عالم السحر

سامي بن خالد الحمود

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ الساحر كافر 2/ علاقة السحرة بالشياطين 3/ تحريم المجيء إلى السحرة وتصديقهم 4/ الوقاية من السحر 5/ علاج السحر بعد وقوعه

اقتباس

وقد تواتر النقل بالاستقراء، والتجربةِ والمشاهدة، في إثبات العلاقة والتبعية، والانقياد والعبودية بين السحرة والشياطين؛ فالسحرة يتقربون للشياطين بما تحبه من أعمالٍ شركية، وأكلٍ للخبائث والمحرمات، وتقربٍ بالنجاسات، ووقوعٍ في الموبقات. فإذا اجتاز الساحر هذا الامتحان أعانته الشياطين على أعماله الفاجرة ..

 

 

 

 

 

 

أما بعد: سر من الأسرار، وعالم غريب الأطوار.. مرض خطير، وشر مستطير، درج فيه الرجال والنساء، الفقراء والأغنياء.. حتى أصبح خطراً على العقيدة، وعلى الفرد والأسرة والمجتمع.

إنه السحر، قرين الكفر.. الداء العضال الذي تفشى بين الملايين من الناس اليوم.. بما في ذلك الدول التي يُدعى أنها متقدمة.. ففي فرنسا يوجد أكثر من ثلاثين ألف ساحر ومشعوذ.. وفي ألمانيا ثمانون ألف.. وفي غيرها كثير.

إخوة التوحيد.. اعلموا أن السحر ناقض من نواقض الإسلام، فمن تعاطى السحر أو عمل به فهو كافرٌ بالله، خالدٌ مخلدٌ في نار جهنم.

قال تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ).

لقد أخبرنا الله تعالى في هذه الآية، أن الذي يعلم الساحرَ السحر، إنما هم الشياطين.. ولا يتمكن الساحر من ذلك حتى يكفرَ بالله العظيم ويستعينَ بالشياطين من دون الله.

وقد تواتر النقل بالاستقراء، والتجربةِ والمشاهدة، في إثبات العلاقة والتبعية، والانقياد والعبودية بين السحرة والشياطين؛ فالسحرة يتقربون للشياطين بما تحبه من أعمالٍ شركية، وأكلٍ للخبائث والمحرمات، وتقربٍ بالنجاسات، ووقوعٍ في الموبقات. فإذا اجتاز الساحر هذا الامتحان أعانته الشياطين على أعماله الفاجرة.

إخوة التوحيد: وإذا كان هذا هو حال الساحر، فقد جاءت النصوص الشرعية بتحريم المجيء إليه، أو تصديقه. فمن جاءه لم تقبل لك صلاة أربعين يوماً. روى الإمام مسلم في صحيحه عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تقبل له صلاة أربعين ليلة".

أما من جاءه وصدقه بما يقول فقد كفر بالدين، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.
وأما عقوبة الساحر، فإن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الساحر يقتل إذا ثبت أنه ساحر، وإذا قُتل لم يغسَّل ولم يكفَّن ولم يُدفن في مقابر المسلمين.

ولا ينبغي التوقف في قتل الساحر، سواء قيل بكفره وهو الصحيح أم لا، لأن هذا هو الثابت عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفي قتله منعٌ من الإفساد وردعٌ لغيره من السحرة.

وقد روي عن جندب مرفوعاً: "حد الساحر ضربة بالسيف" رواه الترمذي وقال: الصحيح أنه موقوف.. وفي البخاري، كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن اقتلوا كل ساحر وساحرة.. وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقُتِلت.

أما بالنسبة لتوبة الساحر فهي على قسمين، كما جاء في عدة فتاوى لسماحة شيخنا العلامةِ ابنِ بازٍ رحمه الله:

القسم الأول: أن يتوب بعد القبضِ عليه أو وصولِ أمره إلى القضاء: فلا يقبل منه في الدنيا، وينبغي على القاضي قتلُه من غير استتابة، تخليصاً للمجتمع من شره، أما توبته فهي بينه وبين الله تعالى.

 

القسم الثاني: أن يتوب قبل القبض عليه ودون دعوى من أحد: فهذا تقبل توبته كغيره من أهل الكفر.

قال الشيخ رحمه الله: (أما من جاء إلى ولاة الأمور من غير أن يقبض عليه يخبر عن توبته، وأنه كان فعل كذا فيما مضى من الزمان وتاب إلى الله سبحانه وظهر منه الخير، فهذا تقبل توبته؛ لأنه جاء مختاراً طالباً للخير معلناً توبته من غير أن يقبض عليه أحد أو يدعي عليه أحد) اهـ رحمه الله.

إخوة التوحيد.. وإذا تحدثنا عن أسباب انتشار السحرة، فإن من أعظم هذه الأسباب ضعفُ الإيمان وعدمُ التوكل على الله.. ومنها: الجهل، أو الطمع في الدنيا.
وأنبه هنا إلى سبب هام يتعلق بالخدم والسائقين في البيوت.. فإن بعض الخادمات، تلجأ إلى بعض السحرة في بلدها، فتبعث إليه شيئاً من شعر مكفولها أو شعر زوجته أو ولده أو شيئاً من لباسهم، ليعقد فيه شيئاً من السحر، في غفلة من أهل البيت عن مراقبتها ومتابعة سلوكها.

واعلموا -أيها الإخوة- أن للساحر علاماتٍ يعرف بها، كأن يسألَ عن اسم الأم.. أو يأمرَ المريض بأن ألا يذكرَ الله أو أن لا يسميَ عند العلاج.. أو يخبرَ بأمر غيبي كمحل السكن أو الا سم أو اسم الأب..

أو يعطيَ المريض ورقة مرسوم فيها مربع أو دائرة، وفيها بعض الحروف أو الأرقام المقطعة، وقد يكون فيها شيء من القرآن أو الذكر.. ومن علامات الساحر أنه لا يرفع صوته بالرقية، وقد يتمتم بكلمات غير مفهومة.. وقد يعطي المريض أوراقاً يحرقها ويتبخر بها.. أو يأمرُه باعتزال الناس مدةً معينة في غرفة لا تدخلها الشمس ويسميها بعضهم (الحِجْبَة).. وقد يطلب من المريض ألا يمسَّ ماءً أربعين يوماً، وهذا يدل على أن الشيطان الذي يخدم هذا الساحر نصراني.

عباد الله: الحقيقة الكبرى هي قول الله تعالى: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا )، فكيف بالساحر الذي هو أداة للشيطان، إنه أشد ضعفاً، (إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى ).

إذا عرفنا هذه الحقيقة، فإن الشيطان أو الساحر لا سبيل له على المؤمنين المتوكلين، (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)، وإنما يؤتى الإنسان من نفسه، وضعف علاقته بربه، وإعراضه عن ذكره.

ولهذا نقول: كيف نقي أنفسنا من السحر، و كيف نعالجُ السحر ونفكُّه إذا ما وقع لا سمح الله؟ أما الوقاية، فلها وسائل كثيرة ويسيرة بحمد الله، أولها وأهمها:

1) تحقيق التوحيد وكمال التوكل على الله، فمن توكل على الله كفاه ووقاه وحماه، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ). الثاني:

2) المحافظة على أذكار الصباح والمساء، وقراءة المعوذتين والإخلاص.

فعن عبد الله بن خبيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" قُلْ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي وَتُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ" رواه الترمذي والنسائي وأبو داود وحسنه الألباني.

3) قراءة سورة البقرة في المنزل

وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ " أي السحرة. رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ" رواه مسلم.

4) قراءة آية الكرسي قبل النوم، وخلال اليوم والليلة.

5) المحافظة على صلاة الفجر جماعة مع المسلمين في المسجد؛ فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله".

6) المحافظة على دعاء الخروج من المنزل: بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن من قال ذلك قيل له: كفيت ووقيت، وتنحى عنه الشيطان.

7) الحرز الرباني، الذي ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لَهُ عَدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ" متفق عليه.

8) التمر؛ ففي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تصبح بسبع تمراتٍ عجوة (يعني عجوة المدينة) لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر".وأفتى العلامة ابن باز رحمه الله بأنه يُرجى أن ينفع الله بالتمر كله، وإن كانت العجوة أفضل.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله واسع الجود والكرَم، وكاشف السوء والسَقَم، والصلاة والسلام على محمد الذي وحد الله وهجر كل صنم، وعلى آله وأصحابه المستعينين بالله من كل ألم، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله: ولعلاجِ السحر، وفكِّه بعد حصوله عدة وسائل، فمنها:

1) استخراج السحر إذا عرف مكانه، وإتلافه مع القراءة عليه.

2) الرقية الشرعية، وهي قراءة الآيات والأذكار والأدعية مع النفث على المريض، ولا تكون الرقية شرعية حتى تجتمع فيها ثلاثة شروط:

1- أن تكون بالقرآن والأحاديث والأدعية الطيبة.

2- أن تكون باللغة العربية.

3- أن يكون قلب الشخص معلقاً بالله وأن الشفاء من عنده وبإذنه سبحانه، فما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، إنه حكيم عليم.

وليست الرقية حكراً على أحد من الناس، بل هي متاحة لكل مسلم.. تستطيع أخي أن ترقي نفسك أو أن يرقيك أخوك أو صاحبك أو زوجك.

وإنك لتعجب من بعض الناس الذين يزدحمون على فلان أو فلانة، وكأن الشفاء لا يحصل إلا بسببه هو.

نعم لا شك أن لصلاح الراقي أثر في الرقية، ولكنّ أولى الرقى رقيةُ الإنسانِ نفسَه، وكم من إنسان تحقره ويجعل الله الشفاء في رقيته.

3) التداوي بالعسل والحبة السوداء وزيت الزيتون وماء زمزم، وغيرها من الأدوية المباركة.

4) ما أوصى به العلامة ابن باز المسحور: أن يأخذَ سبع ورقات من السدر الأخضر فيدقَها بحجر، ويجعلَها في إناء ويصبَ عليها من الماء، ثم يقرأَ فيها: آية الكرسي والمعوذتين والإخلاص والكافرون وآيات السحر.. ثم يشربَ بعض هذا الماء ويغتسلَ بالباقي، ولا بأس بتكرار ذلك حتى يزول السحر.

5) ومن العلاج أيضاً، الحجامة، كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم في حديثِ أنسٍ المتفقِ عليه: (إن أفضل ما تداويتم به الحجامة).

6) الإكثارُ من الدعاء والتضرع إلى الله تعالى بالشفاء، فهو الذي يكشف الضر، ويجيب دعوة المضطر.

وأخيراً.. اعلموا بارك الله فيكم أن الباطل لا يزال بالباطل، فلا يجوز علاج السحر بسحر مثله، ولا يصح أن يدفع الشرك بالشرك، والله المستعان.

نسأل الله تعالى أن يحفظنا وإياكم بحفظه، وأن يقينا كيد الفجار، وشر السحرة الأشرار، إنه على كل شيء قدير.

وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير البرية...

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

السحر

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات