عناصر الخطبة
1/وجوب أخذ العبرة من مرور الأيام والأعوام 2/على المسلم أن يراجع نفسه 3/مواطن الخير في محاسبة الإنسان نفسه 4/الوصية بصوم عاشوراء ونبذ البِدَعاقتباس
في تقلُّب الأزمان، وسرعة مرورِها وانصرامها ذكرى بحال هذه الدنيا، وحقيقتها، فهي كظل زائل، أو سراب راحل، جديدها يبلى، ومُلكها يفنى، وسرورها لا يبقى...
الخطبة الأولى:
الحمد لله مدبِّر الأكوان، مصرِّف الأزمان، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه.
إخوةَ الإسلامِ: في تقلُّب الأزمان، وسرعة مرورِها وانصرامها ذكرى بحال هذه الدنيا، وحقيقتها، فهي كظل زائل، أو سراب راحل، جديدها يبلى، ومُلكها يفنى، وسرورها لا يبقى، قال -جلَّ وعلا- عن مؤمن آل فرعون أنه قال: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غَافِرٍ: 39]، وعمر بن عبد العزيز يقول: "أيها الناس، لكل سفر زاد، فتزوَّدوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة بالتقوى"، ربُّنا -جل وعلا- يُذكِّرنا بحقيقة غائبة عن قلوبنا؛ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[الْبَقَرَةِ: 197]، لقد أَلْهَتْنَا هذه الحياةُ عن دار القرار، وفي استقبال الأعوام مُدَّكر، وهذه أول جمعة من عام جديد، حل بنا سريعًا، وينبغي أن نتَّخِذ من ذلك مناسبةً جادةً لمحاسَبة نفوسنا، وتقويم أحوالنا فيما ينفعنا في دنيانا وأخرانا؛ (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النُّورِ: 44].
علينا أن نُراقِب أنفسَنا، وأن نُراجِع ذواتِنا؛ فننظر ماذا قدَّمْنا لغدٍ، هل نحن في استقامة على طاعة فنزداد، أو مقصرون ومفرطون؟ فننوب ونتوب إلى الله -جل وعلا- قبل فوات الأوان؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)[الْبَقَرَةِ: 104]، نقرأ هذه الآية فلا نقرؤها بعمق؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18]، فلنراجع أنفسنا، ولنزجرها عن كل إثم وفاحشة ولنصطبر على كل خير وبر وطاعة، فلقد أنظَرَنا اللهُ -جلَّ وعلا- بمصائب وأحوال لا تخفى، الله -جل وعلا- يقول لنا: (وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ)[الزُّمَرِ: 54]، عن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: "حاسِبُوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنُوا أعمالَكم قبل أن تُوزَن عليكم"، (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ)[الْحَاقَّةِ: 18].
مَواطِنُ الخيرِ إنما هي في محاسَبة الإنسانِ نفسَه، فإن زل وأخطأ -وما أكثر ذلك-، فلنستجب لقوله -جل وعلا-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[الزُّمَرِ: 53]، ربُّنا رحيم كريم، غفور، تواب، ولكن أين الإنابة؟ وأين التوبة؟ احفظ دينَكَ عبدَ الله؛ فذلك أساس كل خير، احذر من التفريط في أوامر الله -جل وعلا-؛ فذلك أصل كل شر وبلية ومصيبة نعيشها، يقول ربنا -جل وعلا- نسمعها بقلوبنا قبل أن تسمعها آذانُنا: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)[الْحَدِيدِ: 16]، فلنجعل من عامَنا الجديدَ خيرًا من أعوامنا المنصرمة؛ بالزيادة في الخيرات، وأعمال البر والمسابقة إلى الصالحات، قال صلى الله عليه وسلم: "خيرُكم من طال عمره وحسن عمله".
اللهم اجعل عامَنا هذا عامَ خير وسعادة، اللهم اجعله عامَ رزق وبركة، اللهم واجعله عامَ صحة وعافية على المسلمين أجمعين، يا أرحم الراحمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، في الآخرة والأولى، وأشهد أن نبينا محمدًا عبدُه ورسولُه المصطفى، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه.
أما بعدُ، فيا أيها المسلمون: شهر الله المحرَّم من الأشهر الحُرُم، أفضل التطوُّعات المطلَقة من الصوم صوم المحرَّم، كما قال صلى الله عليه وسلم: "أفضلُ الصلاةِ -بعدَ الفريضةِ- صلاةُ الليلِ، وأفضلُ الصيامِ -بعدَ الفريضةِ- صومُ المحرَّمِ"، وصومُ اليومِ العاشر منه يُكفِّر السنةَ التي قبلَه، كما صحَّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والسُّنَّةُ صومُ التاسع مع العاشر، هذا ما ورَد في فضل عاشوراء.
وما عداه من إحداث أمور يُتعبَّد فيها لله -جل وعلا- في هذا اليوم فذلك مما أحدَثه المحدِثون، مما لم يثبت بدليل صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
أيها المسلمون: إن من أفضل أعمالنا الإكثار من الصلاة والسلام على النبي الكريم؛ اللهم صل وسلم وبارك على نبينا ورسولنا محمد، اللهم ارضَ عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، اللهم ارضَ عن الآل والصحابة أجمعين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم فرِّج همومَ المسلمينَ، اللهم نفِّس كرباتِهم، اللهم اشفِ مرضانا ومرضاهم، اللهم اغفر لكل مؤمن ومؤمنة، وكل مسلم ومسلمة، اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
اللهم اجعل عامَنا هذا الجديدَ عامَ خير وسعادة وسرور وبركة ورزق وصحة وعافية، اللهم اجمع فيه كلمةَ المسلمين على الحق والتقوى، اللهم اكبِتْ فيه كلَّ فاجر وعنيد، يا أرحم الراحمين.
اللهم مَنْ أراد المسلمينَ بسوء في دينهم أو دنياهم اللهم فعليكَ به، يا ربَّ العالمينَ، أنتَ حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ.
اللهم وفِّق خادمَ الحرمينِ ووليَّ عهدِه لِمَا فيه خير الإسلام والمسلمين، اللهم وفِّقْهما لكل خير، اللهم وفِّقْهُما لكل عمل سديد تصلح به الدنيا والآخرة، يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا أجمعين، اللهم تب علينا، اللهم إنا أسرفنا على أنفسنا فاغفر لنا، اللهم اجعلنا ممن طالت أعمارهم، وحسنت أعمالهم، الله اجعل لنا في أوقاتنا البركة والسداد في القول والعمل، اللهم يا حي يا قيوم اشف كل مريض، اللهم ارفع عنا هذا الوباء، اللهم ارفع عن المسلمين وعن العالم هذا الوبا، إنكَ أنتَ الرؤوف الرحيم، الرحمن الرحيم.
اللهم أنتَ المستعان، وعليك التُّكْلان، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ على نبيِّنا ورسولنا محمد.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم