عبودية الرجاء

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-12-13 - 1446/06/11 2024-12-24 - 1446/06/22
التصنيفات: أحوال القلوب
التصنيفات الفرعية: الاستسقاء
عناصر الخطبة
1/عبادة رجاء الله تعالى 2/رجاء رحمة الله ومعونته وتدبيره 3/قرب الله تعالى من خلقه ورحمته بهم 4/تعليق القلوب بدعاء الله ورجائه 5/حسن الظن بالله والثقة به 6/حقيقة الاستسقاء.

اقتباس

إنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قريبٌ من عبده، قريبٌ من دعوته، قريبٌ من رجاء عبده به، وتعلُّق قلبه به، فإن كان من نقصٍ يا عباد الله؛ فإنَّه منَّا ومن قلوبنا، ومن تعلقنا، ومن ركوننا إِلَى أسباب الدنيا، وغفلتنا عن مسبب الأسباب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا)[الكهف: 1]، وَ(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ)[الأعراف: 43].

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ إقرارًا به وتوحيدًا، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ذلكم الَّذِي بعثه الله -جَلَّ وَعَلَا- رحمةً للعالمين، وبشيرًا ونذيرًا، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومَن سلف مِن إخوانه من المرسلين، وَسَلّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

عباد الله: إنَّ عبادةً عظيمة تتعلَّق بالقلوب، بقلوب المؤمنين الموحدين، ما أكثر ما يُغفل عنها، وما أكثر ما يُتناسى شأنها، ألا وهي: عبادة رجاء الله -عَزَّ وَجَلَّ-، وتعليق الأسباب والمسببات به -سُبْحَانَهُ-، وتعليق القلوب بأنياط رحمته وعلائق عفوه وإحسانه.

 

 إنَّ رجاء الله هو الَّذِي يحيا به المؤمنون في هذِه الدنيا، وهو المركب الَّذِي ينجون به من أنواع الهموم والغموم، والأكدار والأشرار، في هذَا الرجاء نجا يوسف -عَلَيهِ السَّلَامُ- من البئر، وبهذا الرجاء نجا يونس بن متَّى من بطن الحوت، وفي هذَا الرجاء أمَّن نبيكم مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- من ربه خيرًا، ومن ذلك: أن يخرج من أصلاب زعماء وصناديد الكفر في مكة من يعبد الله فلا يشرك به شيئًا.

 

وَأَمَّا نحن -يا عباد الله-، فما شأننا بعبادة الرجاء؟ ما شأن قلوبنا في تعلُّقها بالله -جَلَّ وَعَلَا- حبًّا وتعظيمًا ورجاءً وطلبًا لما عنده من الخير؟

 

إنَّ ربنا -جَلَّ وَعَلَا- كما جاء في الحديث الصحيح : "لا يزال ينظر إِلَى عباده أزلِين قَنطين، يعجب من ذلك"؛ أي: يضحك، "يعجب -جَلَّ وَعَلَا- ويضحك من قنوط عباده وقرب غِيَرِه"؛ أي: من تغيير حالهم من حالٍ إِلَى حال.

 

 وَالشَّأن في ذلك كله هو بذل ما يكون في مقدورك أَيُّهَا المكلَّف، أَيُّهَا العبد في تحقيق عبوديتك لله -جَلَّ وَعَلَا- في رجائه، وفي حُسن أملك وظنك به، وفي ثقتك به -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، فإن عَظُم رجاؤك، وعَظُم إحسان ظنّك بالله، وعَظُم رجاؤك به؛ عندئذٍ عظم نوالك عند الله، وستنال من الدنيا مِمَّا أمَّلت من ربك خيرًا، وأعظم من ذلك في دينك وعقيدتك.

 

 إنَّ الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قريبٌ من عبده، قريبٌ من دعوته، قريبٌ من رجاء عبده به، وتعلُّق قلبه به، فإن كان من نقصٍ يا عباد الله؛ فإنَّه منَّا ومن قلوبنا، ومن تعلقنا، ومن ركوننا إِلَى أسباب الدنيا، وغفلتنا عن مسبب الأسباب -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

 

أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ؛ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[البقرة: 186].

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)[الفاتحة: 2 - 4]، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، هو الملَّاك وهو ملك قلوب العبيد، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ذلكم النَّبِيّ العربي الصنديد، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا مزيدًا.

 

أَمَّا بَعْدُ: يا عباد الله: فاتقوا الله -جَلَّ وَعَلَا-، وأروا الله من قلوبكم في اعتقادكم ما يسرّكم يوم أن تلقوا ربكم، وما تنجو به من أنواع الهلكات في الدنيا والآخرة، ومن ذلك: رجاء ما عند الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.

 

ولمَّا شكا النَّاس في عهده -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، شكو إِلَى الله جدب ديارهم، وَاعَدهم -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- يومًا يخرجون يستسقون فيه، أتدرون ما حقيقة هذَا الاستسقاء؟ إنه تعليقٌ لمراداتهم بحباله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، تعليق للقلوب بدعوة الله ورجائه، وحسن الظَّنّ به والثقة به، وبه يحصل مراد العبد من ربه، إن كان في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما جميعًا.

 

 إن الاستسقاء -يا عباد الله- عبودية لله، مناطها عَلَى تحقيق وحدانيته برجائه وحده، وحسن الظَّنّ به وحده، وكمال الثقة به -سُبْحَانَهُ- وحده.

 

 فاللهمَّ لك الحمد كَثِيرًا، كما تنعم يا ربنا كَثِيرًا، ولك الحمد والمنة عظيمًا كما تعفو يا ربنا عنَّا كَثِيرًا، اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

 

اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة لا سُقيا عذابٍ ولا هدمٍ ولا غرقٍ ولا نصبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمن والأمطار والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وحسن رجائك يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ ارحم هؤلاء الشيوخ الركع، وهؤلاء الأطفال الرضع، وهؤلاء البهائم الرتع، اللَّهُمَّ لا تعاملنا بما نحن أهله، وعاملنا بما أنت أهله، أنت أهل التَّقْوَى وأهل المغفرة.

 

اللَّهُمَّ اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ تَسْلِيمًا، اللَّهُمَّ وارضَ عن الصَّحَابَة والقرابة، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 اللَّهُمَّ عِزًّا تعزُّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الشِّرْك والكفر وأهله يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

وقوموا -رَحِمَكُمُ اللهُ- إِلَى صلاتكم.

 

المرفقات

عبودية الرجاء.doc

عبودية الرجاء.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات