عام الفرج

ناصر بن محمد الأحمد

2011-02-19 - 1432/03/16
عناصر الخطبة
1/ أهمية التفاؤل والاستبشار 2/ أحداث عام الحزن (وفاة أبي طالب وخديجة ورفض الطائف للدعوة) 3/ التسرية على الني الكريم بالإسراء والمعراج 4/ الهجرة للمدينة وإنشاء دولة الإسلام بعد سنوات قليلة من عام الحزن 5/ العسر يعقبه اليسر 6/ التمكين يأتي على يد العلماء الربانيين 7/ نماذج من تضحيات العلماء

اقتباس

في السيرة سلوى لهذه الأمة حيال كل ما يُكاد لها، ورغم كل المؤامرات والمؤتمرات التي يحيكها أعداء الإسلام ضده في كثير من البلدان، بل والإساءة بالاتهامات الباطلة لعلماء الأمة بمناسبة وبغير مناسبة، نقول: هيهات لهم! ثم هيهات! فإن أعوام الحزن التي مرت بالرسول-صلى الله عليه وسلم- كان بعدها أعوام فرح وفرج وتمكين؛ فلتثق هذه الأمة بدينها، ولتثق بمستقبلها، ولتثق بأن نصر الله لها لا يتأخر ..

 

 

 

 

أما بعد: بعد أيام يُطْوَى سِجِلُّ عامٍ كامل من عمُر الأمة، لتفتح أمة الإسلام صفحة جديدة في دفترها، تستقبل عاماً هجرياً جديداً، وسبحان الله! ما أسرع مرور الأيام! وما أسرع انصرام الأعوام! ولكن بماذا؟ وعلى ماذا؟ وبأي وضع أنهت الأمة عاماً كاملاً من عمرها؟ ما هي منجزاتها؟ ما هي أرباحها وخسائرها؟ هل طوت صفحة عام وهي غارمة أم غانمة؟ منتصرة أم منهزمة؟ هل كان عام حزن أم عام فرح؟.

إن أمة الإسلام تمر بمرحلة من أصعب مراحل حياتها، ولا أريد في هذه الخطبة، ونحن على بوادر استقبال عام جديد، أن أذكرك فقط بمآسي الأمة في عامها المنصرم، وما مرت به من نكبات ومآزق، واضطهاد وتقتيل، وتشريد لبعض شعوبها، لأن كثرة الطرْق على مثل هذه المواضيع دون عمل، ودون تغيّر للحال، قد يبلد الإحساس؛ فالمسلم، لكونه مسلماً، يجب أن يعيش متفائلاً مستبشراً، ولنا في رسول الله أسوة حسنة.

كان السؤال: هل كان العام المنصرم عام حزن أم عام فرح؟ لعلك تجيبني أنه عام حزن بالجملة بالنظر إلى عموم أحوال الأمة، وهذا صحيح، فإن الحزن والمصائب والآلام أكثر بكثير من الفرح والنصر والتمكين، لكن، أين التفاؤل الذي ذكرناه؟.

ثم ثانياً: ليست هذه هي سنة الحياة أن يكون الحزن دائماً حزن، فإن الحزن لابد أن يعقبه فرح، لابدَّ! هل سمعت بعام الحزن الذي مر به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ أظنك سمعت به، فماذا كان بعد عام الحزن ذاك؟ إليك طرفاً من أخباره لتنـزع ثوب اليأس عنك، وتزدادَ ثقة بالله، وبهذا الدين، وبما ينتظرنا من مستقبل.

إن عدداً من الأحداث الجسام مرت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائد هذه الأمة، وبأصحابه، في أقلَّ من أربعة أشهر كادت تعصف بالدعوة في مهدها، وكانت في نظر المرجفين ومحدودي الرؤية أحداث مؤذنة بنهاية دعوة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وانتصار معسكر قريش على معسكر الإيمان؛ فما هي هذه الأحداث التي بسببها سمي ذلك العام بعام الحزن؟.

مات أبو طالب عم الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ماتت خديجة بنت خويلد -رضي الله عنها- زوجُه، فماذا كان أثر وفاتها؟ قال ابن إسحق: "ثم إن خديجة بنت خويلد، وأبا طالب، هلكا في عام واحد، فتتابعت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المصائب بهلاك خديجة، وكانت له معيناً في دعوته إلى الإسلام.

وهلك عمه أبو طالب الذي كان له عضداً وحرزاً في أمره ومنعته، وناصراً على قومه؛ فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش، فنثر التراب على رأسه.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "وعندي أن غالب ما رُوي من طرحهم سلا الجزور بين كتفيه وهو يصلي، وكذلك ما أخبر به عبد الله بن عمرو بن العاص من خنقهم له -عليه السلام- خنقاً شديداً حتى حال دونه أبو بكر الصديق، وكذلك عزم أبي جهل -لعنه الله- على أن يطأ على عنقه وهو يصلي فحيل بينه وبين ذلك، وما أشبه ذلك، كان بعد وفاة أبي طالب".

نعم، لقد فقد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عضده وحاميه من قريش، فاجترأت عليه، وزادت في إيذائه، حتى روى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما نالت قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب".

وفقد -صلى الله عليه وسلم- سلوته وملاذه وأم أولاده، خديجة بنت خويلد؛ قال -صلى الله عليه وسلم- عنها: "لقد آمنَتْ بي حين كفر بي الناس، وصدقتني حين كذبني الناس، وأشركتني في مالها حين حرمني الناس، ورزقني الله ولدها وحرمني ولد غيرها".

قال ابن إسحق: وكانت أول من آمن بالله وبرسوله وصدق بما جاء به، فخفف الله بذلك عن نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فلا يسمع شيئاً مما يكرهه مِن ردٍّ عليه، وتكذيب له فيحزنه ذلك، إلاّ فرج الله عنه بها إذا رجع إليها، تُثَبِّتْهُ، وتخفِّف عليه، وتصدقه، وتهوِّن عليه أمر الناس، رحمها الله تعالى رحمة واسعة.

فعلاً، إنها أحداث تهز الكيان البشري، وتزلزل الأرض من تحت أقدام الضعفاء، أما مَن قَوِي إيمانه بالله، ويقينه بوعده ونصره، فلا تزيده هذه الأحداث إلا تصميماً وعزماً على مواصلة الطريق.

خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة بعد أن أحس أنها لم تعد بيئة صالحة للدعوة، خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام، وإلى أن يكونوا أنصاره وحماته، وكان ذلك بعد وفاة خديجة بقليل، فماذا كان جوابهم؟ لقد قابلوا الرسول-صلى الله عليه وسلم- أسوأ مقابلة، وردوا عليه بأقبح رد، وعاملوه بما لم تعامله به قريش، لقد رفضوا الداعي والدعوة، ورجع الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى مكة وقومه أشد ما كانوا عليه من خلافه وفراق دينه، حتى إنه لم يدخل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي.

إذاً، فما العمل؟ ذهب السند الداخلي الذي كان يمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالطمأنينة، والمشاركة والمؤاساة، وهلك المدافع أمام قومه الذي كان يوفر له مساحة يتحرك فيها لدعوة الناس، وإبلاغ رسالة الله، وسُدَّ أقرب منفذ للدعوة يمكن أن تنتقل إليه وتنطلق منه؛ فهل تنتهي الدعوة؟ هل يقف الداعية؟ هل كانت تلك الأحداث إيذاناً بانتصار معسكر الكفر؟ لقد أجاد الشاعر وهو يصف هذه الأحزان وتلك المصائب في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-:

وَلَّى أبوك عن الدُّنيا ولم تَرَهُ *** وأنتَ مُرْتَهَنٌ لازلتَ في الرَّحِمِ
وماتَتْ الأمُّ لمّا أنْ أنِسْتَ بها *** ولم تكنْ حين ولَّتْ بالغَ الحلُم
وماتَ جدُّكَ مِن بَعْدِ الوُلُوع به *** فكنتَ من بعدِهِمْ في ذروة اليتُم
فجاء عمُّكَ حِصْناً تستكنُّ به *** فاختاره الموتُ والأعداءُ في الأَجَم
تُرمَى وتُؤذَى بأصناف العذاب فما *** رُئيت في ثوب جبَّارٍ ومنتقم
حتَّى على كتِفَيْكَ الطَّاهِرَيْن رمَوا *** سلا الجزور بكفِّ المُشْرِكِ القَزم
أمَّا خديجةُ، مَن أعطتْك بهجتَها *** وألبستْك رداء العطف والكرم
غدَتْ إلى جنَّة الباري ورحمته *** فأسلمتك لجرْحٍ غير ملتئم
وشجَّ وجهك ثم الجيش في أحد *** يعود ما بين مقتول ومُنْهَزِم
ورغم تلك الرزايا والخطوب وما *** رأيتَ من لوعةٍ كُبْرَى ومن ألم
ما كنْتَ تحمل إلا قلبَ مُحْتَسِبٍ *** في عزمِ متَّقِدٍ في وجه مبتسم
أُعْطِيتَ بالصَّبْر مجْداً لا يُماثِلُهُ *** مجدٌ وغيرُكَ عن نهج الرشاد عَمى

إن تلك الحالة شبيهة بحال الأمة في واقعها الآن، حيث أحكم العدو قبضته من كل جانب، فهل كانت كل هذه الأحداث إيذاناً بانتصار معسكر الكفر؟ الجواب: لا، وكلا.

لقد كانت علامةً على قرب انتصار الرسول -صلى الله عليه وسلم- ودعوته، وفتح أبواب أكبر، وآفاق أوسع، (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح:5-6].

لقد ضاقت مكة بالدعوة، ورفضت الطائف استقبالها، وأخذت بعض القبائل التي تأتي في الموسم تساوم عليها، لقد ضاقت الأرض، ففُتحت السماء، لم تتأخر البشارة بهذا النصر كثيراً، ففي ذي القعدة من السنة العاشرة يُسرَى برسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس، فيؤم هناك الأنبياء -عليهم الصلاة وأتم التسليم-، ثم يعرج به إلى السموات السبع!.

إن حادث الإسراء إنما وقع إلى بيت المقدس بالذات -والله أعلم-؛ لأن اليهود سيُعزلون عن منصب قيادة الأمة الإنسانية لما ارتكبوا من الجرائم التي لم يبق معها مجال لبقائهم على هذا المنصب، فلأن الله سينقل هذا المنصب من بني إسرائيل الخبثاء إلى بني إسماعيل الحنفاء، ستنتقل قيادة البشرية إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وسيعقب عام الحزن أعوام فرح ونصر وتمكين (إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح:5-6].

لكن، كيف تنتقل هذه القيادة والرسول -صلى الله عليه وسلم- يطوف بين جبال مكة طريداً وحيداً بين الناس؟ هل يمكن أن تتغير هذه الحالة؟ كما يتساءل بعض اليائسين في وقتنا هذا، هل يمكن لهذه الحالة التي تعيشها أمتنا أن يكون بعدها تمكين؟ إن مثل هذا السؤال يكشف الغطاء عن حقيقة أخرى، هي أن طوراً من هذه الدعوة قد أوشك إلى النهاية والتمام، وسيبدأ طور آخر يختلف عن الأول في مجراه؛ ولذلك نرى بعض الآيات تشتمل على إنذار سافر، ووعيد شديد، مثل قول الله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) [الإسراء:16].

وإضافة إلى هذه الآيات آيات أخرى تبين للمسلمين قواعد الحضارة وبنودها ومبادءها التي ينبني عليها مجتمعهم الإسلامي، كأنهم آووا إلى الأرض، وتملكوا فيها أمورهم من جميع النواحي، وكونوا وحدة متماسكة تدور عليها رحى المجتمع، ففيها إشارة إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- سيجد ملجأً ومأمناً يستقر فيه أمره، ويصير مركزاً لبيت دعوته إلى أرجاء الدنيا.

ثم إنه لم يتأخر النصر الموعود، فبعد ثلاث سنوات فقط من تلك الأحداث المحزنة التي بلغت قمتها بالمؤامرة الدنيئة لاغتياله -صلى الله عليه وسلم- بعدها ولد الفجر، وظهرت تباشير النصر، وانطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهاجراً إلى المدينة ليؤسس هناك دولة الإسلام، ويعلن انتصار الإيمان، وهزيمة الكفر (والله غالبٌ على أمْرِهِ، وَلكِنَّ أكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

إن أحداث عام الحزن، بما فيها من ألم ومرارة، تغرس في قلوب الأتباع روح التفاؤل والإيمان، والتطلع إلى غدٍ مشرق، وقطع العلائق بالخلائق، والالتجاء إلى رب الأرض والسماوات، والاعتماد عليه وحده، (لقَدْ كان لكُم في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لمَنْ كان يَرْجُو اللهَ واليومَ الآخِرَ) [الأحزاب: 21]، فلاشك في أن في السيرة النبوية سلوى لكل الدعاة حيال ما قد يتعرضون له من مشاق أو مضايقات، فالحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.

في السيرة سلوى لهذه الأمة حيال كل ما يكُاد لها، ورغم كل المؤامرات والمؤتمرات التي يحيكها أعداء الإسلام ضدها في كثير من البلدان، بل والإساءة بالاتهامات الباطلة لعلماء الأمة بمناسبة وبغير مناسبة، نقول: هيهات لهم! ثم هيهات! فإن أعوام الحزن التي مرت بالرسول-صلى الله عليه وسلم- كما سمعتم، كان بعدها أعوام فرح وفرج وتمكين؛ فلتثق هذه الأمة بدينها، ولتثق بمستقبلها، ولتثق بأن نصر الله لها لا يتأخر عن موعده لعباده الصالحين، ولتثق بأن الخسارة والخزي لأعداء الدين؛ فاصبروا وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون.

ويكمل الشاعر قصيدته تلك فيقول:

يا أمَّةً غفَلت عن نهجه ومضَتْ *** تهيم من غير ما هَدْىٍ ولا عَلَمِ
تعيش في ظلمات التِّيه دمَّرها *** ضَعْفُ الأخوَّةِ والإيمان والهِمَم
يوماً مشرِّقةً يوماً مغرِّبةً *** تسْعَى لنيْلِ دواءٍ من ذوي سقم
لن تهتدي أمَّةٌ في غير منهجه *** مهما ارتَضَتْ من بديع الرأي والنُّظم
مِلح أجاجٌ سراب فادحٌ خوَرٌ *** ليست كمثْل فراتٍ سائغٍ طعِم
إن أقفرت بلدة من نور سنَّته *** فطائر السّعد لم ينوي ولم يَحُم

 

 

 

الخطبة الثانية:

 

قال الله تعالى: (أولا يرَون أنَّهم يُفْتَنون في كلِّ عام مرة أو مرَّتيْن ثم لا يتوبُونَ ولا هُمْ يذَّكَّرون) [التوبة: 126]؟ حين يدلهِمُّ الخَطْب، وتعظُم الأمور، ويظهر الفساد، ويخشى الناس على أنفسهم وأولادهم وذويهم، في مثل هذه الحالات التي تمر بالأمة فإنه ليس لها بعد الله -عز وجل- إلا علماؤها المخلصون، ودعاتها الغيورون، والأمة مازالت، ولله الحمد، فيها خير كثير.

كلنا يعلم بأن إحياء الأمة من مواتها، وبعثها من غفوتها ونومها، وإخراجها من عبادة غير الله، وقيادتها إلى ربها، وسوقها إليه سوقاً جميلاً، كلنا يعلم بأن كل هذا وغيره يكون -بعد الله عز وجل- على يد العلماء الفحول، الذين يعيشون قضايا الأمة التي تحتاجها في كل مرحلة، ولو أدى ذلك إلى تضحيتهم بأرواحهم، وهي أغلى ما يملكون (سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) [الأحزاب: 62].

أظنك سمعت بقصة الإمام البُويْطي، يوسف بن يحيى البويطي، سيد الفقهاء، وصاحب الإمام الشافعي، كان إماماً في العلم، قدوة في العمل، زاهداً ربانياً، متهجداً دائم الذكر، كانت مشكلة الأمة في وقته فتنة القول بخلق القرآن، فسعى بعض المرتزقة فكتبوا فيه تقريراً رفعوه إلى والي مصر، فامتحنه بالقول بخلق القرآن، فلم يجب، فقال له الوالي: قل فيما بيني وبينك. فقال: إنه يَقتدي بي مئة ألف ولا يدرون المعنى، فأمر به أن يحمل إلى بغداد. قال الربيع بن سليمان: رأيته على بغل، في عنقه حبلٌ، وفي رجليه قيد، وبينه وبين البغل سلسلة فيها لبنةٌ وزنها أربعون رطلاً، وهو يقول: إنما خلق الله الخلق بـ(كُنْ)، فإذا كانت مخلوقة، فكأنما مخلوقاً خُلق بمخلوق؛ ولئن دخلت عليه لأصدقنه -يقصد الواثق- ولأموتن في حديدي هذا، حتى يأتي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم. وتوفي، رحمه الله، في قيده، مسجوناً بالعراق، سنة إحدى وثلاثين ومئتين من الهجرة.

أما الإمام نُعيم بن حماد، صاحب التصانيف، فقد تحمل المشاق في نفس القضية حماية للأمة من التلبيس؛ قال ابن يونس: حُمل على القول بتلك الفرية، فامتنع أن يجيب، فسجن، ومات في سجنه سنة تسع وعشرين ومئتين، فجُرّ بأقياده، وألقي في حفرة، ولم يكفَّن، ولم يصلَّ عليه؛ وكان قد أوصى بأن يدفن في قيوده، وقال: إني مخاصم.

إنه لا خلاص للأمة من مآزقها ومن نكباتها إلا بعلماء أمثال البويطي وابن حماد، يعيشون واقعهم، ويعيشون قضايا عصرهم، ثم يضحون من أجلها.

نسأل الله -جل وتعالى- أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا، وأن يختم لنا عامنا بتوبة نصوح، وأن يجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم لقاءه.

وأن يجعل ما نستقبل من أعوام أعوام خير وأمن، وإسلام وإيمان.

 

 

 

 

المرفقات

الفرج

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات