلى أن الأساس في الحقوق والواجبات هو المواطنة، وتسمى أحياناً: الدعوة إلى القومية، ومنها: "فكرة القومية العربية" التي هي حركة سياسية فكرية متعصبة تدعو إلى تمجيد العرب، وإقامة دولة موحدة لهم على أساس من رابطة الدم والقربى واللغة والتاريخ، وإحلالها محل رابطة الدين، وهي صدى للفكر القومي، الذي سبق أن ظهر في أوروبا.

 

إن أخطر ما في هذه الدعوة وأمثالها: أن بعض المسلمين يتحمس لها، ويدافع عنها بحسن نية، وسلامة مقصد، بل تجدهم يرددون ما يزعمون أنه حديث نبوي: "حب الوطن من الإيمان" وهو ليس بحديث.

 

ويتبنَّى أصحاب هذه الفكرة شعار: "الدين لله، والوطن للجميع".

 

والهدف من هذا الشعار إقصاء الإسلام من أن يكون له أي وجود فعلي، وجعْل أُخوّة الوطن مقدَّمة على أخوة الدين.

 

ومن أخطر آثار الوطنية والقومية بمفهومها العلماني: بناؤهما على المساواة الكاملة في الوطن أو الجنس، ويتمثل ذلك الخطر في إلغاء عقيدة الولاء والبراء، لتحل محلها عقيدة الوطنية والقومية، فيوالي المسلمُ اليهوديَّ والنصرانيَّ والرافضي في ظل الوطن، ويعادي المسلمُ أخاه المسلمَ بل يقاتله، بل يستعين بغير المسلمين من أجل معاداته، ولا يخفى خطر ذلك، يقول الإمام عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "ومن الوجوه الدالة على بطلان القومية العربية، أنها سُلَّم إلى موالاة كفار العرب وملاحدتهم من أبناء غير المسلمين واتخاذهم بطانة، والاستنصار بهم على أعداء القوميين من المسلمين وغيرهم.

 

ومعلوم ما فيه من الفساد الكبير والمخالفة لنصوص القرآن والسنة الدالة على وجوب بُغض الكافرين من العرب وغيرهم وتحريم موالاتهم" انتهى.

 

ومن مساوئ المواطنة: إباحة الردة وترك الإسلام؛ لأنه في نظر دعاة القومية لا فرق بين المسلم والكافر، وكما هو معلوم لقد صرح بذلك عدد من الناس.

 

وأيضاً إباحة زواج المسلمة من الكافر الرافضي واليهودي والنصراني للمساواة في الوطن أو القومية، مع أن الإسلام حرم ذلك.

 

وأيضاً جواز ولاية الكافر على المسلم، الولاية العظمي أي الرئاسة، وولاية القضاء، والجيش، بحجة المساواة في الوطن، وبناءً على هذه الفكرة، فقد تم إسقاط شرط الإسلام من شروط الرئاسة في دساتير أكثر الدول الإسلامية -إلا من رحم الله-.

 

ومعلوم أن هذه الولايات: انعقد الإجماع على عدم جوازها لغير المسلم، ومستند ذلك قول الله -تعالى-: (وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء: 141].

 

ثانياً: من آثار المساواة المطلقة: الدعوة إلى تحرير المرأة: وهي فكرة علمانية ظهرت ونشأت في مصر في بادئ الأمر، ثم انتشرت في أرجاء العالم الإسلامي، وهي تدعو إلى إبعاد المرأة عن دينها باعتماد المساواة الكاملة بينها وبين الرجل، فهي في الأصل بيع للمرأة في سوق النخاسة، ففكرة تحلل المرأة من قيودها الشرعية، المسماة بتحريرها، جاءت ونشأت من "فكرة المساواة المطلقة" التي اتخذوها ذريعة للقضاء على التكاليف الشرعية.

 

والذي لا يخفى على أحد أن الشريعة الإسلامية خصت المرأة بتكاليف دون الرجال، فالدعوة إلى المساواة إبطال لهذه التكاليف، وتأكيداً لذلك نفت الشريعة المساواة بين الرجل والمرأة، فقال تعالى: (وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ) [البقرة: 228].

 

وقال تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34].

 

وقال تعالى: (فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى) [آل عمران: 36].

 

ماذا يريدون من تحرير المرأة ؟

 

ترتب على فكرة "تحرير المرأة" التي بنيت على المساواة المطلقة عدة آثار؛ منها: جواز ولاية المرأة، فقد ترتب على مساواة الرجل بالمرأة، مساواتها به في الولاية العامة أي رئاسة الدولة، وقد سقط من كل دساتير الدول الإسلامية شرط الذكورة في الرئاسة إلا القليل، ولا يخفى على الناس حرمة ذلك، فقد بينت الشريعة أن هذا المقام لا يجوز للمرأة أن تصل إليه، فقد قال أبو بكرة -رضي الله عنه-: "لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَيَّامَ الجمَل، بَعْدَمَا كِدْتُ أَنْ أَلحقَ بِأَصْحَابِ الجمَلِ فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَـمَّا بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ كِسْرَى، قَالَ: "لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً".

 

قال ابن قُدامة -رحمه الله-: "ولا تصلح المرأة للإمامة العظمى ولا لتولية البلدان، ولهذا لم يولِّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أحد ولا من بعده امرأةً قضاءً ولا ولاية بلد فيما بلغنا، ولو جاز ذلك لم يخلُ منه جميع الزمان غالباً" انتهى.

 

ومن الآثار في إطلاق فكرة "تحرير المرأة": ضياع حقوق الرجال التي قامت على أساس التفرقة بين الرجل والمرأة، كالقوامة، فإذا انتفت القوامة حصل النشوز، والارتفاع على الزوج، وهذا الذي يريده دعاة المساواة، وهو أن تتجاوز المرأة الرجل، لا أن تساويه.

 

وأيضاً: ضياع حق العصمة، فإذا حصلت المساواة، أصبح من حق المرأة طلب العصمة ونيلها، فيكون لها حق العقد والطلاق والرجعة.

 

وأيضاً فقدان الرجل حق الطاعة المطلقة في غير معصية الله، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنِّي لَوْ كُنْتُ آمِراً أَحَداً أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ، لأَمَرْتُ المرْأَةَ أَنْ تسْجُدَ لِزَوْجِهَا، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لاَ تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّي حَقَّ زَوْجِهَا، وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِي عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْه".

 

قال أهل العلم: واعلم أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها؛ لأن الله –تعالى- قال: (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ) [النساء: 34].

 

فهذا يقتضي أن كل امرأة تكون صالحة، فهي لا بد أن تكون قانتة مطيعة.

 

بارك الله لي ولكم ...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: ومن الآثار السيئة في "فكرة المساواة المطلقة" وهذا ثالثاً: الدعوة للديمقراطية: إن فكرة الديمقراطية من الأفكار التي دخلت المجتمعات المسلمة، وتبنتها -مع كل أسف- بعض العقول المسلمة، بل روَّج لها بعض المسلمين، وشبهها بعضهم بالشورى التي لا علاقة لها بها لا شكلاً ولا مضموناً ولا منهجاً؛ لأن الديمقراطية بنيت أصلاً على مبدأ المساواة المطلقة.

 

وترتب على دخول المساواة في "فكرة الديمقراطية" عدة مخالفات شرعية، منها: إزالة الحواجز الشرعية بين الرجال والنساء، بدعوى الحرية والمساواة الديمقراطيتين، فأبيح الاختلاط، والتبرج، وغير ذلك.

 

ومن المخالفات الشرعية: إظهار شعائر الكفر من رفع الصليب والاحتفال بالأعياد الكفرية في كل مكان، وفتح المساجد أبوابها على الكنائس، وتعانق الهلال مع الصليب، والتحام المصحف مع الإنجيل، إلى غير ذلك من الأباطيل، وكل ذلك تحت مسمى الحرية والمساواة في ظل الديمقراطية، وإن شئت قلت: حرية الكفر.

 

رابعاً: من الآثار السيئة في "فكرة المساواة المطلقة": الدعوة إلى وحدة الأديان: هذه الفكرة كذلك من ثمار المساواة المطلقة حيث ساوت بين كل الأديان، وليتهم قالوا: باعتبار أصلها.

 

وقد عُقدت المؤتمرات من أجل تحقيق هذه المساواة، فلا ينبغي عندهم أن يتميز دين على آخر بشيء فيه.

 

وقد ظهر أثر هذه الفكرة في مجالات عديدة في الحياة؛ منها: الاعتراف بصحة الأديان المحرفة المتضمنة للشرك؛ كما قال تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة: 73].

 

وقال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة: 30].

 

والاعتراف بصحة تلك الأديان المحرفة يبيح للإنسان مثلاً قراءة الإنجيل بغرض التعبد، ودخول الإنسان إلى الكنيسة لغرض الصلاة، ولا حرج في ذلك، والترحم على موتى اليهود والنصارى، بل والتقرب إلى الله ببناء كنائسهم في بلدان المسلمين، وغير ذلك مما يندى له الجبين، ويقشعر منه الجلد.

 

ومنها: الشهود للكفار بالإيمان، بل ودعا بعضهم إلى تكوين جبهة المؤمنين؛ لأنه يعتقد المساواة معهم، وقد قال تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) [البينة: 1].

 

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6].

 

ومن الآثار السيئة للدعوة إلى وحدة الأديان: جواز الردة، وإنكار حدّها؛ لأن الأديان كلها بزعمهم صحيحة، فالانتقال من دين إلى دين عند هؤلاء لا إشكال فيه ولا حرج -نسأل الله السلامة-.

 

أسأل أن يحمي المسلمين من شر المتربصين بهم وبعقيدتهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

 

المرفقات

لا مساواة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات