عناصر الخطبة
1/محرم وذكرى استشهاد الحسين 2/منزلة الحسين عند أهل السنة 3/التحذير من الغلو فيه 4/الحث على صيام عاشوراء.اقتباس
فهو سيدنا وابن نبينا، نحبه ونتولاه، ونعتقد أن حبه -رضي الله عنه وعن أبيه- من أوثق عرى الإيمان، وأعظم ما يتقرب به إلى الرحمن؛ مصداقاً لقول جده -صلى الله عليه وسلم-: "المرء مع من أحب", وأن من أحبه فقد أحب النبيَ -صلى الله عليه وسلم-، ومن أبغضه فقد أبغض النبيَ -صلى الله عليه وسلم-...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: في مطلع كل عام هجري، يتذكر المسلمون أحداثاً جِساماً؛ على رأسها الهجرة العظيمة التي غيّرت مجرى التاريخ، وذكرى انتصار موسى -عليه السلام- على فرعون، فيكون شهرُ الله المحرمُ مصدرَ اعتزازٍ للمسلمين، وفرحٍ بانتصار الخير على الشر؛ ولذلك أُمِر المسلمون بأن يصوموا اليوم العاشر منه شكراً لله -تعالى-، ويوماً قبله أو بعده مخالفة لأهل الكتاب الذين يصومونه وحده.
ولكنَّ عاشوراء كذلك يذكر المسلمين بحادثةٍ جلل؛ ألا وهي استشهادُ الصحابي الجليلِ الحسين بن علي -رضي الله عنهما- في كربلاء، نقف معها وقفات, دون أن نسمح لألسنتنا بالخوض في أقدار الصحابة والتابعين الذين حضروا تلك الفتن، وكانت لهم مواقفهم والظروفُ التي أحاطت بهم، التي لا ندري لو كنا معهم ماذا كنا سنصنع؟؛ وإنَّ دماءً سلَّم الله منها أيدينا يجب أن تسلم ألسنتنا منها، (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[البقرة: 134].
وأول هذه الوقفات: مع مكانة الحسين بن علي عند أهل السنة والجماعة، ولا أريد في هذا المقام إلا ذكر ما تدعو الحاجة لمعرفته من شأن هذا الصحابي العَلَم, الذي لا ينبغي أن يُقابل الغلوُّ في حبّه عند قوم بالجفاء عند آخرين؛ حتى بلغ الأمر أن يُهجر اسمُ الحسين أو يُنسى فضلُه، وهو من هو في القدر والمكانة في نفس رسولنا -صلى الله عليه وسلم-، ويكفيه شرفاً كونه من آل بيت رسول الله الطيبين الطاهرين، الذين قال الله فيهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)[الأحزاب: 33].
فالمؤمنون الصادقون يرون في الحسين بن علي -رضي الله عنه وأرضاه- أنه سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته من الدنيا، وأشبه الناس به، وكان فمه الطيب مهوى شفتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنه وأخوه الحسن سيدا شباب أهل الجنة، وأنه ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي يحب اللهَ ورسولَه، ويحبه اللهُ ورسولُه، والذي حبه إيمان وبغضه نفاق، وأنه ابنُ البتولِ المطهرةِ سيدةِ نساءِ العالمين، والبَضعةُ النبويةُ فاطمةُ الزهراء، وأنه من خير آل بيت نبينا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وقال فيهم نبينا يومَ غديرِ خُم: "أذكركم اللهَ في أهل بيتي".
فهو سيدنا وابن نبينا، نحبه ونتولاه، ونعتقد أن حبه -رضي الله عنه وعن أبيه- من أوثق عرى الإيمان، وأعظم ما يتقرب به إلى الرحمن؛ مصداقاً لقول جده -صلى الله عليه وسلم-: "المرء مع من أحب".
وأن من أحبه فقد أحب النبيَ -صلى الله عليه وسلم-، ومن أبغضه فقد أبغض النبيَ -صلى الله عليه وسلم-، ونقول عنه وعن أبيه وجده ما قاله أمير المؤمنين الفاروقُ عمر بن الخطاب له: "وهل أنبتَ الشعرَ على رؤوسنا إلاَّ اللهُ, ثم أنتم".
ونعتقد أن الحسين -رضي الله عنه- قُتل مظلوماً مبغياً عليه؛ فنبرأ إلى الله من كلِ فاجرٍ شقيٍ قاتَلَه، أو أعان على قتله، أو رضي به، ونعتقد أنَّ ما أصابه فمن كرامةِ اللهِ له، وأنه رِفعةٌ لقدره، وإعلاءٌ لمنـزلته؛ مصداقاً لقول جده -صلى الله عليه وسلم-: "أشدُّ الناسِ بلاءً الأنبياءُ, ثم الأمثلُ فالأمثل".
فبلَّغه الله بهذا البلاء منازلَ الشهداء، وألحقه بالسابقين من أهل بيته الذين ابتلوا بأصناف البلاء في أول الدعوة النبوية فصبروا، وهكذا الصحابي الجليل الحسين ابتلى بعدُ وصبر، فأتمَّ الله عليه نعمته بالشهادة؛ لأن عند الله في دار كرامته منازل علية، لا ينالها إلا أهل البلاء والصبر، فكان الحسين -رضي الله عنه- منهم.
ونعلم أن استشهادَ الحسين مصيبةٌ من أعظم المصائب التي أصيبت بها أمة الإسلام, فنصبر ونحتسب ونقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون"؛ رجاء أن نكون ممن قال الله فيهم: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)[البقرة: 156- 157].
عباد الله: مع هذه المنزلة العلية والرتبة السنية للحسين -رضي الله عنه-، إلا أننا لا نتجاوز في حبنا له, حدودَ ما حده لنا جدُه -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابنَ مريم، إنما أنا عبدٌ؛ فقولوا: عبدَ الله ورسولَه", فلا نعظِّمه بأنواع التعظيم التي لا تصرف إلا لله؛ كالدعاء والاستغاثة، ولا نشرك بنبينا وآله كما أشركت النصارى بعيسى ابنِ مريم وأمِه, حيث جعلوهما في مرتبة الألوهية.
ولا نجعل له ولا لغيره من آل البيت الطيبين ما هو من خصائص الأنبياء والمرسلين؛ كالعصمة والتشريع، بل هم -رضوان الله عليهم- أصدقُ المبلغين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأعظمُ المتبعين لهداه، ونعلم أنهم بشرٌ من البشر، ولكنهم أفضلهم مكانة وأعلاهم قدراً، ومع ذلك فلم يتكلوا على قرابتهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكن كانوا أعظمَ اتباعاً لدينه وقياماً بشريعته؛ كما قال الإمامُ زينُ العابدين عليُ بن الحسين: "إني لأرجو أن يعطيَ اللهُ للمحسن منا أجرين، وأخاف أن يجعل على المسيء منا وزرين".
كما أننا لا نعصي جده -صلى الله عليه وسلم-، الذي نهانا عن النياحة وعن ضرب الخدود وشق الجيوب، وأخبرنا أن هذا من عمل أهل الجاهلية، وقد استشهد عمه حمزة ومُثِّل بجثمانه ولم يُصَب النبيُ -صلى الله عليه وسلم- بعده بمثل مصيبته فيه، ومع ذلك لم يجعل يوم استشهاده مناحة وحزناً، ولم يفعل ذلك علي -رضي الله عنه- في يوم وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يفعل ذلك الحسن والحسين في يوم استشهاد أبيهما -رضي الله عنهم-، ونحن كذلك لا نجعل يوم استشهاد الحسين يوم نياحة ولطم؛ اقتداء بهذا الهدي النبوي الذي تتابع عليه عمل أئمة آل البيت النبوي الطاهر؛ كالإمام علي, وابنيه الحسن والحسين -رضي الله عنهم-, (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[الأنعام: 90].
عباد الله: الغدر من صفات المنافقين، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر"(أخرجه البخاري ومسلم), والحسين -رضي الله عنه- تعرض لغدر كبير، وخيانة فاضحة، من قبل الرافضة، الذين زينوا له الحضور إلى العراق وأنهم سينصرونه، ويكونون معه يداً واحدة.
ولما قدم العراق تخلى عنه أهلها ولم يناصروه بل قتلوه -رضي الله عنه-، وقتلوا معه العشرات من أهل بيته, وفي الحديث: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء, فقيل هذه غدرة فلان بن فلان"(أخرجه مسلم)؛ وكفى بهذه شؤماً ومقتاً.
فرحمة الله على الحسين وآل بيته, وصلوات ربي وسلامه على نبينا محمد وآله, أقول ما تسمعون, وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين, فتوبوا إليه واستغفروه؛ إنه كان توابا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.
عباد الله: فإنَّ يومَ عاشوراء يوم عظيم مبارك نجّى الله فيه موسى وقومَه من فرعون وملئه، بعد أيامٍ عصيبة، أُمر المسلمون بالصبر عليها، والاستعانة بالله على تجاوزها: (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)[الأعراف: 128]، (وَقَالَ مُوسَى يَاقَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)[يونس: 84], مع الدعاء المستمر بأن ينجيهم اللهُ: (فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)[يونس: 85، 86]، (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)[يونس: 88], فالصراعُ بين الحق والباطل مهما امتد أجله، والفتنةُ مهما استحكمت حلقاتها؛ فإنَّ العاقبةَ للمتقين.
أيها المسلمون: وكما صام موسى -عليه السلام- يومَ عاشوراء شكراً لله على نصر عباده المؤمنين، وتخليصهم من فرعون وملائه، صام نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه والمؤمنون، ولا يزال المسلمون يتواصَوْن بصيام هذا اليوم، ويرجون برَّه وفضلَه؛ عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبيُ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ فرأى اليهودَ تصوم يوم عاشوراء فقال: "ما هذا؟" قالوا: هذا يوم صالح؛ هذا يوم نجَّى اللهُ بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: "فأنا أحقُّ بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه"(رواه البخاري), وقال -عليه الصلاة والسلام- مبينا فضل صيامه: "صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله".
فاقدروا لهذا اليوم قدره، وسارعوا فيه إلى الطاعة وطلب المغفرة، وخالفوا اليهود، وصوموا تطوعاً لله يوماً قبله، أو يوماً بعده، فذلك أكمل وأفضل.
وصلوا وسلموا على الهادي البشير والسراج المنير؛ فقد أمركم ربكم فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم